تستضيف واشنطن القمة الأمريكية الأفريقية الثانية، في الفترة من الثالث عشر إلى الخامس عشر من ديسمبر 2022 بمشاركة 49 حكومة أفريقية، وباستثناء أربع دول معلقة العضوية من قبل الاتحاد الأفريقي حاليًا بسبب ما شهدته من انقلابات عسكرية وانتقال غير دستوري للسلطة، وهي؛ السودان وبوركينافاسو وغينيا كوناكري ومالي. ومن المتوقع أن تناقش القمة موضوعات عديدة تتمثل في: التنمية الاقتصادية، وتعزيز السلام والأمن، وتعزيز الالتزام بالديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، بالإضافة إلى الدعوة إلى العمل بشكل تعاوني لتعزيز كل من: الأمن الصحي الإقليمي والعالمي، والأمن الغذائي، وأزمة المناخ، والتعليم والقيادة الشبابية.
جدول أعمال القمة
يتسم جدول أعمال القمة بشكل عام بالتنوع ما بين الموضوعات السياسية والاقتصادية والأمنية الخاصة بالقارة الأفريقية، خاصة في ظل تصاعد اهتمام الولايات المتحدة بالقارة؛ نظرًا إلى إمكاناتها الاقتصادية والديموجرافية التي باتت محط أنظار جميع الدول حول العالم.
وبالنظر إلى جدول الأعمال، يتضح أن اليوم الأول شهد انعقاد منتدى القادة الشباب الأفارقة والشتات، ومنتدى المجتمع المدني، واجتماع وزاري للتجارة بشأن قانون النمو والفرص في إفريقيا، ومنتدى الفضاء الأمريكي- الأفريقي، ومنتدى السلام والأمن والحكم، وشراكة من أجل تعاون صحي مستدام، فضلًا عن عقد مباحثات حول والتكيف مع المناخ والانتقال العادل للطاقة.
أما عن اليوم الثاني والذي يشتمل على “منتدى الأعمال الأمريكي- الأفريقي” باستضافة وزارة التجارة الأمريكية وغرفة التجارة الأمريكية ومجلس الشركات في إفريقيا بالشراكة مع مبادرة ” Prosper Africa”، ليتألف من الجلسات الآتية، مستقبل العلاقات التجارية والاستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا، وعقد شراكات لتمويل البنية التحتية الأفريقية وتحول الطاقة، وكذلك شراكات لتعزيز الأمن الغذائي وسلسلة القيمة، وتعزيز الاتصال الرقمي عن طريق بناء شراكات لتمكين النمو الشامل من خلال التكنولوجيا.
وسيناقش اليوم الثالث والأخير القادة موضوعات تخص الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والعدالة وسيادة القانون، والحفاظ على الأمن والسلام الأفريقي، وتحقيق النمو الشامل والتنمية المستدامة، فضلًا عن تعزيز الأمن الغذائي ومرونة النظم الغذائية.
ويتضح مما سبق أن جدول أعمال القمة يغلب عليه الطابع الاقتصادي مقارنة بالطابع السياسي والأمني، بمأا يعطي دلالة بأن الولايات المتحدة تحاول الانخراط بشكل أكبر وأكثر عمقًا في القضايا الاقتصادية التي تخص القارة السمراء لاسيما في ضوء الأزمات العالمية التي عصفت باقتصادات بلادها، لتثبت بذلك أنها شريك موثوق فيه يُمكنه مساعدة الدول الأكثر عرضة للأزمات على مواجهة تداعياتها والتغلب عليها، وذلك عن طريق الاشتباك في الملفات الاقتصادية التي تؤرق قادة الدول الأفريقية، كأمن الطاقة والغذاء والتحول نحو الاقتصاد الرقمي.
وعلاوة على ذلك، تدرك الولايات المتحدة قوة العلاقات الاقتصادية القائمة منذ سنوات بين الصين ودول القارة الأفريقية، حيث تعتبر بكين الشريك التجاري الأول للقارة، وتتنوع استثماراتها الممتدة في القارة ما بين الزراعة والصناعة والموانئ والبنية التحتية، فضلًا عن محاولات الصين لترسيخ الروابط الاجتماعية بالقارة وزيادة المساعدات التنموية الموجهة إليها، ولذلك تحاول الولايات المتحدة أن تواجه هذا النفوذ بعقد شراكات اقتصادية طويلة الأجل.
معالجة قضايا الأمن الغذائي في أفريقيا
يُلاحظ أن موضوع الأمن الغذائي الأفريقي ذُكر مرتين في أجندة القمة الأمريكية-الأفريقية (اليوم الثاني والثالث)، وهو ما يعطي دلالة على محورية هذا الملف بالنسبة للقيادة الأمريكية تجاه أفريقيا التي تُعد من أكثر المناطق تأثرًا بظواهر التغيرات المناخية وما يترتب عليها من انعدام في الأمن الغذائي وانتشار المجاعات.
وفي هذا الشأن، حذر صندوق النقد الدولي من أن 123 مليون شخص، أو 12% من سكان إفريقيا جنوب الصحراء يواجهون انعدامًا حادًا في الأمن الغذائي، فيما تقدر اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن نحو 346 مليون شخص في أفريقيا يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مما يعني أن ربع سكان القارّة ليس لديه ما يكفي من الطعام.
ولا يُمكن إرجاع انعدام الأمن الغذائي في أفريقيا خلال العام الجاري إلى التغيرات المناخية فقط، حيث ساهمت الحرب الأوكرانية بشدة في تفاقم تلك الظاهرة بسبب ارتفاع أسعار الغذاء وخاصة الحبوب وتراجع الإمدادات الغذائية. وعلاوة على ارتفاع الأسعار وتراجع إمدادات الغذاء، تأتي سياسات الحمائية الغذائية التي انتهجتها العديد من البلدان المصدرة للغذاء حول العالم مؤخرًا لتصب مزيدًا من الوقود على مسألة الأمن الغذائي للاقتصادات الهشة حيث تساهم تلك السياسات في المزيد من تراجع الإمدادات الغذائية لدول العالم النامي.
ولهذا، تحاول الولايات المتحدة الاستفادة من هذا الوضع عن طريق تقديم مساعدات تنموية لمساعدة دول القارة على مواجهة انعدام الامن الغذائي؛ فعلى سبيل المثال، قدمت حكومة الولايات المتحدة ما يقرب من مليار دولار كمساعدات طارئة للأمن الغذائي للبلدان في إفريقيا التي تعاني من الجوع الشديد وسوء التغذية، وتعد هذه المعونة جزءًا من التمويل الأمريكي الذي أعلنه الرئيس “بايدن” في يونيو لمعالجة انعدام الأمن الغذائي العالمي. وقد قدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية مساعدات طارئة للدول الآتية:
• إثيوبيا: قدمت الوكالة نحو 488 مليون دولار من أجل تلبية احتياجات نحو 4.8 مليون شخص حيث يعاني سكان شرق وجنوب إثيوبيا من آثار أربعة مواسم متتالية من الجفاف.
• كينيا: قدمت الولايات المتحدة نحو 235 مليون دولار من شأنها أن تسمح لشركاء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بتلبية الاحتياجات العاجلة لأكثر من 1.1 مليون شخص في جميع أنحاء كينيا.
• الصومال: من المرجح أن تساعد مساعدات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي تتجاوز نحو 461 مليون دولار الشعب الصومالي الذي يعاني أسوأ موجة جفاف سجلت في البلاد والتي قد تؤدي إلى حدوث مجاعة.
• جنوب السودان: أعلنت الوكالة الأمريكية عن تقديم حوالي 106 ملايين دولار كمساعدات غذائية لجنوب السودان في أغسطس 2022.
• دول أخرى: تشمل البلدان الأفريقية الأخرى التي تلقت مساعدات غذائية طارئة؛ جمهورية الكونغو الديمقراطية وموزمبيق وأوغندا، حيث تعمل حكومة الولايات المتحدة مع الشركاء لإطعام اللاجئين النازحين من البلدان المجاورة.
وإلى جانب المساعدات التنموية، أطلقت الحكومة الأمريكية برنامج “Feed The Future” للعمل مع الحكومات المحلية والمنظمات الزراعية في جميع أنحاء القارة للحد من الجوع العالمي والاستثمار في المرونة الزراعية والابتكار، وتستهدف المبادرة مساعدة البلدان الشريكة على تحقيق ما يلي:
- تحسين الإنتاج الزراعي والأسواق وخلق فرص جديدة.
- تعزيز قدرة المجتمعات على الصمود أمام الصدمات.
- الحد من الجوع وتحسين التغذية وخاصة بين الأمهات والأطفال.
وانطلاقًا مما سبق، من المقرر أن تعزز القمة الحالية من حجم المساعدات الأمريكية المقدمة للدول الأفريقية في هذا الشأن، فضلًا عن إمكانية أن تسفر عن تقديم آليات تستهدف مساعدة البلدان الضعيفة على تعزيز قدرتها على الصمود أمام الصدمات بما في ذلك تقلب أسعار الغذاء، واضطراب سلاسل التوريد، والتغيرات المناخية، وغيرها من التهديدات طويلة الأجل، ويُمكن أن تدعم الولايات المتحدة الدول الأفريقية في بناء البنية التحتية الخضراء، والحفاظ على النظم البيئية في أفريقيا.
.
رابط المصدر: