التحولات السياسية بالمغرب والبناء الديمقراطي الصعب

ملخص :

في تحليله لمسألة الانتقال الديمقراطي يذهب المفكر محمد عابد الجابري إلى أن سؤال الانتقال يطرح ثلاثة أسئلة جوهرية، بدونها يبقى الانتقال غير ذي معنى، تتمثل في: من أين؟ وإلى أين؟ وكيف؟[1] أما السؤالان الأولان، فجوابهما واضح يمكن ان يستنتج من التعريف الإجرائي للانتقال الديمقراطي، لكن الجواب عن كيف سيكون هو المحدد لنجاح أو تعثر التجربة الانتقالية في المغرب.

اجتمعت مجموعة من العوامل المختلفة والمتفاوتة الأثر، لتفتح أمام خيار الإصلاحات الدستورية في المغرب إمكانية التحقق، بعد أن حصل تردد في شأن الإقدام عليه، في السنوات العشر الأخيرة من القرن الماضي، على الرغم من تكرار الدعوة إلى ذلك في أوساط المجتمع السياسي.

وبالرغم من محدودية الإصلاحات التي جاء بها دستور 1996، إلا أنها تعد نقطة أساسية لانطلاق الإصلاح السياسي، وسابقة في التاريخ الدستوري المغربي، نظرا للإجماعية التي حققها النص الدستوري لسنة 1996، بتصويت المعارضة بالإيجاب، إلا أن هذا التصويت له ما يبرره سياسيا وليس دستوريا، حيث لم يكن عسيرا فهم سبب هذا التحول المفاجئ الذي طرأ على موقف أحزاب المعارضة التاريخية من شرعية نص دستوري ظل تطعن فيها باستمرار حتى انهارت الثقة بينها ويبن النظام، فلقد كان على أحزاب المعارضة التصويت لصالح الدستور حتى تتشكل حكومة التناوب التوافقي التي ترأسها عبد الرحمان اليوسفي في مارس 1998، بعد حصول الحزب وحلفائه على ثلث مقاعد مجلس النواب في انتخابات 1997. [2] وهذا التحول لم يبدأ هكذا صدفة في عام 1996، بل أرهصت مقدماته منذ 1991، من خلال المذكرة الدستورية التي رفعتها قيادي حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي إلى الملك الراحل الحسن الثاني، فهم منها أن الحزبين مستعدان للتفاهم على صيغة دستورية تحظى بالتوافق، وتكسر قاعدة مقاطعة التصويت على الدستور أو التصويت عليه سلبا، التي درج عليها، ولاشك في أن الملكية كانت في حاجة لكسر تلك القاعدة لتضمن للنظام الاعتراف الجماعي بشرعية الدستور، هذه المذكرة ستفتح الطريق أمام تشكيل الكتلة الديمقراطية التي ستشارك في حكومة التناوب التوافقي برئاسة الزعيم الاتحادي عبد الرحمان اليوسفي. هذه التجربة التي تعد إحدى أهم المحطات السياسية، التي تؤرخ لحكومة الانتقال الديمقراطي، وتعد كذلك فرصة للانتقال نحو الديمقراطية بشكل سلمي وسلس تلعب فيه المؤسسة الملكية دورا محوريا إلى جانب أحزاب “الكتلة الديمقراطية”. لكن هذه التجربة لم تعمر طويلا ولم يكتب لها النجاح بسبب التعثر الذي عرفته منذ بداياتها بالرغم من هوامش التغيير التي إتاحتها التجربة.

ولم يكن لتكريس صيغة التناوب التوافقي التي أنتجت ثلاث حكومات إلى حدود سنة 2007، ان يضع فصلا ختاميا للمطالبة باستكمال الإصلاحات الدستورية، وإن يبدو أن هناك نوعا من التراخي في الحماسة، عما كان عليه الأمر في سنوات التسعينات وما قبله، فإنه كلما نشأت الظرفية المناسبة للذهاب بمطلب الإصلاحات الدستورية إلى الشارع، وكان ذلك في سياق انطلاق مسلسل الثورات العربية، وميلاد حركة 20 فبراير في المغرب، كان هذا المطلب يستقر على صيغة وعلى شعار الملكية البرلمانية.

نظريا، يبدو أن ما حدث في المغرب من إصلاحات دستورية سواء وتغييرات سياسية قبيل التجربة الأولى أو بعد التجربة الثانية لإمكانية الانتقال الديمقراطي، كان بإمكانها أن تعبد الطريق نحو الديمقراطية في البلاد وأن تحقق تناوبا سياسيا حقيقيا من شأنه أن يضع النظام السياسي المغربي على سكة الانتقال إلى الديمقراطية. لكن بالنظر إلى السياقات المرافقة للتناوب التوافقي كمدخل للانتقال الديمقراطي، والخصوصيات التي ميزته جعلت منه آلية فقط للمصالحة بين الملكية وأحزاب المعارضة التاريخية وتأمين انتقال العرش بشكل سلس وهادئ دون المساس ببنيات النظام السياسي المغربي. كما أن المحاولة الثانية لإمكانية تعزيز الانتقال الديمقراطي التي جاءت في سياق ثورات الربيع العربي وتأثير حركة 20 فبراير لم تفض هي الأخرى إلى دمقرطة البلاد، مما دفع بالانتقال الديمقراطي نحو الانتظارية والعودة بالحياة السياسية إلى فترة ما قبل وثيقة 29 يوليوز 2011، وإعادة إنتاج السلطوية الجديدة.

ومن هذا المنطلق، فإن الإشكالية المركزية في هذه الورقة البحثية تتمحور حول رصد مسارات التحولات الدستورية والسياسية التي عرفها النسق السياسي المغربي وتحديد مخرجاتها ومعالم التوجهات الراهنة في المغرب مع إبراز نقط القوة ونقط الضعف في تجربتي الانتقال الديمقراطي اللتين شهدها المغرب.

[1] -محمد، عابد الجابري. كيف الانتقال إلى الديمقراطية؟ سلسلة مواقف، إضاءات وشهادات، الكتاب الستون، فبراير، 2007، ص 29.

[2]-عبد الإله، بلقزيز. المغرب والانتقال الديمقراطي، قراءة في التعديلات الدستورية: سياقاتها والنتائج، ورقة مقدمة للحلقة النقاشية التي عقدها مـركـز دراسات الوحدة العربية، ص 25.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M