التأكيد على قوة العلاقات: ماذا حملت زيارة وزير الخارجية المصري لروسيا؟

أحمد السيد

 

يصادف عام 2023 الاحتفال بمرور 80 عامًا على العلاقات الدبلوماسية بين مصر وروسيا، التي تتسم بأنها على درجة عالية من الأهمية بالإضافة لكونها تاريخية وعميقة وتشمل كافة المجالات تقريبًا، بما يمكننا من تصنيفها على أنها علاقات ذات “طبيعة استراتيجية”، ودائمًا ما ينظر دائمًا إلى روسيا على أنها شريك سياسي وأمني وتنموي لمصر.

وقد اكتسبت العلاقات المصرية الروسية زخمًا كبيرًا خلال السنوات القليلة الماضية، خاصة وأن لدى البلدين رؤى مشتركة فيما يتعلق بالحوكمة العالمية بجوانبها السياسية والاقتصادية، لا سيما مبادئ الاحترام المتبادل بين الدول والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحق كل دولة في اختيار النموذج التنموي الذي يتماشى مع ظروفها، وتأكيد مركزية دور الأمم المتحدة في النظام الدولي الحالي والتسوية السلمية للمنازعات.

في السياق ذاته، تعد مصر واحدة من الدول المهمة لروسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ نظرًا لثقلها السياسي والاقتصادي والثقافي في المنطقة، فضلًا عن مكانة مصر الكبيرة في العالم الإسلامي. وتعد مصر أحد الشركاء الرئيسين لروسيا الاتحادية في منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية. وتتحدد طبيعة العلاقات المصرية الروسية بـ “اتفاقية الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي” التي وقعها الرئيسان المصري “عبد الفتاح السيسي”، والروسي “فلاديمير بوتين” في أكتوبر عام 2018 ودخلت حيز التنفيذ في يناير 2021.

وفي ظل المتغيرات الدولية الراهنة، كاستمرار وتيرة الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة مع استمرار الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في تقديم مزيد من الدعم العسكري لكييف، في مقابل إصرار روسيا على عدم الرضوخ والاستمرار حتى الانتصار في المعركة. انعكست تداعيات هذه الحرب على العالم أجمع، إذ تفاقمت أزمة الغذاء والطاقة وساد الركود في كثير من اقتصادات الدول، الأمر الذي يدفع الجميع إلى محاولة إيجاد تسوية سلمية لهذا النزاع. وكذلك استمرار الصراع في الأراضي الفلسطينية المحتلة خاصة في ظل التطورات الأخيرة، كل ذلك وأكثر من القضايا الملحة دفعت وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” لجولة خاطفة للشرق الأوسط بدأها بزيارة لمدة يومين لمصر، أجرى خلالها لقاءً مع الرئيس “عبد الفتاح السيسي” ولقاء آخر مع السيد “سامح شكري” وزير الخارجية.

وبعد ساعات من لقاء وزيري الخارجية المصري والأمريكي في القاهرة، توجه السيد “سامح شكري” لموسكو يوم الثلاثاء 30 يناير، في زيارة هدفت لتعزيز مسار العلاقات الثنائية بين البلدين، وحملت دلالات خاصة كونها جاءت في وقت بالغ الحساسية، وفي ظل أزمات إقليمية ودولية مستمرة ولها تأثيرات متعددة على مختلف دول العالم. ويتناول التقرير محطات التعاون المصرية الروسية، ثم يتطرق لزيارة السيد “سامح شكري” لموسكو، وأبرز الملفات والرسائل التي تم إيصالها.

مجالات التعاون

تشهد مجالات التعاون المشترك بين مصر وروسيا مجالات عدة منها:

  • التعاون في المجال السياسي: تعد مصر أحد الشركاء الرئيسيين لروسيا في منطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية. وتشكل الاجتماعات المنتظمة لوزراء الخارجية والدفاع في صيغة (2+2) جزءًا مهمًا للحوار السياسي الثنائي، خاصة في ظل المتغيرات والأحداث المتلاحقة التي يشهدها العالم.
  • التعاون في مجال التجارة: تعد مصر واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لروسيا في الشرق الأوسط وإفريقيا، حيث بلغت التجارة الثنائية بين موسكو والقاهرة 6.2 مليارات دولار، من بينها 5.7 مليار دولار قيمة الصادرات الروسية إلى مصر. وقد زادت روسيا بشكل كبير من صادراتها لمصر من وسائل النقل البري بقيمة بلغت 74 مليون دولار، والمعدات الكهربائية بـ 39 مليون دولار، بينما زادت مصر من صادراتها إلى روسيا بشكل كبير من الفاكهة والخضروات الطازجة والمصنعة بقيمة 13 مليون دولار.
  • التعاون في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب: يعد البَلَدَان من الدول الرائدة في مجال مكافحة التطرف والإرهاب، ومن أكثر الدول المستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية والمتطرفين. وعليه، فمن الطبيعي أن يحدث تلاقٍ في رؤى الجانبين في التعاطي مع الإرهاب والتطرف. وفي هذا السياق، تؤيد كل من القاهرة وموسكو على الدوام توحيد الجهود من أجل مكافحة الإرهاب الدولي، وتواصلان الحوار الوثيق حول هذا الموضوع في الأمم المتحدة. وكذا، التعاون استخباراتي بين مصر وروسيا، إذ تمتلك موسكو قدرات استخباراتية ومعلوماتية متقدمة، ولديها رؤية تتطابق مع الرؤية المصرية بضرورة مكافحة الإرهاب واستئصال جذوره من المنطقة بأكملها.
  • التعاون في المجال العسكري: إن التعاون المصري الروسي في الجانب العسكري ليس بالأمر الجديد؛ إذ يمتد هذا التعاون بين البلدين منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وتعد مصر أحد الشركاء ذوي الأولوية بالنسبة لروسيا في مجالات التعاون العسكري والتقني.

وقد أسست زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي -حين كان وزيرًا للدفاع-إلى روسيا لتعاون استراتيجي واسع النطاق بين البلدين من خلال تحديث قدرات الجيش المصري، وإمداده بمنظومات دفاعية متقدمة منها طائرات مقاتلة من طراز “ميج – 29 “، وأنظمة دفاع جوي وصواريخ “كورنيت” المضادة للدبابات، وطائرات مروحية مقاتلة من طراز “كا – 25″، “مي – 28″، “مي – 25″، وتمثل تلك الصفقات دعمًا للمساعدة في القضاء على العناصر الإرهابية المتطرفة.

وشهدت أواخر عام 2020، المناورات البحرية المشتركة بين البلدين تحت عنوان “جسر الصداقة-3″، والتي نظمت لأول مرة في البحر الأسود، وكانت تهدف إلى دعم جهود الأمن والاستقرار في المنطقة. وتعد من أهم التدريبات المشتركة بين مصر وروسيا لنقل وتبادل الخبرات بين القوات المسلحة لكلا البلدين وتعزيز آفاق التعاون العسكري.

  • المشاريع المشتركة: تقوم روسيا بتنفيذ بعض المشاريع الكبرى في مصر ومن بينها: بناء محطة الضبعة النووية وفقًا للنمط الروسي، وإنشاء المنطقة الصناعية الروسية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وكذلك توريدات عربات السكك الحديدية إلى مصر.

زيارة وزير الخارجية المصري لموسكو

خلال زيارته لموسكو، التقى السيد “سامح شكري” مع كل من وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف”، ونائب رئيس الوزراء وزير الصناعة والتجارة “دينيس مانتوروف”، بالإضافة إلى سكرتير عام مجلس الأمن القومي الروسي “نيكولاي باتروشيف”. وناقش السيد “سامح شكري” مع المسؤولين الروس مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين، والتقدم المحرز في تنفيذ مشروعات التعاون، بما يحقق مصالح البلدين. كما انتهز الطرفان الفرصة للتشاور وتبادل وجهات النظر حول العديد من الملفات الدولية والإقليمية ذات التأثير على المصالح المشتركة للبلدين، بما في ذلك تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية وتداعياتها المختلفة.

وحول استخدام العملة الروسية “الروبل”، أوضح “شكري” أن استخدام الروبل وغيره من العملات، سيكون محل بحث وتفعيل بين مصر وروسيا ضمن العديد من الآليات التي تلجأ إليها مصر لتعزيز علاقاتها التجارية.

كما ناقش كلا الجانبين، الوضع الفلسطيني وتم التطرق حول تطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة وضرورة التوصل لتسوية شاملة على الأساس القانوني الدولي، وتجديد عمل اللجنة الرباعية الدولية من أجل بدء مفاوضات للتهدئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وفيما يتعلق بالوضع في ليبيا، اتفق الطرفان على ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من “ليبيا”، وأشاد “لافروف” باستضافة مصر للحوار الليبي-الليبي في القاهرة، وهو أمر تدعمه موسكو.

وأثناء المؤتمر الصحفي الذي جمع “لافروف” و “شكري”، أوضح وزير الخارجية الروسي إنه تلقى رسالة (معينة) من وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” عبر نظيره المصري “سامح شكري”، وفسر البعض أن هذه الرسالة دارت حول “خروج القوات الروسية من أوكرانيا”، ولكن الوزير “لافروف” أكد على أن روسيا مستعدة لأي مقترحات “جادة” وتشمل جميع جوانب القضية.

دلالات الزيارة

يمكن النظر لزيارة وزير الخارجية المصري لموسكو من خلال عدة زوايا منها:

  • تقدير روسي للموقف المصري: تقدر روسيا الموقف المصري من مختلفة الأزمات في إقليم الشرق الأوسط وفي إفريقيا، حيث أثنى السيد “سيرجي لافروف” على الموقف المصري المتوازن والمدروس من مختلف القضايا الإقليمية والسعي لإيجاد الحلول بشأن الكثير من الأزمات. كما نوه بأن موسكو والقاهرة تتبادلان التعاون في إطار الأمم المتحدة، وذلك على الرغم من محاولات بعض أعضاء المجتمع الدولي لفرض قواعد خاصة كبديل لميثاق الأمم المتحدة.
  • توازن الموقف المصري: تشير التحركات الدبلوماسية المصرية الأخيرة للاتزان في السياسة الخارجية المصرية، فبعد ساعات من استقبال الرئيس “عبد الفتاح السيسي” وزير الخارجية الأمريكي في القاهرة؛ يزور “سامح شكري” موسكو، وهذا يفسر لنا الاتزان في العلاقات الخارجية لمصر مع أكبر دولتين في النظام الدولي.
  • ثقل الدور المصري: يفسر إعلان وزير الخارجية الروسي في المؤتمر الصحفي أنه تلقى رسالة من وزير الخارجية الأمريكي عبر نظيره المصري، الثقل الدولي لمصر، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية لإرسال رسالة لموسكو عبر مصر كوسيط، وفي السياق ذاته، أوضح “لافروف” أن روسيا تقدر الدور المصري، وهذا يدلل على ثِقل ومكانة مصر بين الشرق والغرب، وقوة علاقاتها مع البلدين.
  • إعادة إحياء الدور: تدلل زيارة “بلينكن” للقاهرة، وتوجه “شكري” لموسكو، ومن قبلها زيارة الرئيس “السيسي” للهند، على تفعيل أكبر لإعادة إحياء دور الحياد الدولي في النزاعات السياسية الدولية، ولا نغفل في هذا السياق، التقارب الصيني العربي في الآونة الأخيرة.

في الأخير، تشير الرسالة الأمريكية التي نقلها وزير الخارجية المصري خلال زيارته إلى روسيا، إلى ثقة موسكو وواشنطن في القاهرة كوسيط مناسب للتباحث حول سُبل حل الأزمة الأوكرانية التي تسببت في أضرار متعددة وخاصة على المستوى الاقتصادي لمختلف دول العالم، وتأتي هذه الثقة انطلاقًا من العلاقات الطيبة لمصر مع كلا الطرفين، والسياسة الخارجية المصرية المتوازنة التي تتبعها منذ سنوات.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75324/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M