عبد الامير رويح
تستعد إسرائيل من جديد وبعد حل (الكنيست) الذي فشل في إقرار الميزانية، لإجراء انتخابات مبكرة في 23 مارس/آذار المقبل، وتعد هذه الانتخابات الرابعة في إسرائيل خلال عامين، جاءت وكما نقلت بعض المصادر، بعدما فشل حزب الليكود بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وشريكه في الائتلاف الحاكم “أزرق-أبيض” برئاسة وزير الدفاع بيني غانتس؛ في تمرير قانون لتأجيل إقرار الميزانية لمدة أسبوعين. وساد الخلاف بين نتنياهو وغانتس حول الميزانية؛ إذ أراد الأول إقرارها لمدة عام، في حين أصر غانتس على أن يكون ذلك لعامين بموجب الاتفاق الائتلافي الموقع بينهما في أبريل/نيسان الماضي، والذي بناء عليه تم تشكيل الحكومة بعد ذلك بشهر واحد.
ويرى بعض المراقبين ان نتنياهو الذي يواجه غضبا شعبيا بسبب النهج الذي اتبعه في التصدي لأزمة كورونا، إضافة إلى متابعته أمام القضاء بتهمة الفساد، سيواجه الكثير من التحديات والمشكلات التي قد تكون سبباً في ابعاده عن مركز القرار والسلطة، وكان نتنياهو وغانتس شكلا حكومة وحدة في مايو/أيار الماضي بعد 3 انتخابات غير حاسمة منذ أبريل/نيسان 2019، لكنهما وصلا إلى طريق مسدود بسبب خلاف بشأن بعض القضايا والملفات. اضافة الى الانشقاقات الجديدة في صفوف حزب الليكود.
وفي بيان قال نتنياهو “لم يكن الليكود يريد انتخابات، وصوتنا مرارا وتكرارا ضدها”، ووعد بأن حزبه سيفوز فيها. ويراهن بنيامين نتانياهو الذي ضعف داخل معسكره ومن المقرر أن تستأنف محاكمته في شباط/فبراير، على نجاحاته الدبلوماسية الأخيرة. ومنها تطبيع العلاقات مع بعض الدول العربية والتي ستكون بحسب البعض ورقة نتنياهو الرابحة في هذه الانتخابات.
نتنياهو والتحديات الجديدة
وفي هذا الشأن أعلن منافس بارز لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في حزب ليكود اليميني انشقاقه والسعي لهزيمة الزعيم الإسرائيلي في انتخابات مبكرة تلوح في الأفق. وقال جدعون ساعر الذي يشارك نتنياهو الكثير من آرائه اليمينية إنه بصدد تشكيل حركة سياسية جديدة بعد عام من خسارته اقتراعا داخليا على زعامة حزب ليكود. ويبدو أن من غير المرجح أن يكون من شأن قرار ساعر أن يستقيل عدد كبير من أعضاء ليكود.
لكن التحدي الذي يمثله ساعر يمكن أن يجد قبولا لدى ناخبين محافظين أيدوا نتنياهو في السابق لكنهم ربما انقلبوا على السياسي المخضرم الذي يُحاكم بتهم فساد ينفيها والذي يتعرض لاتهامات جماهيرية قوية بسبب إدارته لجائحة فيروس كورونا. وفي مؤتمر صحفي شبه عضو الكنيست ساعر (53 عاما) تأييد أعضاء ليكود لنتنياهو بأنه نوع من “عبادة الشخص” متهما أكثر حكام إسرائيل بقاء في المنصب بعدم الوفاء بوعود تحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار.
وقال ساعر معلنا استقالته من ليكود والكنيست “قررت تأسيس وقيادة حركة سياسية جديدة سأخوض بها الانتخابات المقبلة ضد نتنياهو لكي أحل محله في رئاسة الوزراء”. وأقدم ساعر على هذه الخطوة بعد موافقة الكنيست مبدئيا على مشروع قانون بحل المجلس يؤيده شريك نتنياهو الرئيسي في الحكم وزير الدفاع بيني جانتس الذي يتزعم حزب الوسط أزرق أبيض. وشغل ساعر عدة مناصب وزارية في حكومات نتنياهو وكان يعتبر على نطاق واسع خليفة محتملا له. وبثت قنوات تلفزيونية رئيسية في إسرائيل المؤتمر الصحفي لساعر على الهواء مباشرة في نشراتها الإخبارية المسائية.
ويُنظر الى ساعر على أنه مقرب من الأحزاب اليهودية الأرثوذكسية المتطرفة ومن الموالين السابقين لنتانياهو وخدم في حكوماته السابقة. وهو على يمين نتانياهو في العديد من القضايا الرئيسية الذي يتولى السلطة منذ 2009. وساعر من المؤيدين لضم إسرائيل للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وهي خطوة أعلن نتانياهو تجميدها عند توقيعه اتفاق تطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين.
وأشار الصحافي الإسرائيلي البارز بن كاسبيت في صحيفة معاريف إلى ذعر “مبرر تماما” لدى نتانياهو بشأن انفصال ساعر. ويرى كاسبيت المعروف بقربه من الأحزاب اليهودية المتشددة، أن ساعر سيكون في وضع جيد لانتزاع أصوات من الليكود في الانتخابات المقبلة، مشيرا إلى أن ساعر “يشكل لليمينيين الذي سئموا من نتانياهو، بديلا له سيصوتون له بسهولة”.
واكتسب التحدي اليميني لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في انتخابات مارس آذار المقبل زخما مع انشقاق حليف قديم وانضمامه إلى حزب منافس. واتهم زئيف إلكين الوزير في حكومات نتنياهو المتعاقبة، في خطاب إعلان استقالته من حزب ليكود اليميني بزعامة نتنياهو والبرلمان، أطول رئيس وزراء بقاء بالمنصب في إسرائيل بتقديم مصالحه الشخصية على مصالح البلاد.
وقال إلكين في كلمة بثتها القنوات التلفزيونية الإسرائيلية على الهواء مباشرة “لا يمكنني أن أطلب من الإسرائيليين التصويت لك (نتنياهو) وبأن يشعروا بالرضا على أنك لا تضع مصالحك الشخصية قبل مصالحهم”. وسينضم إلكين لحزب جديد بزعامة جدعون ساعر، عضو الكنيست السابق عن حزب ليكود. وتمثل هذه الانشقاقات تحديا جديدا لنتنياهو قبل الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها يوم 23 مارس آذار. وكان إلكين يشغل منصب وزير التعليم العالي والموارد المائية قبل استقالته.
ويتحدث إلكين، المولود في أوكرانيا، اللغة الروسية بطلاقة ولطالما عمل مترجما لنتنياهو ومستشارا في محادثات إستراتيجية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي وقت سابق أعلنت شارين هاسكل، وهي نائبة صغيرة في البرلمان عن حزب ليكود، انشقاقها أيضا وانضمامها إلى حزب ساعر الجديد، وكتبت على فيسبوك أن حكومة نتنياهو “فقدت التفويض الأخلاقي لتستمر في الحكم”.
مخاطر سياسية
واتفق نتانياهو وغانتس على تشكيل ما سمي حكومة وحدة في نيسان/أبريل. وقال غانتس إنه لم يثق يوما بنتانياهو لكنه أراد تجنيب الإسرائيليين انتخابات رابعة لا سيما وسط تسارع انتشار فيروس كورونا المستجد. ونص اتفاق الائتلاف لمدة ثلاث سنوات على تولي نتانياهو رئاسة الوزراء لمدة 18 شهرًا على أن يتولى غانتس المنصب في تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
وطالب غانتس الحكومة بتمرير موازنة تغطي عامي 2020 و2021، بحجة أن إسرائيل بحاجة إلى الاستقرار. لكن نتانياهو رفض الموافقة على موازنة 2021. وقال معارضوه إنه اتبع بذلك تكتيكا سياسيا لإبقاء التحالف غير مستقر، ما يسهل عليه إسقاط الحكومة قبل أن يضطر إلى التنازل عن السلطة لغانتس. وقال يوهانان بليسنر رئيس معهد إسرائيل للديموقراطية إن “الأزمة السياسية المستمرة في إسرائيل ستتواصل طالما بقي نتانياهو رئيسا للوزراء ولا يمكن تشكيل حكومة بدونه”.
وفي وقت سابق قال حزب أزرق أبيض إنه توصل إلى اتفاق مع الليكود بشأن مشروع قانون لكسب المزيد من الوقت لتمرير الموازنة. لكن الكنيست رفض هذا القانون، بعد مواجهة مريرة أخرى بين نتانياهو وغانتس. وصوت نواب من الليكود ومن أزرق أبيض ضد اقتراح الائتلاف. ويواجه كل من نتانياهو وغانتس مخاطر سياسية كبيرة في انتخابات آذار/مارس. وقال معلقون سياسيون إن نتانياهو خطط دائما لفرض انتخابات قبل إخلاء مكتب رئيس الوزراء لغانتس، لكنه كان يفضل أن يكون موعد التصويت في حزيران/يونيو أو بعد ذلك.
وكان ذلك سيتيح المزيد من الوقت لحملات التلقيح ضد فيروس كورونا وربما سيدفع بالاقتصاد الاسرائيلي باتجاه التعافي. وستجبر انتخابات آذار/مارس نتانياهو على القيام بحملة في شباط/فبراير، الشهر الذي يفترض أن يمثل خلاله أمام المحكمة ثلاث مرات في الأسبوع لمحاكمته بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة. وهو متهم بقبول هدايا والسعي لمقايضة مع أباطرة وسائل الإعلام مقابل تغطية إيجابية، لكنه ينفي ارتكاب أي مخالفات.
كما يواجه نتانياهو تحديا جديدا من الجناح اليميني بقيادة جدعون سار الذي انسحب من حزب الليكود ليشكل حزبه “حزب الأمل الجديد”. وتشير أحدث استطلاعات الرأي إلى أنه يلي تماما حزب الليكود بزعامة نتانياهو. وتوقع استطلاع أجرته هيئة الإذاعة العامة أن يفوز بعشرين مقعدا في البرلمان المؤلف من 120 مقعدًا، مقابل 28 مقعدا لليكود. وقد يسمح ذلك لحزب الأمل الجديد بتجربة بناء الائتلاف الذي يقع في صلب النظام الانتخابي الإسرائيلي. بحسب فرانس برس.
في الوقت نفسه، تراجعت الفرص السياسية لغانتس إذ إن تحالفه مع نتانياهو أدى الى انقسام “أزرق أبيض”. وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أن الحزب لن يفوز إلا بعدد قليل من المقاعد إذا أجريت الانتخابات قريبا. وأصبح حليف غانتس السابق يائير لابيد من حزب “يش عتيد” زعيم المعارضة في البرلمان، لكن استطلاعات الرأي تشير إلى أنه على لبيد بذل جهود شاقة لتشكيل حكومة.
وقال ريفوئين هازان الأستاذ في قسم علوم السياسة بالجامعة العبرية “إنها لعبة جديدة تماما. يواجه نتنياهو الآن خطرا أكبر.. احتمالات عدم توليه رئاسة الوزراء أقوى من ذي قبل”. ونفى نتنياهو الضغط باتجاه إجراء انتخابات مبكرة وأنحى باللائمة في الاضطرابات السياسية على حزب أزرق أبيض. ودفع المأزق الاقتصاد الإسرائيلي إلى مزيد من الغموض في نهاية العام، ومن المتوقع أن يفضي الركود الناجم عن الجائحة إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.5 في المئة مع بقاء معدل البطالة عند 12.1 بالمئة.
وقال هازان إن من المرجح أن يلعب نتنياهو في الانتخابات المقبلة على حملة التطعيم في البلاد التي بدأت، بالإضافة إلى رصيده الدبلوماسي بعد سلسلة الاتفاقات مع دول الخليج والسودان والمغرب، التي أُبرمت بوساطة الولايات المتحدة. ويتمتع نتنياهو بعلاقة وثيقة مع الرئيس دونالد ترامب، الذي اتخذ عددا من الخطوات الداعمة لإسرائيل في الانتخابات السابقة. لكن هازان يقول إنه مع تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منصبه في يناير كانون الثاني، سيخسر نتنياهو أحد الأرصدة المهمة في حملته الانتخابية.
استياء اسرائيلي
الى جانب ذلك أثار انتهاك مسؤولين إسرائيليين القيود المفروضة لاحتواء فيروس كورونا المستجد استياء بين السكان وانتقادات في الصحافة بعضها تناول زوجة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو. وتساءلت الصحافة هل تعتبر زيارة مصفف شعر زوجة نتانياهو سارة أمرا ضروريا؟ وهل يستطيع رئيس جهاز الأمن العام (الشين بيت) نداف أرغمان انتهاك قيود الإغلاق باستضافة أقارب في منزله؟
شددت إسرائيل إجراءات مكافحة وباء كوفيد-19 وفرضت قيوداً على الحركة تمنع السلكان من التنقل لأبعد من كيلومتر واحد عن مكان سكنهم. وتشمل التدابير إغلاق غالبية أماكن العمل والأسواق فيما سُمح فقط بالصلاة في الخارج بحضور 20 شخصًا كحد أقصى. وتطبق التدابير نفسها على التظاهرات. وحظرت الزيارات من قبل أفراد الأسرة من غير المقيمين في المنزل نفسه. وعند عودة مستشارين في طاقم رئيس الوزراء من واشنطن بعد توقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين في منتصف ايلول /سبتمبر لم يخضعوا للحجر الصحي كما هو متبع بموجب البروتوكول المعتمد.
وتعرضت سارة نتانياهو للانتقاد بعدما كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليومية أنها طلبت حضور مصفف الشعر إلى مقر إقامة رئيس الوزراء الرسمي “وبذلك تكون قد انتهكت قواعد الإغلاق”. وتحظر قيود الإغلاق على الإسرائيليين الزيارات المنزلية لأغراض غير ضرورية. ولا تُعتبر زيارة مصففي الشعر مسألة حيوية أو أساسية، فقد أغلقت صالونات الحلاقة في جميع أنحاء البلاد.
لكن المتحدث باسم سارة نتانياهو قال في بيان إنها “طلبت من حلاقها قبل عيد العرش الحضور لانها قامت بتصوير فيديو تدعو فيه إلى وضع الكمامات… ونظرا لأنها شخصية عامة مؤثرة … فقد افترضت أنه يُسمح لها باستخدام خدمات مصفف شعر كما يجري في القنوات التلفزيونية”. من جهة أخرى، واجهت وزيرة البيئة غيلا غمليئيل عضو حزب الليكود انتقادات ودعوات لإقالتها أو استقالتها لاتهامها بالكذب وانتهاك القانون لأنها سافرت بعد إصابتها بكوفيد-19 من منزلها في تل ابيب في عيد الغفران إلى طبريا.
وافادت الإذاعة العامة أن نداف أرغمان المسؤول بشكل خاص عن تعقب انتهاكات الحجر الصحي عبر الهواتف المحمولة للمواطنين انتهك الإغلاق خلال عيد العرش واستضاف أفراداً من عائلته لا يقيمون معه في المنزل نفسه. وغضب المعلقان السياسيان إيتامار أيشنر ويوفال كارني وكتبا في يديعوت أحرونوت “مرة أخرى يتبين أن القواعد التي تنطبق على المواطنين الإسرائيليين لا تنطبق على دائرة رئيس الوزراء والمقربين منه”.
وقال دينيس شاربيت أستاذ العلوم السياسية في الجامعة المفتوحة إن “تجاوزات السياسيين تبرر انحرافات الجميع”. وقال شاربيت “في حين أن الحريات الفردية تعرقلها القيود المفروضة من قبل الحكومة، فإنها تصبح غير فعالة إذا لم يحترمها القادة”. وأضاف أن “الإفلات من العقاب الذي يتمتع به هؤلاء السياسيون بشكل عام يعزز عدم ثقة الجمهور في السلطات”.
واستقال النائب ميكي ليفي من حزب “يش عتيد” المعارض برئاسة يائير لبيد من عضوية لجنة كوفيد-19 البرلمانية بعد أن نشرت وسائل الاعلام أنه قضى عطلة العرش اليهودية في منزل ابنه”. وفي حين أظهر استطلاع للرأي بثته القناة 12 في التلفزيون الإسرائيلي عن تعامل الحكومة مع الوباء تراجع شعبية حزب الليكود الذي يشغل 36 مقعدا من أصل 120 مقعدًا في البرلمان.
وتوقع الاستطلاع حصوله على 26 مقعداً. ووفقًا للاستطلاع نفسه، قال 65% من الإسرائيليين إن نتانياهو يتعامل مع أزمة كوفيد-19 “بشكل سيء”. ونظم آلاف الإسرائيليين احتجاجات في جميع أنحاء البلاد بسبب فيروس كورونا. وواصلت الاحتجاجات الضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسبب أسلوب معالجته أزمة فيروس كورونا ومزاعم الفساد التي ينفيها. وجاءت هذه الاحتجاجات بعد موافقة البرلمان على قانون للحد من نطاق مثل هذه المظاهرات .
رابط المصدر: