الانفعالات والوظائف المعرفية

تقديم :-

مع نهاية القرن العشرين، تحولت النظرة الطبيعية للفرد من تجاهل الجوانب والقوى الانفعالية والتي تنظر إليها على أنها تؤثر على سلوكاتنا في الحياة اليومية، وتعيق مجمل اشتغال السيرورات المعرفية، إلى الاهتمام بهذه الجوانب باعتبارها آلية تيسر وتحفز الأنشطة الإبداعية والابتكارية والعمليات المعرفية.

فهناك تفاعل ملحوظ بين الجانب المعرفي والجانب الوجداني لدى الفرد، وعلى هذا الأساس اتجه اهتمام علماء علم النفس المعرفي نحو دراسة العلاقة بين الجانب الانفعالي والجانب المعرفي، حيث تم التأكيد على أهمية الانفعالات ودورها في الجانب المعرفي وفي تنشيط قدرات الفرد على التفكير والتفكير الإبداعي وحل المشكلات واتخاذ القرارات واللغة والذاكرة.

وقد تؤثر الانفعالات على السيرورات المعرفية على اعتبار أنها توجه الانتباه، ويجعله انتقائيا وتفاضليا، وكذا يقوم بتضييق البؤرة الانتباهية). وقد تبين كذلك، أن الأداء المعرفي للأفراد الذين لديهم انفعالات إيجابية أحسن عن أداء الأفراد الذين لديهم انفعالات سلبية، حيث تزداد قدراتهم على اكتشاف الأخطاء، ولديهم ميل لتحصيل كثير من المعلومات ومراجعتها.

وتؤكد الدراسات على أهمية أن يكون للفرد كفاءات أو قدرات انفعالية تؤدي إلى النجاح في الحياة، بينما تؤدي الاضطرابات الانفعالية إلى إعاقة الوظائف الذهنية في الحياة، فالانفعالات السلبية القوية تلفت الانتباه بقوة وتسبب الانشغال بها وتعيق التركيز على أي موضوع سواها.

فكثيرة التجارب التي نعيشها على امتداد حياتنا، من المحتمل أنها تنطوي على سمة أو شحنة انفعالية، بل هذه السمة هي التي تضفي معنى على حياتنا ككل، فلا يمكن أن تتحول تلك التجارب إلى خبرات إذا كانت ناقصة المحتوى الانفعالي بداية من مرحلة الطفولة. فالانفعالات التي تصاحبنا منذ هذه المرحلة من حياتنا هي البوصلة التي توجهنا نحو تحديد مساراتنا فيما يخص وجودنا المستقل الفردي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مهمة الانفعالات هي مساعدة الفرد على تحقيق عمليتي التكيف السلس مع مجريات الحياة الاجتماعية والاندماج المرن مع اكراهاتها.

فلا يمكن خلق توافق مع العالم الخارجي إذا لم يكن الفرد على قدر من الانسجام مع هذا العالم انفعاليا، وبدون هذا التوافق سيجد الفرد نفسه ضحية الإقصاء الاجتماعي، فعلماء النفس المعرفي وعلماء النفس العصبي يؤكدون أن من بين وظائف الانفعالات حفظ الحياة، بحيث أن الانفعالات من شأنها تجنيب الفرد الوقوع في مواقف التهديد. فحسب ماك دوكال (Mcdogal,1905)، فانفعالي الخوف والقلق هما دافعين لاستزادة الحذر، وانفعالي الاعجاب والانجذاب دافعين لتكوين علاقة الصداقة والتكاثر مثلا. وقد أشار ماك دوكال: ” إن السلوك لا يندفع باعتبارات ذهنية خالصة، بل يتم ذلك بواسطة الحب والكراهية والاهتمام والحماس والمنافسة”.

غير أن الحديث عن الانفعالات في مجال علم النفس المعرفي، يجرنا إلى دراسة علاقتها بمجموعة من السيرورات الذهنية المعرفية كالانتباه واتخاذ القرارات والتفكير الابداعي والتفكير الناقد واللغة والذاكرة وغيرها. فأغلب الدراسات في هذا المجال إما تؤكد على دور الانفعالات في تطوير هذه الإواليات أو العكس

إن إحدى الفرضيات تقول: “إن الانفعال البسيط أو المتوسط يساعدنا على التفكير والاستدلال، بينما الانفعال المرتفع يضر ولا ينفع”، فالانفعال يصحبه في الغالب تنشيط للجهاز العصبي العاطفي (السيمبثاوي). ووفقا لأحد أقدم النتائج في بحوث علم النفس، وهو قانون “يركس دوسن”(Yerkes-Dodson) فإن التعلم يكون جيدا عندما يكون التحفيز أو الاستثارة أعلى من اللازم، أو أقل مما هو مطلوب. بعد ذلك وسع علماء النفس من الفكرة ليقولوا بأن التعلم، والذاكرة، والأداء والاستدلال يتم تعزيزها جميعا تحت مستوى متوسط من التنشيط أو الدافعية أو الانفعال.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M