التحول الأخضر يهدد بمحو آلاف الكائنات الحية

تتسارع وتيرة التحول الأخضر عبر تزايد الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة التي من المفترض أن تكون صديقة للبيئة، لكن تُلحِق بعض هذه المصادر الضرر بالنظم البيئية المحلية وتهدّد بفناء كثير جدًا من الكائنات الحية، وتتطلّب الطاقة الخضراء -غالبًا- مساحات أكبر من الأراضي قياسًا بإنتاج النفط والغاز؛ ما يزيد فرص تدمير موائل الحياة البرية…

تتسارع وتيرة التحول الأخضر عبر تزايد الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة التي من المفترض أن تكون صديقة للبيئة، لكن تُلحِق بعض هذه المصادر الضرر بالنظم البيئية المحلية وتهدّد بفناء كثير جدًا من الكائنات الحية، وتتطلّب الطاقة الخضراء -غالبًا- مساحات أكبر من الأراضي قياسًا بإنتاج النفط والغاز؛ ما يزيد فرص تدمير موائل الحياة البرية عالية الجودة.

كما يمكن أن تؤدي مظاهر التحول الأخضر إلى مجموعة متنوعة من التأثيرات الأخرى في الحياة البرية، بما في ذلك التغيرات السلوكية والوفيات المباشرة، فعلى سبيل المثال تتسبّب توربينات الرياح، سواءً البرية أو البحرية، في مقتل ملايين الطيور المهاجرة والخفافيش سنويًا بسبب حوادث الاصطدامات، كما تعمل السدود الكهرومائية على إغلاق طرق هجرة الأسماك؛ ما يمنعها من التكاثر ويسبب ارتفاع معدلات وفيات الأسماك الصغيرة، وبالمثل يَنتُجْ عن محطات الطاقة الشمسية المركزة المعروفة باسم “أبراج الطاقة” أشعة شمسية قوية تكفي لحرق الحشرات والطيور، وفق تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن.

أضرار التحول الأخضر

تتدافع حكومات العالم -حاليًا- بشدة نحو التحول الأخضر، بهدف خفض انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحترار العالمي، وتحقيق أهداف الحياد الكربوني، ومع ذلك يهدد التحول إلى الطاقة المتجددة بفناء قرابة 4 آلاف و642 نوعًا من الفقاريات، وفق ما أظهرته نتائج دراسة حديثة نشرتها دورية كارنت بيولوجي (Current Biology).

ووجدت الدراسة أن استخراج المعادن عالميًا عبر أنشطة التعدين والمحاجر والتنقيب عن النفط والغاز يعرّض تلك الكائنات الحية للخطر، وتُمارَس أنشطة التعدين في بعض من أهم مواقع التنوع البيولوجي في العالم، التي تُؤوي مجموعة واسعة من الكائنات الحية والموائل الفريدة التي لا توجد في أي مكان آخر على ظهر الكوكب.

ومن بين عيوب التحول الأخضر، أنه يفرض تهديدات خطيرة بالنسبة إلى الأنواع الحية نتيجة المواد الرئيسة المُستَخرَجة بالتعدين، مثل الليثيوم والكوبالت، المكونيْن الرئيسيْن اللازمين لتصنيع الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية.

الحجر الجيري

تشكّل أنشطة استخراج الحجر الجيري -الذي تشتد الحاجة إليه بكميات كبيرة لإنتاج الأسمنت بصفته مادة بناء- تهديدًات خطيرة كذلك لعديد من الأنواع الحية، ولا يقتصر التهديد، الذي يفرضه التحول إلى الطاقة المتجددة على المواقع التي توجد بها المناجم فحسب، وإنما يمكن أن تتأثر كذلك الكائنات الحية التي تعيش على بُعد مسافات طويلة سلبًا بالمجاري المائية الملوثة أو الممارسات المتعلقة بإزالة الغابات، بهدف بناء طرق أو حتى إنشاء بنية تحتية جديدة.

ويشير الباحثون، في الدراسة حول عيوب التحول الأخضر، إلى أنه ينبغي على الحكومات والقائمين على صناعة التعدين التركيز على خفض معدلات التلوث ذات الصلة، زاعمين أن ذلك يُعد وسيلةً مضمونةً لتقليل فقدان التنوع الحيوي الناجم عن استخراج المعادن.

ويقول البروفيسور في قسم علوم النبات بجامعة كامبريدج، المؤلف الرئيس للدراسة ديفيد إدواردز: “ببساطة لن نكون قادرين على توفير الطاقة النظيفة التي نحتاج إليها لتقليل الآثار المناخية دون ممارسة أنشطة التعدين لاستخراج المواد التي تتطلبها، وهذا يفرض مشكلةً عميقةً لأننا نمارس التعدين في مواقع تحتوي -غالبًا- على مستويات عالية جدًا من التنوع البيولوجي”، وأضاف أن “أعدادًا كبيرة جدًا من الأنواع الحية، لا سيما الأسماك، أضحت عُرضَةً للخطر بسبب التلوث الناجم عن أنشطة التعدين”، حسب تصريحاتها التي اطلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، وتابع: “سيكون مجديًا أن نعمل على تقليص معدلات تلوث المياه العذبة، حتى يتسنّى لنا الحصول على المنتجات التي نحتاج إليها لإنجاز التحول الأخضر، لكن بطريقة لا يَنتُج عنها أي أضرار شديدة للتنوع الحيوي”.

الأنواع الحية المهددة

من بين جميع أنواع الفقاريات، تبرُز الأسماك عُرضة بوجه خاص للأخطار الناجمة عن أنشطة التعدين؛ إذ يتأثر بها 2053 نوعًا، تليها الزواحف والبرمائيات والطيور والثدييات، ويرتبط تهديد الموائل ونمط الحياة بأنواع حية معينة؛ ما يعني أن الكائنات الحية التي تعيش في المياه العذبة، بالإضافة إلى تلك التي تعيش في مساحات صغيرة، تكون أكثر عُرضة للخطر.

وقال الباحث في كلية العلوم البيولوجية بجامعة شيفيلد البريطانية، المؤلف الأول للدراسة يوان لامب، إن “الحاجة إلى الحجر الجيري بصفته مكونًا رئيسًا في صناعة البناء تشكل كذلك خطرًا حقيقيًا على الحياة البرية، فأعداد كبيرة جدًا من الأنواع مقيّدة للغاية في المكان الذي تعيش فيه، لأنها تحيا فقط على الحجر الجيري”، وأضاف لامب: “من الممكن أن يدمّر منجم إسمنت حرفيًا منحدرًا بأكمله، ومعه منازل تلك الأنواع الحية”، ففي ماليزيا، على سبيل المثال، يتعرّض الوزغ (نوع من الأبراص) ذو الأصابع المنحنية لخطر الاندثار بسبب استخراج الحجر الجيري، فهو لا يعيش إلا في سلسلة جبال واحدة ستكون عُرضة للتدمير نتيجة أنشطة التعدين المخطط لها، ويشهد الطلب العالمي على أنشطة تعدين المعادن والوقود الأحفوري ومواد البناء نموًا متسارعًا، وتتوسع صناعة استخراج المعادن بوتيرة سريعة لتلبية هذا الطلب المتنامي.

حلول مقترحة

تستلزم إقامة مشروعات الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء النظيفة -غالبًا- مساحات أكبر من الأراضي قياسًا بنظيرتها المولدة بالوقود الأحفوري، ما قد يؤدي إلى تدمير موائل الحياة البرية عالية الجودة، ولتفادي تلك الآثار السلبية يتعيّن دمج إنتاج الطاقة المتجددة في المباني أو المناطق التي يستعمِلها البشر في مراحل التخطيط الهندسي، وفق معلومات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة، وبناءً عليه، فإن تقسيم المناطق والمباني هندسيًا وبصورة مسؤولة بيئيًا من شأنه أن يحد من التداعيات السلبية المحتملة على التنوع البيولوجي.

 

المصدر : https://annabaa.org/arabic/environment/39604

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M