نرمين سعيد
تكمن الأهمية التي تصاحب الانتخابات التي انتهت منذ أيام في الكويت فيما تشكله من إمكانية إيجاد حل له صفة الديمومة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؛ لأن الخلافات بين السلطتين لطالما أفرزت حالة من تعطيل الحياة السياسية في البلاد تنتهي في أغلب الأوقات بحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة بالاستناد إلى الدستور.
وقد تميز انعقاد الانتخابات الأخيرة ببعض الإجراءات التي اتُخذت ونجم عنها تغيير واضح في الخريطة السياسية للكويت، وهو ما سيظهر بوضوح أكبر في الأيام المقبلة. مبدئيًا، قامت الجهة المسؤولة عن تنظيم الانتخابات بإعادة تقسيم الدوائر بما يسمح بمشاركة أكبر من جميع المواطنين، ولكنها قننت ذلك عن طريق وجوب التصويت في الموطن الأصلي للمواطن حسب بطاقته المدنية، من ثم تم ربط عملية التصويت بالبطاقة المدنية مما يقلل من عمليات التلاعب وإمكانية استخدام نفس البطاقة لأكثر من مرة عن طريق التصويت من دوائر مختلفة.
ولكن لوحظ خلال الفترة التي سبقت الانتخابات غياب حقيقي للبرامج الانتخابية، ويمكن إرجاع ذلك إلى غياب وجود الأحزاب السياسية الفعالة أو المؤثرة داخل الكويت فيما عدا الأحزاب المنظمة ذات المرجعية الإسلامية، ومن ثم فإن الفترة التي سبقت الانتخابات تضمنت حالة من المشاحنات السياسية البعيدة عن وجود برنامج سياسي صريح.
تغير الخريطة السياسية
إذا ما نظرنا في نتائج الانتخابات التي أُعلنت منذ أيام نلاحظ أنها أسفرت عن تغير في الخريطة السياسية للبلاد؛ فمن ناحية تمكنت سيدات من حجز مقاعد داخل البرلمان على العكس من عام 2020 الذي لم يحقق فيه العنصر النسوي أي وجود، وكذلك شهدت نتائج الانتخابات عودة قوية لقوى المعارضة والأحزاب السياسية ذات المرجعية الدينية والتي استطاعت حصد 21 مقعدًا من إجمالي 50 مقعدًا، وانقسمت كالتالي: 12 مقعدًا للمرشحين من السنة موزعة على التحالف الإسلامي الوطني ومستقلين وتجمع العدالة والسلام، في حين ارتفع عدد مقاعد الشيعة إلى 9 بعدما كانت 6 مقاعد فقد في انتخابات 2020.
وفي نفس السياق، فقد انخفضت أعداد المقاعد على أساس قبلي من 29 مقعدًا في عام 2020 إلى 22 مقعدًا في الانتخابات الحالية، مما يعني أن الشارع الكويتي يغير اتجاهاته شيئًا فشيئًا ناحية الانتماءات القبلية ويرغب في أن يكون التمثيل السياسي معبرًا عن الكفاءة وعن الشعب وليس عن النعرات القبلية. هذا علاوة على أن استخدام البطاقة المدنية في التصويت إلى جانب إعادة تقسيم الدوائر كان له أكبر الأثر في ارتفاع أعداد المشاركين في الانتخابات بما فيهم من قاطعوا انتخابات سابقة.
بل أن الإصلاحات التي أُدخلت على الانتخابات الحالية شجعت قيادات المعارضة التي كانت قد أحجمت عن الترشح في الانتخابات الماضية إلى الترشح وحصد العدد الأكبر من المقاعد، مما يعطي مؤشرًا آخر على تململ الشارع الكويتي من بعض الممارسات الحكومية. وبعض هؤلاء المعارضين محسوبون على جماعة الإخوان.
ويضاف إلى ما تقدم نتيجة مهمة تمثلت في تراجع الوزراء السابقين وعدم تمكنهم من حصد أي مقعد، مما يعطي مؤشرًا على أن الشارع الكويتي قد ضاق ذرعًا بالوجوه القديمة ولا يريد أن تصل الأمور إلى مرحلة التأزم السياسي مرة أخرى. ومن هنا، فقد أحجم رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم عن إعادة ترشيح نفسه لرئاسة البرلمان لأنه يدرك أنه مرفوض من قبل وجوه المعارضة، ووجود نسبة تمثيل عالية لهم في الانتخابات الحالية يثير القلق من الدخول في حالة من العناد السياسي إذا أصر الغانم على ترشيح نفسه.
ضبط التوقعات
من القراءة في نتائج الانتخابات تظهر بعض المؤشرات على أن السلطتين التشريعية والتنفيذية قد تسعيان مستقبلًا إلى حل الخلافات والتقريب بين وجهات النظر وعدم تصعيد الأمور حتى نهايتها، مع الوعي والإدراك بأن الحكومات يجب تشكيلها لتكون لها صفة دائمة إلى أن يجد جديد ولا يكون حل البرلمان وإقالة الحكومة هو المسكن السريع لأي انسداد سياسي.
وعلى الصعيد الاقتصادي، فعلى الرغم من كون الكويت تمتلك صندوق ثروة سيادي يتضمن احتياطات تصل إلى 750 مليار دولار، إضافة إلى تمتعها كدولة خليجية بعائدات ضخمة من النفط مكنتها من تحقيق معدلات عالية من دخل الفرد؛ فإن الأزمات التي عصفت بالعالم بداية من جائحة كورونا ووصولًا إلى الحرب الروسية الأوكرانية قد ألقت بظلال اقتصادية سلبية على كل دول العالم بما فيها منطقة الخليج العربي، مما يجعل من الضرورة القصوى التعاون الوثيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لتجنب انزلاق البلاد إلى حالة من تعطل عمل المؤسسات الدستورية مثل تلك التي شهدتها الكويت قبل أن يقوم أمير الكويت بحل مجلس الأمة في أغسطس الماضي.
ويلقي مجلس الأمة بتشكيلته القادمة الكثير من الانعكاسات منها الداخلية ومنها الخارجية؛ فعلى الصعيد الخارجي ينظر إلى التركيبة القادمة لمجلس الأمة بوصفها ستضع المزيد من القيود على أي شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل، بينما تتمتع الكويت بعلاقات جيدة مع الجار الإيراني، مع الأخذ بالحسبان أن هذه العلاقات قد يشوبها بعض التوتر على خلفية مضي الكويت بالتعاون مع السعودية على تطوير حقل الدرة النفطي والذي تقول طهران إن جزءًا منه يقع ضمن نطاق مياهها الإقليمية.
وتنبغي الإشارة هنا إلى أن حقل الدرة النفطي يشكل أهمية استراتيجية لكل من الكويت والسعودية؛ وإن كانت السعودية ستقوم بتوظيف الغاز من حقل الدرة في توليد الكهرباء بدلًا من اعتمادها على النفط وتوجيه هذه الكميات للتصدير مما يحقق عائدًا أكبر على المدى الطويل لأن حقل الدرة لن يعمل بكامل طاقته قبل عدة سنوات.
مما سبق يتضح أن الخلاف المستمر في وجوده والمتصاعد في وتيرته بين الحين والآخر داخل الكويت يتم اقتسام مسبباته بالنصف بين مجلس الأمة والحكومة الكويتية؛ ذلك أن البرلمان الكويتي واحد من أكثر البرلمانات العربية التي مارست دورها بفاعلية، وهو ما دخل به في نفق الصراع مع الحكومة التي يتحفظ مجلس الأمة على بعض سياساتها، ومن ثم فإن حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة ليست عصا سحريًا؛ صحيح أنها نجحت أكثر من مرة في حلحلة الأمور، ولكن تزايد وتيرتها قد يفرغها من مضمونها إلى حد يجعل الأمور صورية إلى حد كبير.
.
رابط المصدر: