البطالة الوظيفية وسبل معالجتها

لتغطية خروج الموظف غير القانوني يُجيب اصاحبه في الغرفة على السائلين، بذهابه للاستفسار عن شأن وظيفي، او لاستلام بريد او يتابع مجريات أوراق أخرى في المكتب الآخر، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، فهو عرف ساد بين الموظفين لتغطية أحدهم على الآخر لكيلا يتعرض للمساءلة القانونية في حال تقدّم أحد المراجعين بشكوى للمسؤول الأعلى…

تعتقد الحكومة ان التشديد على حضور وانصراف الموظفين عبر البصمة في الدوائر الحكومية هو استراتيجية نافعة لزيادة الإنتاجية اليومية للموظف الذي قلت انتاجيته وأصبح يؤدي اعماله بشكل روتين يومي دون الاهتمام بنوع وكم الإنتاج، فما جدوى ان يلتزم الموظف في البصمة بهذه الطريقة؟

الموظف في القطاع العام ينظر للوظيفة في بعض الأحيان مكان للنزهة اليومية، يعتني بهندامه أكثر من اعتناءه بأمور المراجعين، يتجول بين الغرف لتبادل الأحاديث، ولا يبذل الجهد المطلوب منه، وكثيرا ما يضطر المراجعين الى انتظاره لساعة او أكثر وقد يضطرون للخروج من الدائرة.

ولتغطية خروج الموظف غير القانوني يُجيب اصاحبه في الغرفة على السائلين، بذهابه للاستفسار عن شأن وظيفي، او لاستلام بريد او يتابع مجريات أوراق أخرى في المكتب الآخر، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، فهو عرف ساد بين الموظفين لتغطية أحدهم على الآخر لكيلا يتعرض للمساءلة القانونية في حال تقدّم أحد المراجعين بشكوى للمسؤول الأعلى.

وحتى المساءلة غير مجدية بمثل هذه الحالات، ذلك ان المدير او المسؤول المباشر لهذا الموظف يعلم بما يجري في دائرته، وقد أصبح المشهد مألوفا بالنسبة له، لذا تكون الشكوى مجرد إرضاء من قبل الشخص لذاته، وهو يعتقد انه بهذا الاجراء انتصر لنفسه وسيمنع تكراره في الأيام القادمة.

وهذا لا يعني ان تواجد الموظف في المكان المخصص لعمله كفيل بزيادة انتاجيته، أساليب التحايل كثيرة، ولا رادع هنا سوى الضمير الإنساني الذي من المفترض ان يكون حاضرا في التعاملات اليومية وليس في العمل الحكومي فقط، وكثيرا ما تجد الموظفين منشغلين بهواتفهم وترك المراجع يدور في فلك المبنى الحكومي.

والسؤال المهم من وجهة نظري، هل حضور جميع الموظفين الى العمل سيزيد من الانتاجية؟

لم تردنا الإجابة الاكيدة، لاسيما وان الحقائق العلمية اثبتت ان ازدياد عدد الموظفين في الادارة او القسم من دون داعٍ يقلل من الإنتاجية، لكن في الغالب تغيب هذه الجزئية عن اذهان المعنيين ويذهبون نحو مضاعفة الاعداد وتكديسها في الغرف وفي المقابل الإنتاجية ذاتها او اقل من المتوقع بكثير.

إذاً كيف للحكومة ان تعالج البطالة المقنعة، التي تعاني منها منذ عقود طويلة؟ وهل في بقاء بعض الموظفين غير الفاعلين في الوظيفة مخرجا من هذه الإشكالية التي تعد من الامراض المستشرية في المحيط المؤسساتي؟

ربما هناك من يرى ان الحكومة العراقية وقعت بخطأ كبير عندما أقدمت على تعيين أكثر من 400 ألف موظف في مؤسساتها، الامر الذي أدى الى حدوث اختلال في الموازنة العامة للدولة، وينبغي عليها النظر في هذه المشكلة المعقدة، وإيجاد بدائل تجعل التوظيف في دوائر الدولة أكثر نفعا وانتاجيتا.

لا تنتهي الأفكار، التي من خلالها يمكن تقليص حجم الاضرار التي تصيب المؤسسة الحكومية، ويأتي في أولها تخفيف او نقل أعداد الموظفين في القطاع الحكومي لمصلحة القطاعات الأهلية الأخرى، ونظرا لصعوبة هذا الخيار على ارض الواقع، يمكن ان تكتفي الحكومة بإيقاف عملية التوظيف وفتح المجال امام البدائل كتفعيل دور القطاع الخاص.

ولمواجهة قضية قلة الإنتاجية والبطالة المقنعة في المؤسسات الحكومية، يمكن تفعيل مسألة الإنتاجية اليومية ومحاسبة المقصرين او المتكاسلين عن أداء الاعمال المناطقة بهم، كأن يقرر عدم الخروج من الدائرة الى بعد تصفية الكتب الواردة والصادرة والتأكد من إنجازها بالكامل.

ولا اعتقد هنالك صعوبة او استحالة في الموضوع، فهي آلية معتمدة في المصارف لتصفية الحسابات اليومية، ومعرفة المدخلات ومقارنتها بالمخرجات من الأموال المصروفة والمودعة، ولا يسمح بالخروج الا بعد إتمام العملية.

وباختصار يمكن تفعيل نظام المكافئات المباشرة لتحسين جودة الاعمال وتلافي الأخطاء التي تصاحب اصدار الكتب الإدارية وغيرها من الإشكاليات، بالإضافة الى تكريم الأشخاص المنتجين وتفضيلهم على غيرهم، وربما تسهم هذه الطرق في زيادة الإنتاجية الفردية والتخلص من موضوعة البطالة الوظيفية.

 

المصدر : https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/39849

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M