عقب انتهاء انتخابات وصفها المراقبون بالأصعب في تاريخ تركيا، تستعد البلاد للانتخابات المحلية القادمة، والتي من المقرر انعقادها في 31 مارس 2024، حيث سينتخب حوالي 64 مليون ناخب رؤساء بلديات جدد وغيرهم من أصحاب المناصب في الحكومات المحلية لـ 81 محافظة. ومن المتوقع أن تشهد هذه الانتخابات زخمًا كبيرًا؛ نظرًا لما تحظى به من أهمية شديدة للوسط السياسي التركي، لهذا بدأت الأحزاب المتنافسة بالإعلان عن استعداداتها وخططها للفوز بأصوات الناخبين والسيطرة على كبرى البلدات التركية.
رغم أهمية الانتخابات الرئاسية ومن بعدها الانتخابات البرلمانية في تحديد الشكل السياسي الذي تسير عليه البلدان، إلا أن الانتخابات المحلية لا تقل أهمية عنهما في الداخل التركي؛ كونها تعدّ استفتاءً عمليًا ومباشرًا لرصد حجم شعبية الأحزاب في الشارع التركي، ومؤشر معبر كذلك وأحيانًا يكون محددًا وبوصلة للانتخابات العامة، والتي من المقرر أن يكون موعدها عام 2028، كما أنها ستشكل الديناميكيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية على المدى القصير في السنوات الخمسة المقبلة.
وتأتي هذه الانتخابات بعد أقل من عام على الانتخابات الرئاسية في مايو الماضي، والتي أتاحت لعدد غير مسبوق من الناخبين الاختيار بين البدائل السياسية. وهذه المرة ستغطي الانتخابات المحلية مقاعد رؤساء البلديات في المدن الكبرى والمقاطعات والمناطق والبلدات، بالإضافة إلى القرى والأحياء والمجلس المحلي وأعضاء مجالس المدن والمجالس البلدية.
وفي الانتخابات المحلية، يلعب المرشح وشخصيته المحلية وطبيعة الفوائد والخدمات المتوقعة منه دورًا مهما في ترجيح واختيار الناخب للحزب، ففهم المجتمع ورغباته نقطة مهمة وحساسة، وبالتالي فإنه من المهم أن يتم اختيار المرشح الصحيح الذي يلبي رغبات وتطلعات الجمهور ويحوز قبول وقناعة الناخب من خلال حضوره ومشاريعه التي تمس حياتهم مباشرة.
وبإلقاء نظرة على الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2019، نجد أن نسبة المشاركة قد بلغت حينها 84.6% مسفرة عن حصول حزب العدالة والتنمية على 44.3% من الأصوات مكّنته من الفوز في 15 بلدية كبرى، بينما حصل حزب الشعب الجمهوري على 37.12% من الأصوات مكنته من الفوز في 11 بلدية كبرى، من بينها بلديتَا أنقرة وإسطنبول الكبيرتين، في حين حقق حزب الشعوب الديمقراطية نسبة 4.2% فاز خلالها بـ 3 بلديات كبرى، وفاز حزب الحركة القومية، الذي حقق نسبة 7.3% من الأصوات، ببلدية واحدة كبرى من أصل 30 بلدية كبرى. ولم يفز الحزب الجيد بأي بلدية كبرى، ولكنه حصل على نسبة 7.4% من الأصوات.
ومن شأن المحليات هذه المرة أن تعكس مدى الاستقرار والقيادة التي سيحققها الحزب الحاكم الحالي الذي اكتسح في الانتخابات الأخيرة، مسفرًا عن فوز الرئيس رجب طيب أردوغان، وأغلبية واسعة في البرلمان، وسط اتهامات باتسامها بالاستقطاب الشديد، واستفادة الحزب الحاكم من المميزات الممنوحة له.
وإذا استطاع حزب العدالة والتنمية تحقيق اكتساح جديد في الانتخابات المحلية وهزيمة المعارضة، فهذا سيرسل رسالة مفادها أن الشعب التركي يوافق على سياسات “أردوغان”، وبالتالي سيتم تعزيز سياساته ليكون أكثر قوة وحضورًا على الصعيدين المحلي والدولي، كما ستكون ضربة قاصمة للمعارضة التي تواجه عددًاَ من الانقسامات التي تمنعها من تشكيل جبهة موحدة للحفاظ على مكتسبات انتخابات 2019.
ملفات على طاولة الانتخابات المحلية
شهدت الانتخابات العامة التركية الرئاسية والبرلمانية حضورًا بارزًا لملفي الاقتصاد واللاجئين، وكذلك كان الواقع في الانتخابات المحلية الأخيرة عام 2019. وفي ظل الواقع الحالي والتغيرات التي يشهدها الداخل التركي، يتوقع حضور هذه الملفات في الانتخابات القادمة، ولكن بشكل أقل ومختلف عن الانتخابات الرئاسية؛ إذ إن للانتخابات المحلية أجندة خاصة ومواضيع مفصّلة أكثر.
وتحرص الأحزاب المتنافسة على تحديد أولويات الملفات المطروحة عبر إجراء عدد من استطلاعات الرأي بين الناخبين على مدار العام في المدن الكبرى لتسليط الضوء على أبرز القضايا، ووفقًا لعدد من الاستطلاعات الأخيرة نجد أن المشكلات الرئيسة تبلورت حول: التحول الحضري، وأزمة الزلازل، وارتفاع تكاليف المعيشة، والنقل، والهجرة غير النظامية، واللاجئين السوريين ومشاكل البنية التحتية، وكذلك نقص الخدمات البلدية، مثل مشاكل مرافق المياه ومشاكل المرور الناجمة عن مشاكل بناء الطرق، هذا بجانب قضية الحيوانات الضالة التي تهاجم المواطنين وغيرها.
ولكن هناك عوامل أساسية من شأنها أن تتحكم بقرارات الناخبين في هذه الانتخابات، والتي على أساسها ستمنح الأصوات للأحزاب المتنافسة بناء على ما تقدمه من برامج وشعارات، شريطة أن يلتمس الناخب مصداقية وواقعية وإمكانية تحقيق الوعود المطرحة والتي تتمحور حول:
● الوضع الاقتصادي: فهو المحدد الأساسي لتوجهات أغلب الناخبين في عموم تركيا، خاصة مع المعاناة التي تشهدها البلاد أمام ارتفاع نسبة التضخم والفائدة، وأمام غلاء الأسعار الذي انعكس بالسلب على ذوي الدخل المحدود، وأدى إلى ارتفاع نسبة البطالة. وسيكمن الإغراء في طرح الأحزاب خططًا لسياسات مالية صحيحة تحارب الفساد وتطور إنتاج الطاقة وزيادة الموارد.
● القضية الكردية: وهذه القضية موضع جدال في الداخل التركي، ودائمًا ما تكون ورقة انتخابية مهمة سواء لدى حزب العدالة والتنمية أو لدى الأحزاب الكردية مثل حزب الشعوب الديمقراطية، لا سيّما وأن المواطنين الأتراك ذوي الأصول الكردية يقدرون بنحو 20-25% من المواطنين، ويتمركزون في مناطق مهمة ذات ثقل انتخابي مثل إسطنبول وإزمير وميرسين، وحتى أنطاليا وأنقرة.
● الأوضاع الإقليمية والدولية: فنظرًا لما تواجهه المنطقة من توترات وتصعيدات وخاصة في غزة، تواجه تركيا الآن عددًا من التحديات؛ نظرًا لموقعها ودورها في المعادلة الإقليمية والدولية، وعلى الأحزاب فرض رؤية مرضية للتعامل مع كافة التحديات بما يقنع الناخبين المراقبين للمشهد الحالي.
الاستعدادات الحزبية لمعركة الانتخابات المحلية
من المقرر أن تُصدر المجالس الانتخابية بالمقاطعات والمناطق قوائم المرشحين المعتمدين النهائية في 3 مارس القادم بعد الاستئناف، حسبما ذكر المجلس الأعلى للانتخابات. وحتى الإعلان عن المرشحين، نجد أن الأحزاب المتنافسة البالغ عددها 36 حزبًا سياسيًا قد بدأت في الآونة الأخيرة الإفصاح عن أبرز مرشحيها وتحالفاتها كنوع من الحشد والإعلان وكسب التأييد الشعبي، ويتم الكشف أيضًا عن الخطط والاستعدادات التي تجعل من المنافسة ميدانًا مشتعلًا يضعنا أمام خيارين: إما فوز ائتلاف الحزب الحاكم بالمناطق المهمة وبالتالي الهيمنة على المشهد السياسي التركي بالكامل، أو أن تفوز المعارضة بأهم المقاطعات كما فعلت عام 2019، الأمر الذي سيضع عددًا من العقبات أمام طموحات الحزب الحاكم. وفيما يلي أبرز الاستعدادات للأحزاب المتنافسة:
- “حزب العدالة والتنمية”
بعد تجديد كوادره، واستبدال 52 رئيسًا إقليميًا وأكثر من 400 رئيس مقاطعة بعد الانتخابات العامة التي جرت في مايو الماضي، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن مرشحي حزب العدالة والتنمية لرئاسة البلديات في 26 مقاطعة، بما في ذلك إسطنبول التي يوليها الرئيس مكانة مهمة في حياته السياسية، فهي بالنسبة إليه بمثابة نقطة محورية في المشهد السياسي التركي. ولم تخرج من يده منذ عام 1994 حتى عام 2019 عندما فاز بها “حزب الشعب الجمهوري” المعارض.
فقد أنهى “الشعب الجمهوري” من خلال مرشحه أكرم إمام أوغلو سلسلة طويلة لحزب العدالة من السيطرة عليها بعد تغلبه على مرشح الحزب الحاكم بن علي يلدرم، بالإضافة إلى مدن كبرى أخرى كأنقرة وأنطاليا وإزمير وأضنة ومرسين، أي ما يعني تقريبًا 60% من السكان، و62% من الناتج الإجمالي المحلي، ومواقع جغرافية حساسة وتراكيب مجتمعية مهمة. لذا يحاول حزب العدالة والتنمية استعادة هذه المدن مجددًا، كنوع من “تصفية الحسابات” مع المعارضة، وتأكيدًا على القناعة العامة التركية التي تفترض أن من يحكم إسطنبول يحكم تركيا.
ووفقًا لاستطلاعات الرأي، فقد يتمكن الحزب من الفوز برئاسة بلديات كبرى كإسطنبول وأنقرة، أو على الأقل ضمان الفوز بإسطنبول فقط؛ نظرًا لعمل الحزب في الآونة الأخيرة بطريقة صارمة ومحددة لاختيار المرشح المناسب ذي الخلفية الممتازة لإدارة المدن، كما أنه يركز على “العمل والإنجاز معًا” وهو الأمر الذي يعد نقطة ضعف عند مرشحي المعارضة، بالرغم من تقدم أشهرهم “الشعب الجمهوري” في استطلاعات الرأي، ولكن هناك عدد كبير من الناخبين غير راضين عن إنجازاتهم في السنوات الخمسة الماضية.
لذلك يمكن تفسير حديث “أردوغان” في الآونة الأخيرة عن “الإدارة البلدية الحقيقة” وأهمية الفوز بالانتخابات المحلية للوصول إلى أهداف القرن التركي، وكذلك تسليطه الضوء على عيوب رؤساء البلديات المنتمين إلى حزب الشعب الجمهوري، وخاصة رئيس الحزب “أوزغور أوزيل” المنتخب حديثًا، والذي يضعه أردوغان في الآونة الأخيرة في مرمى نيران خطاباته، بالرغم من أنه لا يفعل ذلك بنفس القدر مع منافسه الحقيقي عمدة إسطنبول الحالي “أكرم إمام أوغلو”، وربما يكون السبب هو أن استمرار الهجوم على أي شخصية معارضة، بحكم المتعارف عليه تميل هذه الشخصية إلى أن تصبح أكثر شعبية على المستوى الشعبي، وهذا ما يحاول أردوغان تجنبه لاستعادة إسطنبول.
ولعل أبرز أسباب هجوم أردوغان على رئيس حزب الشعب الجمهوري يكمن وراء مجهودات “أوزيل” المستمرة للتقرب من حزب اليسار الأخضر، والمعروف بشكل غير رسمي باسم “حزب المساواة والديمقراطية الشعبية”، والذي يعتقد أردوغان أنه يقدم تنازلات للانفصاليين الأكراد عند كل منعطف، والتي كان آخرها رفضه التوقيع على بيان برلماني مشترك يدين الهجوم الذي شنه تنظيم حزب العمل الكردستاني الذي تصنفه تركيا إرهابيًا.
وتشير جميع الاستعدادات إلى أن الحزب الحاكم سيركز على تحقيق التوازن بين السياسة الوطنية والمحلية، ومن المحتم أن يطرح الحزب القضايا الوطنية مثل الأيديولوجية والهوية، وكذلك قضايا الإسكان والسياسة الاجتماعية والتجديد الحضري (وهو مشروع طموح على مستوى البلاد لاستبدال مبانٍ جديدة بالمباني القديمة المتهالكة)، والتأهب للزلازل والمشاريع والمخططات العامة. لذا تم اختيار “مراد كوروم”، وزير البيئة والتخطيط الحضري كمرشح لمنصب عمدة إسطنبول، والذي له خبرة واسعة في قطاع الخدمات.
والجدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية يتوافق بشكل كبير مع “حزب الحركة القومية” بقيادة “دولت بهجلي” بخصوص المدن الكبرى، ووفق ذلك لن يرشح الأخير أحدًا فيها، وسيدعم مرشح العدالة والتنمية. ولكن هذا لا يمنع وجود بعض الانشقاقات، فقد أعلن “حزب الوحدة الكبرى” المحسوب على جبهة التحالف الجمهوري الحاكم بقيادة “مصطفى دستجي” أن الحزب سيكون له مرشحون مستقلون في بعض المناطق، وكذلك حزب “الرفاه من جديد” الصاعد بقيادة “فاتح أربكان”، الذي أعلن خوض الانتخابات المحلية منفردًا في جميع الولايات التركية، ولكن هذه الانشقاقات لا تؤثر بالضرورة على فرص حزب العدالة والتنمية.
- الأحزاب المعارضة
من المتوقع أن تشكل الانتخابات المحلية القادمة نقطة حاسمة في مسيرة الأحزاب المعارضة، والتي توحدت عام 2022 تحت مظلة “تحالف الأمة أو الطاولة السداسية” بهدف العودة بالنظام البرلماني بدلًا من الرئاسي، وإنهاء حقبة حكم “أردوغان”، ولكنه انهار عقب هزيمة “كمال كليجدار أوغلو” مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي ألقى بظلال سلبية على التحالف وتماسكه، بالرغم من أن هذه الانتخابات أظهرت أن للمعارضة قاعدة شعبية جماهيرية كبيرة في الأوساط التركية.
وتنتمي الأحزاب الستة إلى أيديولوجيات متباينة، ما بين العلمانية الأتاتوركية والقومية من جهة، والتيار اليميني المحافظ الذي يشارك حزب العدالة والتنمية خطوطه الفكرية الرئيسة من جهة أخرى. ولكن العامل المشترك بين الأحزاب الستة كان أنها تتبنى خطابًا “ديمقراطيًا وسطيًا” يتجنب الإقصاء أو التطرف تجاه فئة محددة من الشعب، وبالطبع تجمعها معارضة الرئيس “أردوغان”، وكان السعي إلى الإطاحة به خلال الانتخابات العامة هدفًا موحدًا، ولكن بعد فشل هذا الهدف ظهرت الخلافات الأيديولوجية الحقيقية بين الأحزاب، والتي تمحورت حول المساومات على المناصب والمقاعد والتقرب من الأحزاب المحظورة، الأمر الذي دفعها إلى مراجعة نهجها السياسي.
وعلى الرغم من تشكيل إدارة جديدة بعد انسحاب “كليجدار أوغلو” وحل محله “”أوزغور أوزيل”، إلا أن حزب الشعب الجمهوري اليساري يواجه احتمالات متضائلة للفوز، حيث يسعى حلفاؤه مثل “حزب الجيد القومي العلماني”، ثاني أحزاب المعارضة والشريك الأساسي للشعب الجمهوري في تحالف الأمة لعام 2019 بقيادة “ميرال أكشنار” إلى الترشح بشكل منفرد من أجل تعزيز قاعدته الشعبية على الصعيد الوطني، متجاهلاُ جميع الضغوط نحو التحالف –أو حتى التعاون- والالتفاف حول مرشح حزب الشعب الجمهوري الممثل عن المعارضة، ومدعيًا أن الانضمام للشعب الديمقراطي في الطاولة السداسية قد تسبب في إضعاف الدعم الشعبي للحزب، مما أفقده 39 مقعدًا في البرلمان، فضلًا عن ردود الفعل العنيفة التي واجهها الحزب بسبب انتهاء المطاف به جنبًا إلى جنب حزب الشعوب الديمقراطية الذي يُتهم بعلاقته بحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا.
وعلاوة على ذلك، أعلن حزبا المستقبل والسعادة أيضًا دخول الانتخابات بقائمة مشتركة دون تحالفات، وبهذا ستنقسم كتلة المعارضة إلى أربعة قوائم انتخابية بدلًا من التنسيق بينها كما حدث في 2019، ويبدو أن هذه الانقسامات ستجعل من المعارضة كيانًا غير مؤهل للمنافسة مع الحزب الحاكم الذي يستغل الثغرات وتشتت الأصوات لصالحه، وبالتالي ترجيح كفة الحزب الحاكم للفوز بالبلديات الكبرى.
ولهذا أيقن حزب الشعب الجمهوري أنه لا خيار أمامه سوى التحالف، ولهذا اضطر إلى أن يطرح الانضمام إلى أحزاب كحزب الديمقراطية والتقدم، والحزب الاشتراكي اليمني “DEM”، وحزب اليسار الأخضر “YSP” المؤيد لحزب العمال الكردستاني، والمعروف بشكل غير رسمي باسم حزب المساواة والديمقراطية الشعبية، داعيًا إلى توحيد القوى على المستوى الشعبي، والاستفادة من أصوات المؤيدين لتلك الأحزاب لدعم مرشحي حزب الشعب الجمهوري لرئاسة البلديات وعلى رأسهم “أكرم إمام أوغلو” في إسطنبول، و”منصور ياواش” في أنقرة، وغيرهم من الوجوه الشابة في الحزب.
وهذا النوع الجديد من الشراكة التي يصفها البعض بالانفتاح على اليمين بسياسات يسارية يمكن أن يدفع حزب الشعب الجمهوري نحو اليسار أكثر مما كان متوقعًا في الأصل، ما يعني الابتعاد عن أنصار الحزب القوميين والمحافظين، مما يزيد من صعوبة وصول الحركة إلى هدفها المتمثل في “توحيد” القاعدة الشعبية، وقد ينتهي به الأمر إلى خسارة اليساريين واليمينيين.
وهناك أمر تجدر الإشارة إليه أيضًا قد تكون بمثابة عقبة كبيرة أمام “أوغلو”، ولكنها فرصة مهمة بالنسبة “لأردوغان”، ألا وهي الدعوة القضائية التي يواجهها “أوغلو” بسبب إهانته أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات عام 2019، والتي صدر حكم عليه خلالها بالسجن لمدة عامين وسبعة أشهر بجانب الحظر السياسي، هذا بجانب قضية أخرى منفصلة –لم تشق طريقها في المحاكم بعد- تتهمه بالفساد خلال فترة ولايته كرئيس لبلدية منطقة “بيليك دوزو” في إسطنبول عام 2015. وإذا تم رفض الاستئناف في القضيتين، فهذا سيعني حجب “أوغلو” من الظهور على الساحة السياسية التركية.
ووفق المعطيات الحالية، وإلى أن تُعلن نتيجة هذه الانتخابات، سيظل الاستقطاب الحاد بين الأحزاب المتنافسة مستمرًا في تركيا، وستجاهد المعارضة بكل ما أوتيت من قوة لتعوض خسارتها الرئاسة وأغلبية البرلمان بإصلاح الأخطاء والثغرات واحتواء الانقسامات وتقديم مرشحين قادرين على تشتيت الحزب الحاكم وانتقاد سياساته في العلن، بينما سيعمل الأخير أيضًا بكل قوة على استغلال مشكلات المعارضة لصالحه، من أجل فوز أخير بآخر موجة من الانتخابات التركية قبل الموجة القادمة عام 2028.
المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80581/