- ثمة أدلة متواترة على أن إيران لديها الآن قدرة على صُنْع سلاح نووي بوصفها دولة على العتبة النووية.
- هناك مساران أمام إيران للتسلّح النووي، يتمثّل أولهما في إطلاق جهود مُتسارعة لإنتاج بضعة أسلحة نووية بدائية في غضون 6 أشهر؛ والثاني، إعادة العمل ببرنامجها السابق للأسلحة النووية مع القدرة على إنتاج رؤوس حربية مُناسبة للإطلاق بالصواريخ الباليستية.
- من المُرجّح أن يؤدّي تطوير إيران لأسلحة نووية بسيطة – أو حتى وجود دليل على نجاح تجربة نووية تحت الأرض- إلى أزمة دولية وإثارة رد عسكري فوري من قبل إسرائيل. وسيُشكّل احتمال تسليح المشروع النووي الإيراني تهديداً أمنياً قومياً مُلحاً لإدارة بايدن.
- القضية النووية الإيرانية هي آخر ما تريد إدارة بايدن التعامل معه بينما تُحاول إقناع حكومة نتنياهو بالشروع في الدبلوماسية لإنهاء الحرب في غزة. وبالتالي، فإن اندفاع إيران نحو التسلح النووي سيكون سيناريو كابوسياً بالنسبة للرئيس بايدن في خلال عام انتخابي حاسم.
- لتفادي وقوع كارثة، سيتعيّن على الرئيس بايدن اتخاذ قرار صعب من بين قرارات سيئة فقط. وهو يأمل فقط في اتخاذ مثل هذه القرارات، بما في ذلك قرار قد يتطلّب عملاً عسكرياً ضد إيران، بعد ضمان فوزه بالانتخابات.
تُعَدُّ المسألة النووية الأهم بين إيران والولايات المتحدة على الأمد البعيد بالرغم من كل القضايا المُلِحَّة التي يمكن أن تدفع طهران وواشنطن نحو صراع مفتوح وخطِر؛ فبعد الاقتراب من التوصل إلى اتفاق مع إيران عبر الوسطاء الأوروبيين قبل سنتين انهارت جهود إدارة بايدن للتفاوض على اتفاق دبلوماسي جديد. وانتهت آخر جولة من المفاوضات النووية الرسمية في سبتمبر 2022 باقتراح قدمه مسؤول السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلّا أن إيران رفضت القبول بذلك الاقتراح دون شروط. وثبت أن شروط إيران غير مقبولة لأنها سعت إلى إنهاء الخلافات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بالضمانات، ورفع العقوبات الأمريكية على الحرس الثوري، وتقديم ضمانات أمريكية بالتزام أي حكومة تأتي بعد إدارة بايدن بالاتفاق مقابل إبطاء عملية تخصيب اليورانيوم وتقليص مخزونها من هذه المادة. لكنَّ واشنطن وأوروبا لم تكن على استعداد لتقديم مثل هذه التنازلات.
وكانت النتيجة مُتوقّعة، حيث أشارت مُذكّرة سريّة صادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى قيام إيران بزيادة مخزونها من اليورانيوم المُخصّب، في خلال السنتين الماضيتين، إلى مستوى يُمكّنها من تصنيع سلاح نووي. وخلص تقرير الوكالة إلى أن إيران زادت من مخزونها من اليورانيوم المُخصّب إلى 142.1 كيلوجرام، بزيادة قدرها 20.6 كيلوجرام منذ آخر تقديرات للوكالة في فبراير 2024. وتكفي هذه الكمية لصناعة ثلاثة رؤوس نووية حال انتهاء إيران من العملية التقنية لتخصيب مخزونها من اليورانيوم إلى نسبة نقاء تصل إلى 90% بدلاً من 60%. وقال مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل جروسي إن إيران على بعد أسابيع وليس أشهراً من الحصول على ما يكفي من اليورانيوم المُخصّب لصناعة قنبلة نووية، وهي تقديرات أيدتّها واشنطن. وأشارت تقديرات استخباراتية أمريكية حديثة إلى أن إيران على بُعد أسبوع تقريباً فقط من إنتاج ما يكفي من المادة الانشطارية لصناعة أول سلاح نووي، وأن بوسع طهران إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المُخصّب لاستخدامه في صناعة ست قنابل نووية في خلال شهر واحد.
وصوَّت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 5 يونيو 2024 لإدانة إيران وذلك لأول مرة منذ نوفمبر 2022. وصادق المجلس على مشروع قرار يدعو طهران لزيادة تعاونها مع الوكالة من طريق العدول عن قرارها بحظر دخول مفتشي الوكالة، وتوفير مخططات تصميم منشآت نووية مُستقبلية، وتقديم إجابات كاملة على أسئلة الوكالة حول مادة اليورانيوم التي عُثِرَ عليها في إيران لإثبات عدم تحويل تلك المادة إلى برنامج نووي سرّي. وقالت الوكالة إنه ليس بوسعها تقديم ضمانات من أن برنامج إيران النووي لأغراض سلمية، لأنها فقدت ما تسميه استمرارية المعرفة حول نشاطات مهمة مثل عدد أجهزة الطرد المركزي التي أنتجتها إيران في خلال السنتين الماضيتين.
لكنَّ أياً من هذه التقديرات المُثيرة للقلق يُعد جديداً بالضبط؟ فمن المعلوم منذ 2018 أن طهران زادت من مخزونها من اليورانيوم المُخصّب الذي يمكن استخدامه لصناعة سلاح نووي. لكنَّ ما يطفو على السطح بشكل بطيء في أوساط أجهزة الاستخبارات الأمريكية والأوروبية يَتَمَثَّلُ بالاعتقاد بأن طهران ربما قررت تصنيع سلاح نووي بدلاً من الحفاظ على وضعها كدولة قريبة من العتبة النووية. وبدأت هذه الأوساط تأخذ مسألة صناعة سلاح نووي – وهي عملية يقدر بأنها تستغرق نحو 6 أشهر – على محمل الجد وأنها تُمثِّل خطراً أمنياً مُلِحّاً، وذلك بسبب تدهور السياق الأمني في المنطقة. وتشهد المنطقة الآن – إلى جانب الحرب المشتعلة بين إسرائيل وحركة “حماس”، والمناوشات المسلحة بين إسرائيل و”حزب الله” – اضطرابات في السياق السياسي الداخلي في كلٍّ من إيران وإسرائيل في أعقاب الوفاة غير المتوقعة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وحلول رئيس جديد ينتمي لمعسكر الإصلاحيين مكانه، وما يواجهه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من انتقادات متزايدة من داخل وخارج حكومة الحرب.
وقد تُشَكِّلَ حقيقة قيام إسرائيل وإيران بشن ضربات مباشرة ضد أراضي بعضهما لأول مرة في أبريل 2024 تغييراً في قواعد اللعبة فيما يتعلق بمخاوف واشنطن إزاء احتمال التصعيد في منطقة الشرق الأوسط. وأخيراً، تجري كل هذه التطورات في وقت تشعر فيه إدارة بايدن بقلق بالغ إزاء أسعار النفط والتضخم داخل الولايات المتحدة قبل أشهر قليلة على انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2024.
التقديرات الأمريكية إزاء اتجاه إيران النووي
ترى إدارة بايدن أنه من غير المحتمل أن تؤثر وفاة رئيسي، ووصول شخصية إصلاحية إلى سدة الرئاسة في طهران، على الديناميات الأساسية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي. وطالما شَكَّلَ الدور الذي أداه رئيسي في عملية صناعة القرار في طهران إزاء استراتيجية إيران النووية مسألة خلافية في واشنطن. لكنَّ الإجماع العام يَتَمَثَّلُ في أن البرنامج النووي الإيراني يأتي بتوجيه من القائد الأعلى علي خامنئي ويقع تحت سيطرة الحرس الثوري كما هي حال كل المسائل الأخرى ذات الأهمية الاستراتيجية في إيران. ويُعتَقدُ أن طرفي صناعة القرار هذين في إيران يحظيان بسلطة أكبر بكثير من مؤسّسة الرئاسة الإيرانية على مُستقبل طموحات إيران النووية.
ومع أن أساسيات التقييم الأمريكي حول المسألة النووية الإيرانية لم تتغيّر، إلّا أن هناك خلاف مُتزايد حول إذا ما كان السياق الداخلي والإقليمي الراهن سيعمل على تغيير حسابات طهران حول التسلح والردع النووي. وتُهيمن على أحد معسكرات التقييم الأمريكي فكرة مفادها أن تفضيل طهران البقاء “دولة عتبة نووية” لم يتغير. وبحسب هذا التقييم التقليدي، فإن القائد الأعلى والحرس الثوري مُتّفقان على أن تكاليف صناعة قنبلة نووية تفوق فوائدها. وتحظى إيران بصفتها قوة تقف عند العتبة النووية تمتلك قدرات صناعة السلاح النووي، بقوة ردع كبيرة دون المخاطرة باندلاع حرب إذا ما حاولت طهران صناعة سلاح نووي. ويُعتَقدُ أن وجهة النظر الإيرانية هذه – التي تسمى “ضبط النفس البراغماتي” – تسعى إلى امتلاك النفوذ من طريق القوة النووية مقابل تخفيف القيود الاقتصادية. بعبارة أخرى، ما يزال التقييم التقليدي في واشنطن يرى أن إيران دولة تسعى إلى تخفيف العقوبات المالية والتجارية مقابل إبطاء البرنامج النووي.
لكنَّ وجهة نظر الأقلية في واشنطن على الجانب الآخر تعتقد أن إيران تمتلك عملية سريّة تخطط لامتلاك سلاح نووي بسرعة والذي يعتبره الحرس الثوري جزءًا من استقرار/حماية النظام من سيناريوهات العدوان الخارجي. وتُصر وجهة النظر هذه – التي ترى أن الدعم للعملية السرية من أجل تجاوز العتبة النووية نحو الحصول على سلاح نووي – تكتسب زخماً متزايداً الآن في صفوف العناصر المتشددة داخل الحرس الثوري، خاصة في أعقاب الرد الإسرائيلي المحدود في أصفهان وقدرتها على اختراق أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية من طريق ضرب نظام رادار “أس-300”. وقبل الرد الإسرائيلي شكلت حقيقة اتخاذ طهران قراراً بإطلاق أكثر من 300 صاروخ ومسيرة في أول هجوم مباشر ضد إسرائيل في أبريل 2024 تطوراً مثيراً للقلق في أوساط أجهزة الاستخبارات الأمريكية. وشَكَّلَ حجم الهجوم الإيراني بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بـ “ضبط النفس البراغماتي” الإيراني مفاجأة، وأظهر استعداداً ورغبة غير مسبوقة للمخاطرة في أوساط صُنّاع القرار المتشددين في الحرس الثوري الإيراني.
باختصار، أعاد التصعيد الأخير تسليط الضوء على برنامج إيران النووي، وإذا ما كانت طهران ستواصل الامتناع عن تطوير قنبلة نووية. وتجدر الإشارة إلى أن ضابطاً بارزاً في الحرس الثوري الإيراني قال قبل ساعات فقط من الهجوم الإسرائيلي على إيران أن بإمكان طهران تغيير ضبط النفس الذي تُمارسه تجاه صناعة سلاح نووي في حال قيام إسرائيل بضرب منشآتها النووية. وصدرت سلسلة تصريحات عن مسؤولين إيرانيين بارزين آخرين ألمحوا فيها إلى أن طهران اقتربت من امتلاك القدرات الفنية لتصنيع قنبلة نووية. وتخضع كل هذه التصريحات حول احتمال حدوث تغيير في عقيدة إيران النووية، بموازاة تصاعد التوتر في المنطقة وداخل إيران وإسرائيل، للتحليل في واشنطن.
مخاوف مُتزايدة من إمكانية تصنيع إيران سلاحاً نووياً
تشهد التقييمات الاستراتيجية الأمريكية حول احتمال حدوث تحرك إيراني سريع نحو صناعة سلاح نووي مخاوف متزايدة على ضوء ديناميات التصعيد هذه، إلّا أن صناعة سلاح نووي من جانب طهران ما زال بعيداً كل البعد عن أن يكون أمراً مؤكداً. لكن يوجد شعور بأن تقييمات الردع والرغبة في المجازفة في إيران بدأت بالتغير في الوقت الذي يمر فيه النظام في طهران بمرحلة حتمية من انتقال القيادة. وفي الوقت الذي ما زالت فيه المخاطر المصاحبة لصناعة سلاح نووي تفوق المزايا، يبدو أن العناصر المتشددة داخل الحرس الثوري أكثر استعداداً لإعادة النظر في عقيدة طهران النووية لضمان بقاء النظام واستقراره في خلال المرحلة الانتقالية التي يحتمل أن تكون صعبة. بعبارة أخرى، فإن وفاة رئيسي ومجيء رئيس إصلاحي جديد، وعملية خلافة القائد الأعلى علي خامنئي، مقرونة بالمصاعب الاقتصادية داخل إيران، واحتمال التصعيد مع إسرائيل تُشَكِّلَ مصادر عدم استقرار مُحتمل بالنسبة للنظام الإيراني. وبحسب مجموعة من المُحلّلين الاستراتيجيين في وزارة الدفاع الأمريكية قابلهم كاتب هذه الورقة، فقد تعلو الأصوات التي تُفضّل التسلّح النووي داخل الحرس الثوري الإيراني من أجل امتلاك قدرة ردع أكثر فعالية في هذا السياق المحلّي والإقليمي.
وتعتمد المدة التي ستستغرقها عملية التسلّح النووي على كيفية تعريف التسليح بالنسبة لطهران؛ فإيران تمتلك بالفعل ما يكفي من المواد الانشطارية والأهم من ذلك المعرفة حول كيفية بناء أسلحة نووية. لكن تصميم منظومة أسلحة وهندسة رأس حربي؛ وبناء أنظمة الإطلاق (الصواريخ البالستية وصواريخ كروز أو قنابل الجاذبية التي تحملها الطائرات)؛ وإنشاء بنية تحتية عسكرية للقيادة والسيطرة عليها؛ وإقرار الاستراتيجيات والخطط لكيفية استخدام الأسلحة النووية للتأثير السياسي والعسكري، يستغرق وقتاً وجهداً كبيراً. وثمة تقديرات مُختلفة اليوم للوقت الذي قد تستغرقه إيران لامتلاك أول سلاح نووي، لكن الإجماع هو أن هذه العملية قد تستغرق على الأرجح شهوراً وليس سنوات.
ويرى ديفيد أولبرايت، وهو مرجع بارز يحظى بتقدير كبير ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي، أن الأمر لن يستغرق سوى ستة أشهر فقط بالنسبة لإيران لبناء بضع قنابل بسيطة. واستأنفت إيران في عام 2021 العمل على معدن اليورانيوم، وهو أمر بالغ الأهمية لتحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى الشكل عالي الكثافة اللازم لصنع سلاح نووي، ويبدو أنها أحرزت تقدماً في حزمة المواد شديدة الانفجار اللازمة لإحداث انفجار نووي. كما أنهت طهران أيضاً مُراقبة وكالة الأمم المتحدة للطاقة الذرية لبعض بنيتها التحتية للتخصيب، مثل مصانع أجزاء أجهزة الطرد المركزي، التي كانت تتم في السابق بموجب الاتفاق النووي. إن انتهاء تلك المُراقبة يجعل من المُستحيل معرفة عدد أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها إيران، والتي يُمكن أن تُساعدها على تطوير برنامج تخصيب سرّي.
وهناك مساران أمام إيران للتسلّح النووي، يتمثّل الأول في إطلاق جهود مُتسارعة لإنتاج بضعة أسلحة نووية بدائية. ويمكن إنجاز مثل هذا البرنامج المُتسارع في غضون 6 أشهر، وسيتضمّن أنشطة تجري في منشآت صغيرة يُمكن إخفاؤها. وهو المسار الأكثر ضماناً لإيران لتُثبت نفسها قوةً في مجال الأسلحة النووية مع عدم منح المجتمع الدولي الكثير من الوقت للرد. وهو أيضاً المسار الذي اتبعتّه برامج نووية أخرى مثل الجهود الباكستانية الناجحة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي. وفيما يتعلّق بالمسار الأول، وفقاً لديفيد أولبرايت، فإن مُعظم أعمال التسليح – مثل حزمة التفجير شديدة الانفجار، ومُفجّر نيوتروني مقبول، والمكوّنات شديدة الانفجار – قد أُنجزت من أجل سلاح نووي بدائي. ومع ذلك، من المُرجّح أنه لا تزال هناك بعض الخطوات المُهمّة المُتبقيّة، والتي تشمل العمل على إنتاج مُفجّر نيوتروني وإجراء “اختبار بارد”، وهو اختبار تجريبي نهائي للجهاز النووي الكامل مع استبدال اليورانيوم المُستخدم في الأسلحة في قلب النظام بمادة بديلة.
أمّا الخيار الثاني أمام إيران فهو إعادة العمل ببرنامجها السابق للأسلحة النووية مع القدرة على إنتاج، في شكل مُتسلسل، رؤوس حربية مُناسبة للإطلاق بالصواريخ الباليستية. وتواصل إيران تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، لكنها لم تدمج برنامجها للصواريخ الباليستية في عملها النووي السابق، ما يجعل الاختبارات الحاسمة لكيفية عمل الرؤوس الحربية ومكوناتها على الصواريخ الإيرانية بعيدة عن الاكتمال. وينطوي هذا المسار على بعض التحدّيات الملحوظة لأنه سيتطلّب سريّة لمدة لا تقل عن عامين وفقاً لمُعظم التقييمات، في الوقت الذي يُعاد فيه بناء مجموعة من المنشآت لإنتاج رؤوس حربية للصواريخ الباليستية في شكل متسلسل. ولا يُعتقد أن إيران قد أجرت اختبارات الاهتزازات ودرجات الحرارة اللازمة للتأكّد من أن السلاح سيصمد في الظروف التي سيواجهها أثناء الطيران وإعادة الدخول إلى الغلاف الجوي للأرض. ويُمثّل هذا المسار الثاني مخاطر كبيرة بالنسبة لإيران، لأن الاكتشاف المُبكّر لهذه الجهود يُمكن أن يؤدّي إلى رد فعل دولي قاسٍ، وتوفير وقت كافٍ لرد فعل وقائي واستباقي من قبل إسرائيل والولايات المتحدة.
ويبدو أن السيناريو الأقصر الذي يستغرق ستة أشهر، والذي يستند إلى إنتاج عدد قليل من القنابل البدائية، أكثر معقولية في ظل الظروف الحالية. وجزء كبير من هذا العمل على التسلّح سيجري في سرية تامة، وباستخدام منشآت عسكرية قائمة أو أُعيد تهيئتها، أو معدّات ومواد مخفية موجودة تحت الأرض. ويُشكّل هذا الأمر معضلة كبيرة لواشنطن، لأن وكالات الاستخبارات الغربية والإسرائيلية قد لا تكتشف جهود التسلّح النووي الإيراني منذ البداية. وبالنظر إلى كل التعقيدات والصراعات في الشرق الأوسط اليوم فإن هذه الوكالات الاستخباراتية مُستنزفَة إلى أقصى حد؛ ونتيجة لذلك فإن المراحل الأولى من جهود التسلح الهادئة مُنخفضة المستوى في إيران يمكن أن تمضي من دون أن تُرصَد.
خلاصة واستنتاجات
من المُرجّح أن يؤدّي تطوير إيران لأسلحة نووية بسيطة – أو حتى وجود دليل على نجاح تجربة نووية تحت الأرض – إلى أزمة دولية وإثارة رد عسكري فوري من قبل إسرائيل. وسيُشكّل احتمال تسليح المشروع النووي الإيراني بالتأكيد تهديداً أمنياً قومياً مُلحاً لإدارة بايدن في الوقت الذي تُمارس الإدارة الأمريكية ضغوطًا على إسرائيل لقبول خريطة طريق لوقف إطلاق النار وقفاً دائماً في غزة، وإيجاد طريق للدبلوماسية. وينصب التركيز في واشنطن الآن على إيجاد سُبل للحد من الأضرار التي سبّبها الصراع في الشرق الأوسط لسجلّ بايدن على صعيد السياسة الخارجية قبل الانتخابات الرئاسية. وتريد إدارة بايدن أن يكون المشروع النووي الإيراني خارج الصورة تماماً، لأن هذه القضية تُمثّل فرصة كبيرة لدونالد ترمب لانتقاد جهود بايدن في الدبلوماسية مع طهران بدلاً من اتخاذ إجراءات قسرية.
تُمثّل كل هذه الديناميات مُعضلة كبيرة بالنسبة للبيت الأبيض في عهد بايدن. فمن ناحية، ثمة أدلة دامغة على أن إيران لديها الآن قدرة على صنع السلاح النووي بوصفها دولة على العتبة النووية. ومن ناحية أخرى، فإن قدرة طهران السريّة على التسلّح النووي هي أيضاً مصدر قلق مُتزايد. علاوةً على ذلك، فإن القضية النووية هي آخر ما تريد إدارة بايدن التعامل معه في الوقت الذي تحاول فيه إقناع حكومة نتنياهو بالشروع في الدبلوماسية. وبالتالي، فإن اندفاع إيران نحو التسلح النووي سيكون سيناريو كابوسياً بالنسبة للرئيس بايدن في خلال عام الانتخابات.
ومع ذلك، من الواضح أيضاً أن إيران لا تواصل تخصيب اليورانيوم فحسب، بل إنها تعمل أيضاً على تطوير شبكة من الأنفاق العميقة تحت الأرض في منشأة التخصيب في نطنز، وفي المسار التسليحي نفسه أظهرت صور حديثة عبر الأقمار الصناعية توسعات كبيرة في منشأتين إيرانيتين رئيستين للصواريخ الباليستية. وفي هذه المرحلة، فإن الأمل الرئيس لإدارة بايدن هو الافتراض بأن إيران لاعب عقلاني لن يخاطر بتوجيه دعوة مفتوحة للهجوم عليه. فإذا ما قامت إيران، في اندفاعها لصنع الأسلحة النووية، بتحويل مواقع أو مواد أو معدّات معروفة لصنع تلك الأسلحة، فإنها ستُخاطِر بالكشف عنها قبل تحقيق النجاح، وستُعرِّض نفسها لضربات عسكرية على المواقع والمواد والمعدات التي حولتها. ولهذا السبب، تحتاج إيران إلى عملية سريّة تستغرق بضع سنوات من العمل.
ومن المُفارقة أن مثل هذه السريّة قد تكون نعمة لإنقاذ إدارة بايدن التي تسعى إلى تجنُّب حرب مفتوحة مع إيران. ومع ذلك، فإن طموح إيران النووي السرّي سيعود عاجلاً أم آجلاً ليُطارد الخطط الأمريكية في الشرق الأوسط. وقد سعت إدارة بايدن حتى الآن، التي استنزفتها الحرب في أوكرانيا، والمُنافسة مع الصين، وحرب إسرائيل في غزة، إلى التعامل مع المسألة النووية الإيرانية بغموض ودبلوماسية هادفة. وقد حالت هذه الاستراتيجية مؤقتاً دون وقوع أزمة، لكنها وصلت الآن إلى نهاية الطريق. ولتفادي وقوع كارثة، سيتعيّن على بايدن اتخاذ قرار صعب من بين قرارات سيئة فقط. وهو يأمل فقط في اتخاذ مثل هذه القرارات، بما في ذلك قرار قد يتطلّب عملاً عسكرياً بعد الانتخابات. وحتى نوفمبر 2024، ستُظهر الأشهر القليلة المُقبلة ما إذا كانت سياسة حافة الهاوية الإيرانية أو نفاد صبر إسرائيل ستُجبره على اتخاذ قراره
المصدر : https://epc.ae/ar/details/scenario/madha-yukhbbi-almustaqbal-lilmasala-alnawawia-al-irania