كشف مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية، جيمس كلابر، في خطابه أمام لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ بشأن “تقييم التهديد العالمي” أن الولايات المتحدة تعتبر تغير المناخ والتنافس على الموارد الطبيعية وتدهور الأمن الغذائي تهديداً للأمن القومي. كما أن الضغوط البيئية ليست مجرد قضايا إنسانية، بل تهديد الاستقرار الإقليمي، وأن الأمن الغذائي تفاقم جزئياً بسبب الفيضانات المتكررة والمتطرفة، والجفاف، وحرائق الغابات، والأعاصير، والمياه الساحلية العالية، وموجات الحر. وقال أن الجفاف المستمر أدى خلال العقد الماضي إلى تقليص التدفقات في أحواض نهر النيل ودجلة والفرات والنيجر والأمازون، وأن حالات الجفاف المتكررة تقوض الخطط طويلة الأجل لزيادة قدرة الطاقة الكهرومائية، ومع تغير المناخ، ستستمر هذه الظروف في التدهور.
أصبح الوصول إلى موارد المياه، وجودتها وكميتها، تحدياً رئيسياً للاستقرار الاقتصادي والسياسي والبيئي والمجتمعي. ذلك أن الأمن المائي أحد مكونات الأمن البشري، ويمكن القول إن أمن الموارد المائية عنصر ضروري لإستقرار النظم البشرية. تنص مدرسة كوبنهاغن للأمن البشري على أن الأمن البشري والأمن المائي مفاهيم مترابطة، ويجب أخذ تغير المناخ في الإعتبار عند دراسة الأمن المائي.
يجمع خبراء المناخ على أن التأثيرات المتوقعة لتغير المناخ العالمي على موارد المياه العذبة قد تكون ضخمة ودراماتيكية، لكن التأثيرات لن تكون على نفس النطاق في كل منطقة جغرافية. حتى داخل حوض النهر الواحد، ستختلف التأثيرات حسب الموقع. هذا يزيد من عدم اليقين والقلق بشأن توافر المياه في حوض النيل. لسوء الحظ، في حوض النيل، مثل العديد من أحواض الأنهار الدولية الأخرى في نصف الكرة الجنوبي، “كل من قوانين وسياسات المياه المحلية والدولية غير كافية لمواجهة التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية فضلا عن التكيف مع العواقب الإضافية التي تبدو حتمية”.
الموارد المائية مهددة بتغير المناخ
تغير المناخ هو أكثر الأزمات تحدياً للجنس البشري في القرن الحالي. إنه يهدد توازن الحياة على وجه الأرض. تسببت درجات الحرارة المرتفعة والفيضانات المفاجئة والعواصف المدمرة والجفاف الواسع وارتفاع مياه البحار والمحيطات إلى هلاك المحاصيل الزراعية وانعدام الأمن الغذائي وندرة المياه وتزايد أعداد الفقر والنزوح والهجرة.
في بداية القرن الحادي والعشرين، شكل الاستهلاك البشري 54 في المائة من جميع موارد المياه المتجددة المتاحة، ومع النمو السكاني، من المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى 70 في المائة بحلول عام 2025 وإلى 90 في المائة بحلول عام 2030. أرقام الاستهلاك هذه لا تمثل إجمالي الطلب المحتمل لأن أكثر من 1.2 مليار شخص يفتقرون إلى الوصول إلى مياه الشرب الآمنة.
يتم تقسيم استخدام الموارد المائية بين النظام البيئي، والإستهلاكات المنزلية، والمعيشية، والبلدية، والزراعية، والصناعية، ولتوليد الطاقة، وللأغراض التجارية، وغالباً ما يتم تخصيصها وفقاً للمصالح السياسية. قبل عام 1950، كان هناك خمسة آلاف سد كبير في جميع أنحاء العالم، وبحلول عام 2000 بلغ هذا الرقم أكثر من خمسة وأربعين ألفاً، وبحلول عام 2006، تم إنشاء خمسة آلاف سد إضافي ليصبح المجموع أكثر من خمسين ألف سد كبير.
موارد المياه هذه مهددة بالتلوث، وتغير المناخ، واستنفاد المياه الجوفية، والتنمية غير المنسقة وغير المستدامة، واختلال توازن السلطات السياسية، ونقص الرقابة، وعدم كفاية البنية التحتية لمعالجة ونقل المياه. علاوة على ذلك، يقترن ارتفاع الطلب مع افتقار ما يقدر بنحو 2.4 مليار شخص إلى إمكانية الوصول إلى الصرف الصحي المناسب. بالإضافة إلى هذا التعقيد الحالي، قد يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الضغط على الموارد المائية. وفي ظل الظروف الحالية، نقترب من سيناريو عدم قدرة موارد المياه المتاحة على تلبية المتطلبات المتوقعة.
مشاريع الطاقة الكهرمائية الكبيرة معرضة بشكل خاص لتأثيرات تغير المناخ. أعاق الجفاف توليد الطاقة الكهرومائية في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى تقييد الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي من الولايات المتحدة إلى الصين، ومن البرازيل إلى جنوب إفريقيا. من المتوقع أن يزداد هذا الاتجاه في سيناريو تغير المناخ الحالي الذي نشهده على مستوى العالم. وفي الوقت نفسه، تجعل الأحداث المناخية المتطرفة الشائعة بشكل متزايد السدود الكبيرة خطرة على الأشخاص الذين يعيشون في اتجاه مجرى النهر، حيث يصبحون ضحايا لفشل السدود.
سد النهضة يهدد المناخ في حوض النيل
تقدم الدراسات الحديثة أيضاً أدلة على أن السدود الاستوائية تنتج كميات كبيرة من الميثان، مما يساهم في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. أظهرت دراسة أجريت عام 2017، عالمة البيئة الاستوائية كلير سالزبوري أن جميع السدود في جميع أنحاء العالم تنبعث منها بعض الغازات المسببة للاحتباس الحراري. يفضح هذا العمل التبريرات السابقة لإدراج سدود الطاقة الكهرومائية ضمن مبادرات تمويل المناخ. أدلة دامغة على أن الميثان وغازات الدفيئة الأخرى هي منتجات ثانوية غير مقصودة للسدود الكبيرة.
تقول جينيفر فيلو، زميلة كلية علوم الأرض والمحيط والغلاف الجوي في جامعة ولاية أوريغون بالولايات المتحدة، إن حالة سد النهضة الإثيوبي الكبير توضح مدى تعقيد التحديات التي يمثلها تطوير السدود للأمن البشري على مستويات مختلفة وفي قطاعات مختلفة. يخلق السد تغييرات ليست بالضرورة مفيدة للأنظمة البشرية والبيئية المتبطة. ينتج عن بناء السدود تغيرات غير متوقعة وكذلك العديد من التحولات المتوقعة والمؤسفة على المدى المتوسط والطويل. الأنهار هي أنظمة ديناميكية، والمياه السطحية التي يمكننا رؤيتها واستخدامها ليست سوى جزء من المياه بأكملها في نظام النهر.
تستضيف الأنهار عدداً لا يحصى من الأنظمة البيولوجية المرتبطة بالنهر، وتؤثر الأنهار أيضاً على الأنظمة غير البيولوجية. وتشمل الأخيرة النظم الاقتصادية والسياسية والبيئية والاجتماعية والثقافية. في حالة المجتمعات المحلية، يمكن للنهر أن يلعب الدور المركزي في مجتمعهم وثقافتهم واقتصادهم، كما في مصر. يمكن أن يؤدي التغيير في نظام النهر، من خلال بناء السدود، إلى تغييرات في الأنظمة البيولوجية وغير البيولوجية حسب حجم التغيرات وقدرة الأنظمة على المرونة والتكيف. ولكن، حتى أكثر الأنظمة مرونة وتكيفاً لديها نقطة تحول، وهي النقطة التي يتم عندها تغيير النظام بشكل لا رجعة فيه إلى حالة جديدة، وهذا لا يمكن التنبؤ به إلى حد كبير.
وقد يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى تقليل إنتاجية المحاصيل الرئيسية وزيادة متطلباتها المائية. كما سيتأثر حوض النيل بشدة بتأثيرات تغير المناخ. قد يتلقى الحوض بأكمله زيادة في هطول الأمطار في أوائل القرن، يليه انخفاض في وقت لاحق من هذا القرن. وسينعكس هذا أيضاً في المتوسط السنوي للجريان السطحي لنهر النيل، والذي من المتوقع أن يزداد من 11 إلى 14% في النصف الأول من هذا القرن، وينخفض بنسبة 7 إلى 16% في النصف الثاني. وبالتالي، فإن القطاع الزراعي في الحوض، على وجه الخصوص، سيواجه نقصاً متزايداً بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين إلى أواخره.
يقول أشوك سوين، المتخصص في في بحوث السلام والنزاع بمركز أوبسالا للتنمية المستدامة، جامعة أوبسالا بالسويد، إنه في معظم القرن العشرين، كان نهر النيل مصدراً للتوترات السياسية والصراعات منخفضة الحدة بين ثلاثة من البلدان المشاطئة الرئيسية، إثيوبيا والسودان ومصر. ومع ذلك، منذ أواخر التسعينيات، بذلت دول حوض النيل- بتشجيع ودعم من المجتمع الدولي- بعض المحاولات لإنشاء مؤسسات تعاونية على مستوى الحوض. تتعرض عملية المشاركة والتعاون هذه في الوقت الحالي لضغوط شديدة بسبب زيادة الطلب وتناقص إمدادات الموارد المائية في الحوض. قد يزداد هذا الوضع تعقيداً بسبب تغير المناخ العالمي، والذي من المتوقع أن يؤدي إلى تغييرات طويلة الأجل في حجم ونمط الجريان السطحي في نظام نهر النيل.
يعتبر “برنامج الأمم المتحدة للبيئة” نظام حوض نهر النيل أحد أهم النظم البيئية في إفريقيا، وأحد أحواض الأنهار الأكثر تعقيداً وتأثرا بتغير المناخ، حيث تترامى أطرافه وتختلف تضاريسه ويتنوع مناخه ويؤي 40% من سكان إفريقيا، حوالي 300 مليون نسمة. ويعاني حوض النيل تحديات ناشئة عن تغير المناخ تشمل تذبذب في معدل هطول الأمطار وتدفق الأنهار، وتدهور الأراضي، ومستوى الفيضانات، وموجات الجفاف، وزيادة الأمراض المتوطنة وتدهور الصحة العامة للسكان.
في هذا الحوض المعقد تقوم إثيوبيا منذ عقد مضى ببناء سد النهضة الكبير كأحد أكبر السدود في العالم على النيل الأزرق بالقرب من الحدود مع السودان. ستغمر بحيرة السد مساحة 1680 كيلومتراً مربعاً من الغابات في شمال غرب إثيوبيا، تشكل حوالي أربعة أضعاف مساحة القاهرة. ويسع خزانه 74 مليار متر مكعب من المياه، ما يعادل التدفق السنوي لحصتي مصر والسودان المائية كاملة، وأكثر من ضعف حجم بحيرة تانا، أكبر بحيرة في إثيوبيا وأهم موارد النيل الأزرق، وفق منظمة الأنهار الدولية.
سيتأثر تشغيل سد النهضة ولا شك بتغير المناخ في إقليم حوض النيل، وسيؤثر في طبيعة البيئة والمناخ وحياة السكان في مصر والسودان. وسيكون سببا في نقص موارد المياه وتراجع انتاج الغذاء وزيادة الفقر في الدولتين، وقد يشعل حرب مياه في الإقليم، ما سيدفع السكان للهجرة نحو أوروبا. وقد هدد رئيس وزراء اثيوبيا، آبي أحمد، بشن الحرب على مصر إذا اعترضت على بناء السد.
في مارس 2014، نشرت منظمة الأنهار الدولية نسخة مسربة من تقرير لجنة الخبراء الدولية لتقييم أثار سد النهضة على مصر والسودان الذي صدر في 31 مايو سنة 2013، وجاء فيها أن التقرير يوثق العديد من المشكلات الحرجة المتعلقة بالسد والتغيرات المناخية في منطقة السد وحوض النيل. وبالنسبة لمخاطر التغيرات المناخية، أثبت التقرير أن الدراسات الأثيوبية لم تقيم حساسية المشروع وتأثره بتغير المناخ.
وقالت اللجنة إن مشروعا بهذا الحجم، ومع الاعتماد الشديد على أنماط هطول الأمطار متذبذبة، يتطلب فهماً أكثر دقة للظروف المائية المستقبلية لضمان أعلى درجة من المرونة في تصميم السد وتشغيله حتى يمكن مواجهة تداعياته على حياة السكان في مصر والسودان. وأكدت على أن مخاطر تغير المناخ هي مصدر قلق يجب أن يؤخذ في الإعتبار، حيث لا تراعي السدود في إثيوبيا تأثرها بتغير المناخ، ولا تداعيات انخفاض المياه على دولتي المصب وقدرتهما على التكيف مع تغير المناخ. وأوصت بإجراء دراسات تقيم الآثار الهيدرولوجية للسد وتأثيراتها على إمدادات المياه ومخاطر تغير المناخ في بلدي المصب.
وأوصت كذلك بتقييم الأثر البيئي والاجتماعي للسد العابر للحدود، ودراسة تأثير تغير المناخ المحتمل على نظام التدفق المائي في ممطقة سد النهضة ودول المصب. ورغم النص في اتفاق إعلان المبادئ الموقع في مارس 2015 على تنفيذ توصيات اللجنة والدراسات البيئية والمناخية، لكنها لم تنجز حتى الآن. ويبدوا أنها لن تنجز وقد شارف البناء في السد على الانتهاء، في ظل تقصير مصر في المطالبة بتنفيذ التوصيات رغم استمرار البناء. وبمرور الوقت تجاوزت مصر المطالب كليا.
احتمال تأثر بيئة حوض النيل والموارد المائية بفعل تغير مناخ ليس جديد. فقد ورد في تقرير مكتب الاستصلاح الأمريكي، الذي اقترح مشاريع السدود على النيل الأزرق في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، أن النيل الأزرق لديه القدرة على توليد 10 آلاف ميجاوات من الطاقة الكهرومائية من خلال سلسلة من السدود. وكان سد النهضة الإثيوبي الكبير هو أول سد في السلسلة المقترحة. ولكن التقرير حذر من أن “تغير المناخ يمكن أن يلعب دوراً خطيرا في نجاح أو فشل مشاريع الطاقة الكهرومائية والري المقترحة، لأن سيناريوهات تغير المناخ تشير إلى احتمالية حدوث انخفاضات معنوية في معدلات الأمطار بعد دراسة الظروف المناخية التاريخية في المنطقة.
في نوفمبر سنة 2014، أثبت 17 من خبراء معهد ماستشوستس للتكنولوجيا بالولايات المتحدة والمتخصصين في دراسات حوض النيل، أن نهر النيل يشتهر بالارتباط الذاتي في فيضاناته السنوية، حيث يأتي فيضان مرتفع في أعقاب فيضان مرتفع، وفيضان منخفض بعد آخر منخفض، ليكون في مجمله دورات شبه ثابتة فيها سبع سنوات من الفيضانات الوفيرة، تليها سبع سنوات من الجفاف والمجاعة. وخلال 100 عام، سُجلت سبع دورات من الجفاف. ومن المؤكد أن مفاوضات سد النهضة لم تعالج حصة المياه التي يمكن أن تفرج عنها اثيوبيا أثناء سنوات الجفاف الممتد.
يقول الخبراء “وبالنظر إلى التعديلات الحالية في البنية التحتية لمجرى النيل الأزرق، ليس من الواضح كيف يمكن لسد النهضة أن يغير بشكل كبير في النظم البيئية لحوض نهر النيل في اتجاه مجرى النهر في السودان ومصر. وهناك احتمال كبير بأن يؤدي السد الكبير إلى إثارة الصراع المسلح إذا لم تتعاون دول الحوض معاً وإذا استمرت إثيوبيا في فرض الأمر الواقع”.
تداعيات بيئية على مصر
من ناحية أخرى، أكدت دراسات قامت بها وحدة بحوث الأرصاد الزراعية وتغير المناخ التابعة لمعهد بحوث الأراضي والمياة والبيئة بمركز البحوث الزراعية المصري أن التغيرات المناخية وحدها، بعيدا عن سد النهضة، وما تسببه من ارتفاع في درجة حرارة سطح الأرض سوف تسبب نقص شديد فى إنتاجية معظم محاصيل الغذاء الرئيسية فى مصر مع زيادة احتياجاتها المائية. ومن المتوقع أن تؤدي التغيرات المناخية إلى تناقص إنتاجية القمح بنحو 18% والشعير والذرة الشامية بنحو 19%، أما محصول ألارز فسينقص بحوالي 17%.
ومع اعتماد مصر والسودان بشكل شبه حصري على موارد مياه نهر النيل في الزراعة والصناعة وتوليد الطاقة والاقتصادات الوطنية واستهلاكات الشرب والثروة الحيوانية، ومعظم المياه تأتي من المرتفعات الإثيوبية، ما يقدر بنحو 82-95 في المائة من المساهمة المائية السنوية للحوض تأتي من النيل الأزرق وروافده وعطبرة والسوباط في إثيوبيا، ويمثل النيل الأزرق وحده 59-68 في المائة من موارد مياه نهر النيل، اعتماداً على موسم الرياح الموسمية في المرتفعات في إثيوبيا المتقلبة، فإن الأمن المائي المصري والسوداني هش للغاية، وستزيد خطورته في وجود جسم سد النهضة في مجرى النهر.
تعاني مصر من عجز مائي متزايد من عام إلى عام بسبب الزيادة السكانية المتنامية في ظل ثبات وتراجع الموارد المائية. ويقدر العجز المائي في سنة 2022 بحوالي 21 مليار متر مكعب في السنة، وفق تصريح وزير الموارد المائية والرى المصري، هاني سويلم ضمن فعاليات إسبوع القاهرة الخامس للمياه في 17 أكتوبر الجاري.
في العام الماضي، بلغت واردات مصر من الأعلاف المتمثلة في الذرة الصفراء وفول الصويا 15.5 مليون طن، بمعدل 11 مليون طن من الذرة الصفراء، ومن الصويا 4.5 مليون طن، وفق تقرير الإدارة المركزية للحجر الزراعي. وبلغت الواردات من القمح 12 مليون طن، ومن الأرز 600 ألف طن، من التقدير الرسمي لوزارة الزراعة الأمريكية. ومن الزيوت النباتية الخام 1.7 مليون طن.
خلال الـ 7 أشهر الأولى من 2022، ارتفعت واردات مصر من القمح والذرة وفول الصويا لتبلغ 5.448 مليار دولار في مقابل 5.174 مليار دولار خلال نفس الفترة من 2021، حليل مؤشرات نشرة التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. ما يعني أن واردات السلع الثلاث ستصل بنهاية العام إلى 9.4 مليار دولار وهي تكلفة كبيرة تفوق قدرات مصر من العملة الأجنبية، وسوف تتضاعف بعد تشغيل سد النهضة.
سيؤدي سد النهضة إلى تتسارع التراكم المستمر للأملاح في الأراضي الزراعية في دلتا النيل وتدهور انتاجيتها الزراعية. بالإضافة إلى ذلك، سيمكن سد النهضة السودان من زيادة عمليات سحب الري عند المنبع، ما يقلل بشكل أكبر من المياه المتاحة لمصر. هناك حاجة ماسة للدراسات لتحديد حجم هذه المشاكل المحتملة، والتخفيف من تأثيرها، وفق توقعات خبراء معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا.
وكذلك أظهر أكبر معاهد السياسات الأوروبية، وهو المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، القلق من التداعيات الوخيمة لسد النهضة الإثيوبي على أمن واستقرار القارة الأوروبية، ومخاطر الهجرة غير الشرعية جراء تهديد السد المباشر للأمن والاستقرار في مصر والسودان.
يرى مجموعة “دبلوماسية المناخ” أن مساهمة تغير المناخ في الصراع الحالي في حوض النيل لا تزال محدودة. ومع ذلك، فإن الضغوط الحالية توضح كيف يمكن أن تحدث تأثيرات تغير المناخ في المستقبل، لأن الاضطراب الناجم عن بناء السدود يشبه الاضطرابات المتوقعة من تغير المناخ. من المرجح أن يؤدي تغير المناخ إلى تقلبات أكبر في التدفقات الموسمية. من المرجح أن تؤدي زيادة الاستهلاك إلى انخفاض التدفقات في اتجاه مجرى النهر، مع العديد من النتائج، بما في ذلك نقص المياه المتاحة نسبياً وزيادة التملح. سيسبب سد النهضة صدمة كبيرة للمصريين عندما يفقد الملايين منهم إمكانية الوصول إلى المياه التي يعتمدون عليها في معيشتهم، وعندما تقل المياه لمواجهة التملح الكارثي في دلتا النيل. السد سيؤدي إلى تسريع عملية التملح التدريجي.
تداعيات بيئية على إثيوبيا
إثيوبيا ليست بعيدة عن أزمة تغير المناخ، بل هي في مرمى التغير المناخي المتطرف. في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، ضربت منابع النيل الأزرق في شمال أثيوبيا موجة جفاف استمرت سبع سنوات عجاف. وعلى إثرها وقعت مجاعة في سنة 1983هي الأسوأ في تاريخ البلاد منذ قرن، وخلّفت مليون وفاة، و400 ألف لاجئ هجروا بلادهم نهائيا، و2.5 مليون مشرد، وتيتّم نحو 200 ألف طفل. كل ذلك بسبب القحط وتغير المناخ. وعانت مصر بسبب دورة الجفاف في إثيوبيا، وتأثرت زراعة الأرز والسياحة النيلية، واستمرت حتى جاء الغيث سنة 1988، وأنقذ الفيضان البلاد من مجاعة تشبه التي وقعت في أثيوبيا، لولا مخزون بحيرة السد العالي الذي نفد تماما في السنة السابعة من دورة الجفاف.
خلال جلسة استماع لجنة الشؤون الخارجية بالبيت الأبيض في 18 نوفمبر سنة 2014، بعنوان “نزاعات تقاسم المياه وتهديد السلام الدولي” لمناقشة أزمة سد النهضة قال بول سوليفان، وهو أستاذ الاقتصاد والطاقة بجامعة الدفاع الوطنى الأمريكية، أن السدود الإثيوبية سوف تضاعف من الآثار السلبية للتغيرات المناخية على حوض النيل، وسوف تؤدى إلى نقص فى الأمطار على الهضبة الإثيوبية وعلى كينيا والصومال وإريتريا.
في سنة 2010، قالت منظمة أوكسفام المعنية بمعالجة الفقر في أثيوبيا وفي كثير من دول العالم، إن المطر لم يعد يأتي في التوقيتات المعتادة في إثيوبيا بسبب تقلب المناخ، ما يعد أحد أسباب الفقر هناك. حيث يعاني الإثيوبيون الذين يعيشون في فقر من مناخ أكثر تقلباً وآثار تغير المناخ وظواهر مناخية أكثر تطرفاً.
في منتصف 2020، نشرت بي بي سي وثيقة سرية قالت أنها حصلت عليها بموجب قانون حرية المعلومات في بريطانيا، وتكشف اهتمام وزارة الخارجية البريطانية بمشكلات مياه النيل بعد جفاف الثمانينات ضمن اهتمامات. وفيها طلب وزير الخارجية بدراسة تقدير الموقف في حوض النيل. فأعدت إدارة البحوث والتحليل في قسم الشرق الأوسط الدراسة تحت عنوان “نهر النيل”، ضُمت إلى وثائق السياسة الخارجية البريطانية.
تقول الدراسة البريطانية إنه “في سنوات الجفاف، يمكن أن يكون بيد إثيوبيا سلاح استراتيجي محتمل يتيح لها حبس المياه عن مصر والسودان، ما يبرر مخاوف الدولة المصرية من وقوعها رهينة لدولة المنبع”. وقالت إن “التهديد بالاستخدام الاستراتيجي للخزانات الإثيوبية خلال أوقات الجفاف عقًّد بدرجة هائلة المفاوضات الرامية لإبرام اتفاق دولي بشأن التنمية المستقبلية لحوض أعالي النيل”.
وكشفت الوثيقة البريطانية عن أن ذلك الرأي كان أحد الاستنتاجات التي توصلت إليها الدراسة المماثلة التي أجراها المكتب الأمريكي لاستصلاح الأراضي بين عامي 1958 و1963. وقالت الدراسة أن “تأثيرات الجفاف في مصر في الثمانينيات كانت واضحة في ثلاثة قطاعات هي: الزراعة وتوليد الكهرباء والملاحة، كأحد مصادر العملة الصعبة القادمة من السياحة النيلية”.
سد النهضة سيكون له آثار سلبية على البيئة في اثيوبيا. ويمكن أن يقلل من الأمن البشري في مجال صحة الإنسان من خلال الارتفاع المحتمل في الإصابة بمرض الملاريا. في الوقت الحاضر، تعتبر الملاريا مشكلة موسمية في الحوض، ويعيش الناس في مستوطنات متفرقة، مما يحد من انتشار المرض. ولكن خطط إعادة التوطين وتركيز الناس معاً في مستوطنات جديدة وحضور المياه على مدار العام، سيخلق خطراً مضاعفاً لزيادة الملاريا بغض النظر عن قيام الحكومة الإثيوبية بتزويدهم بشبكات وأدوية مجانية وخططها لإنشاء منطقة عازلة بطول خمسة كيلومترات حول المنطقة.
يمكن أن يزعزع السد استقرار الأمن البشري الاقتصادي والاجتماعي والثقافي المحلي. ستفقد المجتمعات المحلية سبل عيشها التقليدية المتمثلة في الزراعة، والتنقيب عن الذهب، وصيد الأسماك في النهر. كما يعتبر عدد السكان المحليين على الحدود في السودان غير معروف. هناك حاجة إلى البحث لتحديد عدد الأشخاص الموجودين لمساعدة هذه المجتمعات على التكيف مع أنظمة التدفق المنظمة وغيرها من الاضطرابات في الزراعة في حالة ركود الفيضانات و/ أو الصيد النهري. سيتم تغيير القطاع البيئي بالكامل على المستوى المحلي. كيف سيؤثر السد على النظم البيئية التي تعتمد على أنماط تدفق المياه المعتادة، غير معروف.
تقول وزيرة البيئة المصرية في كلمتها على موقع مؤتمر المناخ بالأمم المتحدة، إن تغير المناخ هو أكثر الأزمات تحديا في قرننا. تؤدي درجات الحرارة المرتفعة والعواصف الشديدة والجفاف المتزايد وارتفاع المحيطات والفيضانات المفاجئة إلى فقدان الأنواع وانعدام الأمن الغذائي وندرة المياه وزيادة المخاطر الصحية وتزايد الفقر والنزوح. وبالتالي فإن الجفاف المتوقع في دول حوض النيل وتهديد الأمن المائي وتأثيره المباشر على الأمن الغذائي والفقر وحرب المياه والهجرة غير الشرعية باتجاه أوروبا، هي قضايا مرتبطة مباشرة بسد النهضة.
لذلك وغيره من أثار سد النهضة الوجودية على المناخ والبيئة في مصر والسودان، الفرصة مواتية أمام مصر، التي تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ 27 في مدينة شرم الشيخ في السادس من نوفمبر المقبل، لتطرح قضية السد على جدول أعمال المؤتمر بهدف كسب تأييد دولي يدعم مطالبها بتقييم أثار السد البيئية ومراجعة تصميمه وخفض حجمه إلى مستوى يمكن من التأقلم مع تداعياته على الحياة في مصر والسودان، فهل تستثمر مصر الفرصة؟!.
.
رابط المصدر: