الانتقال إلى المرحلة الثانية في قطاع غزة.. المواقف والتوقعات

  • ترفض إسرائيل الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق إنهاء الحرب في قطاع غزة، قبل نزع سلاح حركة حماس وإنهاء حكمها في القطاع، في حين أن الرئيس الأمريكي ترامب يرغب في الانتقال إلى المرحلة الثانية، ويُعطي الأولوية لتشكيل القوة الدولية وتأخير مسألة نزع سلاح حماس.
  • تواجه المرحلة الثانية مجموعة من المعوّقات التي لم يتم حلها حتى الآن، وأهمها: عدم النجاح في تشكيل القوة الدولية حتى الآن (كما ظهر في مؤتمر الدوحة) وهي عامل حاسم لبدء المرحلة الثانية، ورفض إسرائيل أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة حتى لو كان بشكل غير مباشر، ورفض حماس نزع سلاحها.
  • من المتوقع أن يُتوج لقاء ترامب-نتنياهو في 29 ديسمبر بإعلان مشترك حول بدء المرحلة الثانية، وفي المقابل سيحصل نتنياهو على حرية العمل العسكري في قطاع غزة لاستهداف قيادات عسكرية مهمة في حركة حماس ومنع أي محاولة من الحركة لإعادة بناء قوتها العسكرية، مع عدم ربط الانسحاب الإسرائيلي ببدء تنفيذ المرحلة الثانية مباشرة.

 

 

لا تزال عملية الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة يعتريها الكثير من التحديات والعوائق؛ جزء منها متعلق بإسرائيل وحركة حماس والجزء الآخر يعود إلى الولايات المتحدة التي لم تنجح حتى الآن في تشكيل قوة الاستقرار الدولية في قطاع غزة. تعمل جميع الأطراف على فرض تصوراتهم للمرحلة الثانية من حيث أولويات المرحلة، ما بين نزع السلاح وإعادة الإعمار والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، ومن حيث الجدول الزمني لبدء المرحلة الثانية.

 

تناقش هذه الورقة مواقف الأطراف الفاعلة من المرحلة الثانية، والمعيقات التي تقف أمام بدء تطبيقها، والتوقعات بشأن ذلك.

 

الموقف الإسرائيلي

 

من الناحية الرسميّة، ترفض إسرائيل الانتقال إلى المرحلة الثانية قبل تسليم جثة الإسرائيلي الأخير في قطاع غزة، إذ ترى أنه بعد الانتهاء من ملف تسليم جثامين الأسرى الإسرائيليين كاملاً يمكن الحديث عن انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق. وبالرغم من هذا الموقف الرسمي، فإن الموقف الإسرائيلي أكثر تعقيداً ويُشكل عاملاً معيقاً في مسار الانتقال إلى المرحلة الثانية، أو على الأقل البدء بتنفيذ عناصرها.

 

ينطلق الموقف الإسرائيلي من أن جوهر المرحلة الثانية يكمن في نزع سلاح حركة حماس وإنهاء حكمها في القطاع، وحاولت إسرائيلي التشديد على هذا الموقف من خلال الممارسات والتصريحات الآتية:

 

أولاً، استمرار عمليات اغتيال قادة حماس في قطاع غزة، وكان آخرها اغتيال رائد سعد الرجل الثاني في كتائب القسام، وزعمت إسرائيل أن عملية الاغتيال جاءت رداً على تفجير عبوة ناسفة في جنوب القطاع باليوم نفسه أدى إلى جرح جنديين إسرائيليين، وأنه كان المسؤول عن إعادة بناء قوة حماس العسكرية في هذه الفترة.

 

ثانياً، استمرار القصف الإسرائيلي في غزة، وحتى داخل مناطق غربي الخط الأصفر بعد كل انتهاك حتى لو كان صغيراً، بغض النظر ما إذا قامت حماس به أم لا، ويكون الرد الإسرائيلي عنيفاً في القطاع ويستهدف مقاتلين من حماس وبنى تحتية تابعة للحركة.

 

ثالثاً، عدم قبول إسرائيل بأي حل لقضية مقاتلي حماس المحتجزين في أنفاق رفح (الذين يُقدر عدهمم بنحو 200)، وبالرغم من المحادثات التي جرت بين إسرائيل والولايات المتحدة لحل هذه المسألة فإن إسرائيل رفضت المقترح الأمريكي والوسطاء بالسماح لهم الانتقال إلى المناطق التي تسيطر عليها حركة حماس. ومع بداية الأزمة اقترح رئيس هيئة الأركان إيال زامير السماح لهم بالانتقال إلى غرب الخط الأصفر إذا تم تسليم جثمان الجندي الإسرائيلي هدار غولدن المحتجزة منذ عام 2014، ومع تسليم جثمانه تراجعت إسرائيل عن ذلك، مع التأكيد أن هذا المقترح لم يكن رسمياً، ولكن توقعت حماس أن تسليم جثمان الجندي سيحل هذه المشكلة. وعملياً تقوم إسرائيل بقتل هؤلاء المسلحين تدريجياً كلما خرجوا من الأنفاق، وقد قتلت حتى الآن نحو 40 مسلحاً. وتعرض إسرائيل أمامهم خياراً واحداً، وهو تسليم أنفسهم للقوات الإسرائيلية أو القتل.

 

رابعاً، تصريحات زامير التي قال فيها إن الخط الأصفر سيكون الحدود الجديدة لقطاع غزة، بحيث يكون هذا الخط هو الحدود الدفاعية والهجومية للقوات الإسرائيلية، وهذا يدل على أن إسرائيل لا تخطط للانسحاب من قطاع غزة، كما تنص على ذلك المرحلة الثانية من الاتفاق.

 

في قراءة لكل ما جاء أعلاه، فإن الموقف الإسرائيلي من المرحلة الثانية يتلخص في نقاط ستكون محور مباحثات نتنياهو مع ترامب في واشنطن في 29 ديسمبر، والتي سيحاول نتنياهو إقناع ترامب بها، وهي:

 

أولاً، نزع سلاح حماس هو جوهر المرحلة الثانية من الاتفاق، سواء كان ذلك عن طريق قوة الاستقرار الدولية أو عن طريق إسرائيل نفسها، كما صرّح بذلك نتنياهو. لذلك ستطالب إسرائيل بتمكينها من تنفيذ عمليات عسكرية غرب الخط الأصفر في حال فشلت القوة الدولية أو الوسطاء بنزع سلاح حركة حماس.

 

ثانياً، إسرائيل لن تنسحب من الخط الأصفر إلا بعد التأكد من أنه تم نزع سلاح حماس وإنهاء حكمها وسيطرتها على النصف الآخر من قطاع غزة. وستعمل إسرائيل على العودة إلى نص اتفاق وقف الحرب الذي يربط بين الانسحاب ونزع سلاح قطاع غزة، لا أن يكون الانسحاب بمجرد بدء المرحلة الثانية ودخول القوات الدولية لقطاع غزة، مثلما يتوقع الوسطاء وحماس. كما ستطالب إسرائيل أن تكون إعادة إعمار القطاع مرتبطة بإنهاء حكم حماس ونزع سلاحها.

 

ثالثاً، ستطالب إسرائيل بحرية العمل العسكري ضمن قواعد اشتباك يتم تنسيقها مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ ترى إسرائيل أن ذلك سيزيد من الضغط على حماس والوسطاء من أجل تسريع عملية نزع السلاح، أو على الأقل منع حركة حماس من إعادة بناء قوتها العسكرية. وقد يتضمن التنسيق مع الولايات المتحدة، كما ستطالب به إسرائيل، استمرار اغتيال القيادات العسكرية التي خططت لهجوم السابع من أكتوبر وشاركت فيه. وتعتمد إسرائيل في طلبها على رفض الدول، التي أبدت الرغبة في المشاركة في قوة الاستقرار الدولية، في التورط في مهمة نزع سلاح حماس والصدام مع الحركة (والذي تبدى في الاجتماع التنسيقي بخصوص تشكيل القوة الدولية، الذي انعقد في الدوحة في 16 ديسمبر بناءً على دعوة أمريكية وبمشاركة ممثلي 45 دولة)، مما يجعل موقف إسرائيل في هذا الشأن قوياً.

 

الموقف الأمريكي

 

يرغب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، ولذلك فإن دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض في 29 ديسمبر، جاءت في إطار الضغط الأمريكي على إسرائيل لبدء تنفيذ المرحلة الثانية من جهة، والتوصل إلى تفاهمات أمريكية-إسرائيلية حول المصالح الإسرائيلية في هذه المرحلة، وكيفيّة تحقيقها وضمن أي إطار زمني، بشرط أن لا يعيق ذلك بدء تنفيذ المرحلة الثانية.

 

بدأت الإدارة الأمريكية بتشكيل مجلس السلام برئاسة ترامب وعدد من قادة الدول الغربية والعربية، والهيئة التنفيذية التابعة للمجلس والتي أشارت تقارير صحافية أمريكية إلى أنها قد تضم في عضويتها ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر والدبلوماسي البلغاري نيكولاي ملادينوف وربما توني بلير، إلى جانب لجنة إدارة القطاع المشكّلة من مهنيين فلسطينيين. تطمح الإدارة الأمريكية لأن يبدأ العمل بالمرحلة الثانية مع بداية العام 2026، وتتواصل التحضيرات لبناء القوة الدولية، بدءاً بمؤتمر الدوحة الذي عقد تحت رعاية القيادة الوسطى الأمريكية (سنتكوم)، وشاركت فيه 45 دولة، في 16 ديسمبر، والذي هدف إلى وضع الإطار العام لعمل القوة الدولية.

 

وبالرغم من التصريحات المتفائلة للرئيس الأمريكي عن قرب تشكيل القوة الدولية، فإن مؤتمر الدوحة أظهر حجم العقبات التي تواجه تشكيل القوة الدولية، فأكثر من 15 دولة امتنعت عن حضور المؤتمر، أهمها أذربيجان التي كانت من أولى الدول المرشحة للمشاركة في القوة الدولية، في حين لم تشارك تركيا بسبب الاعتراض الإسرائيلي، كما ظهر خلال المؤتمر عمق التباينات في مواقف الدول حول المشاركة في هذه القوة، وتفاوت اشتراطاتها وتحفّظاتها إزاء المهمة المطلوبة منها، فغالبية الدول غير مستعدّة للانضمام إلى القوة قبل تنفيذ بند نزع سلاح حماس، في حين أن دولتين فقط، هما إندونيسيا وإيطاليا، أبْدتا استعدادهما لإرسال جنود إلى غزة ولكن بشرط نشر القوة الدولية في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية شرقي الخط الأصفر، وعدم تولي مهمة نزع سلاح حماس. وجاء تعيين لقاء آخر لمؤتمر الدوحة في يناير المقبل لاستمرار البحث في تشكيل القوة الدولية، ليدل على أن القوة الدولية لن تكون جاهزة لدخول قطاع غزة في بداية العام 2026.

 

تفكر الإدارة الأمريكية بغزة واحدة وموحدة، وهذا يتطلب انسحاب القوات الإسرائيلية في مرحلة معينة ليست بعيدة المدى، من وجهة نظر الإدارة الأمريكية، وأكد على هذا الموقف أرييه لايتستون، المبعوث الأمريكي الذي أوكلت له مهمة تنفيذ خطة ترامب على الأرض، ويُعد الموقف الأمريكي متبايناً مع الموقف الإسرائيلي كما يصدر عن مسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين. وتمارس الولايات المتحدة ضغوطاً على إسرائيل للانسجام مع الموقف الأمريكي حول المرحلة الثانية من حيث الأولويات، والجدول الزمني للانسحاب ونزع سلاح حركة حماس. ففي حين ترى الولايات المتحدة قضية نزع السلاح قضية مهمة، ولكن يمكن تنفيذها تدريجياً من خلال الضغط السياسي والشعبي على حركة حماس، مع بدء عملية تنفيذ المرحلة الثانية وإعادة الإعمار شرق الخط الأصفر، فإن إسرائيل تعتقد أن نزع السلاح مُمكن الحدوث من خلال القوة العسكرية والضغط العسكري على حركة حماس وقادتها.

 

وجاءت زيارة المبعوث الأمريكي الخاص توم برّاك لإسرائيل تمهيداً للقاء نتنياهو وترامب في واشنطن نهاية الشهر الجاري، وهو لقاء واحد من مجموعة لقاءات يُجريها مسؤولون أمريكيون مع نتنياهو بشأن الانتقال إلى المرحلة الثانية،  فقد وضعت الإدارة الأمريكية جدولاً لبدء المرحلة الثانية مع بداية العام 2026، وتهدف زيارة براك إلى تحضير اللقاء المرتقب بين الرجلين، بحيث يتضمن اللقاء إعلاناً عن الانتقال إلى المرحلة الثانية، كما كان لقاءهما الأخير في أكتوبر إعلاناً عن اتفاق وقف إطلاق النار وموافقة إسرائيل على ذلك. لا يريد ترامب نقاشاً عميقاً مع نتنياهو خلال اللقاء، لذلك فإن اللقاءات الأمريكية-الإسرائيلية في هذه الفترة تهدف إلى التوصل إلى تفاهمات مركزية قبل اللقاء.

 

موقف حركة حماس

 

تؤيد حماس الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتُعول على أن ذلك سيؤدي إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، تطالب الحركة بالتزام إسرائيل باستحقاقاتها في المرحلة الأولى، ومنها فتح معبر رفح من الاتجاهين، ودخول المساعدات الانسانية كما تم الاتفاق عليه (600 شاحنة يومياً)، ودخول الخيم والبيوت المتنقلة للقطاع لإيواء النازحين، إذ تؤكد أنها نفّذت جميع التزاماتها بينما إسرائيل ما زالت تنتهك وقف إطلاق النار.

 

لم تعد تملك حماس أي نقاط قوة في المواجهة مع إسرائيل، أو التأثير عليها، فتسليم جميع الأسرى الإسرائيليين، لا سيّما الأحياء منهم، أفقد حماس أي ورقة ضغط على إسرائيل وعلى الإدارة الأمريكية، وبخاصة بعد تدمير قدراتها العسكرية، وتحديداً الصاروخية، وفقْد أغلب قياداتها العسكرية في القطاع. والحركة تريد وقف الحرب في غزة بشكل كامل ونهائي، وإنهاء معاناة السكان الفلسطينيين من خلال إدخال المساعدات وفتح المعابر، لذلك يبقى خيارها الوحيد هو الانتقال إلى المرحلة الثانية مع عدم تفكيك سلاحها انطلاقاً من عدم رغبة الدول التي قد تشارك في قوة الاستقرار الدولية في الاصطدام بها، واستغلال ذلك للحصول على مكاسب سياسية تضمن تأثيرها في تحديد مستقبل قطاع غزة.

 

تعتمد حماس على موقف الإدارة الأمريكية بتأجيل مسألة نزع السلاح من جهة، وتنفيذ العناصر الأخرى من خطة ترامب من جهة أخرى، ومنها وقف كامل للعمليات العسكرية الإسرائيلية، ودخول القوة الدولية إلى مناطق شرق الخط الأصفر.  وكان عضو المكتب السياسي للحركة خالد مشعل قد اقترح إجراء مباحثات مباشرة بين حماس والولايات المتحدة حول مستقبل السلاح، مشيراً إلى أن الحركة مستعدة لهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، وتعهد حماس بتخزين سلاحها، والالتزام بإنهاء جميع العمليات العسكرية التي تستهدف إسرائيل.

 

معوقات المرحلة الثانية

 

تواجه المرحلة الثانية مجموعة من المعوّقات التي لم يتم حلها حتى الآن، وأهمها:

 

أولاً، ما ذُكر آنفاً عن تناقض مواقف الأطراف المختلفة من جوهر المرحلة الثانية وأولوياتها، ومن دون التوصل إلى توافق بين جميع الأطراف حول المرحلة الثانية فسيكون من الصعوبة التقدم في تنفيذها.

 

ثانياً، عدم النجاح حتى الآن في تشكيل القوة الدولية، فمن دون تشكيل القوة الدولية سيكون من الصعوبة بدء تنفيذ المرحلة الثانية.

 

ثالثاً، رفض إسرائيل أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة قطاع غزة، حتى لو كان بشكل غير مباشر، وهو أمر قد يعيق تشكيل إدارة التكنوقراط الفلسطينية، وهي الطبقة الثالثة من إدارة المرحلة الثانية من خطة ترامب بعد مجلس السلام واللجنة الاستشارية (أو التنفيذية). ونشر مؤخراً أن إسرائيل تمنع مشاركة مسؤولين أوروبيين في لقاءات مركز التنسيق المدني العسكري بسبب خدمتهم في قنصليات وبعثات دبلوماسية لدى السلطة الفلسطينية، خوفاً من التأثير على المسؤولين في المركز فيما يتعلق بأي دور للسلطة في المرحلة المقبلة.

 

رابعاً، رفض حماس نزع سلاحها، وهي مسألة تعتبر جوهرية بالنسبة للجانب الإسرائيلي، ولحكومة نتنياهو تحديداً في مرحلة تدخل فيها إسرائيل فترة انتخابات، فنزع السلاح هو الهدف الأساسي من الحرب، ولن تقبل إسرائيل أي تسوية في هذه القضية كما تقترح حماس والوسطاء، مما يحول دون انسحابها من قطاع غزة ويعيق إعادة الإعمار والتقدم بخطة ترامب.

 

التوقعات

 

بناءً على ما جاء في الورقة، فإن لقاء ترامب نتنياهو في نهاية ديسمبر الحالي سيكون حاسماً للبدء بتنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق. ويحتاج ترامب إلى ممارسة ضغط مضاعف على نتنياهو من أجل قبول الرؤية الأمريكية للمرحلة الثانية، وهو ضغط يفوق الذي مارسه عليه للقبول بخطته لوقف الحرب في القطاع.

 

وفي الوقت الحالي، ومن دون صدور عفو من رئيس دولة إسرائيل عن نتنياهو في التهم الجنائية الثلاث التي يحاكم عليها، فإن خيار نتنياهو هو الحفاظ على حكومته الحالية، فهي ملاذه السياسي النهائي وليس ترامب، والحرص على عدم تبكير الانتخابات، وهذا الأمر سيجعله متشدداً في مواقفه بالنسبة للمرحلة الثانية، لا سيّما في موضوع الانسحاب. ولن يتمكن ترامب من منح نتنياهو وعداً بأن يكون نزع السلاح أولوية المرحلة الثانية، فهو يعتقد أن ذلك سيكون تدريجياً مع تقدم تنفيذ بنود الخطة وما يرافقه من ضغط سياسي على حماس، والبدء بتنفيذ نزع السلاح بالقوة لن ينجح وسيُفشل الخطة، ولكن ترامب في المقابل قد يمنح نتنياهو ظروفاً مختلفة للانسحاب من قطاع غزة بحيث لا يكون مع بدء تنفيذ المرحلة الثانية مباشرة.

 

وسيطالب نتنياهو بحرية العمل العسكري في قطاع غزة لاستهداف قيادات عسكرية مهمة في حركة حماس، والسماح لإسرائيل بضرب أي محاولة من حماس لإعادة بناء قوتها العسكرية. وقد يكون هذا الشرط الإسرائيلي الأهم (حرية العمل العسكري) من أجل الخروج بإعلان إسرائيلي-أمريكي مشترك ببدء المرحلة الثانية مع بقاء جثمان إسرائيلي أخير في قطاع غزة. وسيعتمد نتنياهو في إقناع ترامب على عاملين: الأول، أن القوة الدوليّة لن تنفذ مهمات تنفيذية لنزع السلاح؛ والثاني، أن نتنياهو لا يستطيع سياسياً أن يقبل ببدء المرحلة الثانية من دون حرية عمل عسكري بالتنسيق مع الولايات المتحدة، حتى لا يُهدد تنفيذ المرحلة الثانية حكومته، فضلاً عن أن الانسحاب سيكون مؤجلاً حتى تتضح صورة المشهد في قطاع غزة.

 

استنتاجات

 

لا يزال الغموض يكتنف مصير المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، فلم تنتهِ التحضيرات لبدء تنفيذ المرحلة الثانية لا سيّما تشكيل قوة الاستقرار الدولية، ومن الصعوبة توقع بدء التنفيذ مع بداية العام 2026، وقد يضطر ترامب لتأجيل تنفيذ المرحلة الثانية إلى بعض الوقت حتى دخول القوة الدولية قطاع غزة، والتي من المفروض أن تكون المظلة الأمنية لبدء عملية إعادة الإعمار، وفرض قرارات الهيئات المختلفة التي ستدير قطاع غزة.

 

من الجانب الإسرائيلي، فإن لقاء نتنياهو ترامب سيكون عاملاً مهماً للدفع نحو المرحلة الثانية، ولذلك فإن اللقاءات التي يجريها مسؤولون أمريكيون في إسرائيل عشية لقاء ترامب-نتنياهو تهدف إلى منع الصدام بين الرجلين، لا سيّما أن نتنياهو يفكر بموازين الربح والخسارة، وفي هذه الفترة الانتخابية وحرصه على بقاء حكومته فإن الربح من معارضة ترامب سيكون أكبر من الانسجام مع التصور الأمريكي كلياً.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M