قام الرئيس السوري “بشار الأسد” بزيارة إلى روسيا الاتحادية خلال يومي 14 و15 مارس الجاري. توقيت الزيارة خاصة بعد الزلزال المُدمر الذي أصاب كلًا من تركيا وسوريا، فضلًا عن الأزمات الدولية وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية، والاتفاق الأخير بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية برعاية صينية؛ طرح عددًا من الأسئلة حول دوافع الزيارة، وأبرز الملفات على طاولة كل من الرئيسين “الأسد” و”بوتين”؟ وما المتوقع من الزيارة؟
علنية الزيارة
وصل الرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو مساء 14 مارس بصِحبة وفد ضم عددًا كبيرًا من الوزراء، منهم وزراء: الاقتصاد، والدفاع، والمالية، وكان باستقباله السيد “ميخائيل بوجدانوف” الممثل الخاص للرئيس لروسي للشرق الأوسط وإفريقيا، ونائب وزير الخارجية.
ويلاحظ أن هذه المرة الأولى تتم فيها تغطية زيارة الأسد لروسيا بشكل علني، وكانت آخر زيارة له لموسكو في 13 سبتمبر 2021، وتم نشر ما دار في الاجتماع بين الرئيسين ومُخرجات الزيارة بعد عودة “الأسد” إلى دمشق، وأرجع البعض ذلك إلى أسباب أمنية. لكن هذه المرة تم الإعلان عن الزيارة من قِبل مكتب الرئيس السوري قبل توجه “الأسد” لروسيا.
جدير بالذكر أن الرئيسين “الأسد” و “بوتين” كانا قد التقيا أكثر من مرة قبل ذلك، أخرها في عام 2021 في موسكو، وزار “الأسد” روسيا في 2015 و2017 و2018. وزار “بوتين” سوريا في عامي 2017 و2020.
تفاصيل الزيارة
بحث الرئيس بشار الأسد مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال جلسة محادثات موسعة عددًا واسعًا من الملفات السياسية والاقتصادية، وناقش الزعيمان العلاقات الثنائية والتعاون المشترك بمختلف أشكاله، والتطورات المستجدة على الساحتين الإقليمية والدولية.
علاوة على ذلك، تناولت المحادثات العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والمبنية على المبادئ والمصالح والقيم المشتركة التي تجمعهما، والعمل لتعزيز هذه العلاقات بما يصب في مصلحة الشعبين في مرحلة تشهد تحولات غير مسبوقة على مستوى العالم.
ونال الشأن الاقتصادي مساحة واسعة من مباحثات الرئيسين، حيث جرى النقاش في توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، والبحث المعمّق في الملفات الأساسية التي جرت مناقشتها في اجتماع متابعة أعمال اللجنة الحكومية السورية الروسية المشتركة الذي انعقد على هامش الزيارة برئاسة رئيسي اللجنة من الجانبين السوري والروسي.
في الشأن السياسي، تم بحث التغيرات والتطورات التي يشهدها العالم، وأهمية الاستمرار في بناء تحالفات وشراكات بين الدول التي تجمعها مبادئ ومصالح مشتركة بحيث تشكّل قوة فاعلة تتحرك لصالح شعوبها وتعمل لتحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في مواجهة السياسات الغربية القائمة على نشر الفوضى والتخريب، وإشعال الحروب بهدف الاستمرار في الهيمنة وخدمة لمصالحها الضيقة.
وناقَش الرئيسان العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا، وفي هذا السياق جدد الرئيس الأسد موقف سوريا المؤيد لحق روسيا في الدفاع عن أمنها القومي، مُعربًا عن دعمه للأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا ضد ما وصفهم بـ “النازيين الجُدد”، وأشار إلى أنها لا تقوض موقف موسكو في التسوية السورية. فيما اعتبر الرئيس بوتين أن العملية العسكرية الروسية هي معركة وجود، وأن الغرب حاول زعزعة استقرار روسيا السياسي والاقتصادي إلا أن روسيا استطاعت التأقلم مع ما سبق، بل وحققت نموًا اقتصاديًا رغم الحرب.
وتناولت المباحثات الرئاسية كذلك المبادرات الإقليمية التي تدعمها موسكو، حيث أكد الرئيس الأسد أن سوريا لطالما كانت مع الحوار إذا كان سيُفضي إلى تحقيق مصالح الشعب السوري ووحدة وسلامة الأراضي السورية ويصل إلى نتائج واضحة ومحددة وعلى رأسها الاستمرار بمكافحة الإرهاب وخروج القوات الأجنبية غير الشرعية الموجودة على أراضيها.
وتم التوافق على أهمية تعزيز التعاون القائم بين البلدين في الأمم المتحدة وكل المحافل الدولية الأخرى، مع التأكيد على أن سوريا تُثمن وقوف روسيا في مواجهة محاولات الضغط على دمشق عبر ما يسميه الغرب ملف الأسلحة الكيماوية في سوريا. وإقليميًا، أكد الرئيسان ترحيبهما لإعلان السعودية وإيران استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين كخطوة تنعكس إيجابا على المنطقة والعالم.
وعُقدت على هامش الزيارة مباحثات ثنائية بين وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد ونظيره الروسي سيرجي لافروف، حيث تم الحديث عن المسارات التي تقترحها موسكو سياسيًا والتأكيد على أن أي مسار سياسي يجب أن يحقق وحدة وسلامة الأراضي السورية ووقف دعم الإرهاب وخروج القوات الأجنبية الموجودة على الأراضي السورية.
وفي موضوع التعاون العسكري بين البلدين، تم التأكيد على الاستمرار في محاربة الإرهاب في سوريا حتى يتم تحرير كافة الأراضي السورية، وأكدت روسيا استمرار المؤسسة العسكرية الروسية في حشد كافة الإمكانيات للمساهمة في مساعدة المتضررين من الزلزال.
كيف يُمكن قراءة زيارة الأسد لروسيا؟
يُمكن النظر لهذه الزيارة من خلال عدد من الأمور منها:
أولًا: كشفت التحولات الأخيرة على الصعيدين الإقليمي أو العالمي عن تغير كبية في رؤية المجتمع الدولي للتعاطي مع الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد، بما يشير إلى انفتاح أكبر على التعامل مع سوريا، وخاصة من الدول العربية، وأريحية أكبر في التحرك الدبلوماسي للرئيس السوري على المستوى الخارجي.
ثانيًا: التأكيد على متانة العلاقات السورية الروسية، حيث قررت موسكو ودمشق مرة أخرى التأكيد على أهمية العلاقات الروسية السورية في سياق صراع لم ينته بعد. ومع ذلك، لا تزال سوريا عنصرًا رئيسًا في معادلة الشرق الأوسط، فضلًا عن ازدياد أهمية هذه المنطقة في السياسة الخارجية لروسيا.
ثالثًا: بذلت روسيا جهودًا لحلحلة الخلاف بين سوريا وتركيا واستئناف العلاقات بين البلدين، واستضافت في هذا الإطار لقاءً في ديسمبر 2022 جمع وزراء دفاع ورؤساء أركان كل من روسيا وسوريا وتركيا في ديسمبر 2022. وجاءت زيارة الأسد إلى موسكو في خضم الترتيبات التي تتم لعقد لقاء رباعي بين تركيا وروسيا وإيران وسوريا، تمهيدًا لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، لا سيّما مع ما أبداه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من رغبة في لقاء نظيره السوري بشار الأسد.
أهمية الزيارة
تنبع أهمية الزيارة بالنسبة للرئيس بشار الأسد في كونها تأتي استمرارًا لحراكه الدبلوماسي منذ كارثة الزلزال الذي ضرب الأراضي السورية والتركية في 6 فبراير 2023، ومنها زيارته إلى سلطنة عمان في 20 فبراير 2023، واستقباله لعدد كبير من المسؤولين العرب.
من ناحية أخرى، تعتزم موسكو إظهار أنها تواصل الاهتمام بشكل كبير بالتسوية في الشرق الأوسط ومستعدة لمواصلة دعم تطبيع العلاقات السورية التركية، مما يحفز دمشق على ذلك. ولا يمكن استبعاد العوامل الاقتصادية؛ فروسيا مستعدة لبدء المشاركة بنشاط أكبر في عملية إعادة إعمار سوريا بعد الحرب.
في سياق اَخر، تتأتى أهمية زيارة الأسد لموسكو لإظهار مشاركة روسيا في العملية السياسية السورية. فعلى الرغم من قيام روسيا ببدء عملية عسكرية في أوكرانيا، إلا أنها لم تتخلَ عن سوريا، وتواصل تقديم الدعم والمساعدة وتطوير العلاقات معها. وتهدف دعوة الرئيس السوري إلى زيارة موسكو إظهار أن روسيا لا تزال مهتمة بعلاقاتها المهمة مع سوريا، والتزاماتها تجاه حلفائها.
في الأخير، يُمكن القول إن سوريا لا تزال على أولويات السياسة الخارجية لروسيا، فعلى الرغم من احتدام الصراع الروسي الأوكراني، فإن روسيا لا تزال تحافظ وتؤكد على موقفها الثابت تجاه سوريا، ويجري العمل على ما يرام في القاعدة البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية. ولا توجد مؤشرات عن انخفاض كبير في القوة العسكرية الروسية. ولا تزال سوريا تتلقى دعمًا عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا روسيًا كبيرًا. ويظل أحد الأهداف المهمة لهذه الزيارة هو محاولة سوريا الحصول على دعم روسي وخاصة في مجال الطاقة، في ظل أزمة الطاقة التي تواجهها البلاد، والتداعيات السلبية لكارثة الزلزال.
.
رابط المصدر: