ملخص:
السؤال الحقيقي الذي تطرحه هذه الورقة هو هل أن السياسة الخارجية حقيقة ثابتة بما لا يبقى امل للكثيرين الذين ينتظرون تغييرا للسياسة الأميركية طمعا في تحقيق انتظاراتهم ومصالحهم السياسية؟ أم أن السياسة الخارجية الامريكية مرتبطة حقا بصعود رئيس جديد بما يسمح بالقول إن الرئيس له هامش كبير في تحديد السياسة الخارجية الامريكية وهو الصانع لها ولعل هذا ما يتوقعه عدد من الملاحظين بعد انتخاب بايدن على رأس البلاد.
مقدمة
يستمر العرب والمسلمون في العالم عموما وفي الشرق الأوسط وشمال إفريقياخصوصا في طرحنفس السؤال كل مرة تقع الانتخابات الامريكية هل ستتغير السياسة الخارجية الامريكيةتجاه المنطقة العربية والإسلامية، ودائما ما يتم الربط الآلي بين صعود رئيس جديد وسياسة جديدة أمريكية تجاه العالم، تكرر السؤال هذه الأيام مع صعود بايدن خلفا لترامب رئيسا جديدا للولايات المتحدة الامريكية الرئيس السادس والأربعين في تاريخ البلاد.
إن تتبع الاحداث وأخبار الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها الخارجية وتحليلها لم يعد ترفًا أو مجرد رغبة في توسيع المعرفة والاطلاع بما يجري حول العالم، بل أصبحت من مستلزمات التحليل السياسي والفهم الاستراتيجي للأوضاع في العالم لاعتبار ثقل دورها كقوة عظمى تتحرك الأحداث في المنطقة العربية تفاعلا معها طمعا ورهبة، مداهنة ومقاومة، سياسة وصراعا منذ الحرب العالمة الثانية وخاصة بعد انتصارهاعلى العراق في حرب الخليج الثانية عام 1991.
أولا: لا حياد عن ثوابت السياسة الخارجية الامريكية
- الكونغرس مهندس السياسة الخارجية
مما لا شك فيه أن السياسة الخارجية الامريكية لا تتغير باختلاف الرؤساء أو بتناوب الأحزاب على الإدارة الامريكية خاصة في الملفات الاستراتيجية مثل التعاطي مع ملف الإرهاب أو الطاقة والبترول أو ملف العلاقات الخارجية مع الصين أو أفغانستان أو إيران وروسيا وكوريا الشمالية وملف الشرق الأوسط ودعم الكيان الإسرائيلي. فالمهندس الأصلي والحقيقي للسياسة الخارجية عبر القوانين والتشريعات هو الكونغرس والذي يمثل الإدارة العميقة الامريكية وصراع المصالح واللوبيات المتنفذة في الساحة الامريكية. ففي قراءة موضوعية للسياسات الامريكية سابقا في الشرق الأوسط نلاحظ أنها لم تختلف في توجهاتها الكبرى لا في عهد الجمهوريين ولا في عهد الديمقراطيين، كما لم تتغير أساسيتها طوال المرحلة الماضية في الملف الفلسطيني، بل يعملان معا على تنزيل هذه السياسات بصفة متدرجة مرة باعتماد سياسة القوة الصلبة ومرة باعتماد سياسة القوة الناعمة، وهو ما يؤكده عبد الحميد عثماني، نائب رئيس تحرير بجريدة “الشروق” الجزائرية إذ يرى أن بايدن وترامب «وجهان لعملة واحدة”. ويقصد بذلك أن السياسة الخارجية الامريكية ثابتة لا ترتهن بتغير الرؤساء ويقول: “ربّما الفرق الوحيد يكمن في المقاربة الإجرائية لتنفيذ السياسة الخارجية لأمريكا، وفقًا لتصورات التيار الفكري الحاكم والمقتضيات البراغماتيّة لكل مرحلة، حيث كانت الآليات مختلفة تاريخيّا بين منظور الجمهوريين والديمقراطيين «ما يلاحظ واقعيا وعبر التجربة التاريخية أن السياسة الخارجية الامريكية تتسم بالثبات في القضايا الاستراتيجية لاعتمادها موجها واضحا ودقيقا وهو الدفاع عن المصالح الامريكية وإزالة كل المنافسين في طريق الريادة العالمية.
ويعتبرهدفتأمينالحصولعلىالنفط وأمنإسرائيل جوهر المصالح الامريكية. وبحسب المفكر فواز جرجس في كتابه (السياسة الأمريكية تجاه العرب. كيف تصنع؟ ومن يصنعها؟)توجدثلاثة معايير لتحديد مستوى التهديد الذي يمثله الخطر الخارجي وماإذاكانيؤثرفي المصالح الحيوية للولايات المتحدة الامريكية وهي:
- إذا كان يهدد بقاء الولايات المتحدة أو حلفائها الرئيسيين
- كان يهدد المصالح الاقتصادية الامريكية المهمة
- إذا كان يشكل خطرا من موجود تهديد نووي في المستقبل
وما يبرز على الساجة الميدانية في التحركات العسكرية والسياسة الخارجية الامريكية هي حركات دفاع عن هذه المصالح و وهي في غالبها تحركات استباقية لمواجهة التحديات المخلة بها، ومن هذه التحديات التي تواجه السياسة الخارجية الامريكية في منطقة الشرق الأوسط ما يتعلق بخطرالارهابالمتمثلبشكلأساسي في تنظيمالقاعدة وتفرعاتها ,ومنهامايتعلقبالخطرالذيتمثله ” الدولالمارق”بحسبالوصف الامريكي وهي إيران وسوريا وكوريا الشمالية ، دون إغفال خطر الصين اليوم المنافس على الريادة العالمية كما كان الاتحاد السوفياتي سابقا والشاهد على هذا الحرب الباردة التي لم تنته إلا بإزاحة الغريم السوفياتي آنذاك، بعد أن بذلت جهودا كبيرة من خلال إيران الشرطي الأمريكي أو أفغانستان لمنعه من التوغل في المنطقة العربية لحماية مصالحها وضمان تدفق النفط العربي وحماية إسرائيل.
2 –سلطات الرئيس الأمريكي في السياسة الخارجية
يتمتع الرئيس الأمريكي بسلطات واسعة في المجال الخارجي وصنع السياسة الخارجية وفقا لما نص عليه الدستور الأمريكي بالمادة الثانية،فهو الرئيس التنفيذي والقائد العام للقوات المسلحة وكبير المفاوضين والدبلوماسيين وله صلاحية تعيين كبار الموظفين بعد موافقة مجلس الشيوخ والدبلوماسيين. وله أيضا حقالرفضلقوانينالتييقرهاالكونغرس.ورغم كل هذا النفوذ الخارجي إلا أن سياسة الرئيس في مجال الشؤون الخارجية مقيدة ومحدودة وليست مطلقة فهي تخضع للتوازنات الداخلية وقوى التأثير الداخلية والإدارة الامريكية ولوبيات المصالح وقوي أخري مثل: مجلس الأمن القومي، ووكالة الاستخبارات، ووزارة الخارجية والكونجرس، وجماعات الضغوط، وخاصة المؤيدة لإسرائيل فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية.
ولقد بات معلوما اليوم عند المختصين أن الرئيس الأمريكي ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية،يعرف مُنزل للسياسات الامريكية أو المدير التنفيذي لسياسات هي في الواقع تصنع في مخابر الدولة العميقة الأمريكية وليس في مكتبه، حيث توجه مراكز الدراسات النافذة واللوبيات القوية السياسية والاقتصادية القرار في البيت الابيض بما يخدم مصالحها.
ويمكن القول إن طبيعة الشخصية الرئاسية ومزاجها وميولاتها الأيديولوجية والدينية تحدد بشكل كبير طريقة تنفيذ السياسات وحماية المصالح القومية الأمريكية، وتحدد شكل التفاعل معها، وكما يبين الأستاذ فواز فإن شخصية الرئيس وإدراكه يحددان الطريق الذي تسلكه عملية وضع المخططات الخاصة بالمنطقة العربية وتنفيذ هذه المخططات، وهو فعلا ما يتأكد حينما ننظر في تعامل الرئيسين “بوش الابن” وترامب” الذين جاوزا حدهما (وهما جمهوريان) وخاصة في ملفات “العراق” و” إيران” والملف الفلسطيني”.
ثانيا: بايدن وهامش التغيير في السياسة الخارجية
1-بايدن وتركة ترامب الثقيلة
لقد ترك ترامب تركة ثقيلة لخلفه الرئيس الجديد للإدارة الامريكية، وكما يقول بايدن نفسه: «إنّ إدارة ترامب تسبّبت في إضعاف مصداقية الولايات المتحدةونفوذها عبر العالم، والأخطر من ذلك هو ابتعاد ترامب عن القيم الديمقراطية التّي تمنح القوة لأمريكا وتجعل شعبها موحّدا”. ومن الأمثلة على ذلك خوض ترامب حربا تجارية على الصين وفرض عقوبات عليها وحمّلها مسؤولية انتشار وباء فيروس كورونا في العالم. واتخاذ إجراءات قاسية ضدها وتبني خطاب جديد ينذر بإشعال حرب باردة بين البلدين. وقد فعل كل ذلك دون الرجوع إلى حلفائه العاديين بما جعل الموقف الأمريكي يعيش حالة انعزال لأول مرة.
التركة الثقيلة الثانية هي حالة الانقسام الداخلي التي أصبح عليه المجتمع الأمريكي ومسألة الأقليات الدينية والعرقية ودعاة تفوق البيض، وعودة ظهور “التطرف السياسي، والإرهاب الداخلي“. وما عاشته فترة ما قبل تنصيب بايدن من شغب وفوضىواقتحام الكونغرس مرده السياسة الداخلية المتوخاة من الرئيس ترامب. أما التركة الثقيلة الثالثة في مسالة التطبيع الاكراهي والانحياز الكلي لإسرائيل على حساب الحق الفلسطيني من خلال صفقة القرن التي حولت إسرائيل إلى دولة تابعة وتحت الحماية الامريكية المباشرة بصورةعلنية.والشاهد على ذلك نقل سفارة الولايات المتحدة في إسرائيل من تل ابيب الى القدس وفي المقابل غلقترامب الممثلية الفلسطينية في واشنطن ووقف الدعم المالي الامريكي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين وأيضا إعلانه الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان المحتل.
- رؤية بايدن وبرنامجه في السياسة الخارجية
أ -حفاظ أمريكا على موقعها الأول في العالم
ركز بايدن طوال حملته الانتخابية على نقطة مركزية وهي استعادة الولايات المتحدة الامريكية موقعها في العالم وتمتين التحالفات مع الأصدقاء، في هذا الصدد أمام بايدن جهدا كبيرا في استعادة ما أتلفه ترامب من علاقات مع الحلفاء وما تركه من تمزقات أوسعت الفجوة بين الولايات المتحدة وحلفائها، لقد أعلن ترامب حربا باردة مع الصين وفتح النار على جيرانه المكسيك وكندا وقزم حلفاءه الأوروبيين، ومما يذكره المحللون أنه أعطى فرصة تاريخية لروسيا أن تستعيد ألقها العالمي بعد انهيار الجدار وسقوط الاتحاد السوفياتي ، لقد ترك ترامب إرثا ممزقا وثقيلا بالأزمات مما وضع الولايات المتحدة في وضعية انعزال في سابقة تاريخية . في نفس المقال الذي أعتبره “مانيفستو” السياسة الامريكية المقبلة في عهدة بايدن يقول:» كأمة، علينا أن نثبت للعالم أن الولايات المتحدة مستعدة للقيادة مرة أخرى،ليس فقط بمثال قوتنا ولكن أيضًا بقوة نموذجنا”. وجلي ان بايدن يسعى إلى معالجة الأوضاع السيئة بحسبه التي تركها ترامب في الولايات المتحدة وفي العالم وهو واع بحقيقة الازمة إذ يؤكد في مقاله: “أنّ إدارة ترامب جعلت الولايات المتحدة تتنازل عن دورها القيادي العالمي الذّي باشرته منذ سبعين سنة، وإذا واصلت تنازلها عن هذه المسؤولية فسيحدث أحد الأمرين، “إمّا أن يحلّ طرفٌ آخر مكان الولايات المتحدة بطريقة لن تعزّز المصالح والقيم الأمريكية، أو لن يفعلها أحد وستعّم الفوضى حينها، وكلتا الحالتين لا تعدان أمراً جيّداً لأمريكا”. في هذا السياق تقول أميرة يوسف مصطفى فيصحيفة «الدستور” الأردنية: أمام الرئيس بايدن بعد فوزه توحيد المجتمع الأمريكي إذ أن ترامب قد عمل على تقسيمه، وأيضا إعادة العلاقات لدفئها مع أوروبا والشرق الأوسط”.لا ريب أن بايدن سوف لن يحيد عن ثوابت السياسة الخارجية في علاقة بأطماع الصين في ريادة العالم وهو ما يدعوه إلى مواصلة سياسة ترامبفيمواجهة “الممارساتالاقتصاديةغيرالمنصفة” للصينولكنعلى العكس من أسلوب ترامب العنيف والمباشر والانفرادي سيعمل بالاشتراكمعالحلفاءوهو ما يراه الصحفي الأردني سمير عطا الله الذي كتب أن دونالد ترامب يمثل ” مرحلة عاصفة وصاخبة في تاريخ أمريكا وتاريخ العالم. ومع الرئيس الجديد سوف يعود العالم إلى تقليديات السياسة الأمريكية”. في المحصلة أمام بايدن خطوط اشتباك كثيرة ينبغي عليه أن يقوم بتفكيكها على ضوء سياسة القوة الناعمة التي يحبذها الحزب الديمقراطي”تحت عناوين التفاوض (إيران) والدبلوماسية (كامب ديفيد وأوسلو) وحتى المساومة والاحتواء والمظلة الأممية، لتسويق صورة أمريكا الأخلاقية”.
ب– بايدن ورياح الديمقراطية من جديد
هل تهب ريح الديمقراطية من جديد على الشعوب العربية؟ في مقال الرئيس بايدن الذي يعبر فيه عن رؤيته للسياسة الجديدة الامريكية يؤكد على “ضرورة استعادة ثقة حلفاء أمريكا التقليديين وتعزيز العمل المشترك ضدّ التحدّيات التّي تفرضها القوى غير الليبرالية كروسيا-بوتين والصين وغيرهما من الدكتاتوريات الصاعدة وذلك عبر توسيع شبكة الأصدقاء الديمقراطيين في أمريكا اللاتينية، وإفريقيا وشرق آسيا ، ويمكن معرفة الوضع السياسي الذي بلغته الدولة الامريكية في عهد ترامب من خلال تركيز بايدن كثيرا في مقاله عن الديمقراطية وكأنه معارض في دولة كليانيةشمولية حيثيؤكد على “ضرورة تجديد الديمقراطية داخل الديار”، ويضيف أن تُصلح أمريكا وتُنشِّط ديمقراطيتها وتقوّي ائتلاف الديمقراطيات عبر العالم وأن تُظهر استعدادها لقيادة العالم مرّة أخرى لا عبر مِثال قوتّها وحسب بل عبر قوّة المثال الذّي تضربه أيضا”. بصورة أوضح يريد بايدن من الولايات المتحدة أن تُسخّر مثالها اللبرالي العابر للثقافات والحدود وقيادة العالم لمواجهة التحدّيات الجديدة، لقناعته بعدم وجود أيّ دولة أخرى لديها فكرة دعم الحرّية والديمقراطية عبر العالم والقدرة على الدفاع عنها.
لكن رغم مرونة الخطابالمتفائل،يبقى السؤال قائما، هل يمكن أن تستفيد الشعوب العربية من هذا التوجه الديمقراطي للسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي الجديد؟ في هذا الصدد يعتزم بايدن استضافة قمّة عالمية للديمقراطية لتجديد روح الأمم المتحدة وتعزيز الديمقراطية عبر العالم. يقول في رسالته الانتخابية:” خلال السنة الأولى لي في منصبي، ستنظم الولايات المتحدة وتستضيف قمة عالمية من أجل الديمقراطية لتجديد الروح والهدف المشترك لدول العالم الحر. وسيجمع بين الديمقراطيات في العالم لتقوية مؤسساتنا الديمقراطية، ومواجهة الدول التي تتراجع بصدق، وصياغة أجندة مشتركة. بناءً على النموذج الناجح الذي تم وضعه خلال إدارة أوباما وبايدن. كما “ستضم قمة الديمقراطية أيضًا منظمات المجتمع المدني من جميع أنحاء العالم التي تقف في الخطوط الأمامية للدفاع عن الديمقراطية”. ما يضفي نوعا من المصداقية على وعود بايدن في تقوية الديمقراطية داخليا ودوليا أمران، الامر الأول هو تاريخه إبان حكم الرئيس أوباما حيث كان يشغل منصب نائب الرئيس وعندها شهد العالم العربي موجة الربيع العربي وعدم الاعتراض على تعزيز الديمقراطية في تلك الدول، بينما تم هدم كل هذا التوجه زمن الرئيس ترامب الذي قال مرة عن السيسي إنه من أصدقائهالمقربين.
الأمر الثاني هو إيمانه بتعزيز الديمقراطية داخل وطنه الولايات المتحدة بقوله إنه سيضمن هذا التوجه الديمقراطي زمن رئاسته البيت الأبيض حيث جاء في مقاله:” وسوف أضمن أن البيت الأبيض مرة أخرى هو المدافع العظيم -وليس المعتدي الرئيسي -على الركائز والمؤسسات الأساسية لقيمنا الديمقراطية، من احترام حرية الصحافة، إلى حماية وتأمين الحق المقدس في التصويت، إلى التمسك استقلال القضاء. إنّ هذه التغييرات هي مجرد بداية، دفعة أولى ليوم واحد على التزامنا بالوفاء بالقيم الديمقراطية في الوطن”.
خاتمة:
وعلى الصعيد العربي وإذا سلمنا بقناعة الإدارة الامريكية الجديدة في دعم الديمقراطية على الصعيد الدولي فإن المستفيد أولا هي التجارب الديمقراطية التي فشل أغلبها زمن ترامب وأيضا الثورات الربيع العربي التي فرض عليها الحصار حتى أصبحت خريفا تخشاه الشعوب العربية لإفراغه من أهدافه النبيلة في التحرر وانتهاج الديمقراطية وإحقاق الحريات وحقوق الانسان ومن ثمة ربطه بالحروب والإرهاب.ولعل هذا التمشي بدأت اليمن تستفيد منه منذ تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد حيث تعهّد فريق الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن “بإعادة النظر فورا” في قرار تصنيف جماعة الحوثي “منظمة إرهابية”، وبوقف الدعم العسكري للسعودية في حربها ضد الجماعة في اليمن. كما ان التقارب القطري المصري والمصالحة المصرية السعودية هي محاولة استباقية للتوقي من موجة الديمقراطية الجديدة ورياحها التي تنتظرها الشعوب العربية بفارغ الصبر وهي التي لو لا انحياز الدول الغربية لأنظمتها المستبدة لانتفضت ولما بقيت يوما واحدا تتفرج على مصيرها المرتهن. أما في خصوص الصراع العربي الاسرائيلي فإنه من البداهة أن لا تتخلى أمريكا على حليفتها الاستراتيجية إسرائيل، ولكن كما يقول وليد سالم في صحيفة “عرب “48 إن “الضربة التي تلقتها صفقة القرن كمرجعية للتفاوض الفلسطيني الإسرائيلي بعد خسارة ترامب في الانتخابات الأمريكية، ونجاح بايدن، الذي سيعود للسياسة الأمريكية التقليدية التي تطالب بتجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتطرح إقامة دولة فلسطينية ببعض المقاييس التي لا ترقى لما يريده الشعب الفلسطيني، ولكنها في الوقت ذاته تتجاوز ما نصت عليه صفقة القرن من قيود، تجعل إقامة هذه الدولة غير ممكنة”. ويعد بايدن عند عديد المحللين “داعماً مخلصاً، ومدافعاً قديماً عن إسرائيل، غير أنه من غير المرجح أن يتبنى سياسات إدارة ترامب تجاه الفلسطينيين. فالجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي-والذي بات له دور مؤثر على صعيد السياسة الخارجية يدفع باتجاه القيام بدور أكبر لحماية الحقوق الفلسطينية”. وفي الأخير تبقى الكلمة الفصل دائما بيد الشعوب لأن الحرية لا توهب وإنما تقتلع بأظافر النضال والكفاح.
الدكتور كمال الصيد(باحث تونسي)
مركز الدراسات الإستراتيجية والديبلوماسية
هي مؤسسة بحثية تغطي مجالا إقليميا واسع النطاق ، يشمل دول المغرب العربي والفضاء الإفريقي والمجال المتوسطي، مع الاهتمام بالشأن التونسي، وللمركز مقران رئيسيان بلندن وتونس… ويعمل المركز على تقديم مساهمات جادة في مجال البحوث الإستراتيجية والأمنية والاقتصادية والدبلوماسية.
رابط المصدر: