التسريبات الأمريكية للهجوم الإسرائيلى على إيران

الحكومة الأمريكية منذ أيام، فتحت تحقيقا فى تسريب لوثائق سرية تقيم خطط إسرائيل لمهاجمة إيران. تنسب الوثائق إلى وكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية الأمريكية ووكالة الأمن القومى، وهى بحسب صحيفة الجارديان البريطانية مكتوبة بأسلوب مماثل للوثائق التى تم تسريبها سابقا من البنتاجون.

الواقعة مثيرة؛ وتتجاوز مسألة خروج أوراق رسمية تخص إحدى المؤسسات الأمنية الرفيعة للنشر فى عديد من المواقع الإخبارية، باعتبار التجهيز الإسرائيلى لتلك الضربة أو هذا الرد الذى طال انتظار موعده، وثيق الارتباط بما يجرى فى الحرب الإسرائيلية على لبنان وقبلها على قطاع غزة. فالفعل الإيرانى ضد إسرائيل الذى تتجهز الأخيرة للرد عليه، خرج من طهران بتوقيع أكبر رأسين فى منظمتى «حماس» و«حزب الله» أو هكذا أعلن من الجانب الإيرانى على الأقل. هذا الارتباط بالحرب الجارية على الأرض، لا يمنع أن الضربة الإيرانية والرد الإسرائيلى الذى يجرى الاعداد له يمثل أحد فصول «التصعيد المنضبط» بين الطرفين، فى صراعهما الخاص والمباشر الذى سبق عملية «طوفان الأقصى» أكتوبر 2023، بالتأكيد انتقل خطوات متقدمة للأمام منذ هذا التاريخ لكن أحداث وتقييم عام كامل من الحرب، توضح بجلاء أن كليهما تمسكا بهذا المستوى من التصعيد دون رغبة حقيقية فى تجاوز هذا المنسوب. فى حال كانت هناك قياسات للمقارنة الدقيقة؛ فسيكون التأكد بشكل أكبر على الجانب الإيرانى أن لديه من الدوافع والاعتبارات ما جعله أكثر تمسكا بتلك الخطوط، فى حين مارست إسرائيل حالة الانفلات المعهودة.

الانفلات الإسرائيلى بالطبع مرتب ومخطط، ولا يجرى عشوائيا، فهى تتجاوز الخطوط الحاكمة التى تحول دون اندلاع «حرب شاملة» بدقة متناهية، وتخضع كل حالة للتقييم ولدراسة البيئة المحيطة بالفعل المراد تنفيذه. أهم بوصلة لإسرائيل فى هذا السياق هى الولايات المتحدة، حيث تظل طوال الوقت، تضبط تحركاتها الميدانية والتصعيدية عليها مع ضمان ألا تخرج مؤشرات وزوايا الانحراف عما يمكن ضمان الموافقة عليه، أو تمريره على أقل تقدير. رغم أن هذه الحرب شهدت العديد من الوقائع، التى كشفت مساحات أوسع من الانحرافات الإسرائيلية عن المقاييس الأمريكية، التى حاولت أن تظل حاضرة أكثر من مرة دون جدوى فكانت الغلبة لفعل «التمرير» أو «التبرير» بحسب مقتضيات كل حالة.

ولم تكن تلك الاختلافات سرية، فمنها ما خرج للعلن، وأخرى شهدتها الغرف المغلقة فى نقاشات ومكالمات متبادلة، وصلت فى بعضها لحد الصراخ والثابت أن كثيرا منها تضمن «سبابا» بأقذع الألفاظ لقيادات إسرائيلية حظى بنصيب الأسد منها رئيس الوزراء نيتانياهو. فيما يخص الوثائق السرية التى يجرى التحقيق بشأنها الآن، تحمل الوثيقة الأولى منها عنوان «إسرائيل: القوات الجوية تواصل الاستعدادات لشن هجوم على إيران وتجرى تمرينا ثانيا لاستخدام القوة الكبيرة». والوثيقة الثانية عنوانها «إسرائيل: القوات الدفاعية تواصل الاستعدادات الرئيسية للذخائر، ونشاط الطائرات بدون طيار السرى على الأرجح لشن هجوم على إيران». كلتا الوثيقتين مؤرختان فى 16 أكتوبر، وتم تسريبهما لأول مرة بعد يوم واحد. بشكل عام، جاءت الوثائق تشير إلى منتصف الأسبوع الذى سبق هذا التاريخ، وتكشف أن إسرائيل كانت لا تزال تضع حينها أصولا عسكرية لتنفيذ ضربة عسكرية ردا على هجوم الصواريخ الباليستية الإيرانية فى الأول من أكتوبر. وبناء على الرصد الأمريكى من صور الأقمار الصناعية وغيرها من المعلومات الاستخباراتية الجغرافية المكانية، ركزت الوثائق الأمريكية المسربة على الاستعدادات الإسرائيلية المتعلقة بالصواريخ الباليستية التى تطلق من الجو، وطائرات التزود بالوقود والمراقبة السرية بطائرات بدون طيار بعيدة المدى فى الداخل الإيرانى وأماكن أخرى فى الشرق الأوسط. وبحسب الجارديان أيضا، التى أجرت نقاشا مع بعض محللى الاستخبارات الأمريكيين السابقين لاستبيان أهمية محتوى هذه الوثائق، تأكد أن هذا قد يعنى أن إسرائيل كانت تخطط للرد بصواريخ بعيدة المدى على هجوم إيران، والذى وصف فى وقت ما بأنه مماثل للضربات بعيدة المدى التى نفذتها ضد الحوثيين فى اليمن فى 29 سبتمبر. كما يبدو أن هذا يعكس جهدا من جانب الولايات المتحدة وشركائها الأقرب، لمراقبة خطط إسرائيل لمهاجمة إيران بشكل مستقل، رغم أنهم لا يتوقعون حجمها أو نطاقها، ولم يتم ذكر أى أهداف محتملة فى إيران فى هذه الوثائق. لهذا يبدو أن الوثيقتين تمثلان صورة خاطفة فى الوقت، ومن المرجح أن تمثلا نتيجة المراقبة المستمرة، وفى وقت ما؛ قيل إنه لا يوجد دليل على أن إسرائيل تخطط لاستخدام سلاح نووي. لكن هناك إشارات عديدة إلى الاستعدادات لاستخدام «صواريخ روكس» بعيدة المدى، التى تصنعها شركة رافائيل الإسرائيلية المصممة لتدمير الأهداف فوق وتحت الأرض.

كما تمت الإشارة إلى نظام باليستى آخر يسمى «الأفق الذهبي»، ولكن لا يوجد نظام بهذا الاسم معروف للجمهور، لهذا تكهنت بعض المصادر الإسرائيلية بأن ذلك قد يشير إلى صواريخ «بلو سبارو»، التى يبلغ مداها نحو 1200 ميل (2000 كم) ويعتقد أنها استخدمت فى الضربة الإسرائيلية المحدودة ضد إيران فى أبريل الماضى ردا على هجوم سابق شنته طهران، لهذا تحتفظ إسرائيل بعناصر من برنامجها الصاروخى بعيد المدى فى نطاق السرية لتجنب إدراك أعدائها قدراتها بالكامل. أجزاء عديدة من الوثيقتين تأشر عليها أنها قابلة للمشاركة، داخل شبكة استخبارات (Five Eyes) المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا ونيوزيلاندا وأستراليا، وعلى عناصر أخرى تم وضع علامة المشاركة فقط بين الولايات المتحدة وبريطانيا.

الوثائق تحمل علامة «سرية للغاية»، ووضعت على تطبيق المراسلة Telegram وأبلغت عنها CNN وAxios لأول مرة. والتحقيقات الأمريكية الجارية الآن تبحث عن إجابة لسؤال واحد؛ هل التسريب جاء متعمدا، من أجل كبح جماح إسرائيل عن تنفيذ ضربتها ضد إيران، على الأقل فى هذا التوقيت الدقيق بالنسبة للولايات المتحدة التى استنفدت كافة الوسائل، لمنع إسرائيل من تنفيذ الضربة الواسعة دون جدوى؟!.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M