بعد انتظار دام أسابيع، جاء رد حزب الله على مقتل القيادى العسكرى، فؤاد شكر، بداية الأسبوع الحالى وسط تناقضات فى التصريحات بين الجانبين الإسرائيلى وحزب الله. هذا الأخير أعلن انه أطلق أكثر من 320 صاروخ كاتيوشا على مواقع عسكرية فى شمال إسرائيل، وعددا كبيرا من المسيرات على 11 موقعا وثكنة إسرائيلية فى شمال إسرائيل وهضبة الجولان المحتلة. وانه فى مرحلة أولى استهدف الثكنات والمواقع الإسرائيلية تسهيلا لعبور المسيرات الهجومية باتجاه «هدفها المنشود». وأعلن حسن نصر الله ان الهدف الأساسى من الهجوم كان قاعدة جليلوت للاستخبارات العسكرية، قرب تل أبيب.
فى المقابل أعلنت إسرائيل أنها اعترضت كل الصواريخ والمسيرات التى أطلقت نحو «هدف استراتيجي» فى وسط إسرائيل، وقالت إنها نفذت ضربات استباقية «أحبطت جزءا كبيرا» من هجوم حزب الله، ونفت إصابة قاعدة جليلوت. وقال الجيش الإسرائيلى إنه دمر آلاف منصات إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله فى جنوب لبنان، وذلك فى سلسلة ضربات واسعة، شاركت فيها نحو 100 طائرة حربية. وانه لم تكن هناك خسائر بشرية أو خسائر مادية كبيرة.
تضارب التصريحات يعنى أن الحرب تحولت إلى حرب إعلامية بالمقام الأول. وان كل طرف يحاول تحقيق انتصارات كلامية أكثر منها انتصارات فعلية على الأرض. اما حديث حزب الله عن «مرحلة أولى» من الرد، فيمكن قراءته بأنه ظاهريا محاولة لإبقاء الأمور غامضة بشأن الخطوات التالية، مما يتيح له إمكانية اتخاذ إجراءات إضافية فى المستقبل. لكن فى الواقع، يبدو ان حزب الله حريص على ضبط إيقاع المشهد قدر الإمكان من دون الذهاب نحو عمل قد يستفز إسرائيل وداعميها الذين حشدوا قواتهم فى الشرق الأوسط. فهو اختار الرد بشكل لا يؤدى الى صراع أوسع أو حرب تقليدية شاملة، خاصة مع تجدد الدعوات الدولية والإقليمية لوقف تصعيد الصراع، ورفض الولايات المتحدة اندلاع حرب إقليمية، رغم الحديث عن سعى إيران إليها.
تأكيدا لهذا الطرح، أفادت تقارير ان حزب الله وإسرائيل تبادلا رسائل عبر وسطاء من أجل منع مزيد من التصعيد عقب واحدة من أكبر عمليات تبادل إطلاق النار بين العدوين خلال 10 أشهر. وكانت الرسالة الرئيسية للرسائل أن الجانبين يعدّان أن تبادل القصف المكثف الأحد الماضى «انتهى»، وأن أيا من الجانبين لا يريد حربا شاملة.
رغم الرسائل المعلنة والخفية، هناك واقع لا يتغير بالتصريحات وهو مواصلة قوات الاحتلال شن مئات الغارات والقصف المدفعى، وتنفيذها جرائم فى مختلف أرجاء قطاع غزة، وارتكاب مجازر دامية ضد المدنيين، والقيام بجرائم مروعة فى مناطق التوغل، فى ظل حصار خانق للقطاع وفرض قيود مشددة على دخول الوقود والمساعدات الحيوية العاجلة للتخفيف من الأوضاع الإنسانية الكارثية ونزوح أكثر من 90% من السكان. ومع استمرار العدوان الإسرائيلى على غزة والفشل فى التوصل إلى اتفاق تبادل يفضى إلى وقف فورى ودائم لإطلاق النار، فذلك يضع المنطقة كلها فى مواجهة خطر توسع الصراع إقليميا.
من المتوقع ان ترد إسرائيل على هجوم حزب الله من خلال استهداف مواقع حيوية تابعة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية وأخرى تخص مصالح إيران بالمنطقة، ويشجعها على ذلك انعدام الخيارات أمام حزب الله وإيران وترددهما فى القيام بأعمال غير تقليدية. كما من المتوقع ان ترد ايران على مقتل إسماعيل هنية على أراضيها، لكنها قبل الإقبال على هذه الخطوة، يجب ان تضمن ان إسرائيل لن تقوم برد عدوانى يجر ايران نحو حرب مباشرة.
فى المقابل، لم يتم التوصل إلى اتفاق فى المحادثات الأخيرة التى جرت فى القاهرة من أجل وقف إطلاق النار فى غزة، إذ لم توافق حماس ولا إسرائيل على العديد من الحلول التى قدمها الوسطاء. تتضمن نقاط الخلاف الرئيسية فى المحادثات، الوجود الإسرائيلى فيما يسمى بمحور فيلادلفيا (صلاح الدين) وممر نتساريم. فحماس ومصر تعارضان الوجود الإسرائيلى فى هذا المحور.. كما أبدت اسرائيل تحفظات بشأن عدد المعتقلين الذين تطالب حماس بالإفراج عنهم، وطالبت بخروجهم من غزة إذا تم الإفراج عنهم.
استمرار القتال فى غزة وجمود المحادثات يؤثران سلبا على الوضع الإقليمي. التعنت الإسرائيلى فى الوصول الى وقف لإطلاق النار، مقابل استهداف قياديين موالين لإيران، والرد والرد المضاد يجعل احتمالات نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق واردة رغم سياسة ضبط النفس التى تنتهجها كل الأطراف. لكن أى حركة غير محسوبة ستعنى إشعال المنطقة بالكامل، لا قدر الله.
المصدر : https://ecss.com.eg/47747/