تحتل منطقة الشرق الاوسط أهمية كبيرة في العالم، لاحتوائها على النفط الذي يمثل وقود الاقتصاد العالمي. تعد منطقة الشرق الاوسط مركز لإنتاج النفط في العالم، بينما تعد المناطق الاخرى مراكز لاستهلاكه، وان الممرات المائية تمثل أهم الطرق لوصول النفط من مركز الانتاج لمراكز الاستهلاك.
مركز انتاجي-تصديري
حيث يمتلك الشرق الاوسط 871 مليار برميل من النفط الخام كاحتياطي مؤكد، وهو أكبر بنسبة 55% من الاحتياطي العالمي البالغ 1564 مليون برميل عام 2022.
كما بلغ انتاج الشرق الاوسط أكثر من 25 مليون برميل يومياً، وهو أكبر بنسبة 34% من الانتاج العالمي البالغ أكثر من 72 مليون برميل يومياً للعام ذاته.
ولا يختلف الأمر بالنسبة للصادرات، حيث بلغت صادرات الشرق الاوسط أكثر من 18 مليون برميل يومياً، وهو أكبر بنسبة 41% الصادرات العالمية البالغة أكثر من 43 مليون برميل يومياً للعام نفسه.
هذه الارقام تكشف ان الشرق الاوسط يُصدّر 72% من انتاجه النفطي للاقتصاد العالمي، مما يدلل على انه مركز انتاجي-تصديري للنفط الخام في العالم.
مركز استهلاكي-استيرادي
وفي المقابل تعد امريكا والصين واوروبا هي أكبر الدول استهلاكاً للنفط الخام في العالم، حيث استهلكت الاولى، 25 مليون برميل يومياً، ما نسبته 25% من الاستهلاك العالمي البالغ 99 مليون برميل يومياً عام 2022.
واستهلكت الثانية، 14 مليون برميل يومياً؛ ما نسبته 14% من الاستهلاك العالمي أعلاه، واستهلكت الاخيرة، 13 مليون برميل يومياً؛ ما نسبته 13% من الاستهلاك العالمي أعلاه عام 2022.
بمعنى ان هذه المناطق تستهلك، 52 مليون برميل يومياً؛ ما نسبته 52% من الاستهلاك العالمي البالغ 99 مليون برميل.
وما يلفت النظر، ان الاستهلاك العالمي أكبر من الانتاج العالمي من النفط الخام، ويُمكن تفسير ذلك بأن الدول قد لجأت لاستهلك جزء من مخزوناتها السابقة، لذلك أصبح الاستهلاك أكبر من الانتاج.
وعلى مستوى الاستيراد حيث استوردت اوروبا، 10.8 مليون برميل؛ بنسبة 24% من الاستيراد العالمي البالغ 44 مليون برميل يومياً، فيما استوردت الصين، 10.1 مليون برميل؛ ما نسبته 22% من الاستيراد العالمي، وأخيراً استوردت (قارة)امريكا، 7.0 مليون برميل؛ ما نسبته 15% من الاستيراد العالمي للنفط الخام عام 2022.
بمعنى ان هذه المناطق استوردت، 27.9 مليون برميل؛ ما نسبته 63% من الاستيراد العالمي المذكور آنفاً،
هذه الارقام والنسب تكشف ان هذه المناطق هي مراكز استهلاكية-استيرادية للنفط الخام عكس منطقة الشرق الاوسط التي تُعد منطقة انتاجية-تصديرية كما اتضح أعلاه.
للممرات المائية أهمية اقتصادية استراتيجية عالمية
بعد ان اتضحت أهمية منطقة الشرق الاوسط بوصفها مركز انتاجي-تصديري للنفط الخام في العالم، وكذلك مناطق امريكا واوروبا والصين بوصفها مراكز استهلاكية-استيرادية، أصبحت ممرات الشرق الاوسط المائي تمثل همزة الوصل بين مراكز الانتاج ومراكز الاستهلاك مما جعلها تحتل أهمية اقتصادية استراتيجية عالمية.
إذ ان اي مشكلة في الممرات المائية يعني تعثر وصول امدادات النفط من مركز الانتاج لمراكز الاستهلاك والنتيجة حصول مشكلة اقتصادية تضرب الاقتصاد العالمي لان وقود الاخير هو النفط الخام كما ذكرنا في المقدمة.
لذلك فالدول المتقدمة والمستهلكة والمستوردة للنفط الخام لا تسمح بحصول مشاكل في الممرات المائية التي يمر النفط عبرها، لأجل امرين:
الاول، الحفاظ على اداء اقتصاداتها المحلية وصورتها أمام شعوبها، لان ارتفاع اسعار النفط الخام في حال نقص الامدادات يعني ارتفاع تكاليف المعيشة وتصبح الحكومات في حرج أمام شعوبها.
الثاني، بما ان النفط يمثل وقود الاقتصاد العالمي الذي تقوده تلك الدول، فالمشاكل التي تصيب النفط عبر الممرات يعني اصابة الاقتصاد العالمي بمشكلة اقتصادية وهذه تمثل نقطة ضعف في قيادتها لركب الاقتصاد العالمي وهذا ما يُقلل من صورتها أمام الدول جميعاً حكومات وشعوب.
الحماية الامريكية للممرات المائية
ونظراً، لاعتبار الولايات المتحدة أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم، حيث تستهلك، 21 مليون برميل يومياً؛ ما نسبته 21% من الاستهلاك العامي للنفط الخام البالغ 99 مليون برميل يومياً من جانب، واحتلالها المرتبة الاولى عالمياً على المستوى الاقتصادي بحكم بلوغ انتاجها المحلي الاجمالي 25 تريليون دولار عام 2022 من جانب ثاني، واحتلالها المرتبة الاولى على المستوى العسكري حسب مؤشر القوة النارية العالمية من جانب ثالث.
لذلك الولايات المتحدة الامريكية وحلفاؤها لا يسمحون بأي تهديدات حقيقية للمرات المائية في الشرق الاوسط تتسبب في ايقاف مرور النفط لمراكز الاستهلاك، لان السماح بذلك يعني ايقاف، او تعثر على اقل تقدير؛ اداء الاقتصادات المتقدمة بشكل خاص والاقتصاد العالمي بشكل عام.
ومن هذا المنطلق، واضافة للأسباب السياسية المتمثلة في الوقوف لجانب اسرائيل؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها فجر يوم الجمعة الموافق 13/1/ 2024 بقصف نقاط محددة للحوثيين لمنعهم من السيطرة على مضيق باب المندب الذي يُمثل ممر مائي مهم لنقل النفط الخام، من الشرق الاوسط لأمريكا اوروبا والصين وغيرها؛ وسيحصل نفس الامر إذا ما حصلت تهديدات حقيقية لمضائق أخرى تحمل أهمية استراتيجية عالمية.
وتجب الاشارة الى نقطة غاية في الاهمية، لماذا تدافع امريكا عن سعر منخفض تستفيد منه عدوتها التجارية المعروفة وهي الصين والتي تحتل ثاني منطقة استهلاكية واستيرادية للنفط الخام في العالم؟
هناك تشابك اقتصادي عالمي، حيث يعتمد الاقتصاد الامريكي على الاقتصاد الصيني في حالتين هما:
الاولى: ان الولايات المتحدة الامريكية أكبر شريك تجاري للصين، حيث استوردت الاولى سلع وخدمات بمبلغ 563 مليار دولار من الثانية فيما استوردت الثانية 197 مليار دولار من الاولى عام 2022، فارتفاع اسعار النفط يعني ارتفاع اسعار السلع المستوردة بالنسبة للأمريكيين.
الثانية: نظراً لانخفاض اجور الايدي العاملة في الصين أصبحت الاخيرة موقع جذب للاستثمار الاجنبي بما فيها الشركات الامريكية-فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن أكبر مصنع لهواتف آيفون من شركة آبل يعمل من داخل الصين-فضلاً عدد السكان الذي يمثل سوق جاذب للشركات.
فقيام الولايات المتحدة بالحفاظ على الممرات المائية في الشرق الاوسط من اي تهديدات تتسبب في ايقاف مرور النفط لم يكُن بلا مقابل بالنسبة للصين وغيرها بل لأجل تحقيق والحفاظ على المصالح الامريكية الداخلية والخارجية على حدٍ سواء.
فقيام الولايات المتحدة بالسيطرة على الممرات المائية يعني الحفاظ على المصالح الامريكية واستمرار قيادتها لركب الاقتصاد العالمي وضمان عدم تعثر اداء بسبب التهديدات الحقيقية لها.
خلاصة القول، ان الدول المتقدمة وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية لا تسمح بأي تهديدات حقيقية تسهم في ايقاف ممرات الشرق الاوسط المائية وذلك لأهميتها الاقتصادية الاستراتيجية العالمية المتمثلة في نقل النفط اليها من الشرق الاوسط.
المصدر : https://annabaa.org/arabic/economicarticles/37692