نسيبة يونس – المستشار الأول لمعهد السلام الأوروبي
المقدمة
وقعت سلسلة من الأحداث الدرامية في الأشهر الستة الماضية، أعادت معها حقيقة تغيُّر المناخ وأخطاره إلى ذهن الجمهور العراقي. اجتاحت البلاد تسع عواصف ترابية في مدة ثمانية أسابيع فقط، ممَّا أدَّى إلى إغلاق الدوائر الحكومية، والمطارات، وخنق النشاط الاقتصادي، ورقود آلاف الأشخاص في المستشفيات. كما استغلت خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضعف مدى الرؤية؛ بسبب العواصف لشنِّ هجمات على قوات الأمن العراقية.
فجَّرَ خبر جفاف بحيرة ساوة في محافظة المثنى -في بداية عام 2022- سيلاً من مشاعر الحزن والحنين إلى الماضي، إذ أعرب السكان المحليون والمعلقون عن أسفهم لتأثير ذلك على سبل العيش، وعلى هوية المحافظة. تلا ذلك مزيد من القصص المرعبة عن الانخفاض الحاد في منسوب المياه في بحيرة حمرين في محافظة ديالى، وعن زيادة نسب التلوث في بحيرة الرزازة في محافظة كربلاء.
انخفضت جودة المياه في البصرة -في عام 2018- كثيراً مع ارتفاع منسوب المياه في الخليج العربي متصاحباً مع انخفاض تدفق المياه من الأنهار المنبع، وتنخفض نسب الأمطار، ممَّا أدَّى إلى ارتفاع الملوحة في نهر شط العرب بالمدينة. نتيجة ذلك، رقد ما يقرب من (120) ألف شخص إلى المستشفيات، وأدَّى إلى انخراط آلاف المواطنين إلى الاحتجاجات الجماهيرية ضد السلطات الحكومية المحلية والاتحادية. ردَّت قوات الأمن والجماعات المسلحة المرتبطة بالكيانات السياسية بالعنف، فقتلت (31) شخصاً على الأقل، وجرحت مئات آخرين. وبسبب سوء تعامل الحكومة مع الأزمة إلى إجهاض محاولة رئيس الوزراء حيدر العبادي لتسنُّم ولاية ثانية، وأضر بشرعية مؤسسات الدولة، ومكَّن الجماعات المسلحة من شن حملة اغتيالات تستهدف الناشطين والمتظاهرين.
أفضت هذه الأحداث مجتمعة أخيراً إلى زج قضية تغيُّر المناخ في النقاش السياسي في العراق، لكن قادة البلاد لم يتخذوا بعد إجراءات هادفة. هذا مع حقيقة أنَّ التوقعات على المدى المتوسط والطويل للعراق، وتأثيرات المناخ خطيرة للغاية. في عام 2019، صنف تقرير للأمم المتحدة العراق على أنَّه خامس دولة في العالم الأكثر فقراً على صعيد توافر المياه والغذاء، والتعرض لدرجات الحرارة القصوى. ترتفع درجات الحرارة في البلاد بمعدل أسرع بسبع مرات من المتوسط العالمي، في حين من المتوقَّع أن ينخفض معدل هطول الأمطار السنوي بنسبة (9%) بحلول عام 2050. وفي الوقت نفسه، تواجه الدولة معدل نمو سكاني يبلغ ضعف المتوسط العالمي، بنسبة (2.25%) في السنة؛ من المفترض أن يصل عدد سكان العراق إلى (50) مليوناً بحلول عام 2030 و (70) مليوناً بحلول عام 2050.
تتسبب هذه الدوافع الديناميكية بهجرة كبيرة من الريف إلى الحضر، ممَّا يثقل كاهل الخدمات العامة، ويقلِّل فرص العمل المحدودة في المناطق الحضرية، ممَّا يؤدِّي إلى اضطرابات اجتماعية، ويذكي روح المنافسة، والصراع بين المحافظات وبين القبائل. في بعض الحالات، تمكنت الجماعات المتطرفة من الفوز بموطئ قدم في المناطق الريفية الفقيرة. إنَّ الحكم غير المؤهل في العراق والقطاع الخاص الضعيف، وما يترتب على ذلك من نقص في الاستثمار الأجنبي المباشر، يعوق البلد عن اتخاذ مزيد من الإجراءات المتضافرة؛ لمعالجة أسباب تغيُّر المناخ وآثاره. كما أنَّ إدارتها الداخلية تتسبب بهدر إدارة المياه، ممَّا يضعها في موقع لا يمكن مقارنته بموقع بلدي المنبع تركيا وإيران، اللتين تبنيان سدوداً تؤدي إلى تفاقم أزمة العراق.
إنَّ العراق بحاجة ماسة إلى إقرار أجندة سياسات عملية مناخية فعالة وتخصيص تمويل مالي كبير لها. يمكن للأوروبيين تقديم دعمهم بطرائق عديدة، بالتأكيد من الناحية الفنية، ولكن عن طريق إقناع القادة السياسيين في العراق بفوائد مثل هذه الأجندة، ليس فقط لمعالجة تأثيرات المناخ المتغير، ولكن لتحسين الحوكمة الداخلية وتنويع اقتصاد البلد.
لقراءة المزيد اضغط هنا
.
رابط المصدر: