جيفري ساكس
من الواضح أن دول شرق آسيا تتفوق في الأداء على الولايات المتحدة وأوروبا في السيطرة على جائحة مرض فيروس كورونا (كوفيد – 19)، على الرغم من حقيقة مفادها أن الفاشية بدأت في الصين، التي ترتبط بها بقية دول شرق آسيا ارتباطاً وثيقاً عبر التجارة والسفر.
يجب أن تتعلم الولايات المتحدة وأوروبا بأقصى سرعة ممكنة حول الأساليب التي انتهجتها دول شرق آسيا، والتي ربما لا تزال قادرة على إنقاذ أعداد هائلة من الأرواح في الغرب وبقية العالم.
لعل نقطة البداية المهمة للمقارنة هنا تكمن في عدد حالات الإصابة والوفيات المؤكدة بمرض فيروس كورونا لكل مليون نسمة، وطبقاًن لدراسة متخصصة في هذا الخصوص، يبدو الأمر كما لو أن كلاً من المنطقتين تقع في عالَم مختلف عن عالم الأخرى.
فالوباء يجتاح الآن أوروبا والولايات المتحدة: تتراوح الحالات المؤكدة لكل مليون من 814 (المملكة المتحدة) إلى 3036 (إسبانيا)، وتتراوح الوفيات لكل مليون من 24 إلى 300. أما في دول شرق آسيا، فتتراوح الحالات المؤكدة لكل مليون من 3 (فيتنام) إلى 253 (سنغافورة)، وتتراوح الوفيات لكل مليون من صِفر إلى أربع.
لا تقلل دول شرق آسيا بشكل منهجي من عدد الحالات المؤكدة أو الوفيات نسبة إلى نظيراتها الغربية. فكل من المنطقتين اختبرت نسبة مماثلة من سكانها.
الأمر الأكثر أهمية هو أن الفوارق بين المنطقتين لا تعكس عمليات إغلاق اقتصادي أكثر صرامة في شرق آسيا. نشرت شركة جوجل مؤخراً بيانات مشوقة للغاية حول انخفاض النشاط في مختلف قطاعات الاقتصاد.
وتظهر نتائج جوجل المتعلقة بقطاع بيع التجزئة أخيراً، أن الارتباكات التي عطلت الحياة الطبيعية (مقارنة نهاية مارس بخط أساس من الثالث من يناير إلى السادس من فبراير) كانت أقل حِـدّة في شرق آسيا.
يعكس التفاوت بين نتائج الصحة العامة والاقتصاد في دول شرق آسيا والدول الغربية ثلاثة فوارق أساسية بين المنطقتين. بادئ ذي بدء، كانت دول شرق آسيا أفضل استعدادا بأشواط للتصدي لفاشية مرضية جديدة.
وكانت فاشية مرض سارس في عام 2003 بمثابة نداء تنبيه، كما عملت موجات متكررة من مرض حمى الضنك في العديد من دول شرق آسيا على تعزيز رسالة التنبيه. وفي أوروبا والولايات المتحدة، بدت المخاوف بشأن أمراض مثل سارس، وإيبولا، وزيكا، وحمى الضنك بعيدة، ومجردة، وجميعها (باستثناء سارس) أمراض «مدارية» في الأساس.
وكانت نتيجة هذا القدر الأكبر من الوعي مستوى أعلى كثيراً من اليقظة الوطنية في مختلف بلدان المنطقة عندما أبلغت الصين علنا لأول مرة عن انتشار غير عادي لحالات التهاب رئوي في مدينة ووهان في الحادي والثلاثين من ديسمبر 2019.
في السيطرة على الأوبئة، يشكل التحرك المبكر أهمية بالغة لجهود الاحتواء. بدءا من أوائل يناير، بدأت أغلب الدول المجاورة للصين الحد من حركة السفر من وإلى الصين وسارعت على الفور إلى تكثيف عمليات الاختبار وتتبع المخالطين. ونشرت الصين ودول أخرى تكنولوجيات رقمية جديدة لمراقبة انتشار المرض.
كانت الدول الغربية أقل اكتراثا بفيروس كورونا المستجد عندما ظهر لأول مرة. كانت مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة على اتصال بمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها في الصين في الثالث من يناير. وتم تأكيد أول حالة إصابة في الولايات المتحدة في العشرين من يناير.
ومع ذلك، لم يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن فرض قيود على السفر مع الصين إلا في الحادي والثلاثين من يناير. وحتى في ذلك الحين، لم تؤخذ هذه القيود على محمل الجد. وتشير تقديرات حديثة إلى أن 340 ألف شخص وصلوا إلى الولايات المتحدة من الصين بعد الكشف عن الفاشية، بما في ذلك نحو 40 ألف شخص بعد حظر السفر المزعوم الذي أعلنه ترمب.
على نحو مماثل، تشكل معقمات الأيدي، والتباعد البدني، والانتشار الأقل لعادة المصافحة، جزءاً من الحياة اليومية في شرق آسيا.
أخيراً، عملت السلطات في شرق آسيا على تكثيف عمليات فحص الأعراض مع تنقل الناس في الأماكن العامة، والمكاتب، والأماكن المزدحمة. ومن المعتاد في العديد من المؤسسات فحص درجة حرارة كل العاملين عند دخولهم مكان العمل. كما تستخدم مراقبة درجة الحرارة عند محاور العبور مثل المطارات ومحطات القطارات. ولا تزال هذه الممارسة شبه معدومة في الولايات المتحدة وأوروبا.
كانت العملية في الصين هي الأخطر في شرق آسيا، وهي بشكل أو آخر الأكثر إفادة للولايات المتحدة وأوروبا. على عكس الدول المجاورة لها، شهدت الصين انتشارا وبائيا كامل الأبعاد لعدة أسابيع، من منتصف شهر ديسمبر تقريبا إلى منتصف يناير.
وبحلول الوقت عندما فرضت الصين الحجر الصحي على ووهان بالكامل في الثالث والعشرين من يناير، كان عدد الحالات المؤكدة في مقاطعة خوبي بلغ بالفعل 375 حالة، حيث تقع مدينة ووهان، فضلا عن عدد أكبر من الحالات غير المؤكدة (إما حالات ظهرت عليها الأعراض لكنها لم تخضع للاختبار، أو حالات لم تظهر عليها أي أعراض). كما بدأ الفيروس ينتشر عبر الصين، مع 196 حالة مؤكدة إضافية.
في تلك المرحلة، اتخذت الصين تدابير صارمة. ففرضت قيوداً شديدة على كل السفريات بل وحتى الحركة في الأماكن العامة؛ وسرعان ما طبقت أنظمة عبر الإنترنت لتتبع الأفراد وفرض أوامر الحجر الصحي؛ كما كثفت من إجراء الاختبارات ورصد واكتشاف الأعراض.
لا شك أن هذه الإجراءات كانت شديدة الصرامة وأنها قوبلت بالانتقاد على نطاق واسع. لكنها كانت فعّالة بشكل لافت للنظر رغم ذلك.
يتساءل كثيرون حول ما إذا كانت الضوابط الصارمة التي فرضتها الصين لتنجح أو ما إذا كانت مقبولة في الولايات المتحدة. ومع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تتعلم من نجاح الصين، ونجاح شرق آسيا في عموم الأمر.
لم تتمكن أوروبا والولايات المتحدة من السيطرة على الوباء حتى الآن، كما يتسبب نقص أجهزة التنفس المنقذة للحياة والوفيات بين العاملين الصحيين الذين يفتقرون إلى معدات الحماية الأساسية في تعظيم قسوة المأساة.
سوف تكون استجابة الصحة العامة حاسمة في وقف جائحة كوفيد – 19 قبل أن تدمر تجمعات سكانية بأسرها في الغرب وحول العالم. ويتطلب النهج الصحيح في الغرب أن نتعلم قدر استطاعتنا من شرق آسيا بأسرع وقت ممكن.
رابط المصدر: