- رباح أرزقي
- راتشيل يوتنغ فان
- ها نغوين
تواجه دول مجلس التعاون الخليجي صدمة مزدوجة بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وانهيار أسعار النفط. وينبغي على السلطات أن تركز أولا على الاستجابة للطوارئ الصحية وما يرتبط بها من خطر الركود الاقتصادي، وتؤجل ضبط أوضاع المالية العامة المرتبط بالهبوط المستمر في أسعار النفط حتى يتم التعافي من الجائحة.
تأثيرات الصدمة المزدوجة على مجلس التعاون الخليجي
تواجه دول مجلس التعاون الخليجي – البحرين والكويت وعُمان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة – الصدمة المزدوجة المتمثلة في جائحة فيروس كورونا المستجد وانهيار أسعار النفط.
وقد انتشر الفيروس بالفعل في دول المجلس وغيرها من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وحتى 16 أبريل نيسان 2020، بلغ عدد الإصابات في السعودية 6,380 وقطر 4,130 والبحرين 1,700 والكويت 1,524 والإمارات 5,825 وعمان 1,019 (Worldometers). وسجلت بلدان أخرى في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إصابات أيضا كانت الأعلى في إيران.
ولن يحصد الفيروس الأرواح فحسب، بل سيسفر انتشاره عن مواجهة مجلس التعاون الخليجي صدمة سلبية على مستوى العرض وصدمة سلبية على مستوى الطلب. تأتي صدمة العرض السلبية أولاً من انخفاض العمالة – بشكل مباشر لأن العمال يقعون مرضى بفيروس كورونا، وبشكل غير مباشر بسبب القيود على السفر وجهود الحجر الصحي والعمال المقيمين في المنزل لرعاية أفراد الأسرة المرضى أو الأطفال. كما أن العرض سيتأثر بنقص المواد الخام ورأس المال والمستلزمات الوسيطة بسبب تعطل النقل وإغلاق الشركات.
أما الصدمة السلبية على جانب الطلب فهي عالمية وإقليمية. ونتيجة للصعوبات الاقتصادية حول العالم وتعطل سلاسل القيمة العالمية سينخفض الطلب على السلع والخدمات التي تنتجها دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الأخص النفط. وسينخفض الطلب المحلي أيضًا بسبب التراجع المفاجئ في النشاط التجاري، وبسبب انخفاض حركة السفر خوفا من انتشار العدوى. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم اليقين بشأن انتشار الفيروس ومستوى الطلب الكلي قد يؤدي إلى تراجع معدلات الاستثمار والاستهلاك. كما أدى انهيار أسعار النفط إلى انخفاض الطلب في مجلس التعاون الخليجي حيث يعد قطاع النفط والغاز أهم قطاع في العديد من دولها. وأخيرًا، يمكن أن تؤدي التقلبات المحتملة في الأسواق المالية إلى تعطيل الطلب الكلي بدرجة أكبر.
وبالإضافة إلى الصدمة الناجمة عن جائحة كورونا، أدى انهيار المفاوضات بين منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها في الأسبوع الأول من مارس آذار إلى انهيار أسعار النفط. وفي نهاية شهر مارس آذار، وصل سعر خام برنت القياسي إلى 22 دولارا للبرميل، أي أقل من نصف سعره في بداية الشهر. وفي يوم 12 أبريل نيسان 2020، أبرمت أوبك+ اتفاقا لخفض الإنتاج 9.7 برميل يوميا في شهري مايو آيار ويونيو حزيران. وفي حين كان حجم الخفض المتفق عليه ضخما، فقد ظل أقل من النقص في الطلب على النفط (Reuters, 2020). ويشير منحنى العقود الآجلة إلى أن السوق تتوقع ارتفاع أسعار النفط ببطء، بحيث لا تصل إلى 45 دولارًا للبرميل قبل نهاية عام 2022 (الشكل 1). وسيسفر هذا عن انخفاض ضخم في الدخل بدول مجلس التعاون الخليجي.
الشكل 1: السعر الفوري وتوقعات أسعار خام برنت
نتيجة للصدمة المزدوجة، فقد تم خفض معدل النمو المتوقع في دول المجلس مجتمعة 2.6 نقطة مئوية عام 2020 (Arezki and others, 2020). ويمكن اعتبار هذا تكلفة الصدمة المزدوجة. إذ يعادل هذا حوالي 41 مليار دولار. ومع هذا، يُلاحظ أنه رغم انهيار أسعار النفط، فإن خفض معدل النمو في دول مجلس التعاون الخليجي هو الأقل في مجموعات بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الشكل 2). ويوضح هذا أهمية أنظمة الرعاية الصحية، وهي الأكثر تقدما في دول المجلس، وكذلك استجابات السياسات العامة.
الشكل 2: تكلفة الصدمة المزدوجة – خفض معدل النمو (أبريل نيسان 2020 مقابل أكتوبر تشرين الأول 2019)
المصدر: Arezki and others, 2020
استجابات السياسات العامة في مجلس التعاون الخليجي
طبقت دول مجلس التعاون الخليجي استجابات غير مسبوقة للسياسات العامة[1]، وهو ما ساعد على تخفيف أثر الصدمة المزدوجة. ويمكن للسلطات أن تبحث أيضا ما يلي:
- تصميم استجابات السياسات العامة: للتعامل مع الصدمة المزدوجة، ينبغي على سلطات مجلس التعاون الخليجي أن تصمم استجاباتها وترتبها حسب حدة الصدمة. وينبغي أن تركز أولا على الاستجابة للطوارئ الصحية وما يرتبط بها من خطر الركود الاقتصادي. ويمكن تأجيل ضبط أوضاع المالية العامة المرتبط بالانخفاض المستمر في أسعار النفط، ومعالجة الآثار غير المباشرة حتى يتم التعافي من الجائحة. وبدلا من ذلك، ينبغي أن ينصب التركيز حاليا على تعديل مخصصات الموازنة وزيادة فعالية الإنفاق. وفي إطار التصدي لجائحة كورونا، يمكن للسلطات إعطاء دفعة للإنفاق الصحي- بما في ذلك إنتاج أدوات الاختبار أو شراؤها، وتعبئة العاملين الصحيين ودفع رواتبهم، وتعزيز البنية التحتية للرعاية الصحية، والاستعداد لحملات التطعيم. فتعزيز عمليات الاختبار وتعقب المخالطين للمصابين بفيروس كورونا أمر مهم للغاية لتحديد نطاق العدوى ورصد الحالات وعزلها، وهو عامل محدد لإعادة فتح الاقتصاد من عدمه بدون التسبب في حدوث موجة ثانية من تفشي الفيروس.
- مساندة القطاع الخاص: هناك حاجة إلى مزيج من عمليات إنقاذ الشركات، وتخفيف شروط الائتمان والرصد لمساندة القطاع الخاص، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة. فالمساندة، مع الشروط الأخرى ذات الصلة ، ستساعد الشركات على النجاة من نقص الدخل والحيلولة دون تسريح العمال بشكل جماعي. إن تحديد الأولويات للقطاعات الاستراتيجية – ولا سيما صناعات وخدمات الشبكات مثل النقل والخدمات اللوجستية والتوزيع والتمويل – أمر بالغ الأهمية لحماية الطاقة الإنتاجية ودعم التعافي مستقبلا. وينبغي على الحكومات التركيز على عناصر تنظيم بيئة الأعمال، خاصةً بسبب عمليات الإنقاذ من الإفلاس وإصلاح إجراءات التفليسة (انظر Lyadnova and others, 2019) لتسوية ما تواجهه الشركات من صعوبات وما يرتبط بها من إعادة هيكلة لديون الشركات. إن دور صناديق الثروة السيادية، وطباعة النقود حيثما يكون التضخم منخفضًا (Gali, 2020) والاقتراض الدولي، هي عوامل يمكن الاستفادة منها جميعًا لدعم القطاع الخاص وتخفيف ضائقة الشركات. ويمكن أيضًا النظر في تدابير إنقاذ الشركات والقطاعات الاستراتيجية مع ضمان أن يكون لها تأثير دائم على المنافسة في السوق.
- دعم الأسر الضعيفة بما في ذلك العمال الوافدين. ستساعد التحويلات النقدية للأسر الضعيفة على حمايتها ودعم الاستهلاك. وينطبق ذلك على قوة العمل الوافدة الضخمة في دول مجلس التعاون الخليجي. فأن يصبح العمال الوافدون مؤهلين للتحويلات النقدية الحكومية ليس مجرد عمل تضامني مع العمال بل سيعزز أيضًا سمعة دول المجلس كمكان جيد للعمل. والأهم من ذلك أن دعم هذه القوى العاملة الوافدة، وخاصة ذوي المهارات المتدنية، من شأنه تسريع التعافي الاقتصادي ومنع زيادة تفشي جائحة كورونا عندما يعود العمال إلى بلدانهم الأصلية أو عندما يعودون إلى دول المجلس للعمل. وينبغي تحليل ومحاكاة النماذج الناجحة في نشر دور التكنولوجيا، والرقمية منها، على وجه السرعة في مجال مكافحة الجائحة وتوجيه المساعدات.[2]
- مساندة الجهود الإقليمية والعالمية لاحتواء الأزمة. يواجه العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومنها البحرين وعُمان، عجزا كبيرا في ميزان المدفوعات والموازنة العامة. كما ينوء كاهل الكثير منها بأقساط كبيرة للتأمين ضد المخاطر السيادية. بالنسبة لتلك البلدان، سيكون من الصعب مواصلة الاقتراض الأجنبي في الأسواق الخاصة. وستحتاج بلدان كثيرة أخرى بالمنطقة إلى قدر كبير من المساندة الدولية لمساعدتها في تجاوز هذه الأوضاع الصعبة. إن دول مجلس التعاون الخليجي – بالنظر إلى أهمية مساعداتها الثنائية – لها دور مهم تؤديه لتعزيز المبادرة للحد من تضخم التكلفة المستقبلية وما تواجهه الدول الفاشلة من مخاطر يستتبعها تأخير الاستجابة السريعة للتصدي لجائحة كورونا. وقد اتفقت مجموعة العشرين، التي ترأسها السعودية حاليًا، على تخفيف عبء الديون على البلدان المنخفضة الدخل للمساعدة في تحرير الأموال اللازمة لمكافحة الجائحة (Financial Times, 2020).
[2] انظر Foreign Affairs (2020) للاطلاع على تجربة بلدان شرق آسيا.
رابط المصدر: