ثريا عرفاوي
المقدمة:
التربية: رهاناتها، مشاكلها، وإصلاحها هي من المواضيع المهمة في مجتمع سريع التحوّل، وسريع التأثير والتأثّر، نظراً إلى جملة عوامل محلية وأخرى عالمية، ساهمت العولمة والتقنيات الحديثة في التأثير فيها بشكل رهيب ومخيف. وهذه التحوّلات طرحت على المؤسّسة التربوية مسؤوليات كبرى، تمكّنها من مواكبة واستيعاب التغيّرات الطارئة من ناحية، ومواجهتها ومجابهتها من ناحية ثانية، باعتبارها المؤسّسة المثلى المؤهّلة لتنمية العنصر البشري، بوصفه عنصراً فاعلاً وفعّالا في الإنتاج الإيجابي.
وإذا ما نزّلنا ذلك في علاقة بواقع التربية في البلاد التونسية، سنجد أنّ تونس عاشت منذ الاستقلال تحوّلات سياسية فارقة في تاريخها الحديث والمعاصر، كان لها تأثيرات على مجالات تنموية شتى، ولا سيما على واقع التربية، الذي عرف عدة تجارب تربوية، تفاوتت في الأهمية والنجاعة، حسب المرجعية الأيديولوجية المتحكمة فيها. وعلى هذا الأساس انبنت فكرة هذه الدراسة الذي نبتغي من خلاله دراسة أثر التحوّلات السياسية على واقع التربية في تونس، إيماناً منا بأنّ البعد السياسي له علاقة مباشرة بالبعد التربوي، حيث سنكشف عن جدلية العلاقة (التأثير والتأثر) بينهما ونتعقّب جملة النتائج المتحققة في فترات زمنية مختلفة من تاريخ تونس، بداية من دولة الاستقلال، وصولاً إلى دولة ما بعد ثورة 14 يناير.
فكيف أثّرت التحوّلات السياسية الكبرى والمفصلية في تاريخ تونس على واقع التربية؟ وما هي تجليات هذه التأثيرات على واقع التربية؟ وما هي نتائجها؟
وفي علاقة بالمتغيّرات الحاصلة ما بعد ثورة 14 يناير نتساءل هل تمّ تحييد التربية وإبعادها عن التجاذبات السياسية ولا سيما التوظيف السياسي أم أنّها لازلت تتخبط تحت توظيفها في الحملات الانتخابية للأحزاب السياسية؟
سنحاول الإجابة عن هذه الإشكاليات المهمة على مدى بحثنا من خلال تتبّع أهمّ التحوّلات السياسية وكيفية تأثيرها في واقع التربية.
1 التربية وسياسة التحديث في دولة الاستقلال في تونس:
أ- مفهوم التربية:
التربية هي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً[1]ويعني هذا التعريف أنّ التربية هي تنمية الكائنات بمختلف أنواعها، حتى تكبر وتترعرع، أمّا بالنسبة للكائن البشري، هي أن يُربّى على قواعد الاجتماع البشري والإنساني. ولذلك نلاحظ ملازمة التربية للتعليم في كل المجتمعات، فإذا كانت التربية هي النمو والتغذية والزيادة فإنّ التعليم يقوم بصقل هذا النمو على قيم المجتمع المشتركة.
كما ورد مفهوم التربية في بعض المعاجم الفلسفية وعلم الاجتماع كالتالي: التربية هي “تبليغ الشيء إلى كماله، تقول ربّ الولد بمعنى وليّه، ويربيه، أي يتعهده بما يغذّيه وينمّيه ويؤدّبه” وهو نفس التعريف الوارد في المعاجم القديمة.
وقد ورد هذا المفهوم بمعنى “تدريب مختلف الوظائف النفسية، وتقوية القدرات، وتنمية الملكات، حتى تبلغ كمالها شيئاً فشيئاً. والمربّي هو المؤدِّب الذي يروض على محاسن الأخلاق والعادات”[2]، وتهدف التربية حسب التعريف الوارد سابقاً إلى تمكين الطفل من تعلم ما هو مشترك بين أفراد المجتمع من قيم وأخلاق وعادات.
و”يقوم المذهب التربوي (educationnisme) على فكرة أنّ الإنسان كائن حي تتغيّر طبيعته بتأثير غيره، وبمؤالفة ظروف بيئته، وأنّه بالتربية يمكن تطويع هذه الطبيعة لما فيها خيره وخير بيئته، وأنّ الوراثة عنصر فعّال في تكوين الشخصية، لكن التربية هي المعوّل عليه في توجيه الصفات الوراثية وتوظيفها اجتماعيّاً”.
وإذا ما تمعّنا النظر في جلّ هذه التعريفات، نلاحظ أنّها تُلقي الضوء على فعل الصقل والتوجيه نحو المصلحة العامة للمجتمع، وهي مقولات أسّست لها فلسفة الأنوار والعقد الاجتماعي. ونجد صداها عند ابن خلدون حين قال: الإنسان اجتماعيّ بطبعه. ولكن هذا الاجتماع يتطلب في إطار دولة القانون، احترام الحقوق والواجبات في إطار العيش المشترك، ولذلك ربط بعض الفلاسفة العرب والمسلمين خاصّة التربية بالأخلاق يقول الغزالي: “إنّ الأخلاق الفاضلة لا تولد مع الإنسان، وإنّما يكتسبها عن طريق التربية والتعليم من البيئة التي يعيش فيها، والتربية الأخلاقية السليمة”[3] كما عرّفها أحد علماء الأزهر، حسين المرصفي، بأنّها “تبليغ الشيء إلى كماله تدريجاً… والمقصود بالكلام هنا بيان التربية الإنسانية التي تقوم على مبدأ التعاون بين الناس ومساعدة بعضهم بعضاً إذ كان كل واحد كما ترى لا يمكنه أن يستقل بتحصيل جميع حاجاته”[4].
كما أعطى علماء الاجتماع، أهمية بالغة لهذا المجال، في دراساتهم لتحقيق النجاعة المرجوّة من هذا القطاع، كما مثّل مجال بحث واسع من قبل علم النفس الذي حاول دراسته من ناحية بناء الشخصية على المستوى النفسي، “فكلمة تربية نعني بها كل المؤثّرات الموجّهة التي يراد منها أن تصوغ كيان الإنسان، وتهدي سلوكه في كل نواحي الحياة جسدية كانت، أم عاطفية أم اجتماعية أم فكرية أم فنية، أم أخلاقية أم روحية، فالتربية تشمل كل المنظّمات والعوامل والأساليب والطرق التي تدخل في نطاق الفعاليات التهذيبية”[5] وهي تفاعل حضاري وثقافي تراكمي بين الأجيال والحضارات. لذلك، “أضحت كلمة “التربية” هي الأخرى تعني التعليم الدراسي وكانت من قبل تنطوي على معاني تنشئة الأطفال وتهذيب الأخلاق. واتسعت المفاهيم الأقدم للأخلاق والمعرفة الذاتية بسبب الاهتمام المتزايد “بالوظيفة الاجتماعية” للتربية ودورها في خلق نظام “اجتماعي” و(قومي) متجانس”[6] لذلك لا يوجد نظام تربوي أو تعليمي ثابت صالح لكل زمان ومكان، بل يجب أن يكون مستوعبا للتغيير السياسي، ومواكبا للنظم الاجتماعية والثقافية، حتى لا يكون التعليم جامداً فينتج نموذج “المدرسة السجن”[7] وقد أشار عبد الرحمن ابن خلدون (105-125ه/ الموافق 1332-1406م) في القرن (الثاني) إلى هذه النقطة معتبراً أنّ التربية يجب أن تواكب العصر والتطور الثقافي لأيّ مجتمع من المجتمعات.
ب- التربية في تونس أثناء دولة الاستقلال.
كان التعليم قبل الاستقلال يقوم على أساس طبقي، عنصري، وذكوري أيضاً، فلم يكن يحظى بالتعليم سوى أبناء العائلات الغنية التي لها دخلٌ عالٍ، وكانوا يتعلمون في مدارس فرنسية بالأساس، أو في جامعة الزيتونة لتعلم العلوم الشرعية مثل الفقه وحفظ القرآن والشريعة. كما كان التعليم يقتصر على الذكور دون الإناث ماعدا القليل منهن.
وهذا ما جعل الدولة بعد الاستقلال، تعاني من فقر حادّ على مستوى الإطار التدريسي، عند تطبيقها تعليماً عصريّاً، حيث بادرت إلى الاستعانة بإطارات فرنسية لسدّ الفراغ، لذلك يعتبر التعليم في تونس في الفترة التأسيسية التي عقبت الاستعمار، مراهنة بأتمّ معنى الكلمة، فإلى جانب افتقارها إلى الإطارات، نجد افتقارها للتجربة أيضاً.
وقد عرف قطاع التربية والتعليم بعد الاستقلال قفزة نوعية ضمن مشروع متكامل أرسى مبادئه بورقيبة، صحبة نخبة من السياسيين المساندين لمشروع تحديث الدولة، ولأنّه لا يمكن الحديث عن تقدّم حضاري أو سياسي أو ثقافي لأيّ دولة من الدول أو حضارة من الحضارات دون الحديث عن تعليم متطوّر، سعى بورقيبة إلى خلق تعليم يواكب ما تفرضه تحديات العصر، وما يمليه من شروط موضوعية للتموقع كدولة متقدمة سواء كان ذلك في المجال التربوي أو في المجال العام ككل، وقد تبلور ذلك – في نظرنا – من خلال تعليم الناشئة أهم المبادئ الإنسانية كالحرية والديمقراطية والمساواة، وهي قيم التعايش المشترك بين أفراد المجتمع، كما هي من مفاهيم الحداثة. وهي قادرة على تنمية الوعي العام بأهم القضايا المطروحة والرّاهنة لمعالجتها ثمّ تجاوزها.
وبناء على ذلك فقد ربطت السلطة السياسية في تونس منذ الاستقلال بين التربية والحداثة، أو الاهتمام بالتربية في إطار مشروع الحداثة، دون مراعاة الواقع الذي مازال محافظا ومستعمرا فكريا. ورغم “التحديات لم تمنع السلطة السياسية من أن تولي عناية كبرى لقطاع التعليم وتخصص له ما يفوق ربع ميزانية الدولة في بعض السنوات إيمانا منها بأهميّة هذا القطاع الحيوي ودوره في النهوض بالدولة والمجتمع”[8] تقف رواءه نخبة من الرجال من أمثال محمود المسعدي والهادي نويرة وبقيادة الحبيب بورقيبة (1903-2000) أوّل رئيس للجمهورية التونسية، الذي درس مادّة الحقوق في جامعات فرنسا. وتلقى علوما حديثة مثل الفلسفة والأدب وتدرّب وناضل مع مجموعة من الرجال ضد الاستعمار الفرنسي.
وقد مثّلت هذه النخبة السياسية النواة الأولى بعد الاستقلال، التي حملت في جرابها نفَساً أيديولوجياً متطوراً حيث كانت “مؤمنة بالليبرالية السياسية وبفكرة الدولة القومية وبالسعي إلى التوفيق بين الإسلام والعصر”[9] وقد مثّل العامل الأيديولوجي عنصراً مهمّا في اتحاد هذه المجموعة التي كانت على نفس المبادئ في التمثّلات وصوغ القرارات. أمّا الحبيب بورقيبة فقد كان “الشخصية المحورية في الاتجاه الحداثي النيّر فهي الشخصية المؤثّرة في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس، وهو المجاهد الأكبر”[10] ويمكن أن نقول أنّه محرّك الأحداث والتاريخ في تونس الحديثة. وهو الشخصية المركزية طيلة حكمه ويعود إليه الجميع بالنظر “نظرا لمركزية بورقيبة في نظام الحكم طيلة عهده وعودة القرارات الكبرى لقراره هو في الأخير حتى إنّ أعضاءه في جهاز الحكم والدولة كانوا أتباعاً عن قناعة فعلية باختيارات الزّعيم”[11] أضف إلى ذلك أنّ بورقيبة قد اعتمد على طاقم سياسي له نفس التكوين، ويحمل نفس الإيديولوجيا وتربّى في مدارس فرنسية.
وقد استطاعت تونس بناء أهم المؤسسات الحيوية، فكان في مرحلة أولى الاهتمام بما يتعلق بالأسرة والمجتمع، وبعث مجلة الأحوال الشخصية سنة 1956 التي كانت علامة فارقة في تاريخ تونس الحديث. ثم ركّزت اهتمامها على قانون التعليم سنة 1958.
وقد راهن الرجل في سياسته على مجال التربية والتعليم إيماناً منه بأنّ التربية من أهم اهتمامات “العمل الأساسي للدولة لأنّ جميع ما نشاهده من تخلف اقتصادي وفقر وانحطاط يرجع تاريخه إلى قرون ماضية إنّما السبب الأكبر فيه هو التخلف في المستوى الثقافي”[12] ورغم تصادمه مع المؤسّسة الدينية المحافظة أمام إلغائه للتعليم الزيتوني، إلاّ أنّه واصل سياسته التحديثية في مجال التربية، التي ستساهم في بناء مؤسسات وهياكل عصرية لها الفضل في صمود تونس أمام عديد الأزمات. وهذا لا ينفي طبعاً بعض التعثّرات التي سيشهدها هذا القطاع سلباً بداية من النصف الثاني من حكم بورقيبة، نظراً إلى عوامل أيديولوجية وسياسية واقتصادية واجتماعية سنعود إليها، شرحا وتفصيلا في متن العمل.
وقد أحدثت إنجازات كبرى اجتماعية واقتصادية خاصّة “ولم يحدث ذاك في المستوى الاقتصادي إلاّ لما أنجزته دولة الاستقلال من ثورة في مستوى التعليم، حيث وصلت المخصّصات لهذا القطاع ربع الميزانية العامة للبلاد وشمل التعليم حوالي 90 بالمائة من النشء من الجنسين وتنوعت اختصاصاته ومستوياته وتعصّرت أساليب التدريس وموادّه واحتلّ العلم والعقل مكانة مهمة فيها”[13]
أمّا خلفيّة بورقيبة الفكرية في الاهتمام بالتعليم فيعود إلى تأثّره الشديد “بأيديولوجيا الجمهورية الثالثة الفرنسية (1870 – 1940) والتي كان “جيل فيري” أحد روّادها الكبار، وهي أيديولوجيا ترتكز أساسا على مجانية التعليم وإلزاميته وتحرّره من الهيمنة المسيحية والمؤسسات الكنسية”[14] لذلك اتخذ بورقيبة نفس القرارات، كان أولاها إلغاء التعليم الديني الزيتوني، وتعويضه بتعليم عصري، يعتمد على العقل. فانقطعت المؤسّسة التربوية عن الهيمنة الدينية، وسيطرة بعض الشيوخ. وبذلك مثّلت تونس “حالة خاصّة تميّزت على بقية البلدان العربية والإسلامية، إنّها “نسخة عربية” من الأتاتوركية، خصوصاً في التحديث الاجتماعي والسياسي”[15]
وقد أشاد معاصرو بورقيبة بدوره في الإصلاح التربوي، يقول المسعدي “فإنّ من فضل هذه الحكومة أنّها أخرجت التعليم التونسي والتربية القومية بتونس من حالة الجمود”[16]
والحاصل، لقد استجاب مشروع بورقيبة التربوي العصري، إلى أيديولوجيته، التي تهدف إلى تحديث الدولة، وتمكينها من الارتقاء في سلم الحضارة، ومواكبة الحداثة حسب مخططه الذي صرّح فيه بقوله: “سوف نصل بفضل برنامج العشرة أعوام إلى مصاف الدول المتقدّمة ونرفع عن أنفسنا عار التخلّف الذي هو وصف لا يليق بأمتنا الماجدة، وأنّي لأشعر بالضيق كلّما أسمع وصف تونس ذات التاريخ العظيم بأنّها في عداد الأقطار المتخلفة”[17] لذلك فإنّ مشروع بورقيبة في الإصلاح التربوي، هو مشروع حضاري تنموي تقدميّ. حيث سعى إلى وضع برنامج يشمل تعليم الجنسين، الإناث والذكور دون تفرقة، والمدني والريفي دون تمييز، وأقرّ تعميم التعليم ومجانيته، وجعله إجباريّاً على جميع فئات المجتمع، وكذلك توحيد البرامج التعليمية وجعلها خاضعة لوزارة التربية “وكان الهدف من توحيد التعليم وتوفير حدّ أدنى من ديمقراطية التعليم، بتوفير نفس فرص الدراسة بالنسبة لكل أبناء الشعب، فضلاً عن هذا التوحيد كان يهدف إلى انصهار مختلف فئات الأمّة في بعضها البعض”[18]، ومن هذا المنطلق ركّزت حكومة بورقيبة على بناء المدارس في المدن والأرياف حتى يصل التعليم إلى الفئات المحرومة، في كامل تراب الجمهورية. فتحرّر التعليم من الطبقية التي كانت تسيطر عليه، واستحواذ العائلات الغنية.
وقد انعكس هذا على واقع تونس فعليّا حيث “ارتفع عدد التلاميذ في هذا العام الدراسي بنسبة 50.000 ألفا بالقياس على العام الفارط وهو الرقم المقدر في برنامج العشرة أعوام التي نصل في نهايتها لتعميم التعليم على جميع الأطفال الذين هم في سن الدراسة، وإذا ما استمرّ السير على هذه السرعة فإنّا متأكدون من إنجاز برنامج العشرة أعوام بحول الله”[19] والسنة المقصودة في خطاب الحبيب بورقيبة هي سنة 1959 وفي نفس الإطار سعى إلى بناء المدارس في مناطق متعددة من البلاد التونسية.
تعدّ هذه الإنجازات حدثا يحسب لبورقيبة، خاصّة في دولة ناشئة لم يمرّ على استقلالها ثلاث سنوات تقريبا، وهذا ما يوضّح النتائج الإيجابية للتربية التي راهن عليها بورقيبة والنخبة التي رافقته في رحلة الإصلاح، وهو أيضا نتاج للتوجّه الأيديولوجي الليبرالي بين الرفقاء. كما رأى أنّ أهم أولويات الدولة الوطنية هي السعي إلى إصلاح التعليم للخروج من حالة التخلف والفقر والجهل.
وقد أكّد على وضع برنامج تربويّ “يهدف إلى تعميم تثقيف النشء من جهة. وخلق مناهج قومية تونسية من جهة أخرى تضمن للشباب القيام بواجباته والتصرّف في حقوقه والانسجام مع إخوانه في العائلة التونسية لأداء رسالته وإعالة الدولة على أداء رسالته”[20] وتدخل مبادئ الحقوق والواجبات في باب دولة المواطنة التي تضمن للأفراد والجماعات حقوقهم وتطالبهم بواجباتهم.
كما اعتبر التربية أداة من أدوات مقاومة المستعمر، الذي لم يحتل الأرض فقط، وإنّما سعى إلى احتلال العقول أيضا، وهو غزو ثقافي له مخلفات أخطر من مخلفات الاستعمار المادّي. وهذا الأمر أكّده عبد الجليل الزاوش حين قال: “إثر غزو الأرض لا بدّ من غزو العقول”[21] وقد سعت فرنسا إلى “فرنسة” الشعب التونسي من خلال نشر اللغة الفرنسية، ومحو الذاكرة الثقافية الجماعية. وبثّ ثقافة المستعمر التي تتعارض وتتقاطع مع ثقافتنا، وواقعنا، وموروثنا الديني والحضاري، واللغوي، والعادات والتقاليد، أي محددات الهوية العربية الإسلامية التونسية.
تهدف سياسة بورقيبة المتعلقة بالإصلاح التربوي، إلى هدفين اثنين: الأوّل هو بناء المجتمع، والثاني بناء الدولة القومية، وهذا يتماشى مع تمثّلات بورقيبة للسياسة ونظام الحكم، طبقا لأيديولوجيته، غير أنّ بورقيبة أراد تجاهل الواقع الذي يتميّز بخصائص مختلفة عن الغرب، وكان تطبيق سياسة التحديث دفعة واحدة، قد مثّل صدمة للعامّة، وهي الأغلبية المحافظة، لذلك بقيت سياسته تلاقي معارضة إلى آخر حكمه، رغم الامتيازات والإنجازات الملموسة والمحققة على أرض الواقع التي وفّرها التعليم.
ومن المفيد أن نشير في هذا السياق أنّه لم يتم القضاء نهائياً على التعليم الديني في تونس، في عهد بورقيبة وإنّما تمّ توظيفه بطرق محتشمة لا تخلو من الأيديولوجيا البورقيبية من جهة ومراعاة الهوية من جهة أخرى، فقد أصبح “التعليم الديني يشمله البرنامج العام للتعليم القومي التونسي. ذلك أنّ العلوم الدينية يقع تلقينها وهضمها منذ الصغر وتتطور مع تطور سن التلميذ ودرجته بطرق معقولة وأساليب نافعة ويبدأ التعليم الديني من العام الأول للتعليم الابتدائي بتحفيظ التلميذ سوراً من القرآن وتلقينه الأخلاق الإسلامية ويستمرّ على هذا التدرّج طوال الاثني عشر عاما المقررة للتعليم الابتدائي والتعليم الثانوي”[22] غير أنّ التربية الدينية بقيت محدودة، وبمعدل ساعة في الأسبوع، يجمع فيها بين التربية الإسلامية والتربية المدنية. كما بقي التعليم في عهده يدرّس باللغة الفرنسية ولم يسع إلى تغييره إلاّ عندما شعر بخطر اليسار، وظهوره كمعارضة سياسية طالبت ببعض الحقوق، الحزبية وحرية التعبير. فبقي التعليم تغريبيّاً لا يستجيب لمتطلبات الواقع.
لقد اهتم بورقيبة بتربية الأجيال الجديدة، وتعليمها تعليماً عصريّاً، حتى تكون صالحة لبناء دولة المستقبل لذلك رأى ضرورة “أن نهتم بالطلبة الذين ينتظرهم الوطن”[23] وقد عكست البرامج التعليمية، من خلال الكتب المدرسية، الحس بالوطنية، وتقويته لدى الناشئة والمتعلمين. فقد ركّزت كتب التاريخ المدرسية مثلاً على تاريخ تونس القديم والحديث، وخاصّة فترة الحماية وكفاح تونس من أجل الاستقلال، مع التعريف بأهم الزعماء الذين ناضلوا في سبيل تحرير الوطن من الاستعمار، مثل فرحات حشاد والهادي شاكر وغيرهم من الشخصيات الوطنية[24]
أما بالنسبة للتربية الإسلامية والتربية المدنية فقد وجدنا كتابا للسنة الخامسة من التعليم الابتدائي بعنوان “الدين والتربية”[25] يجمع بين المادتين، يتضمّن، تفسير بعض الآيات القرآنية مع استخلاص ما ورد فيها من عبادات ومعاملات، مع التركيز على المعنى الأخلاقي فيها. أمّا قسم التربية المدنية فيتضمن دراسة الأخلاق “حق الحياة” “حق الحرية” “حق التعلّم” …[26]، ويعتبر إدراج مثل هذه القيم في المستوى الابتدائي من التعليم، دربة للنشء على معاني الحقوق والواجبات في إطار دولة المواطنة. وتسهّل على الطفل في مرحلة التكوين والنمو الأولى، عملية الاندماج داخل المجتمع بالقيم المشتركة، فيكون متصالحاً متوازناً مع نفسه ومع محيطه العائلي والاجتماعي، فيكون عنصراً صالحاً للمساهمة في بناء الأمّة.
كما أكّدت مادّة التربية المدنية على قيم التعايش المشترك بين مختلف فئات المجتمع، فأكّدت على جانب الحقوق والواجبات تجاه الوطن وتجاه المجتمع، مثل الحق في التعليم والحق في الحياة والحرية وغيرها من الحقوق والواجبات. وقد ورد في إحدى الكتب المدرجة للسنة الخامسة ابتدائي في تعريف للحرية وأهميّتها “والحرية الحقة الصالحة للفرد والمجتمع، هي المقيّدة بالقيام بكل شيء لا ينتقص من حرية أحد: لا يضرّ بالنظام العام”[27]
أمّا كتب القراءة والنصوص، فقد ركّزت على قيمة المحبّة داخل الأسرة والمجتمع، مثل حب الوالدين، وحب المعلم، والمدرسة والوطن، وكذلك إبراز بعض العادات والتقاليد الموروثة، التي تؤرّخ للذاكرة الجماعية، والهوية العربية والإسلامية. كما ركّز على نقل كيفية الاحتفال بالأعياد الوطنية، مثل عيد الاستقلال وعيد الجلاء، وعيد الجمهورية، وبيان وأهميّتها ورمزيّتها في زرع روح المواطنة داخل الناشئة التي لم تعايش تلك المناسبات[28].
لم ينس بورقيبة تعليم كبار السن أو “الأميين” كما سمّاهم في خطابه الذي يقول فيه: “لم ننس في الوقت نفسه شأن الأميين من كبار السنّ. وقد بان بالكاشف أنّ طريقة تعليم الأميين بنفس الأسلوب وعلى المنهاج الذي يتعلم به الأطفال لم تنجح ووقعت عدة دراسات أدّت إلى وجوب تكوين إطار من الأساتذة المتخصصين في رفع الأمية ومعاملة الكبير بغير ما يعامل به الطفل”[29]
ج. توظيف السياسة في البرامج التعليمية:
لقد أدرجت عديد القيم الإنسانية والحضارية والأخلاقية في البرامج التعليمية، من ذلك تعريف التلميذ بتاريخ بلاده، وتحسيسه بالقيم الوطنية المهمة التي تجعل المواطن يشعر بالانتماء إلى وطنه ويدافع عنه، إلاّ أنّ هذه البرامج لم تخل من التوظيف السياسي والدعاية للرئيس الأسبق بورقيبة، وإدراج بعض الدروس التي بالغت في تمجيده. فقد وجدنا في كتاب التاريخ للسنة السادسة من التعليم الابتدائي درسا بعنوان: “إنجازات دولة الرئيس بورقيبة” مع صورة كبيرة الحجم له كتب تحتها “المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة” وهي صيغة تفضيل على أساس التمييز. وقد لاحظنا تكرار هذه الصيغة في كامل النص، وكذلك الصور، علامة سيميائية دالة تريد بها الأطراف الساهرة على البرامج التربوية تكريس صورة الرئيس وأدواره في العقل الجمعي والتأثير السياسي على العامّة.
يبدو التمجيد المفرط للرئيس بورقيبة من قبيل “شيد فخامة الرئيس” “يعرب فخامة الرئيس” “فخامة الرئيس يلاطف الأطفال” “فخامة الرئيس يستعرض تشكيلة من الجيش” …[30] هو في الحقيقة نوع من الدعاية السياسية، تحضيراً للانتخابات الرئاسية، التي كان يفوز فيها بنسبة 99 بالمائة، قبل أن يعلن نفسه رئيسا مدى الحياة. كما ساهمت السياسة التمجيدية للرئيس “الزعيم” في خلق شخصيات، خاضعة وتابعة، غير قادرة على خلق خطاب نقدي وحرّ، ولا على تقرير المصير ولا حرية التعبير. وهو شبيه بالحكم الديني حيث يقدّس فيه الخليفة بما أنّه يحكم باسم الإله، حتى أضحى بورقيبة فوق النقد.
كما ربط بورقيبة بين التربية والواقع في تعريفه فيعتبرها “وظيفة اجتماعية وهي على هذا الأساس تهدف إلى تكوين المواطن الصالح الذي يكون مرتبطا ببيئته”[31] أي التربية على المواطنة، غير أنّه على المستوى التطبيقي، لم يتكون لدى الناس حب حقيقي وواع للوطن بما أنّهم لا يتمتّعون بكامل حقوقهم في إطار دولة المواطنة التي تضمن الحقوق والواجبات، فأغلب الحريات بقيت مجرّد نظريات لأنّها ممنوعة من التطبيق، مثل حق الاحتجاج وسنرى كيف تصرف مع الطلبة، كما كان يمنع حرية التعبير، لأنّ هناك هوة واسعة بين خطابات بورقيبة والدساتير والقوانين، وبين الممارسات الفعلية على أرض الواقع.
إنّ نقدنا هذا ليس من باب التجريح، وإنّما نرى أنّ التربية يجب أن تكون متفاعلة مع الواقع الاجتماعي معبّرة عنه لأنّها “تعدّ بمثابة ” تقانة اجتماعية – ثقافية” قائمة على منظومة مبادئ وقيم، ومعايير، وتصورات ورؤى، للذات وللعالم، وأساليب متميّزة في تربية وتعليم وتنشئة وتكوين وإعداد الشباب والطاقات البشرية، بناء على مرجعية سوسيو ثقافية وحضارية معيّنة. ومن هنا ارتبطت التربية، في إطار هذا الفهم الاجتماعي الشمولي، بمفاهيم الخصوصية، والهويّة والمواطن، والمواطنة … وغيرها مما يمكن استحضاره في هذا المقام. كما أصبح أيضا لمسألة “التربية على المواطنة أو التربية المواطنية” مكانة محورية في الخطاب التربوي المعاصر والدولة الوطنية الحديثة”[32]
وتعتبر المدرسة مؤسّسة مهمة جدا في صقل الشخصية، وتحديد التوجّهات الفكرية والأيديولوجية بما أنّها تمثّل “إطارا للتنشئات الاجتماعية الشاملة تقدّم لروادها قيما ومعاييرا وتمثّلات وتصوّرات توجّه بمقتضاه أساليب التفكير والفعل والشعور بقطع النظر عن الآليات المستعملة”[33] غير أنّ المدرسة ليست وحدها المسؤولة عن التنشئة عن المواطنة، خاصّة في مجتمع حديث التحوّل، ولازالت عوامل المحافظة والعادات والتقاليد وغيرها من الرواسب الموروثة والعائقة للتقدم والتغيير، مترسّخة متحكّمة في العقول والأذهان، ومشدودة بقوة إلى ماضيها وبما أنّ “المدرسة نسقاً مفتوحاً على المجتمع الأكبر فهذا الأخير يخترقها بل ويربكها بما يفرض عليها من “أجندة” تحدد برامج التنشئة على المواطنة”[34]، أضف إلى ذلك التوظيف السياسي للمدرسة، وهذا ما يجعل دورها متعثّراً مرتبكاً.
د. أدلجة الجامعة التونسية، وإرباك السلطة السياسية
لقد عكست الاحتجاجات داخل الجامعة، واقعا سياسيا متأزّماً في تونس، نظرا إلى هيمنة حكم الحزب الواحد، ومنع التعدد وحرية التعبير، والحد من الحريات الخاصّة والعامة، وهذا الوضع خلق نوع من الكبت السياسي الذي أدّى إلى انفجار طلاّبي داخل الجامعة التي لم تكن بمنأى عن التجاذبات السياسية والحزبية، ووعي الطلبة الذين تغذّوا بالفكر الفلسفي الغربي الثوري، فدخلوا في سلسلة احتجاجات في إطار المطالبة بالحقوق، مثّلت بالنسبة إلى السلطة السياسية معارضة شرسة.
كما بدأت الجامعة تشهد ظهور الفكر الديني، الذي تغذّى من حركة الإخوان في مصر، وتبنّي مقولات سيد قطب، أبي الأعلى المودودي، حسن البنا، والذي أنتج حركة الاتجاه الإسلامي بعد ذلك. وهو ما أفضى إلى تنوّع أيديولوجي وفكري في الجامعة.
تزامن هذا الأمر مع دخول تونس، بداية من الستينات في برامج تنموية هدفها الحدّ من الفوارق الاجتماعية بين مختلف الطبقات. فخاضت تجربة التعاضد الاشتراكية، فسارعت إلى “جعل المنظومة التربوية تنخرط في هذا المنوال التنموي” وهذا الأمر سوف يكون له انعكاسات سلبية على واقع التربية، والتعليم العالي خاصّة، لأنّ طلبة الجامعة أصبح لهم حسّ نقدي بعديد المشاكل، ويعبرون عن رفضهم لبعض السياسات. لذلك “بدأ وضع الجامعة التونسية يشغل بال السلطة السياسية ويحتل موقعا مهمّا في السياسة التعليمية … من خلال تغيير البرامج التعليمية وإبدال محتوياتها” كما ذهبت في اتجاه تصفية المعارضة اليسارية، التي بدأت تنتقد حكم بورقيبة بطريقة ساخرة. وعبّر عن ذلك بدخوله في احتجاجات متواصلة، أمام رفض السلطة القيام بإصلاحات سياسية، يتمكن المواطن من خلالها من ممارسة بعض الحريات.
وتعرّض اليسار إلى “محاكمات قاسية سنة (1974 – 1975) وانشغل الفاعلون السياسيون بغربلة محتويات البرامج التعليمية وتغييرها وتوفير المناخ الملائم لنموّ ظاهرة “الإسلام السياسي” “[35] واعتبروا تلك الاحتجاجات تهدّد أمن واستقرار الدولة. وقد ظهر هذا الاتهام في خطاب بورقيبة الذي ألقاه في قرطاج يوم 29 يونية 1968 فقال وهو يقصد تلك الاحتجاجات “ولكنها سرعان ما تبيّن أنّها في الواقع خطة مبيّتة من طرف فئات سياسية وفرق منحرفة وحركات فوضوية استوحت مبادئها من بعض المذاهب المادية، وسعت عناصرها – طلبة كانوا أو أساتذة أو أجانب تماماً عن الجامعة – إلى الاندساس في صفوف الشباب الطالبي، واستغلال قلة خبرته، وعدم اكتمال نضجه … لا ليطالبوا معه بإصلاح الجامعة أو تحسين ظروف الطلبة، بل ليزجوا به في معركة ترمي إلى قلب نظام الحكم القائم وتغيير أوضاع البلاد عملاً بأفكار هدّامة ومعتقدات فوضوية”[36].
لقد بدا بورقيبة غير مستوعب لحقيقة ما يحدث في الجامعة، من وعي طلابي عام بأهم إشكالات الدولة، وتأزّمها وتعثّر سياستها الداخلية، وحق الشعب التونسي في الحرية والديمقراطية والتعدد الحزبي والسياسي، في إطار ما سنّته الدولة الحديثة من حقوق وواجبات، التي أقرّها الدستور، وقد أرجع بورقيبة ذلك الوعي بتوزيع التهم على المتظاهرين من قبيل التآمر على أمن الدولة. وكان هذا مآل كل من حاول انتقاد النظام البورقيبي.
يبدو أنّ هذه الاحتجاجات، قد أربكت السلطة السياسية، وانعكس ذلك فيما بعد في خطاب بورقيبة، كما انعكس أيضا “في مداولات مجلس الأمّة أثناء مناقشة ميزانية كتابة الدولة للتربية يوم 30 ديسمبر 1968 وقد كان ردّ أحمد بن صالح واضحا حين نعت تلك الاحتجاجات بأنّها تطاول على نظام الدولة”[37].
وخلال هذه الفترة المتأزّمة سياسيا، سوف تطرح عديد القضايا المتعلقة بالتربية لتعديل المناخ السياسي المضطرب، نتيجة تفاقم الاحتجاجات الطلابية والتلمذية، والحدّ من المعارضة، من خلال إثارة عديد المسائل الحارقة مثل قضية التعريب، وقضية التربية الدينية، وهما مسألتان متعلقتان بالهويّة، بالنسبة للمناصرين، ومن هذا الجانب تمسّك بعض الوزراء مثل محمد مزالي والنائب المولدي الخماسي والنائب محمد صفر”[38] بالتربية الدينية تطبيقا لأولى بنود الدستور، التي تقرّ بأنّ تونس دولة عربية لغتها العربية ودينها الإسلام[39] ومن هذا المنطلق وجب التمسّك باللغة العربية، من خلال تعريب البرامج المقررة للتلاميذ والطلبة، وكذلك إدراج العلوم الدينية بساعات كافية لتربية الناشئة على موروثهم الديني تربية صحيحة، وطالب البعض من النواب بإرجاع دور الزيتونة.
وازداد الوضع تأزّما فكان شعار المرحلة هو “إنّ الخروج عن طاعة السلطة الحاكمة هي أمّ المشاكل التي جعلت هذه السلطة تعيد النظر في سياستها التعليمية”[40] من جديد حتى تناسب مبادئ الطاعة. وفي تحذير حادّ اللهجة، ألقى محمد مزالي خطابا في المؤتمر المنعقد في ديسمبر سنة 1977 منتقدا التيار اليساري الاشتراكي قائلا: “وقلت لكم من هذا المكان سنة 1972 إيّاكم ثم إيّاكم من إدخال (البوليتيك) في التربية لأنّ ذلك يعود بالوبال على أبنائكم، فشخصيّا قمت بواجبي في التربية القومية وأقول لكم بصفتي مربياً قديماً لو تدخلوا (القعباجي البوليتيكي) في التربية فإنّ مستقبل أبنائكم يصبح في خطر”[41]
تقرّر بعد المداولات ضرورة إدراج الدرس الديني في البرامج التعليمية، ومن ثم سعت السلطة السياسية إلى “مضاعفة التوقيت المخصّص للتربية الإسلامية، فضلاً عمّا كان اتخذ بواسطة قرارات إدارية داخلية من إجراءات كلّف بمقتضاها أساتذة التربية الدينية بتدريس التربية المدنية على الرغم من كونها مادّة أبعد ما تكون عن مجالهم المعرفيّ وعن منزعهم الأيديولوجي، وأفضى ذلك كلّه إلى تثليث توقيتهم مع ما صحبت ذلك من ازدياد تأثيرهم الأيديولوجيّ في الشباب”[42]
ويعود رفض البعض لإدراج اللغة العربية في البرامج التعليمية إلى الزعم بأنّها لغة قاصرة وغير قادرة على استيعاب التقدم العلمي والتكنولوجي ومبادئ الحداثة، وأنها علامة من علامات التخلّف، وكذلك بالنسبة للتعليم الديني الذي زعموا أنه يعتمد على النقل ولا يرقى إلى مستوى المعارف الحديثة التي تشتغل على العقل وتطوّر الفكر. ولذلك اعتبر البعض أنّ “مداخلات هؤلاء النوّاب في مجلس الأمّة أثناء مناقشة ميزانية وزارة التربية القومية يوم 26 ديسمبر 1970 تعتبر بمثابة المنعرج الخطير الذي يرمي إلى نوع من أسلمة البرامج التعليمية والدعوة للتراجع عن الاختيارات التحديثية للدولة”[43].
وفي هذا الإطار نتساءل هل كان تغييب التربية الدينية من البرامج التعليمية خياراً صائباً؟ أم أنّ الكبت الديني والتراكمي في إطار المعرفة الدينية، قد أدّى بالمجتمع إلى الانفجار، وإلى عودة الفكر الديني الأصولي بقوّة بعد الثورة التونسية، فعبّر عن تمثّل مخصوص للدين في إطار معرفته المحدودة والضيّقة؟
خلال الفترة التأسيسية الأولى للنظام الجمهوري، وفي إطار مشروع التحديث لمؤسّسات الدولة القومية، ومن ضمنها تحديث التعليم، لعبت الأيديولوجية دوراً كبيراً في توجيه البرامج التعليمية، نحو وجهة إيجابية. غير أنّ التعثّر والإرباك السياسي الذي طرأ على السلطة السياسية في النصف الثاني من حكم بورقيبة، قد ساهم في بعث سياسة تربوية متعثّرة، ومؤسّسة تربوية هشّة. لم تكن قادرة على مواجهة التحديات، ولم يكن الأمر متعلّقا باللغة ولا بالتربية الدينية، ولكنّه تعلّق بسياسة تربوية خضعت لسلطة سياسية متعثّرة بدورها، فلم تكن مستقلة بقدر ما ارتبطت بواقع السياسة وأزماتها، حيث اتخذت جل برامجها بطريقة متسرّعة، بدت وكأنّها ردّة فعل عمّا حدث في الجامعة التونسية من أحداث شغب من قبل اليسار.
لقد “كان قرار التعريب قراراً مشروعاً يمكن تفادي ما أنتجه من آثار سلبية لو لم يتّخذ لأسباب سياسية على عجل ولو خطّط له بتدرّج وكلّفت الجامعة التونسية بإعداد الإطار التعليمي الضروري”[44]. لأنّ مضمون الدرس وأهدافه أهم من القرارات المتعجّلة التي قد تجهز على منظومة التعليم كلّها، كما تنحرف برسالة التربية وبنجاعتها المرجوة منها، وتكون المواد المقدمة قاصرة على أداء المهمّة لأنّها مفرغة من محتواها العلمي، كما أنّها تتناقض مع الواقع الذي يغلب عليه الممنوع. خاصّة أنّ التعليم في تونس مازال في بداياته، ولم يتكوّن لدينا إطار تربويّ قادر على الترجمة العلمية الصحيحة والوفية لأصولها، مثل ترجمة الفلسفة والتاريخ وبقية العلوم المنقولة عن الغرب. وربّما تكون ترجمة انتقائية عاطفية نظرا إلى اختلاف الثقافات والديانات والأيديولوجيات.
هذه التحرّكات قد أزعجت بورقيبة فقرّر القضاء عليها، حيث أعادت السلطة السياسية حساباتها، فيما يتعلق بالتربية من جهة، وفيما يتعلق بالمعارضة من جهة أخرى، وبدا دعمها للاتجاه الإسلامي، كأنّه في إطار إصلاح تربوي. فسارعت إلى أسلمة البرامج التعليمية ولكنّها “في الحقيقة لتجفيف منابع الفكر اليساري الذي سرى ينتقد السائد ويعارض الحكم الفردي وتبعاته فغذّى النظام بذلك منابع الفكر الأصولي والديني والذي بدأ يستهوي شرائح واسعة في المجتمع”[45] ومن ثم تكون قد أعادت إنتاج المعارضة، بوجه جديد مع اختلاف أيديولوجي فقط. فبدا ظاهريّاً مزيجاً سياسيّاً وأيديولوجياً صحيّاً يشي بالتعدد والاختلاف، ويساهم في التنوع الثقافي والحضاري، ويعبّر عن انتعاشة ديمقراطية وتعددية حزبية، إلاّ أنّه نوع من أنواع ضرب اليسار.
وأمّا إذا انتقلنا إلى فترة الثمانينات، سنجد أنّها عاشت عديد الأزمات السياسية والاقتصادية “فمن أحداث الخبز في جانفي 1984 إلى غاية 7 نوفمبر 1987 كانت كلّها فترات مليئة بالأحداث السياسية المتتالية في شكل تراجيدي (طلاق بورقيبة لزوجته وسيلة، محاكمة محمد مصالي، محاكمة قيادات حركة الاتجاه الإسلامي، سجن قيادات الاتحاد العام التونسي للشغل وبقيادات موالين للسلطة”[46] وهذه الأزمات سنجد صداها في واقع التربية، خاصّة مع تصاعد الاحتجاجات والتظاهرات الطلابية والمدرسية.
وقد مثّلت فترة الثمانينات فترة ساخنة مارست خلالها السلطة السياسية أشكالاً مختلفة من العنف على بعض الطلبة مثل السجن والاعتقالات. وقد انعكس ذلك على البرامج التعليمية، وأصبحنا نرى هذا العنف في الكتب المدرسية، ففي كتاب التربية الإسلامية للسنة الرّابعة ثانوي لسنة 1988 وجدنا “عودة العقوبات البدنية إلى الظهور من جديد، ويكتشف أنّ الأحكام الفقهية الأكثر تشدداً تدرس على حساب المستحدثات الكبرى الواردة بمجلة الأحوال الشخصية. فقد أصبح يُدرّس للناشئة أنّه بإمكان الزوج طلاق زوجته في أيّ وقت رغماً عن كلّ حركة تحرير المرأة وأنّه بإمكانه أن يضربها رغم وجود قانون يعاقب مقترف مثل هذه المخالفات”[47] كما وجد في نفس الكتاب “أنّ الجهاد واجب مقدّس وأنّ أسرى الحرب مآلهم العبودية” وأنّ “من ينكر وجوب الصلاة فهو مرتدّ وأنّ الواجب فيه أن يقتل شأن كل مرتدّ”، ولم يدرجوا مبادئ أخرى وردت في القرآن مثل أن الإسلام دين تسامح وإخاء ورحمة وحرية. وهي سياسة غذّت الفكر الديني، على حساب الحدّ من الفكر اليساري، الذي غذّاه في الحقيقة بورقيبة، وانتصر إليه منذ تولّيه الحكم، ولم يكن ليرفض هذا التوجّه اليساري لو “أنّ هؤلاء الطلبة مسّوا بما كان ينبغي أن لا يمسّ، إذ تجاسروا في مناشيرهم على اعتبار بورقيبة “الكوميدي الأكبر” وعلى أن يكتبوا في ملصقاتهم أن “لا مجاهد أكبر غير الشعب” … وبالتالي فإنّ النظام يمكن أن يتحالف مع الشيطان ما لم يتطاول على شخص الرئيس” ومن ثمّ مارست الحكومة العنف ضدّ اليسار من خلال إيجاد إطار شرعيّ له، واعتبار أنّها بصدد ردع والقضاء على أعداء الدولة، الذين يسعون إلى الإطاحة بها، وهي في الحقيقة تهم كانت توزّع مجاناً على كل من حاول نقد سياسة بورقيبة. في المقابل اعتبرت دعمها لحركة الاتجاه الإسلامي، يدخل في إطار ممارسة الديمقراطية والحرية، خاصّة أنّها سمحت لهم بإصدار بعض الجرائد والمجلاّت، مقابل إبداء الطاعة، وهذا هو المطلوب طاعة الحاكم بأمر نفسه. والنتيجة “أنّه سعى إلى سحق معارضة ديمقراطية، شهدت والحق يقال، انحرافا يساريّا ولكنّه انحراف لا يهدّد المجتمع ولا الدولة، فإذا به يخلق معارضة أصولية”[48] ستدخل بعد ذلك في نزاعات وتبادل العنف مع الدولة.
ويرى محمد الشرفي في كتابه “الإسلام والحداثة”[49] أنّ المدرسة هي المكان الوحيد الذي ترعرعت فيه نبتة الأصوليين بدعم من السلطة السياسية، ولا يوجد تفسير آخر، لأنّ جذور الحداثة قد ضربت في القدم بالنسبة لتونس، وقد تمّ تحديث أهم المؤسّسات الحيوية في الدولة، وتم القضاء على جذور الفكر السلفي في تونس، التي تعتبر نموذجاً خاصّاً غير بقية الدول العربية.
يبدو تحامل الشرفي على بورقيبة يعود إلى عوامل ذاتية، منها الاختلاف الإيديولوجي الذي يدافع عنه الشرفي في كتابه “الإسلام والحرية” وهو أيضاً ردّة فعل على سجنه من قبل بورقيبة سنة 1968 ولكن في الحقيقة إنّ الأصولية ظاهرة تاريخية عرفتها كل الدول العربية في أواخر الثلاثينات من القرن الفارط، والتي استفحلت في فترتي السبعينات والثمانينات، ولم تكن تونس بمنأى عن التأثيرات الخارجية القادمة من الدول العربية التي تتمتّع بنفس الهوية العربية الإسلامية، أضف إلى ذلك أنّها عرفت نفس الظروف التاريخية، مثل الاستعمار، الاستقلال، النهضة وحركة الإصلاح، وغيرها من الأحداث المشتركة.
لقد أطلنا في القسم الأول من هذا البحث، وهي إطالة ليست اعتباطاً ولا من باب الاستدراد والحشو الفضفاض وإنّما لأنّها مثّلت الفترة الأولى التي أسّست لكل المجالات بما في ذلك مجال التربية والتعليم، أضف إلى ذلك أنّها تميّزت بعديد الأحداث والقرارات التي ستؤثّر في تونس الحديثة إلى وقتنا الرّاهن إمّا سلباً أو إيجاباً.
2. أثر تحول السابع من نوفمبر 1987 على واقع التربية في تونس (في عهد بن علي)
دخلت السلطة السياسية في الفترة الأولى من حكم بن علي، في إصلاحات مهمّة على المستوى النظري للتربية والتعليم في تونس بقيادة محمد الشرفي، وزير التربية. وقد أشاد العديد من الكتاب بالإصلاحات المهمّة التي قام بها عند توليه وزارة التربية والتعليم العالي. وهو برنامج جمع بين العلوم الإنسانية لقدرتها على جعل التلميذ أو الطالب يتعرّف إلى تاريخ بلاده خاصة والتاريخ الإنساني عامة، وكذلك على تنمية القيم الإنسانية والروحية كتعريفه بدينه، مع الاهتمام بالعلوم الصحيحة التي تنمّي العقل كالرياضيات والفيزياء والعلوم الطبيعية. كما غيّر في نظام التعليم، وهو ما يعرف بالتعليم الأساسي الذي يدوم 9 سنوات عوض 6 سنوات دون إجراء امتحانات وطنية. كان هدفه الإطالة قدر المستطاع في المرحلة الأولى حتى لا ينقطع التلميذ مبكراً عن المدرسة ويكون مصيره الشارع في عمر الطفولة.
بعد تنحّي محمد الشرفي عن وزارة التربية، تمّ تخلّي “السلطة على مناظرة السنة التاسعة ليرتقي المتعلمون دون امتحانات وبالتالي تدنّى مستوى المتعلمين كذلك … تمكين تلامذة الباكالوريا بما نسبته 25 بالمائة كحافز على النجاح”[50] وهذا الأمر ساهم في تدنّي مستوى التعليم في تونس من خلال إفراغ البرامج التعليمية من محتواها التربوي لتصبح مجرد وسيلة للارتقاء في الدراسة.
طرحت أيضا في عهد محمد الشرفي مسألة غاية في الأهميّة وبقيت حبرا على ورق، وهي مسألة “تحييد الجامعة عن التجاذبات السياسية حتى يتفرّغ الطلبة لطلب العلم”[51] كما رفض الشرفي “تحويل المؤسّسة التربوية إلى مدرسة أيديولوجية لغسل الأدمغة” ولكنه يرى وجوب “تشجيع انتشار مثل الحرية والمساواة ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان”[52] وهي مبادئ تساهم في بناء شخصية مستقلة قادرة على ممارسة النقد الحر البنّاء والإيجابي.
وفي إطار الإصلاح التربوي أيضاً سعى محمد الشرفي إلى حذف كتاب التربية الإسلامية، الذي يتعلق بالحديث عن الخلافة الإسلامية. وكان رفضه مبنيّاً على أنّ نظام الخلافة هو نظام قديم، قد أثبت نجاعته في فترة الإسلام المبكّرة، غير أنّ “الدعوة إلى تطبيق مثل هذا النظام اليوم هي دعوة نعتبرها رجعيّة وخطيرة على مجتمعنا ودولتنا … فقد كان منذ سنوات عديدة يغتنمه البعض لتمرير بعض الخيارات الأيديولوجية”[53] لم يكن محمد الشرفي ضد مسألة الخلافة في وقتها التاريخي – حسب رأيه – بما أنّها تمثّل جزءاً مهماً من تاريخنا، ولكنّه يخشى أن تصبح مطلباً شعبياً لتطبيقها في وقتنا الرّاهن، على حساب الدولة الحديثة التي قطعت أشواطاً كبيرة في تونس، وأسّست أركانها ومؤسساتها على مبادئ الحداثة، لذلك لا يمكننا العودة إلى الوراء.
وبصرف النظر عن صحّة ما ادّعاه محمد الشرفي تجاه إلغائه لهذا الكتاب صحيحة أم لا، إلاّ أنّ قراراته تعكس انتصاره لخيارات الحداثة، وسياسة التحديث التي انتهجتها الحكومة منذ الاستقلال بقيادة بورقيبة.
كان حذف هذا الكتاب مناسبة لظهور حركة النهضة كمعارض لقرارات الشرفي، وبدأوا ” في شنّ حملة قاسية على الوزير ومطالبة رئيس الدولة بعزله”[54] لأنّ موقفه بدا مناهضا للدين الإسلامي، وضد أهدافهم السياسية والدينية. ونلاحظ تدخل العامل الأيديولوجي مرة أخرى لتغيير قرارات سياسية بطريقة متسرّعة، تبدو عاطفية لا علمية.
أمّا على مستوى الحكم وإدارة دواليب الدولة فلم نشهد تغيّراً إيجابيّاً مع بن علي، بل على العكس تماماً، فقد قيّدت حرية التعبير أكثر فأكثر، كما منعت تعدد الأحزاب، ووقع الحدّ تماماً من نشاط المعارضة، كما تمّ إسكات الاحتجاجات الطلابية. وتمكين الرئيس من الحكم مدى الحياة بالفوز الدائم في الانتخابات بنسبة 99 بالمائة. واتّبعت السلطة، سياسة تهدف إلى تدجين المؤسّسات التربوية. “تعكس المناهج التربوية بامتياز الأنظمة السياسية السائدة. إنّ الأنظمة الديكتاتورية في العادة تبني، أو تتبنّى، مناهج موحّدة صارمة لا مجال فيها للاجتهاد يتمّ تطبيقها في مختلف جهات البلاد ولا يمكن نقدها أو تعديلها إلاّ إذا رأت السلطة السياسية موجباً لذلك”[55]
تُلخّص هذه القولة في الحقيقة النظام التربوي وعلاقته بالسياسة في تونس، منذ بورقيبة إلى بن علي، وربّما بعد الثورة أيضاً. حيث كانت التربية مجالا لتجاذبات أيديولوجية، تحكّمت في البرامج التعليمية، وفي تغيير المناهج التربوية، حسب ما يناسب رجل السياسة لا حسب ما يناسب مهمة التربية وأهدافها. فأصبح مجال التربية مجالا للدعاية السياسية بامتياز، وبرنامجا سياسيّا لبثّ إنجازات الرئيس بن علي، ففرض صندوق 26 – 26 الذي كان عبارة عن جباية تدفع عنوة، من قبل التلاميذ والطلبة، بغية مساعدة الفقراء والمحتاجين، وقد ورد الحديث عن هذا الصندوق في كتاب السنة التاسعة أساسي “نشأ الصندوق الوطني للتضامن يوم 8 ديسمبر 1992 للقضاء على مناطق الظلّ في تونس”[56]. كما نجد صور بن علي مبثوثة في كل كتب السنوات الإعدادي والثانوي من التعليم الأساسي، هذا مع تواتر إنجازات السابع من نوفمبر في الكتب المدرسية. وفي كتاب التاريخ السنة التاسعة من التعليم الأساسي، صفحة 99 درس بعنوان: “تونس 1956 إلى 1987 ” “شهدت البلاد التونسية في العهد البورقيبي تحوّلات كبرى في مختلف المجالات لإرساء الدولة العصرية لكن منذ الثمانينات عرفت البلاد أزمة حادّة أدّت إلى تحوّل السابع من نوفمبر” هذا التحوّل الذي أصبح بعد ذلك “عيداً مجيداً” تحتفل به البلاد سبعة أيّام بلياليها. وهذا ينمّي تمثّلات خاطئة لدى الناشئة، فيما يتعلق بالواقع السياسي الذي فرض عليهم الطاعة العمياء والولاء التام لشخص الرئيس. فيصبح الطفل غير قادر على الإنتاج الذاتي، ولا التفاعل مع محيطه الاجتماعي والسياسي والثقافي لأنّ التربية هي أوّلاً وقبل كل شيء تفاعل مع الواقع. لكن للأسف لا نجد هذا التفاعل في تونس، لأنّ المبادئ والقيم والقوانين المدرجة في الكتب المدرسية، بقيت مجرّد نظريات تدرّس لا لتطبّق لأنّها ممنوعة في الواقع، مثلا نجد في كتاب المواد الاجتماعية للسنة السابعة من التعليم الأساسي درس بعنوان “حق المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية”[57] في المقابل نجده يمنع منعا باتّا التعددية الحزبية والممارسة السياسية. ودرس آخر بعنوان: “حرية التعبير”[58] في حين نجد غياب تام لحرية التعبير. هذا مع منع حريات أخرى عديدة مثل منع الحجاب، والقميص واللحية وغيرها من المظاهر التي قد تعبّر عن انتماء ديني أو طائفيّ معيّن.
وهذا جعل البرامج التعليمية في تونس فوقية، متعالية لا يستطيع الناشئة تطبيقها، فهي موادّ يمتحن فيها فقط، وهذا التناقض بين النظرية والتطبيق، قد خلق انفصاما حادّا في شخصية التلميذ الذي يدرس برامج لا يستطيع الاستفادة منها. لأنّه وجد هوّة فارقة بين ما يدرسه وبين واقعه. لذلك فقد المجتمع الثقة في التربية والتعليم، هذه المؤسسة “(المدرسة والجامعة) “التي لم يعد ينظر إليهما على أنّهما وسيلة للتكوين النافع وللترقّي المهني والاجتماعي والصعود المراتبي، وإنّما باعتبارهما آلة لتفريخ المعطلين من الشباب ولإعادة إنتاج الإحباط والبؤس”[59] كما ساهم في عودة الفكر الديني المتشدّد، نتيجة الكبت الديني طيلة سنوات، وما أنتجه من حركات إسلامية نادت بالعودة إلى نموذج دولة الخلافة، على اعتبار أنّه نموذج متصالح مع طبيعة المسلمين، وأثبت نجاعته في جمع القبائل العربية على كلمة واحدة. وقد مثّلت هذه الحركات ظاهرة راهنية خطيرة، أثّثت المشهد الوطني والعالمي، فهي أوّلا وقبل كل شيء نتيجة سياسة تعليمية متعثّرة، متعارضة مع الواقع، لعبت السياسة فيها أدوارا رئيسية في تشكيل وهندسة الواقع التربوي. فكانت أداة طيّعة في يد رجال السياسة. النتيجة أنّها ساهمت في خلق جيل عاجز على تمثّل الواقع تمثّلا صحيحا، وغير قادر على استيعاب قضاياه، ومتغيّراته، وكذلك الموروث الديني الإسلامي، حتى يكون في علاقة تصالح لا تنافر مع محيطه وموروثه.
أدّى إلغاء التعليم الديني، في تونس، إلى خلق عائق إبستمولوجي معرفيّ لدى الناشئة، مع ما يشاهدونه في القنوات التلفزية الدعوية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والخطابات الفقهية الموغلة في التشدّد، مشبعة بالحجج التراثية، مقابل سياسة داخلية تحالفت مع الممنوع في كل أمور الدين، وهذا الأمر أدّى بدوره إلى تصادم بين الحركات الدينية الإسلامية الهاربة إلى ماضيها المجيد، الداعية إلى الخلافة، وبين الحكومات المرتعشة على كراسيها ومصالحها. والنتيجة ثورات شعبية اشتعلت في كل الدول العربية، رافضة كل أنواع الكبت والقهر والعبودية، وكذلك سياسة تعليمية أثبتت فشلها وعدم جدواها، وانحراف المؤسّسة التربوية عن الوظيفة الموكلة إليها، قد أرجع شعوبنا إلى سجالات عقيمة ورجعية، تهتم بدراسة الشكل، في غياب تام للمعنى والمضمون.
بقي التعليم في تونس متعثّراً، رغم القفزة التي شهدها خلال دولة الاستقلال النوعية والمتقدّمة مقارنة بالدول العربية الأخرى، نتيجة التجاذبات السياسية والأيديولوجية، وفي إطار ممارسة الحكم الواحد والحزب الواحد الذي عاشته تونس منذ الاستقلال إلى غاية نهاية حكم بن علي سنة 1987 والذي فرض رقابة على العقول والأجساد معاً، للحدّ من الحريات. في مقابل التشجيع على الولاء والطاعة للرئيس والخضوع، عبر توظيف الدعايات السياسية في البرامج التعليمية.
3. أثر ثورة 14 يناير على واقع التربية في تونس
تعتبر ثورة 14 يناير، تحولاً فاصلاً في تاريخ تونس المعاصرة، كان له أثر عميق على المجتمع وعلى رؤيته للحكم والدين والسياسة والحقوق والواجبات ولا سيما التربية، لا بدّ أن تكون قد عكست مطالب الثورة ونتائجها. وسنحاول البحث عن الأدوار التي لعبتها السياسة في تشكيل الواقع التربوي خلال هذه الفترة.
وإذا كانت مطالب دولة الاستقلال تمثّلت في تجاوز مظاهر الاستعمار عبر وسيلة التحديث التي شملت التعليم، فإنّ مطالب دولة ما بعد الثورة تمثّلت في المطالبة بتحرير الحريات بعد كبت سياسي دام قرون عديدة، ولا سيما تحرير التربية التي كانت محكومة بعوامل السياسة والأيديولوجيا. وفي هذا الإطار لنا أن نتساءل هل استجابت دولة ما بعد الثورة إلى تحرير التربية من عوامل السياسة والأيديولوجيا؟ هل تم تحييد المؤسّسات التربوية عن الدعاية السياسة؟
ينصّ الدستور التونسي بعد الثورة في فصله السادس عشر كما يلي: “تضمن الدولة حياد المؤسّسات التربويّة عن التوظيف الحزبي”[60] ويعتبر هذا البند كإجراء قانوني، غاية في الأهمية، على المستوى النظري على الأقل. غير أنّ الواقع السياسي يمدّنا بمعطيات مخالفة، تنبؤنا بأنّ الحال لم يتغيّر بالدرجة المثلى المرجوّة والمأمولة من الأطياف السياسية المنتخبة من قبل الشعب. فقد وجدنا مقالا على الإنترنت لنائلة الحامي بعنوان: “التوظيف السياسي للمدارس مجدّدا في تونس”، بتاريخ 2 أكتوبر 2015 عبّرت فيه عن عودة الدعاية السياسية إلى المؤسسات التربوية قائلة: “لقد أثارت الزيارة التي أدّاها الأسبوع الماضي أمين عام حركة نداء تونس محسن مرزوق (الحزب الحاكم) إلى إحدى المدارس، جدلا واسعا في وسائل التواصل الاجتماعي. حيث اعتبر جزء من المتابعين للمشهد التربوي استغلال الأطفال في حملة انتخابية مبكرة” وهذا الأمر يتناقض مع الدستور، كما يعبّر عن تواصل سياسة العهد البائد، في استغلال المؤسّسات التربوية وسيلة لتحقيق غايات سياسية، هدفها التحضير للانتخابات.
أضف إلى ذلك أنّ دولة ما بعد الثورة التي سمحت بالتعدّد الحزبي والممارسة السياسية الحرّة، وهذا انعكس على واقع التربية نظراً إلى تعدد التجاذبات السياسية، بين تيارات وأحزاب دينية أصولية وأخرى ليبرالية حداثوية، كما تزامن صعود الإسلام السياسي إلى الحكم، مع عودة الحديث عن التعليم الديني بقوّة، من خلال انتشار الكتاتيب، وتدريس القرآن في المساجد، وتكوين جمعيات قرآنية، مع تكوين حلقات دعوية في كامل أنحاء البلاد، كما بدأ الحديث عن إعادة دور الزيتونة، الذي لم يعد ينظر إليه في هذه اللحظة بالذات “على أنّه خيار أقدم عليه شعب يتطلّع إلى استرجاع أصالته والمصالحة مع تاريخه، بل تكريساً لما أفرزته صناديق الانتخاب من انتصار لتيار الهوية على حساب تيّار الحداثة”[61] بل ينظر إليه من قبل المعارضة على أنّه مسار سياسي موجّه، لتكريس مبادئ أيديولوجية أصولية دينية، لاستعادة نموذج الحكم الإسلامي، لا على أنّه خيار ثقافي يساهم في تعديل المناخ السياسي وإثراء الفكر الديني، لا سيما إذا أشرف عليه شيوخ من أمثال الطاهر بن عاشور هم وغيرهم من المفكرين المعتدلين الذين أسسوا للمدرسة الفقهية في تونس.
يبدو أنّ الخلافات الأيديولوجية وتحكّمها في واقع التربية، لم يتغيّر في تونس، بل إنّه يتم إعادة إنتاج سياسات الماضي، لذلك “لا تعدّ النظرة السياسوية الضيّقة للشأن التربوي أمرا مستغربا بعد الثورة حين تستعاد التمثّلات الأيديولوجية للتاريخ في شكل الصّراع القديم الجديد بين تيار الهوية وتيّار العولمة”[62] لإثبات الذات وبثّ التوجّهات الفكرية الأيديولوجية في البرامج التعليمية.
يبدو أنّ الخلافات الأيديولوجية غلبت على الفكر الإصلاحي، فأحالت دون إنشاء تربية قادرة على تحقيق طموحات وأهداف الثورة، التي لا تريد العودة لإنتاج الماضي الموغل في الأصولية إلى درجة التوحّش، ولا للتفسّخ النهائي والقطيعة مع أسباب الحداثة، لذلك فإنّ عودة دور الزيتون يمكنه تعديل المناخ الأيديولوجي، إذا نظر إليه على أساس هويتنا، لا على أساس إنتاج فكر تكفيري متشدّد. هذا مع ضرورة بعث تربية جديدة تهتم بالتأكيد على زرع القيم في الناشئة، من قبيل الحرية والكرامة والديمقراطية والمسؤولية، وهي قيم العيش المشترك معا، كما كانت من أسباب اندلاع الثورة.
وفي نقطة أخرى تتعلق بالتربية أيضاً، أنتجت الثورة ظاهرة جديدة وهي كثرة الاحتجاجات في إطار المطالبة بالحقوق، والتي طالت قطاع التربية، من خلال دخول الإطار التربوي بدوره (أساتذة ومعلمين وإداريين) في احتجاجات للمطالبة بحقوقهم المادية والمعنوية، ممّا عطّل الدروس شهوراً عديدة.
كما شهد هذا القطاع مشكلاً جوهريّاً، تمثّل في توتّر العلاقة بين المربّي والمربَّى، أمام تنامي ظاهرة الدروس الخصوصية، التي أصبحت قائمة على المصلحة المادية الخاصّة، لا على الأهداف التربويّة، كما تنامت ظاهرة العنف، بمستوييه الرمزي والجسدي ضدّ المربّين. وهذا الأمر ينذر بخطر رهيب من شأنه تقويض المؤسّسة التربوية، وانحرافها عن دورها المتمثّل في الصقل والتوجيه على قيم العيش المشترك وما شهدته الجامعة التونسية من أحداث عنف بعد الثورة يعبر عن تأثّر كبير لواقع التربية في تونس وتردّيه مثل حادثة منوبة (كلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة 7 مارس 2012) عندما تمّ إنزال العلم من قبل أحد الطلبة السلفيين، نتيجة خلافات أيديولوجية وتعبير عن فكر متطرّف يقف على النقيض من الدولة الوطنية، أدّت إلى إحداث عنف داخل الحرم الجامعي. أمّا أحداث المدرسة القرآنية بالرقاب هذه السنة (2019) وما حدث داخلها من تعنيف للأطفال والاعتداءات الجنسية عليهم ينبئ بتهالك المجال التربوي من أساسه وإخراج جيل من القنابل الموقوتة القابلة للانفجار في كل لحظة. وتقويض المؤسسة التربوية التي بات ينظر إلى وظائفها الحقيقية في تنمية الناشئة على قيم العيش المشترك بعين الشكّ. أضف إلى ذلك عجز الدولة على تشغيل خرّيجي الجامعات التونسية وتراكم البطالة في صفوفهم وهو أدّى إلى اعتبارها مؤسّسات خرّيجي اليأس والإحباط لا العلم والمعرفة.
أمّا على الصعيد الثقافي، يمكن الإقرار أنّه لم تحدث ثورة فكرية وثقافية حقيقية في تونس كالتي حدثت في أوروبا، والتي من شأنها إحداث تغيير فكري شامل، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد أصبحنا نعيش ردّة فكرية حقيقية أثّرت بدورها على واقع التربية سلباً أمام فتح باب المحاكمة عبر آليّة التكفير تجاه بعض المعارف كالفلسفة وعلم الأديان وغيرها من العلوم التي تنمي العقل والفكر، وكذلك تجاه بعض المفكرين.
أمّا على مستوى البرامج التعليمية المتمثّلة في الكتب المدرسية، فلم يتم تغييرها منذ اندلاع الثورة سنة 2011 إلاّ هذه السنة أي 2018، أمّا قبل ذلك فقد وقع تنقيحها فقط، بحذف صور الرئيس السابق، وما يتعلّق “بتهليلات” السابع من نوفمبر.
وفي الأخير يمكن أن تستخلص أن الثورة التونسية، كانت امتحاناً حقيقياً لمدى وطنية الشعب التونسي، الذي يبدو أنّه تلقى من التعليم ما يمكّنه من التحصين أمام التحولات العاتية ليبرز وطنيته، وغلبت صفة الاعتدال التي نادى بها بعض المصلحين مثل الحداد والثعالبي والطاهر بن عاشور وغيرهم، كما شاهدنا اعتدالا في مقولات بعض الحركات الإسلامية التي ارتأت المصلحة العامة للدولة، وقد رأينا تحالفا بين حركة النهضة مع الحزب الحاكم. وعلى الرغم من ظهور حركات إسلامية متشدّدة، إلاّ أنّ المشهد السياسي العام قد حافظ على توازنه وبعض من اعتداله، فلم تغرق البلاد في حروب أهلية كما حصل في سوريا، وليبيا ومصر وغيرها من البلدان العربية التي عاشت نفس التحوّل السياسي. وهذا دليل على أنّ التأسيس المتين لدولة الاستقلال التي تحصّنت ببناء مؤسّسات حديثة، واهتمّت بمجال التربية على المواطنة قد جاب أكله. رغم أن التعليم لم يستقلّ عن السياسة، ولم يتمّ تحييد المؤسّسات التربوية عن الخطابات السياسية المشبعة بالأيديولوجيا.
خاتمة:
يعتبر كل قطاع من القطاعات الحيوية، في جدل وتفاعل مع القطاعات الأخرى للتحصيل المعرفي الإيجابي، والتقدم العلمي الفعّال، وكذلك هو الأمر بين مجال التربية وبقية القطاعات الأخرى، فالمتعارف عليه هو تأثير التربية على هذه المجالات تأثيراً إبستومولوجياً، غير أنّ ما حدث في تونس هو العكس فقد خضع قطاع التربية إلى هيمنة وسيطرة العامل الأيديولوجي، وتسييس المؤسّسات التربوية وتدجينها، حتى تكون المدرسة قادرة على أداء وظيفتها، والتربية على أداء مهمّتها المتمثّلة في الصقل والتهذيب على قوانين الاجتماع. غير أنّ المدرسة لم تكن قادرة وحدها على أداء المهمّة، لأنّها محكومة بعوامل المجتمع المتحوّل سياسياً واقتصادياً وثقافياً. كما أنّها ظلّت مسوسة بعامل الأيديولوجيا.
الهامش
[1] أبو البقاء الكفوي: الكليات، فصل التاء، تحقيق: عدنان درويش، محمد المصري، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط2، 1998، ص.107
[2] عبد المنعم الحفني: المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، القاهرة، مكتبة مدبولي، ط1، 2000، ص. 191
[3] مصطفى حسيبه: المعجم الفلسفي، عمان، دار أسامة للنشر والتوزيع، ط1 ، 2009، ص. 35
[4] حسين المرصفي: رسالة الكلم الثمان، القاهرة، (د.دار نشر)، ط1 ، 1881 ، ص. 36
[5] محمد الفاضل الجمالي: آفاق التربية في البلاد العربية، تونس، الدار التونسية للنشر، ط2 ، 1986 ، ص. 97
[6] مروة الشاكري: قراءة داروين في الفكر العربي 1860 – 1950، ترجمة: محمد سعد كامل، بيروت، مركز نماء للبحوث والدراسات، ط ، ص. 62 – 63
[7] المدرسة السجن: ترجمة لكتاب maman je n’aime pas cette école ترجمة: سندس الخديبي خليفة و محمد علي خليفة، تونس، مطبعة سعيدان، ط1 ، 2013 ،
[8] المنجي السليماني: الفاعلون السياسيون وتحديث التعليم في تونس (1956 – 1994) ص. 34
[9] المنجي السليماني: الفاعلون السياسيون وتحديث التعليم في تونس (1956 – 1994)، تونس، دار آفاق للنشر، ط1، 2015، ص. 36
[10] المنجي السليماني: الفاعلون السياسيون وتحديث التعليم، ص. 36 – 37
[11] عميرة علية الصغير: التعليم الفرنسي في تونس 1881 – 1987، تحديث أم تعقيد، ص. 75
[12] الحبيب بورقيبة: الخطب، إصلاح التعليم بتاريخ 15 أكتوبر 1959، تونس، ص. 139
[13] عميرة علية الصغير: التعليم الفرنسي والنخبة في تونس 1881 – 1987 تحديث أم تعقيد؟ ، ص. 77
[14] المنجي السليماني: الفاعلون السياسيون وتحديث التعليم، ص. 38
[15] المهدي المبروك: المدرسة والتنشئة على المواطنة: التأنيث والفضاء العمومي، تحليل مضمون برنامج دراسي، ضمن ندوة: التربية والمواطنة في العالم العربي، تونس، مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، ط1، 2005
[16] المنجي السليماني: الفاعلون السياسيون وتحديث التعليم في تونس، ص. 50
[17] الحبيب بورقيبة: الخطب، ج9، ص. 156
[18] سالم الأبيض وآخرون، التعليم والإصلاح، سمير البكوش: سياسات إصلاح التعليم في البلدان المغاربية، ص. 110
[19] الحبيب بورقيبة: الخطب، ج9، ص. 152
[20] بالحبيب بورقيبة: الخطب، خطبة بعنوان: إصلاح التعليم 15 أكتوبر 1959، ج 9 ، ص. 141
[21] سالم الأبيض وآخرون: التعليم والإصلاح، حافظ عبد الرحيم: هل المثقف الصادقي انتلجنسي، تونس، اللجنة الثقافية المحلية بجرجيس، ط1 ، 2008 ، ص. 39
[22] الحبيب بورقيبة: الخطب، ج9 ، ص. 143
[23] الحبيب بورقيبة: الخطب، ج9، ص. 148
[24] أنظر كتاب التاريخ للسنة السادسة من التعليم الابتدائي، لسنة 1964، ص. 96 – 97
[25] أحمد بن عامر: الدين والتربية، تونس، مكتبة المنار، سنة خامسة ابتدائي، ط2، 1964.
[26] أحمد بن عامر، الدين والتربية، للسنة الخامسة من التعليم الابتدائي، تونس، مكتبة المنار، 1964
[27] الدين والتربية، للسنة الخامسة ابتدائي، ص. 92
[28] كتاب النصوص للسنة الثالثة من التعليم الابتدائي، تونس، الشركة التونسية للتوزيع، ط، 1964
[29] الحبيب بورقيبة: الخطب، ج9، سنة 1959 ، ص. 156
[30] أنظر كتاب التاريخ للسنة السادسة من التعليم الابتدائي لسنة 1964، محمود الشبعان
[31] الحبيب بورقيبة: الخطب، ج 28، سنة 1972، ص. 165
[32] عبد الوهاب حفيظ ومشيرة الجزيري: التربية والمواطنة في العالم العربي، تونس، مركز الدراسات والبحوث القتصادية والاجتماعية، ط1، 2005، ص.22 – 23
[33] المهدي مبروك: (مجموعة مؤلفين) التربية والمواطنة في العالم العربي، ص. 338
[34] المهدي مبروك ص. 339
[35] المنجي السليماني: الفاعلون السياسيون وتحديث التعليم في تونس 1956 – 1994، ص. 69
[36] الحبيب بورقيبة الخطب، ج 25، مسايرة التربية للواقع القومي ومتطلبات الرقي، 29 جوان 1968، ص. 155
[37] المنجي السليماني: الفاعلون السياسيون وتحديث التعليم في تونس 1956 – 1994، ص. 71
[38] المصدر السابق، ص. 77 – 78
[39] الدستور التونسي لسنة 1959
[40] المنجي السليماني: مصدر سابق، ص. 87
[41] مداولات مجلس الأمّة، بتاريخ 26 ديسمبر 1977، محمد مزالي: بيان وزير التربية القومية.
[42] محمد الشرفي: الإسلام والحرية، تونس، دار الجنوب للنشر، ط1، 2002، ص. 236 – 237
[43] المنجي السليماني: مصدر سابق، ص. 82
[44] محمد الشرفي: الإسلام والحرية، تونس، دار الجنوب، ط1، 2009، ص.237
[45] عميرة علية الصغير: التعليم والنخبة في تونس 1881 – 1987 تحديث أم تعقيد؟، ص. 77
[46] المنجي السليماني: مصدر سابق، ص. 102 – 103
[47] محمد الشرفي: الإسلام والحرية، ص. 238
[48] محمد الشرفي: الإسلام والحرية، ص. 239- 242
[49] ولد محمد الشرفي بصفاقس سنة 1936 درس بالمعهد الصادقي ثم في فرنسا، تحصّل على الإجازة والتبريز في القانون، مناضل يساريّ، كان من أوائل الأساتذة الذين انضموا للتدريس بالجامعة في منتصف الستينات، وهو من مؤسسي حركة “آفاق اليسارية” وآفاق هي الجريدة السرية التي كان يصدرها من سنة 1962 –1968. دخل محمد الشرفي السجن في عهد الحبيب بورقيبة سنة 1968. تولى وزارة التربية والتعليم العالي في عهد بن علي سنة 1989 … لمزيد الاطلاع أنظر كتاب: المنجي السليماني: مصدر سابق، 126 – 127
[50] المنجي السليماني: مصدر سابق، ص. 152
[51] المنجي السليماني: مصدر سابق، ص. 139
[52] محمد الشرفي: الإسلام والحرية، ص. 236
[53] المنجي السليماني: مصدر سابق، ص. 140
[54] المنجي السليماني: الفاعلون السياسيون وتحديث التعليم 1956 – 1994، ص. 141
[55] سامي الجازي: بناء المناهج وتأليف الكتب المدرسية في المرحلة الابتدائية في مجال اللغة العربية، تونس، كلمة للنشر والتوزيع، ط1 ، 2015 ، ص. 37
[56] كتاب المواد الاجتماعية للسنة التاسعة أساسي: ص. 259
[57] كتاب المواد الاجتماعية للسنة السابعة من التعليم الأساسي، ص. 287
[58] كتاب السنة السابعة أساسي، ص. 265
[59] مصطفى محسن: مجموعة مؤلفين: التربية والمواطنة في العالم العربي، تونس، مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، ط1 ، 2005 ، ص. 32
[60] دستور الجمهورية التونسية: الفصل، 16، تونس، مجمع الأطرش للكتاب المختصّ، ط1 ، 2017 ، ص. 7
[61] صابر الخرّاط: استئناف التعليم الزيتوني وأوجاع الإفاقة على واقع متغيّر، ضمن ندوة: الثورة والمسألة التربوية إشكاليات وبدائل، صفاقس، منتدى الفارابي للدراسات والبدائل، ط1 ، 2013 ، ص. 237 – 238
[62] المرجع نفسه: ص. 238
رابط المصدر: