الانتشار العسكري الأمريكي وما يحملة من رسائل

بتاريخ 31 يوليو 2024، شهد اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحماس، على يد إسرائيل في طهران ذروة تصعيد الصراع بين إسرائيل وإيران بالتزامن مع مقتل فؤاد شكر “المستشار العسكري الأهم لحسن نصر الله” في محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستعادة ثقة مواطنيه والضغط على حركة حماس للقبول بشروط أقل للتفاوض ومحاولة ردع حزب الله، وهو ما لم تقبله إيران حيث وجه المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي رسائل شديدة اللهجة وتوعد بالانتقام بالتوافق مع الرئيس الإيراني الجديد “مسعود بزشكيان”. ولكن تمر الأيام ولا يحدث رد إلى الآن بل أعلنت البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة مؤخرًا بأنها قد تؤجل الرد على إسرائيل حتى استئناف مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة.

التزام أمريكي بالدفاع عن إسرائيل

منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة بعد عملية “طوفان الأقصى”، كان التواجد الأمريكي حاضرًا وبقوة من خلال أسراب طائرات مقاتلة يتم إعادة تموضعها وسحبها بالتبادل مع بعضها البعض وتقوم بمهام هجومية ضد المليشيات الإيرانية في العراق واليمن وشاركت في العملية الدفاعية عن إسرائيل في أبريل الماضي، ولكن مؤخرًا تم الدفع بطائرات مقاتلة إضافية وسفن حربية إلى جانب سرب إضافي من مقاتلات إف-22، لتكون المحصلة النهائية حوالي 80 طائرة مقاتلة برية، وأكثر من اثنتي عشرة سفينة حربية في المنطقة. حاملة الطائرات الأمريكية ثيودور روزفلت، المجهزة بحوالي 80 طائرة هجومية من طراز إف/إيه-18 سوبر هورنت، تبحر الآن بالقرب من الخليج العربي، بينما تعمل مجموعة الهجوم البرمائي Wasp الأمريكية، مع 30 طائرة وطائرة هليكوبتر بالإضافة إلى 4500 من مشاة البحرية، في شرق البحر الأبيض المتوسط. وهناك بالفعل طائرات إف-35 وإف-16 سي إم وإف-15 إي في الشرق الأوسط.

وتأتي هذه الخطوة بالرغم من الاستياء الأمريكي من الخطوة التصعيدية الإسرائيلية الأخيرة. فقد أعرب الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت سابق عن مخاوفه بشأن توقيت اغتيال هنية، مشيرًا إلى أنه يمكن أن يعيق المفاوضات الجارية لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن ويحتمل أن يشعل صراعًا إقليميًا.

وفقًا لصحيفة “الجريدة” الكويتية، كشف “مصدر رفيع في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني” أن وفدًا أمنيًا أمريكيًا سافر أيضًا إلى إيران بوساطة عمانية لنقل رسالة “التهدئة والتحذير” إلى قادة طهران، وإقرار للإيرانيين أن الولايات المتحدة لم تكن على علم باغتيال هنية وأن بايدن كان مستاءً من عمل إسرائيل الأحادي.

وزعمت الصحيفة أن الوفد أعطى قائمة تتضمن “أسماء 10 عملاء من الموساد” داخل إيران للإيرانيين، معتقدين أنهم متورطون في الاغتيال، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ربما كان هذا هو السبب في اعتقال 20 شخصًا بارزًا في إيران، بما في ذلك حسن كرامي، قائد الوحدات الخاصة للشرطة الإيرانية، الذي قيل إنه اعتقل من قبل الحرس الثوري الإيراني بتهمة التجسس والتعاون مع المخابرات الإسرائيلية.

التحركات العسكرية الأمريكية

وبالمقارنة بما تم في أبريل الماضي للدفاع عن إسرائيل، فقد اعتمدت القوات الجوية الأمريكية آنذاك على إرسال سرب واحد فقط من طائرات “إف-15” بجانب سرب “إف-16” للدفاع ضد المسيرات والصواريخ الجوالة، بجانب إرسال العديد من بطاريات الدفاع الجوي من طراز “باتريوت” و”ثااد” للدفاع عن الجانب الشرقي، وتعزيز مهمة الدفاع الصاروخي ضد الصواريخ الباليستية بواسطة مدمرتين فقط من طراز “أرلي بورك” من البحرية الأمريكية لتأمين الجانب الغربي.

ولكن هذه المرة، نشرت القوات الجوية الأمريكية قوة ضاربة كبيرة، لا يقتصر دورها على المهام الدفاعية في المنطقة. لأنها تحتوي على طائرات هجومية يمكنها تحقيق الهيمنة الكاملة على السماء، وتأمين تشكيلات القاذفات، وتمكين الأخيرة من اختراق الدفاعات الجوية للعدو وتوجيه ضربات قوية. يشمل الأمر اختيار طيارين من النخبة في تنفيذ هذه المهمات. جاءت طائرات “إف-22” من الجناح الجوي الثالث في قاعدة “المندورف-الأسكا”، وقد حصل طيارا هذا الجناح على جائزة أفضل سرب “إف-22” ينفذ مهمات للقتال الجوي في تشكيلات مختلطة من الطائرات، وذلك وفق مسابقة “William Tell-2023”. جاءت طائرات “إف-15” أيضًا من الجناح الرابع في قاعدة “سيمور-كارولينا”، وهو أيضًا سرب من النخبة كان يشارك في المسابقة ذاتها التي تشمل أفضل أجنحة جوية على مستوى سلاح الجو الأمريكي. بجانب ذلك، جاءت طائرات “إف-16 سي إم” من السرب 510 في قاعدة “أفيانو-إيطاليا” المتخصصة في عمليات إخماد الدفاعات الجوية، وهي نسخة هجومية بامتياز من طائرات “إف-16”. لطياري هذا السرب خبرة كبيرة في العديد من المهمات القتالية في الشرق الأوسط.

تم تعزيز هذه التشكيلات من قبل السرب البحري -25 من مقاتلات “إف-18” لتعمل من قواعد جوية أرضية في المنطقة في مهمة الدفاع عن إسرائيل. هذه المقاتلات متعددة المهام ذات النزعة الهجومية والقادرة على حمل الكثير من صواريخ الاشتباك الجوي مع رادارات متطورة. تتدرب هذه التشكيلات سنويًا في تدريبات “العلم الأحمر” في الولايات المتحدة، حيث يتم دمج أسراب سلاح الجو والبحرية في سيناريو هجومي واحد، مما يشير إلى تصميم الولايات المتحدة على ردع أو عرقلة أي هجوم إيراني على إسرائيل.

أما البحرية الأمريكية فقد نشرت في خليج عُمان مجموعة حاملات الطائرات بقيادة “يو إس إس ثيودور روزفلت” مع طراد مهيب من طراز “تايكونديروجا” وثلاث مدمرات “أرلي بورك”. في البحر الأحمر، نشرت مدمرتين “أرلي بورك” من الأسطول الخامس الأمريكي، وفي البحر المتوسط نشرت مجموعة الهجوم البرمائي “Wasp” مع مدمرتين “أرلي بورك”. يُرجح أن تتواجد عدد غير معروف من الغواصات في البحر المتوسط وبحر العرب. تستطيع الوحدات القتالية من البحرية الأمريكية “الطراد والمدمرات والغواصات” إطلاق عشرات الصواريخ كروز الهجومية من طراز “توماهوك” مع قدرة دفاعية لوحدات السطح بواسطة صواريخ الدفاع الجوي “ستاندرد ميسيل” القادرة على إسقاط الصواريخ الباليستية من مئات الكيلومترات. تكررت زيارات الجنرال الأمريكي مايكل كوريلا للعديد من دول الخليج وكذلك إسرائيل للتأكد من أن تنظيم الشبكة الدفاعية والتنسيق الكامل مع سلاح الجو الإسرائيلي الذي من المفترض أن يكون خط الدفاع الأخير داخل الخطة الدفاعية.

التحركات العسكرية الإيرانية

اتخذت إيران عدة خطوات جديدة نتيجة للتعلم من الهجمات الجوية الإسرائيلية السابقة في أبريل. لتشمل استعدادات ليست فقط هجومية ولكن أيضًا دفاعية. فقد نقل الجيش الإيراني العديد من بطاريات الدفاع الجوي لتعزيز الجانب الغربي من البلاد، مثل إس-300، وصياد-2، وخرداد. وبحسب تقرير جريدة الTimes البريطانية يفيد عن إمداد الجيش الإيراني بأنظمة دفاعية جديدة روسية على الأغلب من طراز مثل إس-400 للدفاع الجوي بعيد المدى، والمصمم خصيصًا للتعامل مع الصواريخ الباليستية التي تطلق من الأرض والجو والطائرات الشبحية المتطورة، بجانب منظومات التشويش على الاتصالات بعيدة المدى “Murmansk-BN “، والتي تهدف إلى تعطيل العمليات الجوية من خلال اكتشاف الاتصالات وتحديد أماكنها بدقة والتشويش عليها مع حرمان القوة المهاجمة من الاستفادة بتوجيه الأقمار الصناعية للقنابل أو الصواريخ أو حتى الملاحة الجوية.

ولكن الخطوة الدفاعية الأهم كانت استخدام بطارية الدفاع الجوي Tor-M1 وRa’ad لحراسة مكاتب المرشد الأعلى في البلاد آية الله علي خامنئي. قد ينبئ ذلك بقوة الرد الإيراني المفترض على إسرائيل، لأنه قد تكون عاقبته شن هجوم مضاد على رموز الدولة بجانب عدم الثقة الكاملة في قدرات الدفاع الجوي خارج المدن مما تطلب تأسيس ما يعرف بدفاع المنطقة “Zone Defense” وإمكانية تهديد المنشآت النووية الإيرانية وهو أمر بالغ الحساسية لإيران.

هجوميًا، توقع المسؤولون الإسرائيليون أن يتم تغيير التكتيك الإيراني، فقد يتم إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية أولًا، تليها صواريخ كروز ثم الطائرات بدون طيار، من أجل تقصير الوقت الذي يستغرقه تنبيه البلاد إلى بدء هجوم إيراني. مع إمكانية استخدام صواريخ “فتّاح” الفرط صوتية الحديثة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت مع القدرة على المناورة في المرحلة الأخيرة من الهجوم بواسطة فوهة المحرك الصاروخي الذي يستطيع التحرك بشكل ثلاثي الأبعاد ليتفادى الدفاعات الجوية بدلًا من الصواريخ القديمة كما في الهجمات السابقة في أبريل.

هجوم إيراني متعدد الاتجاهات

التساؤل الأهم: هل سيتم تنفيذ الهجوم بشكل مستقل من قبل إيران أم ما إذا كان سيشمل أيضًا هجمات منسقة من قبل الميليشيات في العراق واليمن وسوريا ولبنان؟ وبالأخص مع استمرار هجمات حزب الله في المناوشات اليومية مع إسرائيل على مدار أسبوعين، لكن قد يكون هدفه هذه المرة هو اختبار الدفاعات الإسرائيلية، واكتشاف مواقع الرادار، واستهدافها، وربما يمهد مسرح العمليات ويسهل مهمة الصواريخ والمسيرّات الإيرانية عبر الثغرات الناتجة من هجماته.

جدير بالذكر أن عملية تمهيد الهجمات والاستطلاع واستكشاف الثغرات تتطلب العديد من الجهود الاستطلاعية المكثفة. وذكرت تقارير إسرائيلية امتلاك حزب الله لمنظومات إلكترونية متخصصة لهذه المهمة، لذلك بلا شك الخطة الإيرانية تطلب عدة أيام للتخطيط قبل التنفيذ في حالة الرغبة لعمل ضربة مؤثرة. وسيناريو الهجوم متعدد الجبهات هو الأسوأ للدفاعات الجوية الإسرائيلية، بسبب قدرة إيران والمليشيات التابعة لها على إطلاق مئات الصواريخ والمسيرّات من عدة اتجاهات في هجمات متلاحقة قد تتجاوز قدرة منصات القبة الحديدية من إطلاق صواريخ Tamir الدفاعية، مما يحدث إغراقًا هجوميًا للأهداف بالرغم من تدرب سلاح الجو الإسرائيلي على مواجهة سيناريوهات مماثلة، والتي تتطلب خروج طائرات سلاح الجو لاستهداف منصات الصواريخ بعيدة المدى وثقيلة العيار ذات الأثر التدميري الأكبر، ولكن تبقى مخاطرة للمراهنة فقط على الدفاع الجوي الإسرائيلي في تحييد هذه المخاطر، وبالأخص مع تمرير إيران لمليشياتها قدرة تصنيع ونسخ هذه الصواريخ والمسيرّات لتظهر نسخ محلية قليلة التكلفة مع القدرة على تصنيع العديد منها بسهولة.

ختامًا، لا شك في عزم الإدارة الإيرانية على الرد بقوة، وتم استغلال ذلك لحشد شعبي كبير ضد إسرائيل. ولكن، قد يكون رد الفعل الأمريكي بإرسال المزيد من قوات النخبة والوحدات القتالية المتطورة والمخصصة تحديدًا لتنفيذ مهمات هجومية رسالة شديدة اللهجة لإيران، وهو ما تم فهمه جيدًا مع تخوف من رد فعل إسرائيلي على أهداف شديدة الحساسية، هذه المرة، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية تهديد البرنامج النووي الإيراني، الذي يُعد أحد ركائز استراتيجية الردع الإيرانية المستقبلية. لذلك، لم يكن هناك خيار أفضل من تأجيل الرد لوقت مناسب ومحاولة إرضاء العامة بحفل تسليم منظومات صاروخية جديدة للبحرية ومناورات للدفاع الجوي والصواريخ الباليستية واستغلال الضغط الأمريكي للوصول إلى اتفاق من أجل إيقاف العمليات القتالية واسترجاع الرهائن. ولكن، أصبح واضحًا للجميع إصرار الإدارة السياسية الإسرائيلية على استكمال الحرب مع وعد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو “بالنصر الكامل”، الذي أصبح من دروب الخيال ولكنه الملاذ الوحيد لاستمراره وتجنب اللوم القادم لا محالة.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/82195/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M