د. نورة الحفيان
تعيش ليبيا منذ تسع سنوات على وقع اضطراب سياسي وأمني خطير، تمددت رقعته مع توسع العمليات العسكرية وفشل كل التسويات السياسية لحل الأزمة، بفعل الانقسام السياسي والعسكري التي خلفه نظام القدافي.
ومنذ بداية الأزمة، وبروز حالة الانقسام التي تزامن معها تصعيد عسكري تفاقمت حدته مع بدء خليفة حفتر عملياته العسكرية المستمرة والممتدة إلى حدود الفترة الآنية، برزت إلى السطح محاولات حل الأزمة سياسياً عبر تنظيم مجموعة من المؤتمرات واللقاءات كانت بدايتها من خلال جولات الصخيرات وصولاً إلى مؤتمر برلين، بحيث هدفت جميعها إلى وضع أسس لإنهاء النزاع وحالة الانقسام وعدم الاستقرار التي تعيشها ليبيا. لكن كل هذه المبادرات لم تشهد أي نجاح نتيجة العقبات والتحديات التي عرقلت تنفيذ مقتضياتها على أرض الواقع نتيجة تضارب مصالح القوى الداخلية والخارجية.
ولمزيد من التوضيح حول الموضوع ارتأينا تقسيمه إلى المحاور التالية:
أولا: مفهوم التسوية السياسية
تعتبر التسوية السياسية إحدى الطرق السلمية والودية لحل النزاعات، و هي إحدى مراحل إدارة النزاع أو الصراع، بحيث تأتي كمرحلة قبْلية للتسوية النهائية، وتعتبر محاولة لإنهاء النزاع المسلح من خلال اتفاقات تفاوضية بحلول مؤقتة، إلى أن تتم معالجة جذور ذلك النزاع أو الصراع من أجل حله بصفة نهائية ومستدامة.
وتأخذ التسوية السياسية أشكالاً متعددة تشمل المفاوضات والوساطة والمساعي الحميدة والتوفيق والتحقيق. ومن خلال ذلك، نصت المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة على فض النزاعات بالطرق الاختيارية العملية، كما نصت على أنه يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء عن طريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق ……… أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها.
وتعد التسوية بالطرق السياسية من أهم أنواع التسويات وأبرزها إلى جانب التسويات القضائية، والتي تهدف إلى حل الخلافات بطريقة مباشرة عبر المفاوضات أو غيرها من الوسائل الدبلوماسية السلمية الأخرى وهي كالتالي:
- المفاوضات: تعتبر أهم وسيلة للتسوية السياسية للنزاعات، وهي عبارة عن تبادل وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة على موضوع النزاع من أجل التوصل إلى حلول توافقية، وتتم المفاوضات إما بشكل شفهي أو عن طريق اتفاق كتابي أو عن طريق مؤتمر يجمع ممثلي الأطراف المتنازعة، ويجب أن تقوم هذه المفاوضات على مبدأ حسن النية واستعداد الأطراف لتحقيق نتائج مرضية، كما يجب أن تكون مقدمة لحل النزاع بشكل دائم.
- الوساطة: وهي أن يقوم طرف ثالث محايد بدور الوساطة، وذلك من أجل مساعدة أطراف النزاع وتقريب وجهات النظر التي هي موضع النزاع بينهم. والوسيط يمكن أن يكون شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً وتقتصر مهمته على اقتراح الحلول وعرضها على طرفي النزاع.
- المساعي الحميدة: هو عمل ودي يقوم على إثره طرف أو مجموعة من الأطراف على تسهيل الاتصال وتقريب وجهات النظر والرؤى بين الأطراف المتنازعة وحثها على الذهاب للمرحلة التفاوضية أو استئنافها بعد انقطاعها للحيلولة دون تطور خلاف بين الطرفين إلى نزاع مسلح أو محاولة إيقافه إذا اندلع بين المتنازعين.
- التوفيق: هي وسيلة لحل النزاع عن طريق إحالته للجنة التوفيق وهي هيئة محايدة تتجلى مهامها في دراسة أسباب النزاع وتحديد وتمحيص الوقائع من أجل التوصل إلى مكامن الخلل ومن تم اقتراح السبل الكفيلة لحل النزاع سلميا. وتعتبر قراراتها غير ملزمة لأطراف النزاع.
- التحقيق: وهي طريقة يقوم من خلالها الطرفان المتنازعان بتعيين لجنة تتجلى مهمتها في تقصي الحقائق حول وقائع معينة لتوضيح حقيقة وأسباب النزاع من خلال تقرير يُسلم لطرفي النزاع يتضمن الحلول الممكنة لحل الأزمة، ويعد تقرير هذه اللجنة غير ملزم قانونياً.
ثانيا: تطورات الأزمة الليبية
منذ انطلاق الحراك الليبي في 17 فبراير 2011، متأثرا بالموجة الثورية في تونس ومصر، وليبيا تعيش على صفيح ساخن جراء تحول الاحتجاجات الشعبية إلى نزاع مسلح سقط على إثره آلاف الضحايا من قتلى ومصابين بسبب الهجمات العشوائية التي قادتها كتائب تابعة ومساندة لنظام القذافي، لكن في نهاية المطاف تمت الإطاحة بهذا النظام على إثر مقتل القذافي في أكتوبر من العام 2011.
وقد شهدت الحالة الليبية تدخل أطراف دولية في ظل غياب دور لبعض التكتلات الإقليمية وعلى رأسها جامعة الدول العربية التي تعتبر من أضعف التنظيمات الإقليمية على مستوى العالم، نظراً لغياب الإرادة السياسية بين أعضائها وسيادة منطق سياسة الإملاء من طرف قوى إقليمية مسيطرة على دواليب القرار داخلها. وفي ظل هذا الضعف فوضت الجامعة اتخاذ القرارات حول الأزمة الليبية إلى مجلس الأمن وذلك ما تم من خلال فرض الأخير منطقة حظر جوي على ليبيا، بحيث أصدر قرارين أمميين حول الوضع الليبي -رقم 1970-1973-، تحت ذريعة حماية المدنيين، بصبغة عسكرية من خلال تفويض حلف الناتو حق التدخل العسكري في ليبيا، هذا التدخل التي تجاوز حدوده في ظل اتهامات منظمات دولية للحلف بارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في ليبيا، وذلك في ظل وجود أدلة تؤكد تورطه من خلال استهداف المدنيين عن طريق هجمات عشوائية.
وبالرجوع إلى حيثيات القرارين فإنهما لم يتضمنا صراحة وجوب التدخل العسكري على الرغم من أنهما جاءا استنادا إلى مقتضيات الفصل السابع من الميثاق الأممي. بل تم التنصيص من خلالهما على وقف إطلاق النار وإحالة الملف الليبي إلى المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى تيسير مهمات المنظمات الإنسانية، مع اتخاذ التدابير اللازمة لحماية المدنيين وفرض حظر جوي فوق الأراضي الليبية.
إذن، فقد شهدت ليبيا بعد سقوط نظام القذافي، انقساماً داخلياً وصل إلى حد وصفه بالحرب الأهلية نتيجة وجود هوة واسعة وكبيرة بين القبائل الليبية ومجموعة من التيارات السياسية والعسكرية، بحيث يسعى كل طرف من هؤلاء إلى السيطرة على حيثيات الحياة السياسية في ليبيا.
كل هذه التجاذبات، أفرزت في نهاية المطاف صراعاً عسكرياً، برزت ملامحه سنة 2014، مع انطلاق العمليات العسكرية التي أطلقها خليفة حفتر في إطار ما سمي بــ”عملية الكرامة”، هذه العملية التي كانت سبباً في تقسيم ليبيا إلى معسكرين، معسكر خليفة حفتر والمليشيات الداعمة له، وفريق حكومة الوفاق والقوات التابعة لها.
وقد ساهم هذا الانقسام في زعزعة الأمن والاستقرار في ليبيا، وبالتالي ارتفاع وتيرة الصراعات المسلحة، التي ساهمت بشكل كبير في تسلل تنظيمات إرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش إلى الأراضي الليبية التي وجدت فيها بيئة خصبة لممارسة نشاطاتها التخريبية.
وعلى الرغم من التسويات السياسية التي طُرحت من أجل حل الأزمة والتي أفضت في نهاية المطاف إلى التوقيع على اتفاق الصخيرات في ديسمبر 2015، وما تلاها من مبادرات، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل نتيجة خرق الأطراف المتصارعة لبنود التسويات خصوصاً من جانب فريق خليفة حفتر المدعوم من طرف قوى إقليمية ودولية، والذي رسم أهدافاً من أجل السيطرة على مجموعة من المناطق الحيوية في ليبيا وعلى رأسها طرابلس في محاولة لإسقاط حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، المعترف بها دولياً، وهذا ما تبلور من خلال العملية العسكرية الأخيرة التي أطلقها في أبريل 2019، محاولاً من خلالها الاستيلاء على دواليب السلطة في إطار خطة تم الإعداد لها من الخارج، وذلك باعتبار ليبيا محط أطماع قوى خارجية نظراً لأهميتها الاستراتيجية على حوض الأبيض المتوسط وبما تتمتع به من ثروة نفطية هائلة.
ثالثا: الحل السياسي للأزمة الليبية من الصخيرات إلى برلين
سلكت المبادرات الهادفة إلى إيجاد تسوية سياسية للأزمة الليبية مسارات متعددة، وذلك من أجل إرساء أسس عملية سياسية تنهي الصراع الدائر هناك منذ 2014، وقد انطلقت أولى جولات المبادرات السياسية من مفاوضات الصخيرات وصولاً إلى مؤتمر برلين، وقد جاء أهمها على النحو التالي:
1.محطة الصخيرات …أولى المبادرات
في مدينة الصخيرات المغربية، تم تنظيم أول لقاء بين الفرقاء الليبيين، وقد تم ذلك برعاية المملكة المغربية وتحت إشراف الأمم المتحدة، وقد امتدت مفاوضات الصخيرات لخمس جولات بين الأطراف المتنازعة، وقد أفرزت هذه الجولات اتفاقاً شُكلت على إثره حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، والتي حظيت بتأييد المجتمع الدولي، واعتبرتها الأمم المتحدة الحكومة الشرعية الممثلة للدولة الليبية.
وتدور أهم نقاط محور الاتفاق حول الآتي:
- تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي توكل لها مهام السلطة التنفيذية والتي تتكون من مجلس للوزراء يرأسه رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء ويكون مقرها العاصمة طرابلس.
- مجلس النواب التي توكل له مهام السلطة التشريعية للدولة (برلمان طبرق).
- المجلس الأعلى للدولة والذي توكل له المهام الاستشارية، ويقوم بأدواره بكل استقلالية ودون تأثير من الجهازين التنفيذي والتشريعي.
لكن الاتفاق لم يدم طويلا، حيث أعلن مجلس النواب في طبرق -شرق ليبيا- انسحابه من الاتفاق، وذلك بسبب انقلاب خليفة حفتر على الاتفاق، وبالتالي تعطيل عمل حكومة الوفاق، وعرقلة مسار الاتفاق السياسي الذي شكل عند توقيعه نجاحاً مهماً في طريق حل الأزمة الليبية.
2. اجتماعات باريس….. لقاءات بدون فائدة
في يوليو 2017 عُقد في العاصمة الفرنسية باريس لقاء جمع بين أطراف النزاع برعاية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وفي إطار هذا الاجتماع حاولت الدبلوماسية الفرنسية تقريب الرؤى بين طرفي النزاع. وبالفعل فقد تم الاتفاق من خلاله على ضرورة وقف إطلاق النار من أجل تأمين الحل السياسي عبر مصالحة وطنية بين الليبيين باعتبارها بوابة العبور نحو إنهاء الأزمة. وتسهيلاً لمسار بناء دولة القانون ذات سيادة، قائمة على أسس الديمقراطية تنطلق بصياغة دستور مروراً بالعملية الانتخابية وصولاً إلى إرساء مقومات مؤسساتية في جميع المجالات كضمانة لاستقرار ليبيا. لكن في نهاية المطاف فقد كان الفشل مصير هذا الاتفاق وذلك لعدم موافقة حفتر على مخرجاته.
باريس لم تتوقف عند هذا الحد، بل عاودت المحاولة من خلال إثبات وجودها كطرف فاعل في الأزمة الليبية نتيجة تضارب مصالحها في المستنقع الليبي مع أطراف إقليمية ودولية معنية بالملف الليبي، لذلك عقدت اجتماع دولي في مايو 2018، شارك فيه كل الفرقاء الليبيين، بالإضافة إلى ممثلي أكثر من 20 دولة، ومجموعة من المنظمات الدولية والإقليمية، وقد تمخض عن هذا الاجتماع اتفاق ينص على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، مع وضع أسس دستورية للانتخابات ومساءلة كل من يعيق العملية الانتخابية، بالإضافة إلى دعم جهود المبعوث الأممي غسان سلامة بشأن اقتراح زمني لاعتماد الدستور والعمل على توحيد البنك المركزي وباقي المؤسسات المالية، وتعزيز بناء المؤسسات العسكرية والأمنية تحت إشراف أممي، لكن في الأخير واجهت الاتفاق مجموعة الصعوبات لتطبيقه فعلياً وذلك حسب ما أعلن عنه غسان سلامة حينما قال خلال إحاطته التي قدمها إلى مجلس الأمن على أن اتفاق باريس يحتضر نتيجة فشله في الوصول إلى حل سياسي للأزمة الليبية.
3. مؤتمر باليرمو…. فشل جديد
بعد فرنسا، دخلت إيطاليا على محور خط الأزمة الليبية، باعتبارها إحدى أبرز المعنيين بالحالة الليبية نتيجة ارتباطها التاريخي والجغرافي بهذا البلد، وفي محاولة منها لإحياء مصالحها هناك جراء تراجع دورها لصالح قوى دولية وإقليمية، وعلى إثر هذه الدوافع استضافت صقلية في نوفمبر 2018، مؤتمر باليرمو حول الأزمة الليبية، وقد شارك في هذا اللقاء إلى جانب الحكومة الإيطالية، أطراف النزاع الليبي بدون خليفة حفتر، هذا الأخير الذي التقى بفايز السراح على هامش المؤتمر، وحكومات كل من روسيا، فرنسا، تونس، الجزائر، مصر، والاتحاد الأوروبي.
وقد اختلف مؤتمر باليرمو عن اجتماعات باريس، من خلال إعطائه الأولوية لعودة الاستقرار والأمن إلى ليبيا وفق الترتيبات الأمنية التي وضعتها الأمم المتحدة وذلك كضرورة لتسهيل العملية السياسية والمتمثلة في الإجراءات الدستورية الخاصة بانعقاد الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وكسابقيه فقد فشل مؤتمر باليرمو في تحقيق مخرجاته، نتيجة افتقاده لآليات واضحة لتنفيذه على أرض الواقع، بحيث كان الهدف الرئيسي للمؤتمر هو منافسة إيطاليا لفرنسا في الملف الليبي، وذلك في محاولة منها للحد من تمدد النفوذ الفرنسي على الآبار النفطية الكبيرة في ليبيا.
4. لقاء موسكو…اتفاق ناقص
احتضنت العاصمة الروسية في 13 من يناير 2020 مباحثات غير مباشرة بين وفد حكومة الوفاق ووفد خليفة حفتر وذلك برعاية تركية-روسية، وقد نصت مسودة الاتفاق على وقف جميع الأعمال العسكرية وضمان وتأمين إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين مع تفعيل مسار الحوار عبر تشكيل لجنة من أجل وضع تصور حول شكل التسوية السياسية والحلول الممكنة للمشاكل الإنسانية، واستراتيجية إعادة الانتعاش للاقتصاد الليبي.
وعلى إثر هذا اللقاء أعلنت موسكو عن توقيع وفد حكومة الوفاق على نص مسودة وقف إطلاق النار، بينما طلب الطرف الآخر، أي وفد حفتر، مهلة لدراسة محتوى الاتفاق والنظر في إمكانية التوقيع من عدمه.
لكن في النهاية فشلت محادثات موسكو حول الملف الليبي في تحقيق نتائج ملموسة لتثبيت وقف إطلاق النار، نتيجة اتخاذ خليفة حفتر قرار مواصلة عملياته العسكرية وتوسيع رقعتها في الميدان.
5.مؤتمر برلين …. أي فعالية لمخرجاته
عُقد في 19 من يناير 2020 مؤتمر دولي حول الأزمة الليبية والتي استضافته العاصمة الألمانية برلين. وقد عرف المؤتمر مشاركة 12 دولة هي دول (5+1) (الولايات المتحدة الأمريكية، روسيا، الصين، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، بالإضافة إلى تركيا، إيطاليا، الجزائر، الكونغو، الإمارات، مصر، إلى جانب مشاركة منظمات دولية وإقليمية وهي الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، جامعة الدول العربية، الاتحاد الإفريقي، في غياب لأطراف النزاع الليبي.
وقد توصل المشاركون في نهاية المؤتمر إلى صياغة اتفاق حول خطة شاملة خاصة لتسوية الأزمة من خلال تثبيت الهدنة عن طريق وقف إطلاق النار وحظر دخول الأسلحة إلى الأراضي الليبية، وقد تمحورت مخرجات المؤتمر في النقاط التالية:
- على المستوى السياسي: اتفق المشاركون على دعم المسار السياسي الشامل برعاية الأمم المتحدة من أجل تحقيق مصالحة ليبية-ليبية، مع التأكيد على دور الدول المجاورة في عملية تحقيق الاستقرار في ليبيا، والتزام الأطراف المشاركة عدم التدخل في الشؤون الداخلية الليبية.
- على المستوى الاقتصادي: التأكيد على ضرورة استعادة المؤسسات السيادية الليبية لدورها ومكانتها وعلى رأسها البنك المركزي الليبي وهيئة الاستثمار الليبية وشركة النفط الوطنية، مع ضرورة الالتزام بحماية أمن المنشآت النفطية والامتناع عن أيه أعمال عدائية ضدها أو أي استغلال غير مشروع لموارد ليبيا الطاقية التي هي من حق الشعب الليبي.
- على المستوى الأمني والعسكري: دعوة كل الأطراف المعنية إلى مضاعفة جهودها من أجل وقف كافة العمليات العدائية وإطلاق النار بشكل دائم ومستمر. كما دعا البيان إلى ضرورة الامتناع عن كل عمل يمكن له أن يقوض العملية السياسية، بما في ذلك تقديم الدعم اللوجستي العسكري وتجنيد أفراد ومرتزقة لصالح أحد الأطراف، مع التأكيد على ضرورة فرض عقوبات من طرف مجلس الأمن لكل من ينتهك أو يخرق بنود الاتفاق.
- الجانب الإنساني: حَثَّ الاتفاق الأطراف الليبية على ضرورة احترام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان وذلك في سبيل حماية المدنيين والمنشآت المدنية العامة والخاصة وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية والطبية.
رابعا: تحديات فشل التسويات السياسية في الأزمة الليبية
شهدت الحالة الليبية محاولات كثيرة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية بين أطراف النزاع في ليبيا والتي كانت بداية مساعيها من الصخيرات وصولاً إلى مؤتمر برلين، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، نتيجة تفاقم الأوضاع الميدانية، وتصاعد التدخلات الخارجية بسبب صراع المصالح بين مجموعة من الفواعل الإقليمية والدولية، ويمكن إجمال أهم هذه التحديات في التالي:
- تعقيدات الوضع الميداني: تشهد ليبيا على أرض الواقع تدهوراً أمنياً خطيراً نتيجة التصعيد العسكري واستمرار المعارك بين أطراف النزاع الليبي، وبالأخص العملية العسكرية التي يقودها خليفة حفتر من أجل الدخول إلى طرابلس والسيطرة عليها بهدف إسقاط حكومة الوفاق المعترف بها دولياً برئاسة فايز السراج. محاولات حفتر العسكرية المتكررة، التي باءت جميعها بالفشل، كانت لها تداعيات خطيرة على المستوى الإنساني بحيث خلفت خسائر بشرية ومادية جسيمة وصلت إلى حد توصيفها بجرائم حرب.
ومما يزيد الوضع الميداني تعقيداً هو محاولة قوات خليفة حفتر إحكام السيطرة الكاملة على المنابع الرئيسية لحقول النفظ الليبية، هذا الدافع الذي يجعل من فرضية التراجع عن الحل العسكري أمر في غاية الصعوبة.
- التدخلات الخارجية وحرب المصالح الاستراتيجية: يعد التدخل الأجنبي وتقاطع المصالح الدولية والإقليمية من أبرز التحديات التي تواجه الأزمة الليبية، فهناك من له مصالح اقتصادية وهناك من له مصالح استراتيجية وجودية في الأرض الليبية.
فقد شهدت ليبيا منذ سنوات تدخلاً خارجياً، بحيث ظهر ذلك على الواقع الميداني، خصوصاً من طرف التكتل الذي يضم الإمارات، مصر، السعودية وفرنسا بالإضافة إلى الدور الخفي لروسيا. بحيث بسطت هذه الفواعل يدها على الأراضي الليبية من خلال المساهمة المباشرة في العمليات العسكرية التي قادها حفتر منذ 2014 إلى حدود الساعة، هذا الأخير الذي حظي بدعم عسكري وتمويلي كبير وتنسيق استخباري متطور من طرف هذه الدول.
وتتجلى أسباب هذا التدخل والدعم المباشر الذي يقدمه هذا المحور لخليفة حفتر إلى اعتبارين:
- الاعتبار الأول: هو عداء بعض هذه الدول لتيار الإسلام السياسي ومحاربته عن طريق أسلوب الثورة المضادة، من خلال تقديم كل سبل ووسائل الدعم المتاحة من أجل القضاء عليه.
- الاعتبار الثاني: يتمثل في وجود مصالح استراتيجية تسعى هذه الدول لاستغلالها داخل المستنقع الليبي، بحيث تسعى هذه الأطراف إلى الحفاظ على مصالحها الاقتصادية من خلال السيطرة على حقول النفط الليبية. إذ تعد ليبيا من أغنى الدول من حيث إنتاج النفط، بالإضافة إلى توفرها على أجود أنواع الذهب الأسود على مستوى العالم.
- غياب دور التكتلات الإقليمية: يعتبر غياب جهود فعالة لبعض التكتلات الإقليمية وعلى رأسها الاتحاد الإفريقي إحدى أهم المسببات التي ساهمت في فشل مبادرات التسوية السياسية، بحيث أنه ومنذ بداية الأزمة حاول الاتحاد الإفريقي لعب دور أساسي ومحوري من أجل تعزيز الحلول الممكنة لإنجاح التسوية السياسية للأزمة الليبية، لكن هذه الجهود واجهتها العديد من الصعوبات من أبرزها عرقلة مجموعة من القوى الدولية مساعي الاتحاد في هذه القضية، والتي كانت من أهمها دعوته لمصالحة وطنية ليبية-ليبية. وذلك في سبيل إعادة الأمن والاستقرار لهذا البلد الإفريقي.
وفي هذا الإطار اشتكى الاتحاد الإفريقي من تهميش دوره وتغييبه عن مجموعة اللقاءات والمبادرات التي تسعى إلى حلحلة المسيرة التفاوضية بين أطراف النزاع الليبي للوصول إلى تحقيق حل دائم ومستدام للأزمة.
لكن على الرغم من كل ذلك، فلا يمكن للاتحاد الإفريقي لعب دور فعال في الأزمة وذلك راجع لعدة اعتبارات أبرزها الانقسام الداخلي التي يشهده الاتحاد، وتفاقم الأزمات الأمنية في القارة السمراء، بالإضافة إلى افتقاره لرؤية واضحة ومحددة حول معالم التسوية السياسية الممكنة للأزمة الليبية.
خامسا: سيناريوهات الحل السياسي في ليبيا: بين النجاح والإخفاق
نتيجة للواقع الميداني الذي وسم التوتر الحاصل في النزاع الليبي، فإن واقع هذه الأزمة يرسم سيناريوهين محتملين لمستقبل الأزمة الليبية وهما:
- سيناريو نجاح التسوية السياسية: بحيث يعتبر هذا السيناريو صعب التحقق في ظل الواقع الميداني والسياسي القائم، لكن يبقى ممكناً، ورهيناً بمجموعة من الشروط لإنجاحه وهي:
- على المستوى العسكري: وقف جميع العمليات العسكرية بين أطراف النزاع، ونزع السلاح وتفكيك جميع الميليشيات التي ساهمت في تنامي ظاهرة العنف وتوسيع دائرة القتال داخل الأراضي الليبية.
- على المستوى السياسي: تحقيق توافق سياسي عن طريق مصالحة وطنية شاملة وحقيقية بين مختلف الفرقاء الليبيين يتم التفاهم من خلالها على تقسيم الأدوار، وذلك في سبيل إعادة بناء ليبيا موحدة سياسياً ومؤسساتياً.
- على المستوى الخارجي: التزام الأطراف الإقليمية والدولية بعدم التدخل في الشوؤن الداخلية الليبية واحترام سيادتها واستقلال أراضيها.
- سيناريو فشل التسوية السياسية: يعتبر هذا السيناريو هو المسيطر حالياً والذي يمكن أن يستمر لفترة ليست بالقصيرة في ظل استمرارية العمليات العسكرية التي أطلقها خليفة حفتر منذ أبريل 2019، والتي ساهمت بالإطاحة بكل محاولات التسوية السياسية الودية، بمساعدة وتحريض مجموعة من القوى الخارجية وعلى رأسها الإمارات ومصر اللتان تشاركان بصفة مباشرة إلى جانب قوات خليفة حفتر سواء عبر سلاح الطيران الجوي أو عن طريق تقديم الدعم الميداني، بهدف تمديد أمد الصراع وبالتالي إيصال المسار السياسي للأزمة الليبية إلى طريق مسدود، هذا الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من الاضطراب السياسي والأمني التي ستتجاوز انعكاساته وتهديداته الحدود الليبية.
رابط المصدر: