محمد الحديثي
المقدمة:
ليس ثمة شك في أن الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2021 أحدثت متغيرات كبرى في الواقع السياسي العراقي بالنظر لطبيعة التحولات التي رافقتها، في ضوء تغيير القانون الانتخابي والذي أسهم في تغيير قواعد اللعبة الانتخابية، إلى جانب المتغيرات التي شهدتها التحالفات الانتخابية بين القوى السياسية، وظهور فئة المرشحين المستقلين كأول تجربة في السباق الانتخابي العراقي ما بعد العام 2005، فضلاً عن التحولات الكبرى المتمثلة بنتائج الممارسة الانتخابية وما نتج عنها من مواقف سياسية متعارضة لا سيما من القوى الخاسرة في الانتخابات، التي لجأت للتصعيد السياسي والشعبي في رفضها لنتائج الانتخابات، ثم التطورات التي شهدها المشهد السياسي العراقي في ضوء تصاعد الخلافات بين قوى الإطار التنسيقي (الكتل السياسية الشيعية الخاسرة في الانتخابات) والجهات الحكومية الأخرى وفي مقدمتها رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
وفي هذا الإطار نحاول التعرف على وصف الواقع الانتخابي العراقي فيما يتعلق بمرحلة ما قبل الانتخابات، إلى جانب دراسة نتائج الانتخابات وتحليل الأبعاد المترتبة عنها، فضلا ًعن تقديم رؤية استشرافية لأبرز السيناريوهات المحتملة لمستقبل المشهد السياسي العراقي.
المحور الأول: متغيرات الانتخابات
كان إجراء الانتخابات البرلمانية العراقية في العاشر من تشرين الأول العام 2021 في غير موعدها الدستوري بالنظر لتداعيات انتفاضة تشرين التي انطلقت في تشرين الاول من العام 2019، وأدت إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي[1] وتشكيل حكومة مصطفى الكاظمي منتصف العام الماضي، وقد كان إجراء انتخابات مبكرة هذا العام من أولويات حكومة الكاظمي في البرنامج الوزاري الذي صوت عليه البرلمان العراقي[2]، ويمكن القول إن أبرز المتغيرات التي شهدتها هذه الانتخابات على سبيل المثال لا الحصر هي الآتي:
- تغيير القانون الانتخابي لصالح نظام الدوائر المتعددة كأول مرة يتم اللجوء اليه في التجربة الانتخابية العراقية.
- إلغاء انتخابات العراقيين المقيمين في خارج العراق، بخلاف الانتخابات السابقة منذ العام 2003[3].
- عدم مشاركة رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في الانتخابات البرلمانية بالنظر للاتفاقات السياسية التي تم توقيعها مع القوى السياسية الشيعية.
- السماح بمشاركة المرشحين المستقلين وفق ضوابط القانون الانتخابي الجديد.
- مشاركة الأحزاب والحركات التي تشكلت على إثر انتفاضة تشرين وهي من التيارات المدنية والليبرالية المنافسة للقوى الاسلامية التقليدية.
- عدم السماح على مشاركة قوات الحشد الشعبي بالتصويت الخاص المتعلق بالأجهزة الأمنية[4].
- تغيير قواعد اللعبة الانتخابية بالنظر لتغيير القانون الانتخابي.
المحور الثاني: نتائج الانتخابات
أظهرت نتائج الانتخابات العراقية مفاجآت غير متوقعة على مختلف المستويات، منها في إطار توزيع المقاعد البرلمانية بين القوى السياسية ومنها ما يتعلق بخسارة شخصيات سياسية بارزة، غير أن أبرز المتغيرات في الجانب الشيعي تمثلت في انفراد الكتلة الصدرية بـ 73 مقعدا مقابل 17 مقعد للمنافس المباشر المتمثل تحالف الفتح الذي يضم القوى والفصائل المسلحة في العراق، إلى جانب خسارة كبيرة لتحالف قوى الدولة الذي يضم رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وزعيم تيار الحكمية السيد عمار الحكيم، فضلاً عن خسارة تيارات سياسية أخرى مثل العقد الوطني بزعامة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض وشخصيات شيعية مثل بهاء الأعرجي وعدنان الزرفي وعبد الحسين عبطان.
أما على المستوى السياسي السُني فكانت المتغيرات تتمثل في حصول تحالف تقدم برئاسة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي على 37 مقعد مقابل 12 مقعد لتحالف عزم بزعامة الشيخ خميس الخنجر، فضلاً عن خسارة عدد كبير من الشخصيات السياسية السُنية مثل رئيسي البرلمان السابقين أسامة النجيفي وسيلم الجبوري إلى جانب وزراء ونواب اخرين مثل سلمان الجميلي وقاسم الفهداوي وظافر العاني ومحمد الكربولي واحمد المساري ورشيد العزاوي وأخرين.
ولم تشهد الساحة الكردية متغيرات كبرى باستثناء تفوق الحزب الديمقراطي الكردستاني ب32 مقعد ليعزز قبضته على السلطة الكردية في العراق، فضلاً عن ذلك شهدت نتائج الانتخابات مفاجآت كبرى تمثل بفوز عدد كبير من المرشحين المستقلين في مختلف المحافظات العراقية.
والجدول ادناه يوضح نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية بالمقارنة مع نتائج الانتخابات السابقة، على الرغم من وجود بعض التغييرات في التحالفات السياسية[5].
م | اسم التحالف الانتخابي | عدد المقاعد 2018 | 2021 |
1 | الكتلة الصدرية | 54 | 73 |
2 | تحالف الفتح | 47 | 17 |
3 | ائتلاف النصر | 42 | 2 |
4 | ائتلاف دولة القانون | 26 | 34 |
5 | الحزب الديمقراطي الكردستاني | 25 | 32 |
6 | ائتلاف الوطنية | 21 | |
7 | تيار الحكمة | 19 | 2 |
8 | الاتحاد الوطني الكردستاني | 18 | 16 |
9 | تحالف القرار العراقي | 14 | |
10 | تقدم | 37 | |
11 | عزم | 12 | |
12 | المستقلون | 40 | |
13 | التشرينيون | 15 |
المحور الثالث: رؤية تحليلية:
إن نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية أظهرت متغيرات كبيرة بالنظر لمجموعة اعتبارات منها طبيعة توظيف قانون الانتخابات، إلى جانب استفادة القوى الحكومية من مقدرات وإمكانيات الدولة، فضلاً عن تأثيرات انتفاضة تشرين وضغوطات البيئة الخارجية في المشهد السياسي العراقي، وفي هذا الصدد يمكن تقديم مجموعة من الرؤى التحليلية حول نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية منها الآتي:
- بالنظر لدور التيار الصدري في تقسيم الدوائر الانتخابية بما يتناسب مع طبيعة انتشاره المجتمعي فقد حصل على 73 مقعد في الوقت الذي يبلغ مجموع أصواته حوالي 885 ألف صوت، في حين تحالف قوى الدولة الذي يجمع العبادي والحكيم حصل على 4 مقاعد في حين أن مجموع أصواته قاربت 235 ألف صوتا، وهو ما يوضح التباين الكبير في معدل الفوز بالمقعد في مختلف المحافظات العراقية.
- كان لحرمان قوات الحشد الشعبي من المشاركة في التصويت الخاص للأجهزة الأمنية دور كبير في خسارة تحالف الفتح الذي يضم القوى والفصائل المسلحة في العراق.
- ضعف المشاركة العامة للمكون السُني لا سيما في المحافظة بغداد تسبب في خسارة ممثلي السنة عدد من المقاعد منها (4 مقاعد في دائرة المنصور و3 مقاعد في دائرة الأعظمية).
- تأثير انتفاضة تشرين في السباق الانتخابي تحقق في محافظتي ذي قار والنجف إذ حصلت الحركات التشرينية على حوالي 15 مقعد وقد شهدت محافظة ذي قار أعلى نسبة تصويت في العراق، مما يؤشر لأهمية المشاركة في الانتخابات بخلاف ما تدعو اليه القوى الرافضة للانتخابات.
- فوز عدد كبير من المستقلين الذي وصل إلى حوالي 40 شخص في مختلف المناطق يؤشر دور قانون الانتخابات الجديد في تغيير الواقع السياسي العراقي.
- تراجع عدد مقاعد القوى السياسية الشيعية التقليدية في انتخابات عام 2021 بالقياس مع انتخابات عام 2018 يؤشر إلى تغييرات جديدة في الواقع السياسي العراقي لا سيما في ظل صعود تيارات علمانية وشخصيات مستقلة وهو ما يمثل تحدي سياسي لنفوذ البيت السياسي الشيعي.
- كما يؤدي تراجع مقاعد القوى الشيعية التقليدية إلى إمكانية ظهور طبقة سياسية شيعية (جديدة) متناغمة مع القوى الغربية والدول الإقليمية بمواجهة المشروع الإيراني في العراق.
- إعلان القوى الخسارة في الانتخابات عن وجود مؤامرة تشترك فيها عدة أطراف داخلية وخارجية لتزوير الانتخابات، وتغيير النتائج دون الافصاح عن الأدلة التي تمتلكها تجاه هذه المؤامرة، يضعف موقف هذه الأطراف لحساب موقف المفوضية والحكومة العراقية والجهات الداعمة لها.
المحور الرابع: سيناريوهات المشهد السياسي العراقي ما بعد الانتخابات
تبرز عدة سيناريوهات في اطار دراسة وتحليل المشهد السياسي العراقي في مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية لعام 2021، وذلك في ضوء الآتي:
السيناريو الأول: تشكيل حكومة توافقية:
من المحتمل أن يبرز هذا السيناريو في ضوء توافق القوى السياسية الشيعية على ترشيح شخصية متفق عليها لتشكل الحكومة الجديدة، سواء كان وفق توافق القوى الشيعية على مرشح للتيار الصدري أو مرشح آخر يمثل توافق البيت السياسي الشيعي أو حتى الإبقاء على السيد مصطفى الكاظمي، بمقابل ذلك لا توجد فرص مؤكدة لغاية الوقت الحاضر نحو تشكيل حكومية الأغلبية السياسية كما يدعو لها التيار الصدري بالنظر لتعقيدات الواقع السياسي العراقي.
وتتمثل الفرص والتحديات أمام تبلور سيناريو الحكومة التوافقية في ضوء الآتي:
الفرص | التحديات |
سعي القوى الشيعية للحفاظ على السلطة وعدم تفريق وحدة القرار السياسي الشيعي | عدم قابلية تفاهم السيد الصدر مع المالكي بعدهما قطبي القوة السياسية الشيعية بعد الانتخابات |
المخاوف من إفشال تشكيل الحكومة وفسح المجال لتيارات المعارضة باستثمار الموقف لبدء حركة احتجاجية جديدة | عدم إمكانية جمع التيار الصدري مع تحالف الفتح في محور واحد |
فاعلية الدور الإيراني في جمع القوى السياسية الشيعية | عدم قدرة إيران على إجبار الصدر على تشكيل حكومة توافقية بعكس دورها إزاء تحالف الفتح ودولة القانون |
دور مرجعية السيد السيستاني في تقرير المصالح الشيعية | رفض قوى الإطار التنسيقي القبول بنتائج الانتخابات واللجوء إلى التهديد باستعمال القوة المسلحة لتحقيق الاهداف السياسية |
المخاوف من الاقتتال الشيعي-الشيعي واندلاع الفوضى في البلاد | فشل الدور الإيراني في توحيد البيت السياسي الشيعي |
السيناريو الثاني: فشل تشكيل الحكومة الجديدة واستمرار حكومة الكاظمي:
يمكن تصور تحقق هذا السيناريو في ضوء فشل القوى السياسية الشيعية في اختيار رئيس للحكومة الجديدة واستمرار حكومة الكاظمي كحكومة تصريف أعمال لمدة غير محددة، وتكمن الفرص والتحديات أمام تحقق هذا السيناريو في ضوء الآتي:
الفرص | التحديات |
عدم قدرة الكتلة الاكثر عدداً بتشكيل حكومة الأغلبية السياسية | سعي القوى الشيعية الحفاظ على وحدة البيت الشيعي |
عدم توافق البيت السياسي الشيعي على شخصية توافقية لتشكيل الحكومة الجديدة | قدرة مرجعية السيستاني على جميع القوى الشيعية في مشروع واحد |
فشل الدور الإيراني في توحيد القرار السياسي الشيعي | نجاح الدور الإيراني في توحيد الموقف السياسي الشيعي |
دور القوى الخارجية لا سيما الغربية منها الرافضة لتشكيل حكومة بعيدة عن مصالحها الإستراتيجية | نجاح التفاهمات الإيرانية – الأمريكية والإيرانية- السعودية وتأثيرها على المشهد السياسي العراقي |
السيناريو الثالث: تصاعد الأزمة السياسية واندلاع الفوضى:
يمكن تصور تحقق هذا السيناريو في ضوء فشل القوى السياسية الشيعية على تشكيل حكومة جديدة ورفض استمرار حكومة الكاظمي كحكومة تصريف أعمال، مما يؤدي إلى اندلاع الفوضى وحصول اقتتال بين القوى الشيعية لا سيما في ضوء امتلاكها للفصائل والمجاميع المسلحة، وتبرز فرص وتحديات تحقق هذا السيناريو في ضوء الآتي:
الفرص | التحديات |
فشل القوى السياسية الشيعية في تشكيل حكومة توافقية | دور مرجعية السيستاني في رفض اندلاع الاقتتال الداخلي |
عدم إمكانية جمع السيد الصدر مع قوى الإطار التنسيقي في مشروع موحد | إدراك القوى الشيعية خطورة الاقتتال الداخلي وانعكاساته على مستقبل البيت السياسي الشيعي |
عدم القبول في التنازل عن المصالح المتحققة في المرحلة الماضية وتوظيف القوة المسلحة للدفاع عن ذلك | السعي الإيراني لإنجاح التفاهمات الإيرانية-الأمريكية والإيرانية-السعودية والسعي في فرض السيطرة على المشهد العراقي |
رفض القوى الشيعية لا سيما تحالف الفتح باستمرار حكومة الكاظمي | رفض القوى الخارجية لفتح ساحة صراع جديدة نتيجة خطورة ذلك على الأمن الإقليمي |
ضعف الأجهزة الأمنية والعسكرية العراقية بالمقارنة مع قوة الفصائل المسلحة | موافقة القوى السياسية التنازل عن المصالح الجزئية من أجل حماية المصلحة العامة المتمثلة ببقاء السلطة داخل البيت السياسي الشيعي في العراق |
ليس ثمة شك أن مستقبل المشهد السياسي العراقي يمكن أن يتضمن سيناريوهات عديدة، في ظل عدم ثبات مواقف القوى السياسية على مختلف انتماءاتها، إلى جانب تطورات الأحداث السياسية والمجتمعية، فضلاً عن ذلك تؤدي التدخلات الخارجية دوراً كبيراً غي تغيير الخارطة السياسية بالنظر لتقاطع او تلاقي مصالح القوى الاقليمية والدولية الفاعلة في المشهد السياسي العراقي.
الخاتمة:
أوضحت دراسة وتحليل نتائج الانتخابات في العراق وجود متغيرات كبيرة شهدتها العملية الانتخابية، بعضها يتعلق بتغيير القانون الانتخابي، وأخرى تتعلق بدور القوى المسيطرة على المؤسسات الحكومية، إلى جانب دور المال السياسي في عملية الحصول على الأصوات، فضلاً عن تأثيرات انتفاضة تشرين ومتغيرات البيئة الخارجية على المشهد السياسي العراقي.
كما توضح طبيعة تطورات المشهد السياسي العراقي وجود احتمالات مختلفة لإمكانية تشكل الحكومة الجديدة، أو استمرار حكومة الكاظمي، أو اندلاع الفوضى لا سيما بعد اعتصام جماهير تحالف الفتح وبدء المواجهات مع الأجهزة الأمنية العراقية، فضلاً عن من محاولة اغتيال رئيس الحكومية مصطفى الكاظمي التي أسهمت بتصاعد الأزمة السياسية بين الحكومة من جهة وبين القوى والمجاميع المسلحة الشيعية من جهة أخرى.
الهامش
[1] استقالة حكومة عادل عبد المهدي في العراق، موقع بي بي سي عربي، منشور بتاريخ 1/12/2019، ينظر الرابط https://www.bbc.com/arabic/interactivity-50623018
[2] البرلمان يصوت على منح الثقة لحكومة الكاظمي، موقع الجزيرة نت، منشور بتاريخ 6/5/2021، ينظر الرابط الاتي: https://www.aljazeera.net/news
[3] الغاء انتخابات الخارج في العراق، موقع العربي الجديد، منشور بتاريخ 10/4/2021، ينظر الرابط الاتي: https://www.alaraby.co.uk/politics AA
[4] الحشد الشعبي يندد بعدم مساواته مع القوات الأمنية في التصويت الخاص في الانتخابات العراقية، موقع فرانس 24، منشور بتاريخ 3/10/2021، ينظر الرابط الاتي: https://www.france24.com
[5] ينظر الموقع الرسمي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، انتخابات مجلس النواب العراقي 2021، على الرابط الاتي: https://app.powerbi.com
.
رابط المصدر: