الانتخابات البرلمانية في العراق.. صراعات سياسية واثارة ملفات

تتصاعد حدة الخلافات والصراعات ما بين اقطاب وشخصيات الكتل السياسية الحاكمة في العراق، ووصل ذلك التصعيد الى نشر الفضائح، وكشف كل طرف عن ملفات الطرف الاخر اذ بدأ كل طرف سياسي يريد ان يوقع بالطرف السياسي الاخر، وهو نهج او سلوك سياسي اعتادت عليه اقطاب العملية السياسية في العراق ومكوناتها واحزابها وقواها السياسية المشاركة في السلطتين التشريعية والتنفيذية مع قرب كل انتخابات او بعدها، اذ في مقابلة تلفزيونية صرح احد اقطاب العملية السياسية في العراق بالحرف الواحد من ان هذه المرحلة مثلت بالفعل بدأ الدخول في أجواء الانتخابات البرلمانية التي من المزمع ان تجري في الربع الأخير من عام 2025 مع ان هناك دعوات من قبل بعض الكتل السياسية المشاركة في تشكيل الحكومة الى اجراء انتخابات نيابية مبكرة ومن ذلك ما دعت له كتلة دولة القانون ورئيسها السيد نوري المالكي، ومما تقدم من شواهد افتراضات بدأ الصراع السياسي للدخول في أجواء الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق مع ان هناك مدة زمنية لا تقل عن عام في ظل رغبة الحكومة واغلب الأطراف المشكلة له ان تجري بعد انتهاء المدة الدستورية لعمر حكومة السيد السوداني، ومن تلك الشواهد الاتي:

اولاً: الضغوطات التي يتعرض لها رئيس هيأة النزاهة

عقد رئيس هيأة النزاهة القاضي حيدر حنون مؤتمراً صحفياً شديد الوقائع والمضامين والسلوك وكان فيه منزعجا ومحبطا في ظل ما يتعرض لها رئيسها من التهديدات ومذكرة القاء القبض، والذي تباينت ردود الفعل إزاء ما كشف عنه القاضي حيدر حنون، وكانت المواقف منقسمة ما بين مؤيد ومعارض للطريقة التي تم فيها إطلاق الاتهامات.

وجاء المؤتمر الصحفي الذي غلب عليه التوتر لرئيس الهيئة وقد عقد في أربيل في حالة مكانية تحمل الكثير من التداعيات، اذ تضمن المؤتمر الصحفي للسيد رئيس هيئة النزاهة مفاجآت في القضية المعروفة محلياً بـ«سرقة القرن»، وقال إن المتهم الرئيسي فيها «عربة لنقل الأموال»، فيما كشف عن مذكرة قبض صدرت بحقه.

وفتح القاضي حيدر حنون النار على جميع من في السلطات التشريعية والقضائية وأطلق سيلاً من المعلومات بخصوص السرقة والتحقيقات فيها. وقال: “إن المتهم بسرقة الأمانات الضريبية، نور زهير، زوّر 114 صكاً مالياً، وعليه أن يعاقب بـ114 حكماً”.

وكشف رئيس الهيئة عن أن القاضي ضياء جعفر وهو قاضي النزاهة (الذي يحاكم زهير منذ أشهر) يلاحقه بمذكرة قبض، مع العلم بأن ملفات السرقة اختفت عنده. لكن القاضي حيدر حنون استدرك: “إن التقصير في قضية نور زهير أمر بيني وبين القاضي جعفر، وأطالب البرلمان باستجواب كلينا في جلسة علنية”. وتابع حنون: “أفضل أن أودع السجن بشرف، من دون أن أتستر على المتهمين”. وهتف أمام الصحافيين: “هيئة النزاهة مستضعفه”، وكشف القاضي حيدر حنون عن أن “القضاة والوزراء تسلّموا قطع أراضي بمساحات 600 متر مربع من الحكومة السابقة لضمان الولاء”، وقال: “قبلناها جميعاً”. وأكمل القاضي تصريحاته المتشعبة حول القضية، بأن “شخصاً بغيضاً وبائساً سرق فيديو من هاتف أحد القضاة وأراد ابتزازي”، في إشارة إلى تسريب صوتي نسب إلى القاضي حيدر حنون، وهو يتحدث عن استيلاء قضاة على قطع أراضي، وبعدما كان (ركيزة أساسية) يعَوّل عليها في ملاحقة كامل الخيوط المتعلقة بـ(سرقة القرن) وضعت الخفايا التي كشف عنها رئيس هيئة النزاهة في العراق حيدر حنون، القضاء في البلاد في (قفص الاتهام)، وجاء ذلك بعد سلسلة فضائح مليارية أزاح الستار عنها مع عدد من النواب خلال الأيام الماضية.

ثانياً: هروب المدان بسرقة القرن

يعتقد الكثير من ان المواجهة الحاصلة بين الأطراف السياسية خصوصا تلك المؤيدة للسيد السوداني وبين رافضي استمراره او التجديد له لدورة حكومية ثانية ظهرت رسمياً بعد أسبوع واحد من هروب المتهم بـ(سرقة القرن) نور زهير خارج البلاد ومن ثم ظهوره في احدى القنوات ومن ثم اجراء تمثيلية إصابته بحادث سير، مما أثار جدلا وتساؤلات عن كيفية فراره، وهو المتهم الأبرز في أكبر قضية فساد شهدتها البلاد منذ عام 2003. وتتمثل سرقة القرن باختفاء مبلغ 3,7 تريليون دينار عراقي، بما يعادل نحو مليارين ونصف مليار دولار، من أموال الأمانات الضريبية.

وكانت جهات متعددة قد كشفت عن السرقة قبل نحو شهرين من انتهاء مدة حكم الحكومة العراقية السابقة برئاسة السيد مصطفى الكاظمي، وكشف كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب أن مبلغ 2,5 مليار دولار، جرى سحبه بين سبتمبر 2021 وأغسطس 2022 من مصرف الرافدين الحكومي، عبر 247 صكا ماليا، حرّر إلى 5 شركات، قامت بصرفها نقدا مباشرة.

وعلى إثر انكشاف السرقة تحركت هيئة النزاهة والسلطة القضائية للتحقيق في القضية، وصدرت عدة أوامر قبض قضائية، وكان أول المعتقلين نور زهير. وشيئا فشيئا وبينما كانت الأنظار تتركز على قرار إلقاء القبض الذي أصدره القضاء بحق زهير للمرة الثانية بدأت تظهر بالتدريج (فضائح فساد مليارية جديدة)، وكان أبرزها تلك التي كشف عنها النائب في البرلمان العراقي، ياسر الحسيني، وتداولتها وسائل إعلام على نطاق واسع، وجاء في اتهامات رئيس كتلة الآمال النيابية أن الشركة العامة لسكك الحديد وقعت عقدا لإعادة تأهيل خط سككي بقيمة 22 مليار دولار ونصف قبل ثلاثة أشهر، وأن المشروع أحيل إلى 3 شركات، واحدة منها أجنبية وأخرى محلية، والثالثة تابعة لزهير المتهم بـ(سرقة القرن).

وأوضح بعض النواب وخبراء القانون أن الأسباب التي تقف وراء ذلك تتعلق بجذور وصراعات سياسية فيما ذهب آخرون للإشارة إلى مآلات وتداعيات المواجهة الحاصلة التي اندلعت ما بين هيئة النزاهة والمجلس الأعلى للقضاء، ويقول خبراء من إن الصراعات في العراق باتت تشتد على كافة المستويات السياسية، ويضيف أنه قد نشهد صراعا بين مؤسستين مهمتين، الأولى هي مجلس الوزراء والثانية هي مجلس القضاء الأعلى، ويشير في حديثه لمواقع اخبارية أنه ولأول مرة قد يكون مجلس القضاء الأعلى طرفا في صراع مثل هذا، ويسود اعتقاد لدى بعض المراقبين والباحثين العراقيين أن المواجهة الحاصلة بين النزاهة والقضاء تقف وراءها وفي الكواليس مواجهة خفية ما بين رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني والمجلس الأعلى للقضاء.

ثالثاً: فضيحة تسريب جوحي واتهامات للسوداني

رغم أن الأضواء في العراق تتسلط وعلى نحو كبير باتجاه قضية سرقة القرن وخيوطها التي يتم الكشف عنها بالتوالي بعيدا عن كشف أسماء الرؤوس انشغلت الساحة السياسية في البلاد خلال الأيام الماضية بقضية عرفت باسم (شبكة التنصت) أو (شبكة جوحي).

وفي التفاصيل وبحسب إفادات سابقة من قبل بعض النواب، فإن محكمة تحقيق الكرخ، المختصة بقضايا الإرهاب أقدمت قبل أسبوع على اعتقال شبكة من القصر الحكومي لمكتب رئيس الوزراء، وعلى رأسهم المقرب (محمد جوحي)، وعدد من الضباط والموظفين.

وذكر مصطفى أن الشبكة كانت تمارس عدة أعمال غير نظيفة؛ ومنها التنصت على هواتف عدد من النواب والسياسيين وحتى أوساط المرجعية الدينية مثلما صرح احد النواب، وكذلك تقوم الشبكة بتوجيه جيوش إلكترونية، وصناعة أخبار مزيفة، وانتحال صفات لسياسيين ورجال أعمال ومالكي قنوات، بحسب النائب في البرلمان.

وبعدما أثار الاعلام ضجة عن وجود شبكة التنصت، نشر مجلس القضاء الأعلى بيانا وصف فيه المعلومات المتداولة بشأن قضية جوحي بأنها غير دقيقة، واعتبر أنها مبنية على التحليل والاستنتاج بعيداً عن الحقيقة. من جانبه رفضت الأطراف القريبة من السوداني من مستشارين وسياسيين الاتهامات التي ترددت في الآونة الأخيرة بأنهم موظفين في مكتب رئيس الوزراء تجسسوا وتنصتوا على مسؤولين كبار وسياسيين، وأضافت بأن الاتهامات تهدف إلى التأثير سلبا على السوداني قبل الانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها العام المقبل، لكن من دون شك فأن ملف التجسس وان كانت هناك محاولات لتوظيفه سياسيا من خلال ضرب رئيس الحكومة لكنه ملف موجود وقد عملت عليه اطراف كثيرة في الحكومة الحالية وهو لا يعالج الا مهنيا من خلال لجان تحقيق كفؤة ومحايدة ومحاكم مجلس القضاء الاعلى.

ومما تقدم، يبدو انه كلما اقترب موعد اجراء الانتخابات في العراق كلما بدأت الأطراف السياسية من اللجوء الى سياسة الهجوم، واثارة الملفات، ونشر الفضائح إضافة الى أسلوب التهديد والتسقيط وحتى اللجوء الى القضاء العراقي وزجه في مسائل سياسية هو في غنى عنها كما يبدو الصراع الدائر الان ليس مكوناتياً أي بعد ان تراجع نسبيا الخلاف السياسي القائم على أسس قومية وطائفية، دخل العملية السياسية في هذه المرحلة خلافا من نوع اخر وهو الخلاف داخل الكتل السياسية الرئيسة نفسها، فبعد ان شهدنا الخلافات والصراعات بين الكتل السنية بعد انهاء عضوية السيد الحلبوسي من مجلس النواب نشهد الان خلافا سياسيا بين اطراف تحالف الاطار التنسيقي الشيعي حول رئيس الحكومة في المرحلة القادمة في ظل رغبة كبيرة من استمرار رئيسها الحالي بدورة تنفيذية ثانية عبر النزول بقائمة منفصلة في الانتخابات البرلمانية القادمة وان لم يعلن عن ذلك.

عموما، فأن الملفات التي تثار بين الحين والأخر ما هي الا توظيف سياسي لحالات فاسدة تستخدم ظرفيا وليس معالجة استراتيجيا في مكافحة الفساد ومشاكل إدارة الدولة ومنها مسألة تهريب المدان بقضية سرقة القرن نور زهير ومن ثم الكشف عن فضائح التجسس داخل مجلس الوزراء وما صرح به السيد رئيس هيأة النزهة حيدر حنون حول ممارسة ضغوط سياسية وقضائية من اجل التراجع عن الاستمرار في التحقيق بملفات الفساد التي تخص اطراف وشخصيات سياسية.

 

المصدر : https://www.mcsr.net/news920

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M