د. أحمد ذكر الله
مقدمة
يموج العالم حالياً بالعديد من المتغيرات والأزمات التي أنتجتها أزمة كورونا، ووفق العديد من القراءات الإستراتيجية فإن ذلك سيؤدي إلى الكثير من التغيرات التي ستطال الوضع الدولي ممثلاً في العولمة ومؤسساتها، والدولة ودورها، والبنوك المركزية ووظائفها، وذلك بالإضافة إلى التغيرات الأخرى الناجمة عن الصراع الاقتصادي الصيني الأمريكي المتنامي، وتدشين العديد من التكتلات الإقليمية الاقتصادية الجديدة، والتي من المؤكد أنها تمثل إرهاصات لبداية تشكل عالم وربما عوالم اقتصادية مختلفة عما نعرفه حالياً.
وبعيداً عن التجاذبات الفكرية حول تلك المتغيرات وملامحها وعمقها وتأثيراتها، فإن الاقتصاد المصري لا بد أن يتأثر بما يحدث عالمياً، ليس فقط لكونه جزءا من هذا العالم المتغير، ولكن لكونه تابعاً للقوي الدولية المؤسساتية والقومية، لا سيما فيما يتعلق بالحصول على السلع الأساسية، والقروض الخارجية، والأموال الساخنة التي هي عماد الاستقرار الهش لسعر الجنيه المصري، وغيرها من العوامل التي تتحكم في مقدراتها العوامل الدولية مثل السياحة وتحويلات العاملين في الخارج، وإيرادات قناة السويس وأسعار الطاقة، بالإضافة إلى الدول المستقبلة للصادرات المصرية.
ورغم حالة الاستقرار والتماسك الظاهري والنسبي التي أبدتها مؤشرات الاقتصاد الكلي المصرية خلال السنوات الأخيرة، ورغم أنها محصلة لإفقار المواطنين عبر زيادة الجباية في صورها المختلفة، وتنامي القروض الخارجية بمعدلات غير مسبوقة، إلا أنه ترافق مع ذلك عدم التحول نحو الإنتاجية، وعدم القدرة حتى على الحفاظ على بعض المقدرات الإنتاجية القائمة، علاوة على إهدار تلال من الأموال المقترضة على المشروعات الخدمية فقيرة أو عديمة الجدوى الاقتصادية.
كما أن المتغيرات الدولية في عالم ما بعد كورونا ستؤثر لا محالة على معظم المعطيات الاقتصادية والتي استقرت منذ عام 2016 مع اتفاقية صندوق النقد الدولي وحتى الآن، وهو الأمر الذي يدفع نحو دراسة ملامح الاقتصاد المصري خلال السنوات الثلاث القادمة.
أهمية الدراسة
هناك تغيرات عالمية متسارعة بعد أزمة كورونا، ورغم الاستقرار الظاهري للاقتصاد المصري وحفاظه على تصنيفه الائتماني ونظرته المستقبلية المستقرة، إلا أنه يعاني الكثير من الاختلالات الهيكلية المزمنة، وهو الذي دفع مؤسسات التصنيف الائتماني إلى التنبيه على كونه مقيد بالعجز المالي الذي لا يزال كبيراً، والدين الحكومي العام المرتفع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، والأمن المحلي والإقليمي، والمخاطر السياسية، هذا إلى جانب نقاط الضعف الخارجية، بما في ذلك الاعتماد على التدفقات الأجنبية قصيرة الأجل لسد احتياجاته.
وفي إطار هذه التغيرات العالمية المتسارعة، وخصوصيات الاقتصاد المصري التي ربما تجعله أكثر تأثراً بتلك المتغيرات، تأتي أهمية هذه الدراسة، من خلال محاولة استقراء ملامح وأوضاع الاقتصاد المصري خلال السنوات الثلاث المقبلة.
تساؤلات الدراسة
تتمحور هذه الدراسة بصفة عامة حول محاولة استقراء ملامح وأوضاع الاقتصاد المصري خلال السنوات الثلاث المقبلة في ظل المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية، وذلك من خلال محاولة الإجابة على التساؤلات الفرعية التالية:
- هل تنتعش أوضاع الموازنة العامة للدولة خلال السنوات الثلاث المقبلة وما الأثر المتوقع لذلك على موارد النقد الأجنبي لمصر؟
- هل تتحسن مؤشرات المعاملات الاقتصادية الخارجية لمصر، وما تأثير ذلك على فجوة الموارد الأجنبية المصرية خلال السنوات الثلاث القادمة؟
- ما هي توقعات الدين الخارجي لمصر في ظل الواقع المحلي والمتغيرات الدولية؟
مناهج البحث :
تم إعداد هذا البحث من خلال الاعتماد على منهجي البحث التاليين:
- المنهج التاريخي: وهذا لأن البحث سوف يناقش بالتحليل بعض المقارنات الزمنية لأرقام الموازنة العامة والمعاملات الخارجية لمصر.
- المنهج الاستنباطي: حيث استنتاج بعض النتائج المتعلقة بمستقبل الاقتصاد المصري خلال الأعوام الثلاث القادمة انطلاقا من تحليل الواقع الحالي.
تقسيم الدراسة
ستحاول الدراسة الإجابة عن التساؤلات الثلاث المطروحة من خلال المباحث التالية:
المبحث الأول: قراءة في الموازنة العامة المصرية وتوقعاتها 2022 ـ 2025
المبحث الثاني: المعاملات الاقتصادية الخارجية المصرية 2022 ـ 2025
المبحث الثالث: تطور ومستقبل الديون الخارجية المصرية.
الفصل الأول: قراءة في الموازنة العامة المصرية وتوقعاتها 2022 ـ 2025
تعتبر الموازنة العامة الخطة الاقتصادية السنوية للدولة المصرية، ومن خلال تقديراتها سواء المتعلقة بالإيرادات العامة للدولة أو بالمصروفات العامة تفصح الدولة عن نواياها تجاه المواطنين لا سيما الطبقات الفقيرة والمهمشة، أو ترتيباتها تجاه الشركات والمستثمرين.
وتنبع أهمية موازنة العام المالي الحالي من كونه عام التعافي العالمي من أزمة كورونا، واستكمالها لما تبقي من برنامج الضبط المالي مع صندوق النقد الدولي[1]، بالإضافة إلى تقديمها صورة واضحة لاستشراف أوضاع الاقتصاد المصري خلال السنوات الثلاث القادمة([2].
ويمكن استعراض ذلك من خلال النقاط التالية:
1- مستهدفات موازنة 2021/2022([3]
أشار البيان المالي للموازنة العامة للدولة إلي استهداف تحقيق بعض المستهدفات الرئيسية، والتي يمكن الإشارة إليها فيما يلي:
- تحقيق معدلنمو 4%، وتحقيقفائضأولي (العجز مطروحا منه فوائد الديون)بالموازنة قدره 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يصاحبه خفضكلمنعجزالموازنة إلى 6.7% وخفض دين أجهزة الموازنة ( الجهاز الإداري للدولة والإدارة المحلية والهيئات الخدمية ) إلى 89.5% من الناتج المحلي، بهدف السيطرة على معدلات المديونية.
- تحقيق معدل تضخم 7% (± 2%) خلال الربع الرابع من عام 2021 /2022
ويظهر الجدول رقم (1) بقية المستهدفات الرقمية للموازنة العامة، و التي يمكن تناولها كما يلي:
الجدول رقم(1)
- بالنسبة لمعدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المستهدف، يبدو المعدل طبيعيا بعد التراجع الحاد في العام الماضي إلى ما دون 3%، ومع عودة معظم إيرادات القطاعات الرئيسة التقليدية في الاقتصاد المصري إلى نشاطه الاعتيادي.
- كما أن التعافي التدريجي لقطاع السياحة إلى جانب زيادة إنتاجية الغاز الطبيعي يمكن أن يشكلان عاملين رئيسيين لتحقيق انتعاش كبير للاقتصاد المصري، يدفع نحو معقولية معدلات النمو المستهدفة.
- ومن الجدير بالذكر أن جزءا لا يستهان به من هذا النمو يعود إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمية، وهو ما رفع أسعار الإنتاج المحلي بصورة كبيرة، بما يعني أن نسبة من معدل النمو المذكور يبدو اسميا وليس حقيقيا إلى حد كبير.
- أما عن مساهمة القطاعات الاقتصادية في مكونات الناتج المحلي الإجمالي للعام المالي الماضي، فقد نشر الجهاز المركزي للإحصاء تقريرا مفصلاً، جاءت أهم بنوده كما يلي([4]:
- ساهم قطاع الصناعات التحويلية بنحو 16.1% من إجمالي الناتج المحلي، وساهم قطاع الزراعة والصيد بنسبة 11.3%، أي أن مجموع مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي 27.4%، اذا ما أضيف إليهما مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنحو 2.8%، ستبلغ مساهمتهم 30.2% من إجمالي الناتج المحلي.
- ساهمت تجارة الجملة والتجزئة بـ نسبة 13.6% من إجمالي الناتج المحلي، وساهم قطاع النقل والتخزين بـ 4.6%، كما ساهم قطاع التعليم بـ 1.8 %، وقطاع الصحة ساهم بـنسبة 2.3%، ليصبح إجمالي مساهمة القطاعات الخادمة، 22.3%، وبما يقارب ربع الناتج المحلي الإجمالي، اذا أضيف اليهم مساهمة قطاع الحكومة العامة بحوالي 8.6%، سيصبح إجمالي مساهمة القطاعات الخادمة 28.9%، أي بما يقارب ثلث الناتج المحلي الإجمالي.
- ساهم قطاع التشييد والبناء بـ 6.3 % من الناتج المحلي الإجمالي، وساهمت الأنشطة العقارية بنسبة 10.3%، أي أن مجموع مساهمتهما تبلغ 16.6%، وجاءت مساهمتها الكبيرة نتيجة للمشروعات الحكومية الإنشائية والخدمية، وبالتالي من المتوقع أن تخفت هذه النسب حال انكماش دور الدولة، لا سيما في ظل تراجع إيرادات القروض الخارجية الصافية ( الفرق بين القروض الجديدة ومبالغ سداد القروض القديمة) وبالتالي نقص قدرات الدولة على التمويل.
- وسيزداد الأمر سوءا في ظل جور الدولة والأجهزة السيادية على القطاع العقاري الخاص، والذي تداعت عليه القوانين، ورفع الدولة للأسعار، إضافة إلى تراكم غير مسبوق للوحدات التي بنتها الدولة والتي بنيت في غياب دراسات متأنية حول احتياجات السوق المحلية، الأمر الذي تسبب في تخمة المعروض، لا سيما مع تناقص غير مسبوق في الطلب بسبب تزايد نسب الفقر وتآكل الطبقة المتوسطة، في ظل ارتفاع أسعار لا يناسب إلا الطبقات الغنية فقط، وفي ظل إصرار الدولة على المتاجرة بالأراضي، بالإضافة إلى قرارات الحيز العمراني الجديد، وتحديد الارتفاعات وغيرها من عوامل كمش نصيب القطاع الخاص من إجمالي أنشطة القطاع.
- ساهم قطاع تكرير البترول بـ 4.3 % في الناتج المحلي الإجمالي 2019/2020، وربما نشهد خلال السنوات الثلاث القادمة انتعاشاً لمساهمة قطاع البترول في الناتج المحلي كنتيجة مرحلية لزيادة إنتاج وتصدير الغاز المصري.
- كانت المساهمة التقليدية لقطاع السياحة المصري في الناتج المحلي الإجمالي تتخطي 12%، تناقصت إلى ما دون 5% بسبب كورونا، ومن المتوقع أن تستمر في التحسن التدريجي خلال الأعوام المقبلة، وربما يشهد العام المالي القادم العودة إلى مستويات ما قبل كورونا.
- عموما يشير تحليل الأرقام السابقة إلى أن التعافي التدريجي بقطاع السياحة إلى جانب زيادة إنتاجية الغاز الطبيعي من الممكن أن يشكلا عاملين رئيسيين لتحقيق انتعاش للاقتصاد المصري خلال الفترة القادمة، وبالتالي من المتوقع أن يستمر ارتفاع معدل النمو المصري وربما يقارب 7% خلال الأعوام الثلاث القادمة.
ويشير الشكل رقم (1) إلى مصادر نمو الناتج المحلي الإجمالي المصري منذ عام 2010/2011 وحتى عام 2019/2020، ومنه يتضح أن القطاع العائلي لا يزال هو المحرك الرئيس للنمو خلال السنوات العشر الأخيرة، مع نمو طفيف لمساهمة الاستثمار سرعان ما تراجع بفعل انتشار الفيروس[5].
2- التحديات التي تواجه الإنتاج المحلي ومعدل النمو خلال الأعوام الثلاث القادمة:
لا يعني التوقع السابق بالتحسن المستمر للناتج المحلي المصري ومعدل النمو أنه لا توجد تحديات كبيرة تواجه ذلك التحسن، ويمكن استعراض بعضا من هذه التحديات كما يلي:
- تحدي التحول نحو تعظيم دور القطاعات الإنتاجية وهو التحدي الذي لا توجد له إرهاصات حقيقية نابعة من خطط شاملة، تدفعها إرادة سياسية جادة، حيث أن ما نراه لا يعدو استمرارا لمشروعات مبعثرة لا يجمعها رابط تنموي، تنطلق من الخدمات، وسيطرة الجهات السيادية، وتكميش دور القطاع الخاص، وهي النقاط التي ترجح أن القطاعات الإنتاجية المصرية ربما لا تشهد نموا كبيرا خلال السنوات الثلاث المقبلة.
- محدودية الطموح المصري حول قطاع السياحة رغم الإمكانات المصرية الهائلة لاحتلال مركز ما بين العشر دول الأوائل عالميا في استقطاب السياح، وربما يعود ذلك إلى الإقرار بأن الجذب السياحي لا يعتمد على المقومات السياحية فقط، بل يكون عبر سياسات متكاملة للنواحي الأمنية والديبلوماسية والتسويقية، لذلك فإن مردود الافتتاحات العالمية لبعض المشروعات الأثرية من المتوقع أن يكون محدوداً، في ظل غياب العناصر الإستراتيجية الأخرى.
- لا تزال مساهمة ورؤية الدولة في تطوير الاقتصاد غير الرسمي والذي يشكل ما يقارب نصف الإنتاج الكلي محدودا، بل وينبع عن رغبة جباية أكثر من كونها استيعاب وتطوير، وضمان لحقوق الأغلبية الساحقة من العمالة غير الرسمية، ولا أدل على ذلك من تعثر مشروع قانون العمل المصري الجديد منذ عام 2014 وحتى كتابة هذه السطور، بل والانحياز السافر لمواده المستحدثة لأصحاب الأعمال على حساب العامل، ورغم النسخ المختلفة للقانون خلال السنوات السبع الماضية، إلا أنه من الواضح أننا أمام استنساخ ردئ من القانون السابق.
- هناك تحد خطير للأمن القومي المصري متمثلا في بناء سد النهضة و اكتماله، الأمر الذي إذا ما حدث سيترتب عليه نقص حاد في الموارد المائية، يعتمد مقداره على عدد سنوات الملأ و على حجم الفيضان، و هناك تقديرات متفاوتة حول حجم النقص في الأراضي الزراعية المترتب على ذلك، و قد تصل مساحة الأراضي التي سيتم تبويرها إلى نصف مساحة الأرض المنزرعة في مصر بناء على بعض التقديرات، مما سيؤثر بشكل حاد على حجم الإنتاج الزراعي المصري و بالتالي الناتج المحلي الإجمالي، مما سيؤدي إلى أثار اقتصادية و اجتماعية مدمرة نتيجة ارتفاع نسبة البطالة و الاحتياج لمبالغ ضخمة بالعملة الأجنبية لاستيراد الغذاء و تعويض ما لم يصبح متاحا، و غير ذلك من الأثار.
- لا تزال مشكلة التقديرات الرقمية المبالغ فيها لافتراضات الموازنة تتعدي تبعاتها الفجوة بين مشروع الموازنة والبيان الختامي إلى تبعات الضغط الكبير على بنود المصروفات الرئيسية للموازنة، فعلى سبيل المثال فإن سعري القمح والذرة في الموازنة بعيدين تمام عن أسعارهما عالميا، وذلك تكرار لنفس خطأ الموازنات السابقة في نفس البند، وبما يجعل الأمر يبدو أنه مجرد أرقام تحقق الشكل الكلي للموازنة الذي تخاطب به الدولة المؤسسات الدولية وبغض الطرف عن معقوليتها وواقعيتها.
- يؤكد هذا الأمر دراسة لبنك إتش.إس.بي.سي تقرر” إنه مع ارتفاع أسعار الغذاء العالمية لأعلى مستوى منذ أكثر من عشر سنوات، فإن زيادة أسعار الأسمدة ستزيد الضغوط على القدرات الشرائية للغذاء، لاسيما في الدول المعتمدة على الاستيراد، في حين أن الضغوط على الميزانيات العامة لا تتيح مجالاً لدعم الحكومات للأسعار([6].
- وينسحب نفس التحليل السابق على سعر برميل البترول المتوقع في الموازنة بحوالي 60 دولارا، والذي تزايد عالميا إلى أكثر من 85 دولارات في بعض الفترات، ورغم الاتجاه الهبوطي للسعر كنتيجة لسحب الدول الكبري لجزء من احتياطاتها، إلا أنه لم يبلغ هذا السعر حاليا، بل تشير بعض التوقعات لاقترابه من سعر 100 دولار للبرميل خلال العام، وذلك يعني أن الأرباح التي ستجنيها الموازنة جراء ارتفاع سعر الغاز الطبيعي عالميا، ربما ستتآكل بفعل تزايد أسعار البترول، ومع التسابق المحموم للدول للتغلب على تداعيات كورونا والتوجه نحو تعويض الإنتاج المفقود خلال فترة الإغلاقات، ومع المشاكل العالمية المتزايدة فيما بعد كورونا، ربما لن تحقق الموازنة ما تطمح إليه من وفورات جراء تصدير الغاز خلال السنوات المقبلة.
- ربما يكون تناقص متوسط سعر الفائدة على أذون الخزانة هو أكثر الأرقام دلالة على غياب الدراسات حول الاقتصاد العالمي عند تحديد مستهدفات الموازنة العامة، فالعالم منذ تغلبه المرحلي على أزمة كورونا يتحدث عن نهاية مرحلة التيسير النقدي ووجوب رفع البنوك المركزية حول العالم لسعر الفائدة، لاتهامها بالتسبب في موجة التضخم العاتية التي يعانيها العالم، ورغم أن هناك عددا من البنوك المركزية و المؤسسات العالمية تتوقع أن تكون موجة التضخم مؤقتة، إلا أن رفع معدلات الفائدة خلال 2022 أمرا يكاد يكون مسألة وقت، طبقا لمعظم الخبراء.
- ومع رفع سعر الفائدة وانتقال الأموال الساخنة نحو بلدان العملات والاقتصادات الأكثر قوة، ستزداد منافسة بلدان الأسواق الناشئة على هذه الأموال من خلال رفع أسعار الفائدة المحلية، وهو الأمر الذي ترفضه المالية المصرية، بل وتفترض سعر فائدة منخفض لكي تضبط مقدار الانخفاض في العجز إلى الحد الذي تعهدت به في برنامج الضبط المالي. إلا أن هذه التطورات ستنتهي في نهاية المطاف إلى توقف الأموال الساخنة التي تأتي للبلاد كاستثمار في أدوات الدين استغلالا لارتفاع سعر الفائدة على العملة المحلية بما سيشكل تراجعا حادا في التدفقات الخارجية بالعملات الصعبة إلى مصر مما سيشكل ضغوطا كبيرة على سعر الجنيه المصري و على الاحتياطي بالبنك المركزي و على قدرة الحكومة في الوفاء بالتزاماتها المختلفة بالعملة الصعبة.
- ربما يبدو ارتفاع متوسط سعر الفائدة على أذون الخزانة أمرا منطقيا للحالة المصرية، التي تعتمد على حجم كبير ومتزايد لأذون الخزانة في التحكم في سعر الصرف، والوفاء بمتطلباتها من النقد الأجنبي، والتي من المقرر تزايدها بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والسلع الأساسية عالميا، بالإضافة على إصرارها على المشروعات الترفيهية الخدمية والتي تحتاج الي مستلزمات إنتاج مستوردة، وهو ما تسبب في تزايدات كبري للواردات.
وبذلك يمكن القول أنه خلال السنوات الثلاث المقبلة ستتزايد الضغوط على الإدارة المالية المصرية، وستضطر لرفع معدل الفائدة على أذون الخزانة، تماشيا مع الأوضاع العالمية، وهذا الرفع سيكون له أكثر من أثر، أوله تزايد أعباء خدمة الدين المحلي، وثانيه تزايد العجز المقدر للموازنة عن الحدود التي تقول بها الحكومة، وهو نفس ما تؤكده وكالة التصنيف الائتماني فيتش حول التزايد المتوقع للعجز المصري للعام المالي القادم.
وباختصار فإن الظروف النقدية العالمية أصبحت أقل ملاءمة لمصر وتمثل مخاطر رئيسية للاتجاهات الإيجابية في المالية العامة وأساسيات الاقتصاد الكلي، وطبقا لوكالة فيتش([7] منذ منتصف عام 2020، كانت هناك ديناميكية تعزز بعضها البعض بين استقرار سعر الصرف والتدفقات الوافدة من غير المقيمين إلى سوق السندات الحكومية بالجنيه المصري، على خلفية ارتفاع الأسعار الحقيقية للفائدة في مصر والظروف النقدية العالمية السهلة و “المخاطرة” على الصعيد العالمي.
وتكمل فيتش، أن الحيازات الأجنبية من أذون الخزانة الحكومية وسندات الخزانة وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق حين بلغت 34 مليار دولار في سبتمبر 2021 (أكثر من 12٪ من الدين المحلي الحكومي و 85٪ من الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي المصري)، ارتفاعا من أدنى مستوياتها التي تقل عن 10 مليار دولار أمريكي في يونيو 2020، لكن هذه التدفقات يمكن أن تنعكس استجابةً لأي صدمة ثقة أو تحول في ظروف السيولة العالمية، مما يضع ضغوطاً على سيولة النقد الأجنبي وأسعار الفائدة وسعر الصرف.
وسيكون علاج ذلك التزايد في العجز من خلال ابتكار المزيد من الإيرادات العامة ولن تجد الدولة سوي رفع الرسوم وزيادة الضرائب، وستستمر في تجاهل فرض ضريبة على الثروة، كما ستلجأ المالية العامة كذلك إلى رفع أسعار السلع المدعمة، ومن المتوقع أن تضطر لرفع سعر الخبز، واستكمالا لإزالة ما تبقي من دعم اسمي على المشتقات البترولية، وهو الأمر الذي يزيد من معاناة الطبقات الفقيرة، ويبدو أن الملايين ممن وصفوا بكونهم حول خط الفقر في طريقهم نحو السقوط أدناه.
وتظهر بيانات الجدول رقم (2) اضطراد تناقص مجمل مخصصات الدعم السلعي في الموازنة العامة للدولة منذ موازنة 18/2017 وحتى موازنة العام الحالي، حيث انخفضت من 232 مليار جنيه الي 108 مليار فقط، وكذلك ثبات الدعم المقدم للسلع التموينية عند 85 مليار جنيه في المتوسط، خلال نفس الفترة، وهو الأمر الذي يعني بداهة انخفاض القيمة الحقيقية سواء لإجمالي مخصصات الدعم أو لمخصصات الدعم السلعي، أو حتى لبقية أنواع الدعم الموضحة تفصيلا في الجدول، وذلك بعد خصم معدل التضخم.
الجدول رقم(2)
كما توضح بيانات الجدول السابق تراجع الإنفاق على دعم القطاع العائلي بنحو 1.4%، رغم تداعيات فيروس كورونا على الأحوال الصحية والمعيشية للسكان، وما تستلزمه من دعم للقطاع العائلي، بينما ارتفع الدعم والمنح الموجهة إلى الجهات الحكومية بنحو 7% فى موازنة العام المالي 2021/2022.
كذلك انخفض الدعم الموجه إلى القطاع الخاص بنحو الثلث، مع تخفيض دعم الصادرات وتراجع دعم المواد البترولية (حيث يوجه نحو 80% من فاتورة دعم المواد البترولية فى الموازنة العامة للدولة إلى القطاع الخاص). لكن هذا التخفيض تم تعويضه من جانب آخر لا تظهر بياناته بوضوح في الموازنة[8].
كما زاد الدعم الموجه إلى كل من الغاز الطبيعي والكهرباء، والذي يستفيد منه القطاع الخاص، وتبلغ تكلفتهما معا نحو 11 مليار جنيه سنويا، وتم تخصيص 5 مليار جنيه سنويا تكلفة خفض أسعار الكهرباء للقطاع الصناعي لأول مرة منذ تعويم الجنيه، حيث تم خفض أسعار الكهرباء للصناعة للجهد الفائق والعالي والمتوسط، بقيمة 9%” (بما يعادل تخفيض سعر الكيلووات 10 قروش، ليبلغ 1.08 جنيها)، مع الإبقاء على أسعار الكهرباء للصناعات الأخرى عند مستوياتها الحالية وعلى مدار من 3 إلى 5 سنوات .بالإضافة إلى تكلفة سنوية 6 مليار جنيه لقرار توحيد سعر الغاز الطبيعي للصناعة عند 4.5 دولار لكل وحدة حرارية، حسب ما جاء في البيان المالي[9] .
تشير كل القرارات الحكومية وانعكاساتها على البيان المالي للموازنة العامة الحالية إلى تسرب الدعم نحو القطاع الخاص وتقليصه على المواطنين، وربما تشهد السنوات القادمة إجراءات أكثر في ذات الاتجاه لا سيما في ظل شكوي مستمرة من القطاع الخاص من منافسة غير عادلة مع أجهزة الدولة.
عموما يمكن القول إن محدودية الزيادة المتوقعة في عجز الموازنة للعامين الحالي والقادم سيكون بسبب إجراءات دعم الإيرادات، بما في ذلك قانون الجمارك الجديد، وزيادات الرسوم المختلفة وتحديث النظام الضريبي، ومن الجدير بالذكر أن لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب وافقت على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قوانين ضريبة الدمغة وفرض رسم تنمية الموارد المالية للدولة وضريبة دخول المسارح والملاهي[10] .
ومؤخرا رفعت الحكومة بالفعل الشهر الماضي التعريفة الجمركية على واردات الهواتف المحمولة، وطالبت مدرسي الدروس الخصوصية بالبدء في دفع ضرائب على أرباحهم، وقبل ذلك أعلنت عن خطة لجمع ضرائب الدخل وتوريد القيمة المضافة من صانعي المحتوى على الإنترنت، في خطوات تهدف إلى زيادة الحصيلة الضريبية.
ولكن بعد ذلك ربما نشهد العودة إلى تنامي عجز الموازنة بصورة أكبر، بسبب تآكل مصادر الإيرادات التي من الممكن الاعتماد عليها لخفض العجز، ولن تجد الحكومة إلا تكميش المصروفات العامة كملاذ أخير لكبح تزايد العجز، وسيبرز الدعم أو بالأحرى ما تبقي منه في مقدمة المصروفات التي ستجور عليها الدولة.
كما أن قضايا التحكيم الدولية قد تشكل تهديدا يزيد من احتمالات زيادة العجز في الموازنة العامة، لا سيما في ظل عدد القضايا الكبير المرفوع على الحكومة المصرية، وفشل المفاوضات مع البعض الشركات الكبري لتسوية المنازعات والتي تبلغ قيمة تعويضاتها مليارات الدولارات.
3- برنامج حياة كريمة
دشنت الدولة مشروع “حياة كريمة” بهدف تحسين وتطوير جودة الحياة لمواطني الريف المصرى، ويستهدف المشروع الارتقاء بالأبعاد التنموية والخدمية والاجتماعية للمواطنين، كما يستهدف إحداث تغيير حقيقي فى حياة أكثر من نصف سكان مصر. ويشمل المشروع تطوير 4.584 قرية وتوابعها، كما يشمل إنشاء شبكات الصرف الصحي وتبطين الترع.
ولعل استعراض مخصصات برنامج “حياة كريمة في خطة العام المالي 22/2021 والتي تبلغ 200 مليار جنيه، واستعراض تفاصيل توزيعها وأوجه صرفها يعطي منهجا تحليليا للتوجه المصري في هذا الإطار :
– 27,5 مليار للصحة، و4,4 مليار جنيه للتعليم.
– 20 مليار جنيه للكهرباء، و102 مليار للصرف الصحي ومياه الشرب.
– كما تم تخصيص 12,2 مليار جنيه لرصف الطرق.
– يستهدف إنشاء 10828 فصلا دراسيا، و782 مركز شباب/ملعب خماسي.
– إنشاء وتطوير 317 مبنى خدمات حكومية.
– تأهيل وتبطين ترع بأطوال 2670 كم.
-إنشاء 100 ألف وحدة سكن كريم، وتطوير 319 مكتب بريد.
-إنشاء وتطوير 1250 وحدة رعاية صحية، و 389 نقطة إسعاف.
-توريد 800 سيارة إسعاف، وتوفير 510 عيادة متنقلة.
-إنشاء وتطوير 112 وحدة بيطرية، و191 مركز خدمات زراعية.
تشير النظرة السريعة لتوزيع مخصصات المشروع للعام المالي الحالي إلى تحميل الدولة للمشروعات الاستثمارية للموازنة العامة للدولة على مشروعات المبادرة، ومن الطبيعي أن يتبادر التساؤل عن التداخل بين الإنفاق الاستثماري العام الذي يدخل عادة في موازنة الدولة، و بين مثل هذه المبادرات الاجتماعية الذي تتفضل به الدولة على المواطنين كإنفاق اجتماعي إضافي.
النظرة المتفحصة تشير إلى الزام الدولة نفسها بهذه المشروعات، وان المشروعات تمتد بين الصحة والتعليم والطرق والرياضة، والخدمات البيطرية والزراعية، وكلها بنود كانت مفتقدة في معظم الريف المصري، ووجودها سيحسن بالطبع من جودة الحياة أو على الأقل سيوفر حالا أحسن من ذلك الموجود حاليا، ويجب الإشارة إلى أن وصول شبكات الغاز الطبيعي شكلت نقلة هامة في وثوق البعض بالحكومة، رغم أنها الهدف بالذات كان استهلاك فائض الغاز المستورد من إسرائيل بعد فشل تحول مصر إلى مركز عالمي للطاقة.
ورغم ذلك يمكن طرح مجموعة من الأسئلة، في مقدمتها هل تنوي الدولة بالفعل الاستمرار في المشروع، وتطبيق ما تعهدت به؟ وأين ستبني المساكن اللائقة على حد وصفها؟ هل محل المساكن القديمة البالية؟ وهل فعلا ستبني كل هذه الفصول التعليمية في سنة واحدة؟ وأين؟ وكيف ستواجه نقص الموارد في السنوات القادمة، خاصة بعد الضغط المتوقع لمدفوعات الدين المحلي والخارجي، وتناقص إيرادات القروض؟
عموما من الجدير بالذكر أن هذه المبادرة جاءت كرد فعل على مظاهرات الريف المصري بعد إعلان الدولة عزمها على هدم مخالفات البناء، وأنه حال تنفيذه ولو جزئيا سيشكل نقلة نوعية على مدار السنوات الثلاث القادمة في نظرة المواطن وعلاقته بالسلطة الحاكمة، وفي المقابل فإن استمرار تنفيذه سيمثل المزيد من الضغط على الواردات، وسيزيد بالتالي من الحاجة إلى موارد النقد الأجنبي.
4- هل بلغت مخصصات التعليم المصري النسبة الدستورية
يؤكد الدستور المصري أن » التعليم إلزامي حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها… وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم، لا تقل عن 4 %من الناتج القومي الإجمالي« ورغم مرور أكثر من خمس سنوات على هذا الإلزام فلا تزال الدولة تتجاهل التنفيذ، إلا أنها أعلنت بلوغ مخصصات التعليم الحد الدستوري في موازنة العام الحالي.
الشكل رقم (2)
توضح بيانات الشكل رقم (2) تناقص الإنفاق على التعليم في مصر منسوبا الي الناتج المحلي الإجمالي في مصر، من 5.6% عام 1982 إلى 4% عام 2015/2016 حتى بلغ 2.4% فقط في موازنة العام الماضي.
وقد بلغ الإنفاق على التعليم في موازنة العام الماضي 157.6 مليار جنيه، ورغم زيادة مخصصاته في العام الحالي بنحو 15 مليار جنيه، ليبلغ 172.6 مليار جنيه، إلا أنها لم تصل إلى نصف الحد الأدنى الذي نصَّ عليه الدستور.
ولكي تصل الموازنة إلى النسب الدستورية فقد أضافت (تحايلا) إلى مخصصات التعليم مجموعة من البنود الأخرى، حيث أضافت نصيب القطاع من فوائد الديون( تساوي نسبته من إجمالي المصروفات العامة) وهي تبلغ طبقا لبيانات الجدول التالي 42.5 مليار جنيه، إضافة إلى بعض المصروفات الأخرى التي كانت متواجدة في الموازنة العامة من قبل ولكن تحت بنود أخرى. وتوضح بيانات الجدول (3) والمعد من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية للعام المالي 2015/2016 التدليس الرقمي الذي وصل بمخصصات قطاع التعليم الي النسبة الدستورية، وذلك كمثال يمكن تبني عليه الحكومة سنويا.
الجدول رقم(3)
تتعرض الدراسة لمثال التعليم بغرض ضرب المثل على كيفية تعامل الدولة مع كل ما يتعلق بمواردها البشرية خاصة في التعليم والصحة التي حملت هي الأخرى بنصيبها من مصروفات الفائدة.
وكذلك فإن هذا المثال قد يصور حقيقة برنامج حياة كريمة، فهل الدولة التي تحتال على الدستور في القطاعين الأكثر أهمية للشعب وهما التعليم والصحة، وتنقص من دعم المواطنين- كما بينت الدراسة سابقا- لصالح المزيد من دعم القطاع الخاص يمكن أن تكون صادقة في تقديم الحياة الكريمة؟!
خاتمة المبحث الأول:
استعرض المبحث مستهدفات الموازنة العامة المصرية للعام المالي الحالي، محاولا دراسة مدي واقعيتها، كما تطرق إلى نسب مساهمة القطاعات الإنتاجية المصرية في الناتج المحلي الإجمالي، مع التركيز على مساهمة قطاعي العقارات والتشييد والتعدين في هذا الناتج، وإمكانية استدامة أو تطور هذه النسب، والأثر المتوقع لذلك على عجز الموازنة العامة للدولة.
كما تطرق المبحث كذلك إلي دراسة النسبة الدستورية المقررة لقطاع التعليم وكيف أضافت وزارة المالية بنودا أخرى إلى المخصص الفعلي لكي تصل إلي النسبة الدستورية وفي مقدمتها إضافة نصيب القطاع من فوائد القروض.
وتطرق البحث أخيرا إلي قراءة في مشروع حياة كريمة وتحميل الدولة للمشروعات الاستثمارية للموازنة العامة للدولة مثل تبطين الترع، وإنشاء مراكز البريد، ونقاط الإسعاف على مشروعات المشروع.
المبحث الثاني: المعاملات الاقتصادية الخارجية المصرية خلال السنوات الثلاث المقبلة
يعد ميزان المدفوعات النافذة التي يطل منها الاقتصاد الوطني على الاقتصاد العالمي وبالعكس، لكونه ذلك السجل الذي تدرج فيه كل المعاملات الاقتصادية التي تربط الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي بعلاقات تبادلية تزدوج فيها الدائنية والمديونية، وتتضمن حركة انتقال السلع والخدمات ورأس المال.
ويتكون ميزان المدفوعات من الميزان التجاري الذي يعكس متحصلات ومدفوعات الصادرات والواردات السلعية، والميزان الخدمي الذي يعكس متحصلات ومدفوعات الصادرات والواردات الخدمية، كما يتضمن كذلك ميزان رأس المال الذي يعكس متحصلات ومدفوعات رأس المال من الاستثمار الأجنبي أو التحويلات من الخارج، وغيرها.
ويستأثر ميزان المدفوعات بأهمية بالغة على مستوى التحليل الاقتصادي لأي دولة، لكونه يعكس درجة تشابك الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي، فضلا عن أن ما يدرج فيه من معاملات اقتصادية، إنما يعكس من حيث المحتوى هيكل الإنتاج وقوة الاقتصاد الوطني وقدرته التنافسية، ومدى استجابته لتطور قوى الإنتاج الدولية، بالإضافة إلى قدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية، ونجاح القطاعات الخدمية، وباقي مصادر النقد الأجنبي.
ويستعرض هذا المبحث تحليل المعاملات الخارجية المصرية من خلال ميزان المدفوعات المصري والمبين في الجدول رقم (4) وذلك من خلال النقاط التالية:
أولا: الميزان التجاري المصري
تشير بيانات الجدول (4) إلى تزايد إجمالي الصادرات المصرية من 26.4 مليار دولار تقريبا في العام 2019/2020 إلى 28.7 مليار دولار في العام 2020/2021، بزيادة قدرها 2.3 مليار دولار تقريبا.
وجاءت معظم هذه الزيادة من زيادة الصادرات السلعية المصرية غير البترولية والتي تزايدت من 17.9 مليار دولار إلى 20 مليار دولار تقريبا خلال نفس الفترة، وبما يعني زيادة أكثر من 10% في عام واحد.
يمكن القول بصفة عامة أن المكون الرئيس للصادرات المصرية غير البترولية يرتكز على صادرات الصناعات الكيماوية والأسمدة والتي قدرت بحوالي 5.2 مليار دولار عام 2020 [11]، (وهذه الصناعات هي من الصناعات شديدة التلويث للبيئة، والتي تعمد الدول الصناعية الكبرى عن التخلص منها و إقامتها في دول أقل تقدما ثم استيراد منتجاتها منها)، بالإضافة إلى الصادرات الزراعية المصرية، والتي سجلت 2.4 مليار دولار خلال الموسم الماضي 2020/2021، مقابل 2.2 مليار دولار خلال الموسم السابق[12].
ومن الجدير بالذكر أن هذه الأرقام تختلف عن أرقام مجلس الوزراء المصري الذي نشر بيانا أشار فيه إلى القفزة الكبيرة التي شهدتها الصادرات المصرية خلال عام 2020/2021 مقارنة بعام 2019/2020، حيث زادت قيمة الصادرات بنسبة 18.2%، مسجلة 34.4 مليار دولار عام 2020/2021 مقارنة بـ 29.1مليار دولار عام 2019/2020[13].
ربما تعود تقديرات الحكومة بتحسن الصادرات في العام الحالي إلى ارتفاع صادرات مصر من الغاز الطبيعي الذي قفزت أسعاره خلال فترة ما بعد كورونا، وهي الإيرادات الإضافية التي ربما ستكافئ الزيادة التي تطرأ على واردات البترول بعد الزيادات الأخيرة التي طرأت على أسعاره العالمية.
كما تشير بيانات الجدول كذلك إلى أن زيادة الصادرات المصرية قابلها زيادة ملحوظة في الواردات المصرية خلال العام المالي حيث ارتفعت من 62.8 مليار دولار في العام 2019/2020 إلى 70.7 مليار دولار في العام 2020/2021، وتعود هذه الزيادة بأكملها إلى تزايد واردات السلع غير البترولية من 53.9 مليار دولار إلى 62.1 مليار دولار في العام 2020/2021.
و من الجدير بالذكر أن بيانات منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول “أوابك” أظهرت ارتفاع صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال خلال أول 9 أشهر من العام الجاري بنسبة 780% مقارنة بنفس الفترة من عام 2020، حيث صدرت مصر في أول 9 أشهر من عام 2021 نحو 4.4 طن مقابل 500 ألف طن خلال نفس الفترة من عام2020[14].
وتشير بيانات الشكل رقم (3) إلي هذه التطورات في صادرات كميات الغاز الطبيعي والتي حققت ذروتها في الربع الأول من عام 2021 بكمية بلغت 2 مليار طن، ثم ما لبثت أن تراجعت إلى 1.4 ثم مليار طن فقط في الربعين التاليين من نفس العام.
لا شك أنه من المنطقي أن تزايد صادرات الغاز الطبيعي ستنعكس حتماً على تزايد عائدات الصادرات الكلي وبالتالي تناقص عجز الميزان التجاري والفجوة الدولارية، ولكن تشير بيانات الشكل إلى تذبذب إنتاجي كبير، لا يوجد تفسير رسمي له، ولكنه طبقا لبعض الخبراء يعود إلي مشاكل فنية.
كما توقعت وزارة البترول، أن يهبط إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بمقدار 250 مليون قدم مكعبة يوميا خلال العام المالي 2022/2021 ليصبح 7.2 مليار قدم مكعبة يوميا. وتنتج مصر خلال العام المالي الجاري 2021/2020 ما يقرب من 7.54 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميا بارتفاع ملحوظ عن العام الماضي 2020/2019 الذي أنتجت فيه ما يصل إلى 6.55 مليار قدم مكعبة يوميا في الوقت الحالي[15]، وهو الأمر الذي يبرر التوقعات القائلة باقتراب نهاية الاكتفاء الذاتي من الغاز كنتيجة لزيادة الاستهلاك المحلي وأيضا تناقص إنتاج الغاز خاصة من حقل ظهر بسبب مشاكل فنية.
شكل رقم (3 )
يشير التحليل السابق أن طفرة إنتاج وصادرات الغاز الطبيعي ربما تكون مؤقتة إلى حد كبير، خاصة في ظل عدم وجود استكشافات هامة جديدة، وبما يعني انه حتى بفرض بعض التحسن في عجز الميزان التجاري للعام 2021 طبقا للسردية الرسمية، فإنه تحسن مؤقت، وسرعان ما سيعاود العجز والفجوة الدولارية إلى الوضعية السابقة، وربما يتناميا حال نهاية الاكتفاء الذاتي، لتضيف مزيدا من التنامي في العجز تكاملا مع الواردات المصرية الآخذة في التصاعد.
تؤكد الزيادة الكبيرة والمتواصلة في الواردات المصرية حتى في عام كورونا على ضعف القدرات الإنتاجية المصرية صناعيا وزراعيا، علاوة على تنامي السلع المستوردة اللازمة للمشروعات الخدمية المتزايدة، وهو الأمر الذي يشير بوضوح إلى استمرار تلك الزيادات في الأعوام الثلاث القادمة، حيث زيادة الطاقات الإنتاجية الصناعية والزراعية يحتاج مدة زمنية كافية، علاوة على الكثير من الترتيبات القانونية والاقتصادية والتنافسية، لا يزال أغلبها مفقودا في الحالة المصرية.
تزايد الواردات المصرية بأكثر من ثلاثة أضعاف زيادة الصادرات أدي إلى اتساع عجز الميزان التجاري من 36.5 مليار دولار عام 2019/2020 إلى 42 مليار دولار تقريبا عام 2020/2021، وهو الأمر الذي من المرجح أن يزيد من فجوة النقد الأجنبي سواء للعام القادم أو العامين التاليين له، سواء من ناحية الصادرات التي تتمتع بقدر كبير من المرونة المنخفضة، أو من ناحية الواردات التي تتنامى تلبية لحاجات التزايد السكاني والمشروعات الخدمية.
ومن المهم الإشارة كذلك إلى أن تنامي الواردات وبالتالي عجز الميزان التجاري كان من الممكن أن يتسع أكثر لولا الضغط الحكومي الكبير على قدرات الاستهلاك المحلية في أعقاب برنامج الضبط المالي مع صندوق النقد الدولي بنهاية عام 2016، بالإضافة إلى تداعيات فيروس كورونا عالميا ومحليا.
وحتى مع افتراض صحة توقعات الحكومة بزيادة الصادرات إلى 36 مليار دولار للعام الحالي فسيثبت العجز عند أكثر من 36 مليار دولار وهو نفس عجز العام السابق، وبما يعني أن المكون الرئيس لفجوة إيرادات النقد الأجنبي وهي عجز الميزان التجاري على أحسن الفروض وطبقا لتقديرات الحكومة ستظل على حالها كما في العام السابق، مع ترجيح زيادتها في الأعوام الثلاثة القادمة.
ثانيا: ميزان الخدمات
تشير بيانات الجدول (4) إلى تناقص فوائض الميزان الخدمي المصري من 8.9 مليار دولار عام 2019/2020 إلي 5.1 مليار دولار في 2020/2021، وذلك تناقصا عن 13.4 مليار دولار في عام 2018/2019 . وذلك كنتيجة لانخفاض المتحصلات من 21.3 مليار دولار في عام 2019/2020 إلى ما يقارب 16 مليار فقط في عام 2021،بعد أن كانت 24.4 مليار دولار في عام 1018/2019.
وذلك على الرغم من تناقص المدفوعات الخدمية من الخارج من 12.3 مليار دولار في عام 2019 إلى 10.9 مليار دولار عام 2020/2021، بعد أن كانت 11.4 مليار دولار في عام 2018/2019.
استمرار تناقص فوائض الميزان الخدمي على الرغم من تناقص المدفوعات الخدمية يشير إلى أن الإيرادات الخدمية تعاني بشدة خلال الثلاث أعوام الماضية وليس عام كورونا فقط، وتشير بيانات الجدول إلى التناقص الحاد في حصيلة السفر خلال الفترة الماضية والذي نقص من 9.86 مليار دولار عام 2019/2020 إلى 4.86 عام 2020/2021 بعد أن كانت 12.6 مليار دولار، جراء تداعيات فيروس كورونا.
وبذلك فإن إيرادات النقد الأجنبي المصرية فقدت جزءا لا يستهان به من مصادر النقد الأجنبي جراء تراجع النشاط السياحي، الذي يشكل في الظروف الطبيعية نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 15% من إيرادات مصر من العملات الأجنبية، وثالث أكبر مصدر للدخل الأجنبي للبلاد.
ولكن ذلك يعتبر فقدانا مؤقتا إلي حد كبير، حيث من المتوقع حدوث انتعاش لا بأس به للقطاع السياحي في العام القادم ربما يعود به إلي سابق إيراداته ما قبل كورونا، ولكن ذلك يتوقف على مستقبل متحورات كورونا و الظروف الدولية و الإقليمية و المحلية المختلفة، فضلا عن عودة العمالة والكفاءات التي هجرت القطاع بسبب تراكم الأزمات، بالإضافة إلى محدودية نمو القطاع السياحي المصري تاريخيا، وبما لا يتناسب مع حجم المقومات السياحية المصرية وتنوعها، وذلك يعني أن الأمل في زيادة الغلة السياحية وبالتالي فائض الميزان الخدمي وخفض الفجوة الدولارية، معقود فقط على العودة إلى مستويات ما قبل كورونا، وربما بعض التحسن المحدود بعدها. لكن من الواضح استبعاد إمكانية حدوث طفرات في أعداد السائحين أو في قدراتهم الإنفاقية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، لما يتطلبه ذلك من ترتيبات أمنية وديبلوماسية وتسويقية وتدريبية وغيرها، بخلاف التنافس الحاد مع أسواق دول أخرى تقدم مستويات سياحية احترافية ومنضبطة وبأسعار باتت تقارب أو تقل عن المنتج السياحي المصري.
ومن الجدير بالذكر أن هناك تحديا جديدا لفجوة الموارد الدولارية المصرية من زاوية قطاع السفر، وهو المتعلق بتزايد نفقات القطاع بالعملة الأجنبية حتى بلغت 3 مليار دولار في المتوسط خلال الأعوام الثلاثة ما قبل كورونا، انخفضت إلى 2.7 مليار دولار في العام 2020/2021، وهو انخفاض طفيف يدلل على استدامة هذا الإنفاق.
ومما يرسخ هذا الاستدلال، ويشير إلى إمكان تزايد الإنفاق على السفر خلال الأعوام الثلاث القادمة هو بداية العودة التدريجية لأنشطة العمرة والحج، والتي رغم كل العقبات الإدارية التي فرضتها السلطات السعودية بالاتفاق مع السلطة المصرية لم تنجح في تخفيض مصروفات السفر بصفة عامة إلا قليلا حتى في أعوام ما قبل كورونا، الأمر الذي يرجح إمكانية تزايد نفقات السفر وتقليصها بالتالي لفائض الميزان الخدمي وبالتالي المزيد من اتساع فجوة الموارد الدولارية المصرية.
ثالثاً: الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر
توضح بيانات الجدولين رقم (5) ورقم (6) إلى تناقص صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر من 8.2 مليار دولار عام 2018/2019 إلي 7.5 مليار دولار عام 2019/2020، ومن المتوقع تناقصها إلى5.2 مليار دولار للعام 2020/2021 طبقا لبيانات البنك المركزي، ويرجع هذا التناقص في السنوات الأخيرة إلى تداعيات فيروس كورونا والتي دفعت رؤوس الأموال الأجنبية بالعودة إلى مقار شركاتها الأم لمواجهة النفقات المتعاظمة ونقص الإيرادات آنذاك.
عموما المشكلة المصرية تاريخية مع الاستثمارات الأجنبية التي تعتبر محدودة للغاية مقارنة مع الكثير من الدول الأخرى، كما أنه من الجدير بالإشارة أن أرقام الاستثمارات الأجنبية العربية إلي مصر تبدو ضئيلة للغاية، على الأخص في ظل التحالف الإستراتيجي للنظام المصري مع دولتي الإمارات التي تستثمر إجمالا 15 مليار دولار فقط[16] والمملكة العربية السعودية التي تستثمر إجمالا 30 مليار دولار بما فيها الاستثمارات البترولية([17]. وتجدر الإشارة هنا كذلك إلى توجهات الاستثمارات الإماراتية في مصر، وبعض التحذيرات التي برزت مؤخرا من توجهها نحو السيطرة على القطاع الطبي الخاص، وكذلك التوسع في القطاع التعليمي في مصر.
وبذلك وبصفة عامة فإن صافي الاستثمارات الأجنبية إلى مصر يبدو ضئيلا إلي حد كبير، هذا بخلاف توجه النسبة الأكبر منه إلى القطاعات البترولية وبنسبة تتراوح بين 53 و70%، خلال الفترة من 2012 وحتى 2018 [18]، وهو ما يعني أن القطاع يمثل بؤرة اهتمام الأجانب لاستثماراتهم بمصر، وأنه يدر عليهم أرباحا تدفع لهذا التركيز، وفي نفس الوقت فإن الإحصاءات الخاصة بصادرات النفط تشير إلى أن حصة الشريك الأجنبي تتراوح بين 35% و40%. هذا بخلاف مشروعات الإسالة التي تعود النسبة الكبري من عوائدها للشركات الأجنبية العاملة في مصر.
كما أنه تجدر الإشارة إلى تركز مصادر الاستثمارات المتدفقة إلى مصر في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي باستحواذهم على 50% في المتوسط منها، وأنه لا تزال الاستثمارات العربية المتدفقة إلى مصر ضئيلة للغاية رغم تحسنها الملحوظ خلال الأعوام الأخيرة.
وعموما يمكن القول أنه رغم الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة المصرية؛ لدعم مناخ الاستثمار المحلى والأجنبي، والتي كان أبرزها إصدار قانون جديد للاستثمار، وإصدار قوانين الشركات وسوق المال والإفلاس، إضافة إلى تعديل بعض السياسات النقدية التي تضمن توفر العملة الأجنبية وإمكانية وسهولة تحويلها للخارج، ورغم كل هذه الإجراءات إلا أن أرقام الاستثمار الأجنبي لم تعكس هذه الإجراءات الإصلاحية([19].
وباختصار فإن أسباب عزوف الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن السوق المصري يمكن إرجاعه للأسباب التالية:
- تآكل القوي الشرائية الاستهلاكية لجموع المصريين بعد برامج الضبط المالي مع صندوق النقد الدولي.
- عدم توفر قوة العمل المدربة والمؤهلة مهنيا ومهاريا بالمواصفات العصرية، والمزودة بأخلاقيات وثقافة العمل.
- تغول الأجهزة السيادية والحكومة على مناخ الأعمال في مصر.
- ارتفاع معدلات التضخم.
- صعوبات أداء الأعمال « Doing Business »من حيث إمكانية الدخول السهل لإقامة المشروعات، بدءا من الموافقات والتراخيص والحصول على الأراضي والمرافق اللازمة.
- انخفاض مستويات الشفافية وانسياب المعلومات، وصعوبة عمليات التخليص الجمركي وانتشار الفساد في الموانئ، والرسوم الجمركية المرتفعة على بعض المواد، وإدارة النظم وصعوبة تحديد المسئوليات الوظيفية لبعض الأجهزة الحكومية.
مراجعة العوامل السابقة والتي يوجد شبه إجماع من الباحثين حول تسببها في تثبيط توجه الاستثمارات الأجنبية إلى مصر، يشير بوضوح إلى أن الغالبية العظمي منها يحتاج إلى إرادة سياسية أولا للتغلب عليها، بخلاف تخصيص الموارد المالية الكافية لمواجهتها خاصة في التعليم والتدريب، بالإضافة إلى احتياجها لفترة متوسطة نسبيا من الزمن، لكي تثمر في تغيير الأوضاع الحالية لأرقام الاستثمارات الأجنبية.
وهو الأمر الذي يمكن أن نستخلص منه أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للسوق المصرية ربما تتحسن فقط حتى تعود إلى أوضاع ما قبل كورونا، وقد يحدث ذلك في العام القادم أو الذي يليه وفقا لأحوال المتحورات واللقاحات والأدوية.
كما أنه سيصعب حدوث طفرات في أرقام هذه الاستثمارات خلال الثلاثة الأعوام القادمة، لا سيما في ظل تخاذل الدولة في الاشتباك الجاد مع المثبطات السابق ذكرها، وحتى بفرض الاشتباك الجاد والقريب معها فإنها تحتاج لفترة زمنية ليس بالقليلة لتتساقط ثمراتها، وبذلك يمكن القول أن أن حصيلة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر لن تغير كثيرا في أوضاع إيرادات وفجوة مصر من النقد الأجنبي خلال الثلاث السنوات المقبلة.
رابعا: تحويلات العاملين في الخارج:
تشير بيانات البنك المركزي المصري الواردة في الجدول رقم (4)، وبعض نشرات البنك المركزي لسنوات سابقة، إلى استمرار تصاعد تحويلات المصريين بالخارج خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث تصاعدت من 12.6 مليار دولار عام 2010-2011 إلى 18.7 مليار دولار تقريبا في العامين الماليين 2012-2013 و2013-2014، ثم ما لبثت أن قفزت إلى 25.2 مليار دولار ثم 27.8 مليار دولار في العامين 2018-2019 و 2019-2020.
كما حققت تلك التحويلات ارتفاعا قياسيا خلال العام المالي 2021/2020، بعدما نمت بأكثر من 13% لتصل إلى 31.4 مليار دولار، وفي الربع الرابع فقط، ارتفعت التحويلات بنحو 30% لتبلغ 8.1 مليار، مقارنة بـ 6.2 مليار دولار في الفترة نفسها من 2020/2019.
وبذلك أصبحت مصر واحدة من أفضل خمس وجهات التحويلات من الخارج في عام2020([20]، ومن المتوقع أن تشغل مركزا أكثر تقدما مع نهاية العام الحالي.
ومن الجدير بالذكر أن تحويلات العاملين المصريين بالخارج تكاد أن تتفوق وحدها على مجموع إيرادات مصر من كل من قناة السويس والإيرادات السياحية مضافا اليهم الصادرات السلعية غير البترولية (مما يعني أن المصريون في الداخل يعيشون بالأساس على الإيرادات التي يرسلها ذويهم في الخارج!)، ويمكن القول بصفة عامة أنها تشكل أكثر من ثلث إيرادات مصر من النقد الأجنبي، كما أنها أضحت أكثر أهمية ليس فقط في قيمتها ولكن لقدرتها على التغلب على الصعاب التي كان من المفترض أن تؤثر سلبيا عليها، وفي مقدمتها أزمة انخفاض أسعار النفط في دول الخليج العربي خلال الأعوام الأخيرة، علاوة على تداعيات فيروس كورونا.
عموما يمكن جزئيا تفسير النمو الكبير والمضطرد لهذه التحويلات في الأعوام الثلاث الأخيرة بفقدان عدد كبير من المصريين العاملين بالخارج وظائفهم، وبالتالي عودتهم بكامل أموالهم وعدم إرسال جزء منها كما كان المعتاد في سنوات ما قبل أزمة كورونا، خاصة مع عدم استطاعة الكثير من العاملين المصريين العودة إلي مقار عملهم لأسباب الإغلاق، أو لتضييقات دول الخليج عليهم في إطار مواجهتها للأزمة المالية الداخلية عقب انخفاض أسعار النفط.
هذا بالإضافة إلى ارتفاع الأسعار في مصر وبالتالي ارتفاع المتطلبات المعيشية لأسر العاملين في الخارج، كما أن الفترة في أعقاب التعويم شكلت فرصة شرائية كبيرة بالعملة المحلية للعقارات والأراضي في مصر.
أما عن التوقعات المستقبلية حول تحويلات المصريين بالخارج، فتوجد عدة أسباب ترجح استمرارها ربما عند نفس مستويات العام الحالي خلال السنوات الثلاث القادمة، ومن بين هذه الأسباب ما يلي:
- الاتجاه الصعودي لأسعار النفط خلال الفترة الماضية في ظل توجه الاقتصاد العالمي باستعادة مستويات إنتاج ما قبل الأزمة، الأمر الذي عوض نسبيا خسائر دول الخليج خلال الفترة الماضية، ودفعها للإعلان عن موازنات ضخمة للعام المالي القادم، تتضمن استثمارات حكومية كبيرة سيترتب عليها الحفاظ على مستويات العمالة الموجودة وربما زيادتها نسبيا.
- استقرار الوضع نسبيا في ليبيا وتواتر الإعلان عن الحاجة للعاملين المصريين لإعادة الإعمار، ومن المرجح أن يكون للشركات والعمال المصريين دور ليس بالقليل في إعادة إعمار ليبيا على الأقل في المناطق التي يسيطر عليها الجنرال حفتر، ومن المرجح أن يمتد ذلك لكامل الأراضي الليبية، وسيدعم تدفق العمالة المصرية إلي ليبيا، بما قد يصل لنحو مليون عامل، استقرار تدفق عوائد النفط الليبي، والتي باتت القوي الكبري تحرص على دوره في ضبط السعر العالمي، كما سيدعمها الابتعاد النسبي لشبح النزاع المسلح.
- من الجدير بالذكر أن نسبة من تحويلات المصريين بالخارج تأتي من الدول الأوربية وأمريكا وكندا، وربما يفسر ذلك من جانب بعضاً من تصاعد هذه التحويلات، كما يفسر من الجانب الآخر ترجيح احتمال استمرارها حول مستوياتها الحالية خلال الأعوام الثلاث القادمة، لا سيما في ظل التعويضات الكبيرة التي صرفت لمواطني هذه الدول أثناء إغلاقات كورونا، والتي تسببت بتزايد كبير لنسب الادخار والاستهلاك المحلي فيها.
- الوظائف التي وفرتها مشروعات البنية الأساسية في مصر ذات طبيعة مؤقتة، وربما تنخفض وتيرتها اذا واجهت تدفقات الديون الخارجية إلي مصر مشكلات تتعلق بالظرف الدولي خاصة في جانب الأموال الساخنة، بالإضافة إلى أن الإدارة المصرية لم تفلح في توطين النشاط الصناعي الذي يستوعب الأعداد المتدفقة سنويا نحو سوق العمل، فضلا عن العاطلين بالفعل، ويشير ذلك بوضوح أن العمل بالخارج سيكون الملاذ الوحيد خلال السنوات الثلاث المقبلة لمن سيفقد عملة في مصر، وهو الأمر الذي يعمل على استقرار أرقام التحويلات من الخارج. إلا أنه تجدر الإشارة أنه على الرغم من تلك المؤشرات، فحجم التحويلات حساس بشكل كبير لما يمكن أن يؤثر على الأمن و الاستقرار في دول الخليج، حيث يمكن مثلا في حالة حدوث نزاع عسكري مع إيران إذا لم يتم التوصل لاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني أن يؤثر ذلك تأثيرا حادا على العمالة المصرية في الخليج و على حجم ما يرسلونه من تحويلات للداخل.
خاتمة المبحث الثاني:
استعرض المبحث الثاني المعاملات الخارجية المصرية، والتي تتضمن الميزان التجاري المصري، وتوقعات الصادرات والواردات للأعوام الثلاثة القادمة، كما تطرق للميزان الخدمي، والصعوبات التي يواجهه القطاع السياحي حاليا، واستقراء أحواله المتوقعة مع قطاع السفر، وأثرهما الكلي على الميزان والفجوة الدولارية لنفس الفترة.
كما استعرض المبحث الاستثمارات الأجنبية المباشرة وأهم التحديات التي تواجه نموها خلال الفترة القادمة، وكذلك إلى تحويلات العاملين المصريين بالخارج وأسباب طفراتها، والتوقعات المستقبلية لها خلال الأعوام الثلاث القادمة.
المبحث الثالث: تطور ومستقبل الديون الخارجية المصرية
أمست الديون المصرية رافداً أساسياً للنقد الأجنبي إلى الاقتصاد المصري، فيما بعد اتفاق الضبط المالي مع صندوق النقد الدولي في نهاية عام 2016، وقد أثارت الطفرات المتتابعة لأرقام هذه الديون الكثير من التساؤلات حول استمرار الاعتماد عليها، واستمرار تدفقاتها من مصادرها المختلفة، بالإضافة إلى التساؤلات حول قدرة الاقتصاد المصري على السداد، لا سيما في ظل الإصرار على الإنفاق على المشروعات الخدمية وإهمال القطاعات الإنتاجية، وفي ظل تآكل قدرة الإيرادات العامة على مواجهة أقساط وفوائد الديون. كما يبرز التساؤل كذلك حول مستقبل تطور هذه الديون خلال الأعوام الثلاث القادمة، وذلك ما يحاول هذ المبحث الإجابة عليه من خلال النقاط التالية.
أولا: تطور الدين الخارجي لمصر خلال الأعوام الخمسة الماضية:
تشير بيانات الجداول أرقام (7) و(8) و(9) إلى الطفرات المتتالية للدين الخارجي لمصر خلال الفترة من عام 2017 وحتى نهاية عام 2021، حيث زاد الدين الخارجي من 80 مليار دولار تقريبا عام 2017 (و هو ما يشكل تقريبا ضعف مستوى الدين الخارجي في أوائل 2013)، إلى 93 مليار دولار تقريبا في عام 2018، ثم 107 و 124 مليار دولار في العامين التاليين، ليصل إلى 138 مليار دولار تقريبا بنهاية النصف الأول من عام 2021.
وتشير الأرقام كذلك إلي تصاعد التزايد خلال الفترة، حيث زيادة 13 ثم 14 مليار دولار في العامين الأولين، ثم زيادة بقيمة 21 مليار دولار، ثم زيادة بقيمة 14 مليار دولار في النصف الأول فقط من عام 2021، ويشير ذلك بوضوح إلي تضاعف حجم الزيادة السنوية للاقتراض الخارجي في الأعوام الثلاث الأخيرة، ويعود ذلك نسبياً إلى تداعيات فيروس كورونا وتآكل مصادر النقد الأجنبي المصرية، مع استمرار وفاء مصر بسداد التزاماتها الخارجية.
توضح الأرقام كذلك أن النسبة الكبري من القروض الخارجية تقع تحت نطاق الديون طويلة الأجل، والتي تزايدت من 66.8 مليار دولار عام 2017 إلى 80 ثم 97 مليار دولار خلال العامين التاليين، لتصبح 113 مليار دولار في عام 2020، قبل أن تبلغ 124 مليار دولار بنهاية النصف الأول من عام 2021، أي أنها أصبحت تشكل أكثر من 90% من إجمالي الديون الخارجية لمصر.
وتشير قفزات الدين الخارجي طويل الأجل بوضوح إلى حرص مدير الدين المصري إلى ترحيل الاستحقاقات للديون الخارجية إلى أبعد فترة ممكنة، كما أن تزايد إجمالي الدين الخارجي قد أدي إلى تزايد كبير في نصيب الفرد المصري من هذا الدين، حيث تزايد هذا النصيب من 786.4 دولار فقط في عام 2016/2017 إلى 1272.9 دولار للفرد بنهاية العام المالي الفائت.
كما تشير أرقام الجداول كذلك إلى قلة نصيب القطاع الخاص من إجمالي الدين الخارجي، وهو الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن الدين الخارجي المصري مستحق بالكامل تقريبا على الحكومة المصرية، وستتحمل الموارد العامة المصرية سداد أقساطه وفوائده .
تشير أرقام الجداول كذلك إلى أن الودائع طويلة الأجل شبه مستقرة، حيث بلغت 18 مليار دولار في عام 2017، واستمرت في حدود 17مليار دولار حتى نهاية 2020، لتنخفض بصورة ملحوظة في توقعات النصف الأول من عام 2020 إلي 14.7 مليار دولار فقط، وهو الأمر الذي يشير إلى استحقاق السداد لبعضها، وعموما نجحت الحكومة المصرية في تأجيل كل السداد للودائع المستحقة. كما تشير الأرقام كذلك إلى أن الودائع قصيرة الأجل هي أرقام محدودة إلى حد كبير.
كما تشير مؤشرات الدين الخارجي المصري إلى الثبات النسبي لهذا الدين منسوباً إلي الناتج المحلي الإجمالي حيث شكل 33% و34% خلال السنوات الخمس الماضية، بينما تضاعفت نسبته إلى الصادرات المصرية من 212% عام 2016/2017 إلي 259% و306% خلال العامين الأخيرين، ويدلل ذلك ليس فقط على القفزات الضخمة لأرقام الدين الخارجي، وإنما أيضا على عدم القدرة على زيادة الصادرات مقارنة بالزيادات التي طرأت على الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يؤكد ليس فقط على ضعف القطاعات الإنتاجية المصرية، ولكن أيضا على عدم قدرتها على اختراق الأسواق الدولية.
ومن الجدير بالذكر أن فوائد الدين الخارجي أصبحت تلتهم 9.3% من متحصلات الصادرات المصرية في عام 2020/2021 في مقابل 3.3% فقط بنهاية عام 2016/2017.
أما عن خدمة الدين الخارجي مقوما بالدولار، فقد تضاعفت خلال الفترة، حيث زادت من 7.3 مليار دولار عام 2016/2017 إلى 13.3 مليار دولار في العام التالي له مباشرة، قبل أن تقفز إلى 17.2 مليار دولار في عام 2019/2020، لتستقر عند 15.9 مليار دولار بنهاية العام المالي 2020/2021.
ومن الجدير بالذكر أن الدين الخارجي على البنوك المصرية تزايد من 11.9 مليار دولار في يناير من عام2020 إلى 14.4مليار في يناير 2021 بمعدل زيادة 21% تقريبا، مقارنة بمعدل زيادة 9% فقط بين العامين السابقين عليه، ويشير ذلك بوضوح إلى الكلفة العالية التي تدفعها البنوك المصرية من مواردها من النقد الأجنبي للحفاظ على استقرار سعر الصرف المحلي، وذلك من خلال تدبير الأموال بالعملات الأجنبية المحولة للخارج سواء للمستثمرين الأجانب أو المستوردين، وهو ما يضطرها للاستدانة من الخارج.
عموما وباختصار، سيبقي القطاع المصرفي المصري الضخم أسيرا للديون بالعملة المحلية، كما أنه يعاني من انخفاض في صافي الأصول الأجنبية، كنتيجة لاستخدامها لتمويل الحساب الجاري وتغطية الالتزامات الخارجية المستحقة، ودعم احتياطيات البنك المركزي المصري بشكل غير مباشر.
هناك العديد من الملاحظات التي يجب أن تضاف إلى التحليل الرقمي السابق حتى تصبح الصورة أكثر وضوحا، أولها أن الأرقام المتاحة تتوقف قبل ستة أشهر كاملة من كتابة هذه السطور بما يعني زيادة هذه الأرقام بما لا يقل عن 15 مليار دولار وهو المتوسط العام للأعوام الثلاثة الأخيرة.
وثانيها، أن معظم هذه الديون لم يوافق عليها البرلمان مسبقا، ولا يعرف أحد على وجه التحديد اشتراطاتها، وثالثها أن هذه الأرقام عرضة للزيادة العنيفة حال الاتفاق النهائي على بعض المشروعات الجديدة والمعلن عنها بالفعل، مثل قرض مشروع المحطة النووية الذي بزغ مرة أخرى بعد خفوته طويلا، والذي من المرجح أن يضيف 25 مليار دولار دفعة واحدة على هذا الدين على الأقل، وفي بعض الأقاويل الأخرى قد يضيف أكثر من 40 مليار دولار اذا تم تمويل القرض من خلال بنك التنمية الروسي، أو قرض القطار السريع الذي تصل تكلفة إجمالي مراحله 23 مليار دولار، وغيرها من القروض الأخرى التي يتوالى الإعلان عن المشروعات المتعلقة بها.
بعد الاستعراض التحليلي السابق لقضية الدين الخارجي لمصر يمكن القول أن هناك أسبابا رئيسية تقف وراء ارتفاع حجم الدين الخارجي لمصر خلال السنوات الخمس الماضية، وهي باختصار:
- الارتفاع الكبير في حجم الاستثمارات الحكومية والإنفاق على البنية التحتية، بالإضافة إلى بعض المشروعات التي يمكن وصفها ككل أو وصف بعض مكوناتها بالمظهرية والتفأخرىة، والتي تشترك جميعا في صفة غياب دراسات الجدوى، وغياب حتى المناقصات التي قد تظهر التكلفة الحقيقية للمشروع من وجهة نظر جهات التنفيذ المتنافسة في المناقصة.
- الضعف المزمن والهيكلي لموارد مصر من النقد الأجنبي، والتي تزايد بفعل تداعيات فيروس كورونا، وما تبعه من مصروفات لخطة التحفيز التي أعلنتها الحكومة المصرية في مارس (آذار) 2020 الماضي في إطار مواجهة جائحة كورونا.
وأخيراً، يجدر الإشارة إلى أن التذرع باتجاه ديون العالم إلى الارتفاع بنسب كبيرة خلال الفترة الأخيرة كمبرر لتزايد الدين الخارجي المصري، يجب مناقشته في إطار انعدام المساندة الحكومية للمواطن المصري لمواجهة تداعيات الفيروس، فحزم المواجهة الرئيسة على ضعفها، وجهت نحو الشركات والمؤسسات وتجاهلت الأفراد، كما أن القرارات الحكومية المتزامنة مع تداعيات الفيروس زادت وطأتها على المصريين، فقرارات منع البناء على سبيل المثال أوقفت النشاط العقاري، الذي يعد قاطرة الاقتصاد المصري، وهو ما تضرر منه ملايين المصريين.
تشير الأسباب السابقة إلى أن تزايد الديون الخارجية المصرية ترجع في النسبة الكبري منها إلى تزايد الإنفاق على المشروعات الخدمية غير المولدة لعائد يغطي الأقساط والفوائد، وهو ما سبق انتشار فيروس كورونا، ثم تبعات مواجهة كورونا على القطاعات الاقتصادية، وهي لا تشكل إلا نسبة قليلة من القروض الخارجية، حيث مولت معظم خطط المواجهة من خلال مبادرات من البنك المركزي تحملت البنوك التجارية تبعاتها إلى حد كبير.
ويعني ذلك ليس فقط أن الالتزامات المصرية المقبلة جراء هذا الدين لا توجد موارد كافية لمواجهة أعباء خدمتها، حتى في ظل أرقامها المعلنة حاليا، ولكن أيضا أن استدامة الاقتراض من مصادره المختلفة هو الملاذ الوحيد للالتزام بسداد أقساط وفوائد الديون السابقة (هذا إذا ما توافرت السيولة العالمية المتاحة للإقراض و الذي يتوقع أن يقل كثيرا في الفترة القادمة).
وبالتالي فمن المنطقي القول بتزايد تلك الديون خلال العام المقبل بصورة كبيرة، بل ربما تتضاعف أو أكثر خلال ثلاث سنوات قادمة، وأن ذلك سيتوقف إلى حد كبير على تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة كورونا ومتحوراتها، وعلى مدي رشد الإدارة الحكومية في تخير المشروعات الجديدة، والذي يبدو انه لا يجب أن نعول عليه كثيرا.
وهي نفس النتيجة تقريبا التي تختصر مؤسسة فيتش مستقبل المشهد الاقتصادي المصري في العبارة التالية” مصر مقيدة بالعجز المالي الذي لا يزال كبيراً، والدين الحكومي العام المرتفع كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، والأمن المحلي والإقليمي والمخاطر السياسية. بجانب نقاط الضعف الخارجية، بما في ذلك الاعتماد على التدفقات الأجنبية قصيرة الأجل لسد احتياجاتها”([21] وهو ما عبر عنه سبرينجبورج بصورة أكثر حدة أن مصر تحولت إلي دولة متسولة ([22] .
وتشير مؤسسة فيتش كذلك إلى أن مقاييس الديون في مصر أعلى بكثير من المتوسطات في الدول التي تحمل تصنيف “B”، ومع ذلك، فإن أكثر من نصف الدين الخارجي للحكومة مستحق لمؤسسات متعددة الأطراف، تتمتع مصر بعلاقات جيدة معها.
وذلك ما يؤكد النتيجة السابقة، أن العامل الأكثر أهمية خلال الفترة المقبلة هو توافر الأموال الواجبة السداد ومصدرها، حيث ستتلاشي الاختيارات، ويصبح المسار إجباري تحت ضغط الالتزام.
ومن هنا يمكن القول أن اللجوء إلى أسواق التمويل عالي التكلفة سيكون المسار الوحيد المطروح خلال الأعوام الثلاث المقبلة، بما يعني الخضوع لاشتراطات الدائنين من حيث سعر الفائدة وطرق وزمن السداد، وربما تقديم المزيد من الضمانات للحصول على القروض بالعملات الأجنبية.
وفي هذا الإطار أعلنت وحدة بحوث بنك الاستثمار “فاروس”([23]، “إن تكلفة ديون مصر عالمياً ارتفعت مقارنة بذي قبل، نتيجة عوامل متعلقة بتعافي الاقتصادات العالمية، والبيئة النقدية العالمية، ومسارعة مصر إلى الأسواق الدولية في خطوة استباقية لتأمين التمويل الخارجي المطلوب قبل أن يرفع البنك المركزي الأميركي تكلفة التمويل في جميع أنحاء العالم”.
تراهن الإدارة المصرية على دعم صندوق النقد الدولي وبعض الدول الأوروبية الكبري التي توطدت علاقاتها معها من خلال إبرام صفقات الأسلحة الضخمة، أو التعاقد مع شركاتها الكبري كمثال شركة سيمنز الألمانية، ولكن الورطة الكبري ستحدث حال رفع الدعم الخارجي عن النظام في ظل متغيرات دولية اقتصادية وسياسية متسارعة، ومع إصرار الدولة على مشروعات الإبهار ستتأزم الحالة المصرية إلى الوضع الذي شبهه سبرينجبورج بالحالة اللبنانية ([24].
ثانيا: هل تلجأ مصر مجدداً إلى صندوق النقد الدولي
يمكن القول أن ظروف التمويل الخارجي لمصر استمرت مواتية إلى حد كبير خلال العام الحالي، حيث أصدرت الحكومة حوالي 3 مليارات دولار أمريكي من السندات الخارجية حتى الآن في السنة المالية2021/ 2022، بعد حوالي 5 مليارات دولار أمريكي في كل من العامين الماليين2019/ 2020 و2020/ 2021.
كما تلقت مصر مؤخراً المدفوعات النهائية البالغة 1.7 مليار دولار أمريكي بموجب اتفاق الاستعداد الائتماني لصندوق النقد الدولي (SBA) الذي تم الاتفاق عليه في يونيو من العام الماضي بقيمة 5.2 مليار دولار أمريكي، أعقبه 2.8 مليار دولار أمريكي كجزء من التخصيص العالمي لحقوق السحب الخاصة.
وبذلك فإن الاقتراض الحكومي وعودة مستثمري المحافظ الأجانب، قد سمح للبنك المركزي والبنوك التجارية بإعادة بناء صافي مراكز الأصول الأجنبية جزئياً، على الرغم من أن وضع البنوك التجارية قد شهد تدهوراً كبيراً مرة أخرى في عام 2021 (إلا أننا يجب التنويه إلى مخاطر الاعتماد على مصادر مؤقتة للنقد الأجنبي).
وعلى الرغم من ذلك فإن الكثير من منظمات التصنيف الائتماني تعتقد أن الظروف النقدية العالمية أصبحت أقل ملاءمة للاقتصادات الناشئة ومن بينها مصر، الأمر الذي يمثل مخاطر على اتجاهات التحسن الإيجابي في المالية العامة ومؤشرات الاقتصاد الكلي.
فارتفاع معدلات التضخم العالمي وانتقالها استيرادا إلى مصر، وتشديد السياسات النقدية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، قد يجبر البنك المركزي المصري على رفع سعر الفائدة، سعيا للحفاظ على أرصدته من الحيازات الأجنبية من أذون الخزانة الحكومية وسندات الخزانة – عبر الحفاظ على معدل الفائدة الحقيقي الحالي والبالغ نحو 2.6% – والتي بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق بنحو 34 مليار دولار في سبتمبر 2021 ( وهو ما يمثل أكثر من 12٪ من الدين المحلي الحكومي و 85٪ من الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي المصري) وهو الأمر الذي سيؤثر سلبا على معدل النمو، وسيمتد أثره إلى سعر الصرف، بما يهدد المسار الاقتصادي برمته.
باختصار تبقي تدفقات النقد الأجنبي إلى مصر رهينة الاستقرار العالمي، حيث ستضغط أية صدمة ثقة أو تحول في ظروف السيولة العالمية ليس فقط على سيولة النقد الأجنبي في مصر وإنما أيضا على أسعار الفائدة وسعر الصرف.
ومن الجدير بالذكر كذلك أن استمرار جمود سعر الصرف (بالتدخل المستمر من البنك المركزي) يولد مخاطر على استقرار الاقتصاد الكلي وأداء الحساب الجاري على المدى المتوسط، كما يساهم في تآكل جزء كبير من مكاسب تخفيض قيمة الجنيه بنهاية عام 2016، بالإضافة إلى المزيد من التحميل على موارد النقد الأجنبي للبنوك واضطراراها إلى الاستدانة.
ومن المهم في هذا الإطار كذلك التطرق إلى أن وثيقة طرح السندات الدولية في الخارج أشارت إلي جدول الاستحقاقات السنوية على مصر وحتى عام 2025 وفقا لتقديرات الحكومة المصرية، وجاءت هذه الاستحقاقات( أقساط+فوائد) 21.4 مليار دولار للعام 2021، تتناقص إلى 14.8 مليار دولار في عام 2020، ثم 13.9 و11.8 و9.9 مليار دولار في الأعوام الثلاثة التالية على الترتيب، أي أن مجموع تكلفة خدمة الدين العالمية حتى عام 2025 تبلغ حوالي 72 مليار دولار تقريبا، منها 58.4 مليار دولار أصل الدين، والباقي 13.6 مليار دولار فوائد([25]. إلا أن التحليلات الواردة في هذه الدراسة تفضي إلى أن هناك شك كبير في واقعية هذه الأرقام بالنظر إلى تناقص مصادر النقد الأجنبي، مما قد يرفع الأرقام المذكورة بشكل كبير.
و بناء على هذا التوضيح التفصيلي، يمكن القول أن مصر بحاجة إلى برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، وقد يشجعها على ذلك وجود برامج لدي الصندوق تعرف ببرامج “حالات صدمات السيولة” وهو نوع من البرامج مخصص للدول التي تعتمد بكثافة على التدفقات النقدية الخارجية، والتي تتعرض لمشكلات كبيرة حال انقطاع أو ذبذبة تلك التدفقات([26]، وكانت مصر قد فاتحت إدارة الصندوق في ذلك من عام 2019 وقبل بداية جائحة كورونا.
ثالثا: ملامح الاتفاق المحتمل لمصر مع صندوق النقد الدولي
تكمن المشكلة الرئيسية للاقتراض من صندوق النقد الدولي إلى اضطرار السلطة إلى تنفيذ الاشتراطات التي يمليها الصندوق ليس فقط من اجل قروض الصندوق ولكن أيضا من أجل شهادة الثقة التي يقدمها الصندوق لأسواق الديون العالمية حول حال الاقتصاد المقترض.
وبذلك فإن احتمالية لجوء مصر مرة أخرى إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي يدفع نحو البحث في الاشتراطات التي قد يطالب بها الصندوق هذه المرة، وتداعياتها على الاقتصاد والمواطن المصري. ويمكن الإشارة إلي بعض منها في النقاط التالية:
- المزيد من رفع أسعار السلع والخدمات المدعومة وهو النهج الذي اتبعته الإدارة المصرية فعليا خلال الفترة الماضية، حتى في أشد فترات تداعيات فيروس كورونا، وهو ما يعني أن موجة جديدة من إزالة الدعم ستترتب على الاتفاقية المحتملة للصندوق، وربما ستحدث في كل الأحوال في إطار الالتزامات السابقة بخفض عجز الموازنة، وهو الأمر الذي يؤكده توالي الأحاديث التمهيدية لرفع سعر رغيف الخبز، وعدم قيد المواليد الجديدة في بطاقات التموين، وعدم قيد المتزوجون حديثا كذلك.
- كما ستأتي محاولات إدماج الاقتصاد غير الرسمي بصورة أكثر جدية في الفترة القادمة، للاستفادة منه كمصدر لتمويل عجز الموازنة، دون أية التزامات أو حوافز لمنتسبيه قد تدفعهم نحو الالتحاق الطوعي بالاقتصاد الرسمي، أو حتى تعمل على تطوير أدائه.
- رفع رسوم الخدمات التي تقدمها الحكومة، وقد يمتد الأمر إلى فرض ضرائب جديدة، كما سيتم رفع أسعار تذاكر المواصلات، وربما قد تحمل التذكرة جزءا من تكلفة إحلال المركبات الجديدة بدلا من القديمة.
- ربما نشهد كذلك خفضا لقيمة الجنيه مرة أخرى، لا سيما في ظل اتساع فجوة الميزان التجاري وتقلص موارد النقد الأجنبي، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التخفيض كما هو الحال في المرة الأولي لن يرتقي إلى مرتبة التعويم الكامل، بل سيظل في إطار التخفيض التدريجي المدار من قبل البنك المركزي.
- الاتجاه إلى المزيد من الخصخصة و بيع الأصول لتمويل العجز في الموازنة العامة، و قد تؤدي الحاجة الشديدة للسيولة إلى المزيد من بخس ثمن هذه الأصول.
رابعا: بيع الديون المحلية في بورصة يوروكلير
أعلن وزير المالية المصري، في أبريل الماضي، إن مصر تتوقع أن يكون دينها المحلي مؤهلا للمقاصة الأوروبية ومفتوحا أمام عدد أكبر من المستثمرين الأجانب خلال أشهر، وكانت مصر قد وقعت في 2019 اتفاقا للربط عبر الحدود مع يوروكلير، كما أصدر القانون (رقم 143 لسنة 2020)، لتعديل القيد والحفظ المركزي؛ تمهيدا لاتفاق مع مكتب (يوروكلير) لعمل مقاصة للديون الداخلية المصرية بأوروبا.
وكان مجلس الوزراء قد وافق العام الماضي على تأسيس شركة المقاصة الجديدة في إطار الجهود المتواصلة لتخفيض تكلفة الدين العام، وستسمح بإدراج الديون المصرية للتداول عبر منصة يوروكلير.
يأتي ذلك في إطار إستراتيجية مصر لإدارة الدين المحلي، والتي تشمل خفض نسبة مدفوعات الفائدة إلى الناتج المحلي الإجمالي لتصبح 6.9 ٪ بحلول 2023-2024، من 8.8 ٪ في السنة المالية الماضية.
تداول الديون المصرية المحلية في بورصة يوروكلير الأوروبية، يعني استحواذ من يسمون مستثمرين دوليين (المضاربون الدوليون) على تلك الديون، في مقابل ضمانات معينة تعني في النهاية نوعا من رهن أصول الدولة المصرية مقابل تلك الديون، مما قد يمهد للاستيلاء على تلك الديون مستقبلا، حال العجز عن السداد كما يفتح باب المخاطر لشراء أفراد أو شركات تابعة لدول قد تهدف للأضرار بالمصالح المصرية أو على الأقل التحكم بقراراتها. وعموما من المهم الإشارة إلى أن هذا الأمر يحتاج إلي دراسة مفصلة لا يتسع مجال البحث الحالي لها.
خاتمة المبحث الثالث
قدم المبحث قراءة في تطور ومستقبل الديون الخارجية المصرية، بالإضافة إلى دراسة نسب هذه الديون إلى الناتج المحلي والصادرات، وكيف تحول النسبة الكبري منها إلى ديون طويلة الأجل، مع التطرق إلى التزامات الدولة المصرية المقرر سدادها خلال الأعوام الخمسة المقبلة، وكيف أن اللجوء إلي صندوق النقد الدولي مرة أخرى والخفض المتدرج للجنيه، أصبح مرجحا إلى حد كبير خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
خاتمة الدراسة: النتائج والتوصيات
تشير النتائج الكلية التي خلصت إليها هذه الدراسة إلى أن الصورة الكلية الحقيقية للاقتصاد المصري مختلفة تماما عما تحاول الحكومة الإيحاء به في ظل ارتفاع نسب النمو في ظل التفاوت الهائل في الدخول. الصورة بالفعل شديدة القتامة؛ هناك تآكل مستمر لقدرات الموازنة العامة على الإنفاق على الخدمات العامة عاماً بعد الآخر، وتزايد للعجز التجاري والخدمي، بما يشكل ضغطا على موارد النقد الأجنبي، بحيث أن استمرار تدفق القروض الأجنبية واستقرار أذون الخزانة هما الضمانة لاستمرار سداد مصر لالتزاماتها، واستقرار سعر الصرف فيها، رغم الشكوك المحيطة بهذا الأمر في ظل الأوضاع الاقتصادية الدولية السائدة. وكل هذا يعني المزيد من الضغط الشديد على طبقات المجتمع المختلفة، وتزايد أعداد الفقراء، وتآكل القدرة على تقديم الخدمات الأساسية، والمزيد من التبعية والرضوخ للمؤسسات المقرضة، بما يهدد استقلالية القرار السياسي و السلم الاجتماعي.
إن هذه الصورة القاتمة أصبحت واضحة أمام جميع الخبراء المتخصصين بالشأن المصري، و أخرهم الكاتب الشهير البروفيسور روبرت سبرنجبورج، الذي وصف مصر في أخر دراساته أنها أصبحت دولة متسولة، يتجه الإنفاق العام فيها لتحقيق الإبهار دون قيمة حقيقية، وقارن بين هذه الأوضاع و بين أداء الاقتصاد اللبناني و النتائج المأساوية التي ترتبت عليه، بل إنه قارن الصورة، مع الأسف، مع عهد الخديوي إسماعيل. إن خطورة هذا التقييم لا يرجع إلى أن سبرنجبورج كاتب متخصص في الدراسات الاقتصادية، ولكنه بالأساس من أهم الخبراء فيما يتعلق بدراسات الأمن القومي، وهو ما يعني المدى الذي يمكن أن تصل إليه مصر بانكشاف أمنها القومي تحت وضعها الاقتصادي المتأزم.
نتائج الدراسة:
استهدفت هذه الدراسة بصفة عامة محاولة استقراء ملامح وأوضاع الاقتصاد المصري خلال السنوات الثلاث المقبلة في ظل المتغيرات الاقتصادية المحلية والعالمية في مرحلة ما بعد كورونا، وركزت بشكل تفصيلي على أوضاع الموازنة العامة، وموارد النقد الأجنبي، ومؤشرات المعاملات والديون الخارجية لمصر، وقد توصلت الدراسة إلي النتائج الرئيسية التالية:
- يبدو معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المستهدف في الموازنة العامة منطقيا في ضوء توقع عودة معظم إيرادات القطاعات الرئيسة التقليدية في الاقتصاد المصري إلى نشاطها الاعتيادي في ظل الخروج التدريجي من تداعيات وباء كورونا، كما أن التعافي التدريجي المنتظر لقطاع السياحة إلى جانب زيادة إنتاجية الغاز الطبيعي يفترض أن يدفعان لانتعاش الاقتصاد المصري، إلا أنه يجب التذكير بأن معدلات النمو المرتفعة في الناتج المحلي الإجمالي في مصر لا تعني بالضرورة ارتفاعا في مستوى معيشة المصريين بشكل عام، وذلك نظرا للتباين الحاد في دخول الطبقات المختلفة، ولعل حدوث ثورة يناير 2011 في الوقت الذي فاقت فيه معدلات النمو 7% يعد شاهدا جليا على ذلك.
- جزء لا يستهان به من هذا النمو المتوقع يعود إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمية، وهو ما رفع أسعار الإنتاج المحلي بصورة كبيرة، بما يعني أن نسبة من معدل النمو المتوقع يبدو اسميا وليس حقيقيا إلى حد كبير، فخصم معدل التضخم المحلي سينقص معدل النمو المعلن للعامين الأخيرين بمقدار 1% في المتوسط، هذا بخلاف وجود نقاط يصعب حسابها مثل التضخم المستورد والمبالغة في إنتاجية بعض القطاعات وفي مقدمتها الخدمات الحكومية والتجارة الداخلية، وكلها ستخصم من هذا المعدل.
- القطاع العائلي لا يزال هو المحرك الرئيس للنمو خلال السنوات العشر الأخيرة، مع نمو طفيف لمساهمة الاستثمار، سرعان ما تراجع بفعل انتشار الفيروس.
- مجموع مساهمة قطاع التشييد والبناء والعقارات يبلغ 16.6% من الناتج المحلي الإجمالي، كنتيجة للمشروعات الحكومية الإنشائية والخدمية الكبيرة، وبالتالي من المتوقع أن تنخفض هذه النسب حال انكماش دور الدولة، لا سيما في ظل التراجع المتوقع لإيرادات القروض الخارجية الصافية وبالتالي نقص قدرات الدولة على التمويل، وربما تنخفض كذلك في ظل جور الدولة والأجهزة السيادية على القطاع العقاري الخاص، إضافة إلى تراكم غير مسبوق للوحدات التي بنتها الدولة، لا سيما مع تناقص غير مسبوق أيضا في الطلب بسبب تزايد نسب الفقر وتآكل الطبقة المتوسطة و ارتفاع أسعار الوحدات، وسيزداد الأمر سوءا حال تنفيذ الدولة تهديدها بوقف البناء لعشر سنوات مقبلة.
- هناك تحد خطير للأمن القومي المصري متمثلا في بناء سد النهضة و اكتماله، الأمر الذي إذا ما حدث سيترتب عليه نقص حاد في الموارد المائية، يعتمد مقداره على عدد سنوات الملأ و على حجم الفيضان، و قد تصل مساحة الأراضي التي سيتم تبويرها نتيجة لذلك إلى نصف مساحة الأرض المنزرعة في مصر بناء على بعض التقديرات، بما سيؤثر بشكل حاد على حجم الإنتاج الزراعي المصري و بالتالي الناتج المحلي الإجمالي، مما سيؤدي إلى أثار اقتصادية و اجتماعية مدمرة نتيجة ارتفاع نسبة البطالة و الاحتياج لمبالغ ضخمة بالعملة الأجنبية لاستيراد الغذاء و تعويض ما لم يعد متاحا، و غير ذلك من الأثار.
- من المتوقع أن تشهد السنوات الثلاث القادمة انتعاشاً لمساهمة قطاع البترول في الناتج المحلي كنتيجة مرحلية لزيادة إنتاج وتصدير الغاز المصري، لكن سيكون مردودها ضعيفا على الموارد الدولارية نتيجة ارتفاع فاتورة استيراد البترول، وعموما سرعان ما ستخبو هذه الزيادة كنتيجة لتآكل احتياطي الغاز الطبيعي.
- يتوقع أن تستمر عائدات السياحة في التحسن التدريجي خلال الأعوام المقبلة إذا لم تحدث أية مستجدات محلية أو إقليمية أو دولية تؤثر على هذا النشاط (والتاريخ يشهد بوضوح على حساسية هذا القطاع لأية مستجدات حادة مفاجئة)، وربما يشهد العام المالي القادم العودة إلى مستويات ما قبل كورونا، ويتوقف ذلك إلى حد كبير على تأثير المتحورات الجديدة دوليا والقدرة على السيطرة عليها. و رغم ذلك فإن هناك محدودية للطموح المصري حول قطاع السياحة رغم الإمكانات المصرية الهائلة لاحتلال مركز ما بين العشر دول الأوائل عالميا في استقطاب السياح، وربما يعود ذلك إلى أن الجذب السياحي لا يعتمد على المقومات السياحية فقط، بل يكون عبر سياسات متكاملة للنواحي الأمنية والديبلوماسية والتسويقية، لذلك فإن مردود الافتتاحات العالمية لبعض المشروعات الأثرية من المتوقع أن يكون محدوداً، في ظل غياب العناصر الإستراتيجية الأخرى.
- لا توجد إرهاصات حقيقية للتحول نحو الإنتاج تنبع من خطط شاملة، تدفعها إرادة سياسية جادة، لكن ما نراه هو مجرد استمرار لمشروعات مبعثرة لا يجمعها رابط تنموي، و ليس لأغلبها أولوية حقيقية، تنطلق أساسا من الخدمات، وسيطرة الجهات السيادية، وتكميش دور القطاع الخاص، وهي النقاط التي ترجح أن القطاعات الإنتاجية المصرية ربما لا تشهد نموا كبيرا خلال السنوات الثلاث المقبلة.
- في ظل التطورات العالمية بتراجع سياسات التيسير الكمي والتوجه نحو رفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم العالمي، من المتوقع أن يتناقص حجم الأموال الساخنة الداخلة للبلاد بشكل حاد مما سيؤدي إلى ضغوط كبيرة على سعر الجنيه وعلى احتياطي البنك المركزي بالعملة الصعبة، وبالتالي سيؤدي إلى تناقص قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المختلفة بالعملة الصعبة. ويبدو ارتفاع متوسط سعر الفائدة على أذون الخزانة أمرا منطقيا للحالة المصرية، التي تعتمد على حجم كبير ومتزايد لأذون الخزانة في التحكم في سعر الصرف، والوفاء بمتطلباتها من النقد الأجنبي، والتي من المقرر تزايدها بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والسلع الأساسية عالميا، بالإضافة على إصرار الحكومة على المشروعات الترفيهية والخدمية والتي تحتاج الي مستلزمات إنتاج مستوردة، وهو ما تسبب في تزايدات كبري للواردات. وبناء على ذلك، فإنه من المتوقع خلال السنوات الثلاث المقبلة تزايد الضغوط على الإدارة المالية المصرية، وستضطر لرفع معدل الفائدة على أذون الخزانة، تماشيا مع الأوضاع العالمية، وهذا الرفع سيزيد أعباء خدمة الدين المحلي، كما سيزيد العجز المقدر للموازنة عن الحدود التي تقول بها الحكومة.
- ستواجه الدولة ذلك التزايد في العجز من خلال ابتكار المزيد من الإيرادات العامة ولن تجد الدولة سوي رفع الرسوم وزيادة الضرائب، كما ستلجأ إلى رفع أسعار السلع المدعمة، ومن المتوقع أن تضطر لرفع سعر الخبز (بعد أن زادت من سعره بالفعل عن طريق خفض حجمه)، واستكمال إزالة ما تبقي من دعم اسمي على المشتقات البترولية، وهو الأمر الذي يزيد من معاناة الطبقات الفقيرة. ويبدو أن الملايين ممن وصفوا بكونهم حول خط الفقر في طريقهم نحو السقوط أدناه.
- انخفضت القيمة الاسمية والحقيقية لإجمالي مخصصات الدعم، على الأخص مخصصات الدعم السلعي والطاقة، في ذات الوقت الذي زاد الدعم الموجه إلى كل من الغاز الطبيعي والكهرباء، بتكلفة تبلغ 11 مليار جنيه سنويا، يستفيد منها القطاع الخاص. ويشير ذلك بوضوح إلى تسرب ما تبقي من الدعم نحو القطاع الخاص وتقليصه على المواطنين، وربما تشهد السنوات القادمة إجراءات أكثر في ذات الاتجاه لا سيما في ظل شكوي مستمرة من القطاع الخاص من منافسة غير عادلة مع أجهزة الدولة.
- محدودية الزيادة المتوقعة في عجز الموازنة للعامين الحالي والقادم، في حالة عدم حدوث تطورات مفاجئة، ستكون بسبب إجراءات دعم الإيرادات، بما في ذلك قانون الجمارك الجديد، وزيادات الرسوم المختلفة وتحديث النظام الضريبي، ولكن بعد ذلك ربما نشهد العودة إلى تنامي عجز الموازنة بصورة أكبر، بسبب تآكل مصادر الإيرادات التي من الممكن الاعتماد عليها لخفض العجز، ولن تجد الحكومة إلا تكميش المصروفات العامة كملاذ أخير لكبح تزايد العجز، وسيبرز الدعم أو بالأحرى ما تبقي منه في مقدمة المصروفات التي ستجور عليها الدولة.
- قضايا التحكيم الدولية قد تشكل تهديدا يزيد من احتمالات زيادة العجز في الموازنة العامة، لا سيما في ظل عدد القضايا الكبير المرفوع على الدولة المصرية، وفشل المفاوضات مع بعض الشركات الكبري لتسوية المنازعات والتي تبلغ قيمة تعويضاتها مليارات الدولارات.
- تشير النظرة السريعة لتوزيع مخصصات مشروع حياة كريمة للعام المالي الحالي إلى تحميل الدولة للمشروعات الاستثمارية للموازنة العامة على نفقات المشروع. وقد ألزمت الدولة نفسها بمشروعات البرنامج حتى وان كانت ضمن الاستثمارات العامة، وامتداد المشروعات للصحة والتعليم والطرق والرياضة، والخدمات البيطرية والزراعية، وكلها بنود كانت مفتقدة في معظم الريف المصري، ووجودها سيحسن بالفعل من جودة الحياة أو على الأقل سيوفر حالا أحسن من ذلك الموجود حاليا.
- بلغ الإنفاق على التعليم في موازنة العام الماضي 157.6 مليار جنيه، ورغم زيادة مخصصاته في العام الحالي بنحو 15 مليار جنيه، ليبلغ 172.6 مليار جنيه، إلا أنها لم تصل إلى نصف الحد الأدنى الذي نصَّ عليه الدستور. ولكي تصل الموازنة إلى النسب الدستورية فقد أضافت الي مخصصات التعليم مجموعة من البنود الأخرى، حيث أضافت نصيب القطاع من فوائد الديون(تساوي نسبته من إجمالي المصروفات العامة) حوالي 42.5 مليار جنيه، إضافة إلى بعض المصروفات الأخرى التي كانت متواجدة في الموازنة العامة من قبل ولكن تحت بنود أخرى.
- تزايد الواردات المصرية بأكثر من ثلاثة أضعاف زيادة الصادرات أدي إلى اتساع عجز الميزان التجاري من 36.5 مليار دولار عام 2019/2020 إلى 42 مليار دولار تقريبا عام 2020/2021، وهو الأمر الذي من المرجح أن يزيد من فجوة النقد الأجنبي سواء للعام القادم أو العامين التاليين له، سواء من ناحية الصادرات التي تتمتع بقدر كبير من المرونة المنخفضة (والتي تعني عدم قدرة الجهاز الإنتاجي على زيادة العرض وبالتالي الصادرات عند ارتفاع الأسعار والطلب العالميين)، أو من ناحية الواردات التي تتنامى تلبية لحاجات التزايد السكاني والمشروعات الخدمية.
- تؤكد الزيادة الكبيرة والمتواصلة في الواردات المصرية حتى في عام كورونا على ضعف القدرات الإنتاجية المصرية صناعيا وزراعيا، علاوة على تنامي السلع المستوردة اللازمة للمشروعات الخدمية المتزايدة، وهو الأمر الذي يشير بوضوح إلى استمرار تلك الزيادات في الأعوام الثلاث القادمة، حيث إن زيادة الطاقات الإنتاجية الصناعية والزراعية يحتاج مدة زمنية كافية، علاوة على الكثير من الترتيبات القانونية والاقتصادية والتنافسية، لا يزال أغلبها مفقودا في الحالة المصرية.
- لا شك انه من المنطقي أن تزايد صادرات الغاز الطبيعي ستنعكس حتماً على تزايد عائدات الصادرات الكلي وبالتالي تناقص عجز الميزان التجاري والفجوة الدولارية، ولكن تشير البيانات إلى تذبذب إنتاجي كبير، يعود إلي مشاكل فنية طبقا لبعض الخبراء، الذين يشيرون كذلك إلى أن طفرة إنتاج وصادرات الغاز الطبيعي ربما تكون مؤقتة إلى حد كبير، خاصة في ظل عدم وجود استكشافات هامة جديدة، وبما يعني أن التحسن في عجز الميزان التجاري للعام 2021 هو تحسن مؤقت، وسرعان ما سيعاود العجز والفجوة الدولارية إلى الوضعية السابقة، وربما يتناميا حال نهاية الاكتفاء الذاتي، لتضيف مزيدا من التنامي في العجز تكاملا مع الواردات المصرية الآخذة في التصاعد.
- تنامي الواردات وبالتالي عجز الميزان التجاري كان من الممكن أن يتسع أكثر لولا الضغط الحكومي الكبير على قدرات الاستهلاك المحلية في أعقاب برنامج الضبط المالي مع صندوق النقد الدولي بنهاية عام 2016، بالإضافة إلى تداعيات فيروس كورونا عالميا ومحليا. حتى مع افتراض صحة توقعات الحكومة بزيادة الصادرات إلى 36 مليار دولار للعام الحالي فسيثبت العجز عند أكثر من 36 مليار دولار وهو نفس عجز العام السابق، وبما يعني أن المكون الرئيس لفجوة إيرادات النقد الأجنبي وهي عجز الميزان التجاري على احسن الفروض وطبقا لتقديرات الحكومة ستظل على حالها كما في العام السابق، مع ترجيح زيادتها في الأعوام الثلاثة القادمة.
- هناك تحديا جديدا لفجوة الموارد الدولارية المصرية من زاوية قطاع السفر، وهو المتعلق بتزايد نفقات القطاع بالعملة الأجنبية حتى بلغت 3 مليار دولار في المتوسط خلال الأعوام الثلاثة ما قبل كورونا، انخفضت إلى 2.7 مليار دولار في العام 2020/2021، وهو انخفاض طفيف يدلل على استدامة هذ الإنفاق، لا سيما في ظل عودة أنشطة العمرة والحج.
- صافي الاستثمارات الأجنبية إلى مصر يبدو ضئيلا إلي حد كبير، هذا بخلاف توجه النسبة الأكبر منه إلى القطاعات النفطية، وفي نفس الوقت فإن الإحصاءات الخاصة بصادرات النفط تشير إلى أن حصة الشريك الأجنبي تتراوح بين 35% و40%، هذا بخلاف مشروعات الإسالة التي تعود النسبة الكبري من عوائدها للشركات الأجنبية العاملة في مصر.
- تتركز مصادر الاستثمارات المتدفقة إلى مصر في الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي باستحواذهم على 50% في المتوسط منها، وأنه لا تزال الاستثمارات العربية المتدفقة إلى مصر ضئيلة للغاية رغم تحسنها الملحوظ خلال الأعوام الأخيرة.
- حدوث طفرات في أرقام الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال الأعوام الثلاث القادمة أمر يصعب تصوره، لا سيما في ظل تخاذل الدولة في الاشتباك الجاد مع المثبطات المزمنة، وحتى بفرض الاشتباك الجاد والقريب معها فإنها تحتاج لفترة زمنية ليست بالقليلة لتتساقط ثمراتها، وبذلك يمكن القول أن حصيلة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر لن تغير كثيرا في أوضاع إيرادات وفجوة مصر من النقد الأجنبي خلال السنوات الثلاث المقبلة.
- تحويلات العاملين المصريين بالخارج تكاد أن تفوق وحدها مجموع إيرادات مصر من كل من قناة السويس والإيرادات السياحية مضافا إليها الصادرات السلعية غير البترولية، ويمكن القول بصفة عامة أنها تشكل أكثر من ثلث إيرادات مصر من النقد الأجنبي، كما أنها أضحت أكثر أهمية ليس فقط في قيمتها ولكن لقدرتها على التغلب على الصعاب التي كان من المفترض أن تؤثر سلبا عليها، وفي مقدمتها أزمة انخفاض أسعار النفط في دول الخليج العربي خلال الأعوام الماضية، علاوة على تداعيات فيروس كورونا. و في حالة عدم حدوث تدهور على المستوى الأمني في منطقتي الخليج و ليبيا، يمكن توقع ثبات نسبي لقيم هذه التحويلات خلال السنوات الثلاث القادمة.
- تشير قفزات الدين الخارجي طويل الأجل بوضوح إلى حرص مدير الدين المصري إلى ترحيل الاستحقاقات للديون الخارجية إلى أبعد فترة ممكنة، كما أن تزايد إجمالي الدين الخارجي قد أدي إلى تزايد كبير في نصيب الفرد المصري من هذا الدين، حيث تزايد هذا النصيب من 786.4 دولار فقط في عام 2016/2017 إلى 1272.9 دولار للفرد بنهاية العام المالي الفائت، رغم الزيادة الكبيرة في عدد السكان.
- تضاعفت أعباء خدمة الدين الخارجي مقوما بالدولار، حيث زادت من 7.3 مليار دولار عام 2016/2017 إلى 13.3 مليار دولار في العام التالي له مباشرة، قبل أن تقفز إلى 17.2 مليار دولار في عام 2019/2020، لتستقر عند 15.9 مليار دولار بنهاية العام المالي 2020/2021.
- سيبقي القطاع المصرفي المصري الضخم أسيرا للديون بالعملة المحلية، كما أنه يعاني من انخفاض في صافي الأصول الأجنبية، كنتيجة لاستخدامها لتمويل الحساب الجاري وتغطية الالتزامات الخارجية المستحقة، ودعم احتياطيات البنك المركزي المصري بشكل غير مباشر.
- التذرع باتجاه ديون العالم إلى الارتفاع بنسب كبيرة خلال الفترة الأخيرة كمبرر لتزايد الدين الخارجي المصري، يجب مناقشته في إطار انعدام المساندة الحكومية للمواطن المصري لمواجهة تداعيات الفيروس، فحزم المواجهة الرئيسة على ضعفها وجهت نحو الشركات والمؤسسات وتجاهلت الأفراد، كما أن القرارات الحكومية المتزامنة مع تداعيات الفيروس زادت وطأتها على المصريين.
- الالتزامات المصرية المقبلة جراء هذا الدين لا توجد موارد كافية لمواجهة أعباء خدمتها، حتى في ظل أرقامها المعلنة حاليا، وستبقي استدامة الاقتراض من مصادره المختلفة هو الملاذ الوحيد للالتزام بسداد أقساط وفوائد الديون السابقة.
- من المنطقي توقع تزايد الديون الخارجية خلال العام المقبل بصورة كبيرة، بل ربما تتضاعف أو أكثر خلال ثلاث سنوات قادمة، وسيتوقف ذلك إلى حد كبير على تعافي الاقتصاد العالمي من أزمة كورونا ومتحوراتها، وعلى مدي رشد الإدارة الحكومية في تخير المشروعات الجديدة، والذي يبدو انه لا يجب أن نعول عليه كثيرا.
- اللجوء إلى أسواق التمويل عالي التكلفة سيكون المسار المطروح خلال الأعوام الثلاث المقبلة، بما يعني الخضوع لاشتراطات الدائنين من حيث سعر الفائدة وطرق وزمن السداد، وربما تقديم المزيد من الضمانات للحصول على القروض بالعملات الأجنبية.
- الكثير من منظمات التصنيف الائتماني تعتقد أن الظروف النقدية العالمية أصبحت أقل ملاءمة للاقتصادات الناشئة ومن بينها مصر، وبذلك ستبقي تدفقات النقد الأجنبي إلى مصر رهينة الاستقرار العالمي، حيث ستضغط أية صدمة ثقة أو تحول في ظروف السيولة العالمية ليس فقط على سيولة النقد الأجنبي وإنما أيضا على أسعار الفائدة وسعر الصرف.
- استمرار جمود سعر الصرف يولد مخاطر على استقرار الاقتصاد الكلي وأداء الحساب الجاري على المدى المتوسط، كما يساهم في تآكل جزء كبير من مكاسب تخفيض قيمة الجنيه بنهاية عام 2016، بالإضافة إلى المزيد من التحميل على موارد النقد الأجنبي للبنوك واضطراراها إلى الاستدانة.
- مصر بحاجة إلى برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، وقد يشجعها على ذلك وجود برامج لدي الصندوق تعرف ببرامج “حالات صدمات السيولة” وهو نوع من البرامج مخصص للدول التي تعتمد بكثافة على التدفقات النقدية الخارجية، والتي تتعرض لمشكلات كبيرة حال انقطاع أو ذبذبة تلك التدفقات، وإذا حدث هذا الأمر ستضطر الحكومة للاستجابة للمزيد من اشتراطات الصندوق بأشكال مختلفة مما سيزيد من معاناة المواطن البسيط بشكل أكثر حدة.
- ربما نشهد كذلك خفضا لقيمة الجنيه مرة أخرى، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التخفيض كما هو الحال في المرة الأولي لن يرتقي إلى مرتبة التعويم الكامل، بل سيظل في إطار التخفيض التدريجي المدار من قبل البنك المركزي.
- أعلن وزير المالية المصري، في أبريل الماضي، إن مصر تتوقع أن يكون دينها المحلي مؤهلا للمقاصة الأوروبية ومفتوحا أمام عدد أكبر من المستثمرين الأجانب خلال أشهر، من خلال تداول الديون المصرية المحلية في بورصة يورو كلير الأوروبية، و هو ما يعني استحواذ من يسمون “مستثمرون دوليون” (المضاربون الدوليون) على تلك الديون، في مقابل ضمانات معينة تعني في النهاية نوعا من رهن أصول الدولة المصرية مقابل تلك الديون، مما قد يمهد للاستيلاء على تلك الأصول مستقبلا، حال العجز عن السداد، كما يفتح باب المخاطر لشراء أفراد أو شركات تابعة لدول قد تهدف للإضرار بالمصالح المصرية أو على الأقل التحكم بقرارها.
التوصيات:
من خلال دراسة الموضوعات الرئيسة التي تطرق اليها البحث يمكن التوصية بدراسة مستفيضة حول الديون العامة المصرية وتطورها خلال الفترة المقبلة، وانعكاس ذلك على الوضع الاقتصادي العام، خاصة فيما يخص بورصة طرح الديون المصرية المحلية في بورصة اليوروكلير. كما يتعين دراسة التداعيات السياسية والاجتماعية لهذا الوضع الاقتصادي المتأزم، خاصة في ضوء تصاعد التهديد الناتج عن استكمال بناء وملء سد النهضة.
الهامش
[1] للمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة: د/ أحمد ذكرالله: مصر: القرارات الاقتصادية لمواجهة تداعيات كورونا، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية، مارس 2020.
[2] لمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة:
د/ أحمد ذكرالله : قراءة في مشروع الموازنة المصرية الجديدة، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية، مايو2020
[3] البيان المالي التمهيدي ما قبل الموازنة العامة للدولة 2021/2022، الموقع الالكتروني لوزارة المالية المصرية، ص6،7، ص20.
[4] تفاصيل مساهمة القطاعات في الناتج المحلي الاجمالي لمصر
[5] نقلا عن المركز المصري للدراسات الاقتصادية، كتيب الإحصاءات الاقتصادية لجمهورية مصر العرية، 2021، ص16.
[6] أزمة سلاسل التوريد تضرب من جديد
[7] التقرير الكامل لوكالة فيتش حول الاقتصاد المصري
[8] موازنة 2021/2022: الأولوية للديون والعاصمة الجديدة وكبار العاملين بالدولة.. وأقل من نصف الحد الدستوري للصحة والتعليم
[9] نفس المرجع السابق، والارقام من تحليل المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
[10] “خطة البرلمان” تقر تعديلات جديدة على ضريبة الدمغة ودخول المسارح والملاهي
[11] خطة مصرية لتحقيق 6.5 مليار دولار صادرات من قطاع الصناعات الكيماوية والأسمدة
[12] صادرات الحاصلات الزراعية 2.4 مليار دولار خلال الموسم الماضي
[13] مصر.. قفزة تاريخية في الصادرات
[14] تطور صادرات 2021
[15] إنتاج مصر من الغاز الطبيعي قد يتراجع خلال العام المقبل
[16] 15 مليار دولار حجم الاستثمارات الإماراتية فى مصر
[17] الاستثمارات المتبادلة بين مصر والسعودية
[18] هل احتكر الأجانب ثروة مصر النفطية؟
[19] للمزيد من التفاصيل: يراجع: د/ أحمد ذكرالله: الاستثمار الأجنبي في مصر: واقع وتحديات.
[20] تحويلات المصريين بالخارج تعتلي قمة تاريخية جديدة في 2021/2020
[21] للمزيد من التفاصيل حول تقر مؤسسة فيتس عن الاقتصاد المصري يراجع: «النمو والعجز والديون وسعر الفائدة».. كيف تنظر وكالة فيتش العالمية للاقتصاد المصري
[22] Robert Springborg: Follow the Money to the Truth about Al-Sisi’s Egypt, January 2022.
[23] 4 أسباب وراء ارتفاع الدين المصري 62 في المئة خلال 5 سنوات
[24] Robert Springborg: Follow the Money to the Truth about Al-Sisi’s Egypt, January 2022.
[25] لم يتسنى للباحث الحصول علي أصل وثيقة طرح السندات واعتمد علي المصدر التالي: مصر الي صندوق النقد مجددا
[26] لمزيد من التفاصيل حول برامج الصندوق لمواجهة مشكلات السيولة يمكن مراجعة: خط السيولة قصيرة الأجل (SLL) لدى صندوق النقد الدولي خط الوقاية والسيولة
.
رابط المصدر: