التطبيع الإسرائيلي-الإماراتي وتعاونهما الاستراتيجي في مجالي الملاحة البحرية والطيران

إسماعيل نعمان تلجي

مدخل

كان إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 13 أغسطس/آب 2020، عن توصل الطرفين، الإسرائيلي والإماراتي، إلى تطبيع علاقاتهما مفاجأة، ليس فقط لدول ومجتمعات المنطقة، بل وحول العالم أيضًا. ثم ما لبث أن أعقب هذا التطور، الذي مثَّل نقطة تحول في مستقبل السياسة الإقليمية، اتفاق تطبيع آخر كان هذه المرة مع دولة خليجية أخرى، هي مملكة البحرين. وكجزء من هذه التطورات ذات الرمزية المهمة، اجتمع وزيرا خارجية الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين في البيت الأبيض، في 15 سبتمبر/أيلول 2020، ووقَّعا ما يُسمَّى باتفاق أبراهام.

ويشير اتفاق أبراهام، الذي تضمن أحد عشر بندًا، إلى قبول الطرفين اتخاذ خطوات متبادلة لبناء وتطوير علاقاتهما في مختلف المجالات. ونخص بالذكر، في هذا السياق، المادة السادسة من الاتفاق التي تشير إلى العلاقات في مجالات التمويل والاستثمار والتجارة والاقتصاد والشحن البحري(1). وبالنظر إلى مواد الاتفاق وما تلاه من تطورات، يتضح أنه لا يعني الأطراف المشاركة فيه وحسب، بل يعني أيضًا البلدان المجاورة والفاعلين الدوليين الذين لهم مصالح في المنطقة. وهذا نتيجة لما لاتفاقيات التطبيع تلك من بُعد استراتيجي، وهو ما تهدف هذه الورقة البحثية لمناقشته وتحليله.

التعاون البحري

مباشرةً بعد توقيع اتفاقية التطبيع، بدأت الشركات المتخصصة في الصناعات المعنية في كل من الإمارات وإسرائيل، مفاوضات بينية أفضت إلى توقيعها مذكرات تفاهم متعددة. وبرز من بين تلك العقود العقد الموقَّع بين مجموعة موانئ دبي العالمية -التي تتخذ من دبي مقرًّا لها- وشركة جمارك دبي -التي تقدم خدمات إعادة شحن البضائع وتشغيل الموانئ والخدمات البحرية- من جهة، وبين شركة “دوفر تاور” الإسرائيلية، من جهة أخرى. وقد وقَّع مذكرة التفاهم عن الجانب الإماراتي، سلطان أحمد بن سليم، رئيس مجموعة موانئ دبي العالمية، وعن الجانب الإسرائيلي، شلومي فوغل، مالك “دوفر تاور”. واللافت هنا أن توقيع هذا العقد جاء بعد يوم واحد فقط من توقيع اتفاقيات أبراهام.

وبالإمكان تلخيص مذكرة التفاهم هذه في ثلاث نقاط رئيسية:

  1. تُمكِّن مذكرة التفاهم مجموعة موانئ دبي العالمية من تقييم تطوير الموانئ الإسرائيلية، وكذلك تطوير مناطق حرة، وإمكانية إنشاء خط ملاحي مباشر يربط بين ميناء إيلات الإسرائيلي وميناء جبل علي الإماراتي.
  2. تتمثل مهمة شركة جمارك دبي في تسهيل التجارة بين الشركات الخاصة من الجانبين.
  3. تقوم أحواض دبي العالمية باستكشاف فرص العمل مع أحواض بناء وإصلاح السفن الإسرائيلية.

وفي حديثه عن مذكرة الاتفاق، قال شلومي فوغل: إن الاتفاق يشير إلى بدء شراكة طويلة الأجل بين البلدين، وإنه يعتقد أن الزخم الحالي سيستمر أيضًا مع الاتفاقيات الأخرى التي ستُوقِّعها الشركتان في مجالات أخرى. أما أحمد بن سليم؛ فقال: إن الاتفاقية ستسهم في دفع الجهود المبذولة نحو تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين. وأضاف سليم أن مهمة موانئ دبي العالمية ستتمثل في إتاحة فرص مشتركة لبعث مشاريع تجارية جديدة بين إسرائيل والإمارات، وجعل ممارسة الأعمال التجارية في المنطقة سهلة وأكثر كفاءة(2).

بعد هذا الاتفاق، تبين أن الشركتين قررتا أيضًا تقديم عطاء مشترك للفوز بالمناقصة التي ستُطرح بشأن خصخصة ميناء حيفا الإسرائيلي(3). وكانت الحكومة الإسرائيلية قد أصدرت قرارًا، في يناير/كانون الثاني 2020، يقضي بخصخصة ميناء حيفا. وتتوقع الحكومة الإسرائيلية أن يبلغ الحد الأدنى لعملية الخصخصة 290 مليون دولار. هذا، ويحق للشركة التي ستفوز بالعطاء إدارة ميناء حيفا حتى عام 2054. بالإضافة إلى ذلك، توصلت إسرائيل أيضًا إلى اتفاق لبناء محطة جديدة يُزمع افتتاحها خلال عام 2021 في حيفا، وذلك على إثر توقيع اتفاق مع مجموعة ميناء شنغهاي الدولية الصينية(4).

تجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن شركة موانئ دبي العالمية، ومقرها في دبي، تعمل وفقًا للأجندة السياسة الخارجية التي تبنتها حكومة الإمارات العربية المتحدة في السنوات الأخيرة. ومن الواضح، نظرًا لطبيعة الموانئ التي تملك مجموعة موانئ دبي العالمية حق التشغيل فيها، أن اختيار الشركة للموانئ يتم بعناية ودقة بهدف تحقيق التفوق الجيوسياسي. فعلى سبيل المثال، فازت مجموعة موانئ دبي العالمية بحقوق التشغيل في موانئ إقليمية -مثل ميناء دوراليه في جيبوتي، وهو أحد الموانئ المنافسة لميناء جبل علي الإماراتي- وشغَّلته بقدرة منخفضة لتضمن بقاء دبي كأبرز المراكز التجارية في المنطقة. لكن حكومة جيبوتي، بعد كشفها خبايا جدول أعمال دولة الإمارات، أنهت العقد مع مجموعة موانئ دبي العالمية وقررت الاستمرار في تشغيل ميناء دوراليه بقدراتها الذاتية(5). وكردٍّ على قرار حكومة جيبوتي، رفعت مجموعة موانئ دبي العالمية هذه القضية إلى نظر القضاء، ثم استأنفت الحكم أمام محكمة لندن للتحكيم الدولي. وانتهى الأمر بإصدار محكمة التحكيم الدولي حكمًا لصالح موانئ دبي العالمية، وأمرت جيبوتي بإعادة الحقوق والفوائد المترتبة لمجموعة موانئ دبي العالمية وفقًا لاتفاق الامتياز الذي حصلت عليه الشركة من حكومة جيبوتي، عام 2006(6).

ثمة أيضًا سبب آخر يجعل مجموعة موانئ دبي العالمية تزداد قوة في سعيها إلى السيطرة على الموانئ على المستوى الإقليمي والعالمي، ويتمثل ذلك السبب في الرغبة في استخدام الإمارات تلك الموانئ لدواع سياسية وعسكرية. وفي الواقع، لن نجانب الصواب إذا قلنا: إن دولًا مثل إسرائيل وأميركا تدعم المساعي التي تبذلها مجموعة موانئ دبي العالمية. فهذه الدول، وبدلًا من استخدام مصادرها الخاصة في القرن الإفريقي، فإنها تستخدم هذه الأنشطة التي تنفذها دولة الإمارات وتوظفها للدفاع عن مصالحها. وفي هذا الإطار، من الجدير الإشارة إلى أنشطة الإمارات في الصومال وإريتريا واليمن(7). فقد وقَّعت دولة الإمارات العربية المتحدة، عبر مجموعة موانئ دبي العالمية وشركاتها الأخرى، اتفاقيات مع كل من جمهورية أرض الصومال (صوماليلاند)(8) وبلاد البنط (بونتلاند)(9)، وهما منطقتان إقليميتان تتمتعان بحكم شبه ذاتي في الصومال. وتبذل دولة الإمارات جهودًا كبيرة للسيطرة على موانئ هاتين المنطقتين الصوماليتين، أما هدفها الأساسي من وراء سعيها لبسط سيطرتها على هذه الموانئ فهو إتاحة إمكانية استخدامها من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، حليفتي الإمارات العربية المتحدة، وتحويلهما إلى مراكز لوجستية لخدمة السياسات الإقليمية لإسرائيل وأميركا، خاصة في حال اندلاع اشتباكات عسكرية. غير أن الحكومة الصومالية، بدورها، أوقفت مساعي شركة موانئ دبي العالمية، وهي تعمل حاليًّا على ضمان تشغيل موانئ البلاد بأقصى قدراتها الممكنة خدمة للمصالح الوطنية الصومالية.

هناك أيضًا مثال آخر، وهو ميناء عصب في إريتريا، حيث مُنحت حقوق تشغيله لمجموعة موانئ دبي العالمية. وتستخدم الإمارات الميناء، في الوقت الحاضر، كقاعدة عسكرية في حربها في اليمن. وقد وظَّفت الإمارات مجمعًا عسكريًّا يقع بالقرب من ميناء عصب لتدريب عناصر ميليشيا محلية تدعم حملة الإمارات العسكرية في اليمن.

من جهة أخرى، تكتسب سيطرة الإمارات على ميناء عصب أهمية بالغة في تمكنها من توجيه الأنشطة التجارية التي تمر عبر كل من البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن(10). وقد تناولت العديد من الصحف العالمية الكبرى موضوع سيطرة الإمارات العربية المتحدة على تلك الموانئ وكيف تعاونت مع إسرائيل عسكريًّا واستخباراتيًّا(11). وفي هذا السياق، المتعلق بالتعاون المتسارع بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل في هذه المنطقة، تستحق أنشطة البلدين في اليمن منَّا اهتمامًا خاصًّا؛ إذ وبالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لليمن، فإن إسرائيل مهتمة أيضًا بالمنطقة؛ حيث أُتيحت لتل أبيب، بعد عملية التطبيع، فرصة سانحة لمتابعة اهتمامها بالمنطقة من خلال دولة الإمارات. وفي هذا الإطار، أفاد موقع إلكتروني أميركي، في أغسطس/آب 2020، أن الإمارات وإسرائيل تعتزمان إقامة منشآت عسكرية واستخباراتية في سقطرى(12). وإضافة إلى ما تقدم، فقد زعم المتمردون الحوثيون، المدعومون من قبل إيران، أن الإمارات أرسلت خبراء إسرائيليين إلى الجزيرة. وتبين، في هذه الفترة، أن إسرائيل كانت تعتزم أيضًا إقامة علاقات مع المجلس الانتقالي الجنوبي، وكيل دولة الإمارات في اليمن. ثم أصبحت نية إسرائيل ملموسة أكثر عندما نشر أفيل شنايدر، رئيس تحرير صحيفة “إسرائيل اليوم”، مقالًا عرَّف فيه المجلس الانتقالي الجنوبي على أنه “الصديق السري الجديد” لإسرائيل. وأشار شنايدر في هذا المقال، إلى عقد عدد من الاجتماعات السرية بين الجانبين، غير أنه لم يقدم في مقاله تفاصيل واضحة حول تلك التفاعلات(13).

لقد أوضحت أنشطة موانئ دبي العالمية، في الفترة الأخيرة، سعي الشركة إلى السيطرة على الموانئ الواقعة على الطرق الاستراتيجية لمشروع الصين المسمى “مبادرة الحزام والطريق”؛ مما يوضح اصطفاف دولة الإمارات العربية إلى جانب المصالح الأميركية ودعمها موقف واشنطن في المنافسة المحتدمة بينها وبين الصين. فإذا كانت الموانئ الواقعة على طريق “مبادرة الحزام والطريق” الصينية تخضع لإدارة مباشرة من قبل دولة الإمارات، التي تربطها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأميركية، فإنه، بالتالي، ستكون لواشنطن اليد العليا في منافستها لبيجين.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار كل الحقائق المشار إليها أعلاه، فيمكننا القول: إن الهدف من مذكرة التفاهم الموقَّعة بين موانئ مجموعة دبي العالمية وشركة “دوفر تاور” الإسرائيلية، بالإضافة إلى اقتراب موانئ دبي العالمية من الحصول على حقوق تشغيل ميناء حيفا، هو تقديم الدعم للاستراتيجية الإقليمية الإماراتية.

إن من شأن دراسة متأنية للعلاقات الإسرائيلية-الإماراتية إيضاح أن هذا لم يكن حدثًا غير مسبوق أو معزول. ففي هذا السياق، يتبين أن للشراكة بين مجموعة موانئ دبي العالمية وشركة “زيم المُدمجة لخدمات الشحن”، ومقرها حيفا، أهمية خاصة؛ إذ إنه عندما حاولت شركة موانئ دبي العالمية، عام 2006، الحصول على حقوق تشغيل 24 ميناءً تقع على طول الساحل الشرقي وساحل الخليج الأميركي -وكانت تلك الموانئ حينها خاضعة لسيطرة شركة الشحن اللوجستية البريطانية المعروفة باسم “شركة شبه الجزيرة والشرقية للملاحة البخارية”-، جاء ردُّ الكونغرس والجمهور الأميركي بالرفض، إلا أن الملياردير الإسرائيلي، إيدان عوفر، بعث برسالة إلى هيلاري كلينتون -وكانت في حينها تشغل منصب سيناتور عن مدينة نيويورك- يحثها فيها على تقديم الدعم لمجموعة موانئ دبي العالمية. وقد ادعى عوفر، في رسالته تلك، أن شركة موانئ دبي العالمية لا تشكِّل تهديدًا أمنيًّا، وأضاف في نص رسالته: “كشركة إسرائيلية، تأتي قضية الأمن على رأس أولوياتنا. ونحن نطالب باتخاذ إجراءات أمنية صارمة من جميع مشغلي الموانئ في البلدان التي نعمل معها، وخاصة مشغلي الموانئ الموجودة في الدول العربية. وعلى هذا الأساس، فإن لنا ثقة تامة في شركة موانئ دبي العالمية”(14).

وإضافة إلى ما تقدم عرضه من رسالته، قال عوفر في إحدى المقابلات التي أُجريت معه: “إن سفن شركة زيم المُدمجة لخدمات الشحن رفعت أعلام دول أخرى لتجاوز مقاطعة الدول العربية لإسرائيل حتى تتمكن من الرسو في موانئ دبي(15). وبالإضافة إلى ذلك، ادَّعى إدوارد بيلكي، الممثل لشركة موانئ دبي العالمية، في بيانه أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي، أن شركته نأت بنفسها عن التمييز على أساس هوية الشركات التي تتعامل معها، وأنها تتمتع بعلاقات طويلة الأمد مع الشركات الإسرائيلية. كما ورد أيضًا في تقارير مختلفة أن للشركتين استثمارات مشتركة متنوعة على امتداد آسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية(16).

لا يقتصر التعاون الإماراتي-الإسرائيلي في مجال الملاحة البحرية على ما تقدم فقط، بل يمكن القول: إن تعاونهما اكتسب زخمًا أكبر على إثر توقيع اتفاقيات التطبيع. وبالتوازي مع هذا، وقَّعت المنطقة الحرة في جبل علي، التابعة لمجموعة موانئ دبي العالمية، مذكرة تفاهم مع اتحاد غرفة التجارة الإسرائيلية. وبعد حفل التوقيع الذي أُقيم افتراضيًّا، أصدر كل من سلطان أحمد بن سليم وأورييل لين، رئيس اتحاد غرفة التجارة الإسرائيلية، بيانين أكَّدا فيهما أن مذكرة التفاهم تلك ستسهم في النمو الاقتصادي للمنطقة(17). وعلى إثر هذه التطورات، أعلنت شركة الشحن الإسرائيلية بدء تقديم خدماتها مباشرة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة. ووفقًا لهذا الإعلان، فإن شركة “زيم” ستقدم خدمة، انطلاقًا من إسرائيل وشرق البحر الأبيض المتوسط، إلى الإمارات العربية المتحدة في مقابل نفس الخدمات التي تقدمها الإمارات للشركة الإسرائيلية(18). لكن، وعلى الرغم من أنه من شأن كل هذه التطورات توفير فوائد اقتصادية لكلا البلدين، فإنه لا ينبغي تجاهل وجود بُعد استراتيجي في كل ما يجري؛ إذ إن هذه الاتفاقيات أتاحت الفرصة لدولة الإمارات العربية المتحدة للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا عبر إسرائيل. وفي المقابل، فإن إسرائيل أوجدت لنفسها مكانًا في مواقع استراتيجية مثل البحر الأحمر وباب المندب والقرن الإفريقي.

التعاون الجوي

تأثَّر الطيران المدني أيضًا باتفاقيات التطبيع. وقد لوحظ أن شركات الطيران في إسرائيل والإمارات والبحرين أبدت، منذ الإعلان عن التطبيع، استعدادًا قويًّا لتعاون أوسع فيما بينها في هذا المجال. وفي هذا السياق، عُقدت عدة اجتماعات بين الحكومتين وشركات الطيران الإسرائيلية والإماراتية بهدف تعزيز مستوى التعاون في قطاع الطيران؛ حيث وقَّع الطرفان، مباشرة بعد وقت قصير من توقيع اتفاق التطبيع، على أول عقد من سلسلة اتفاقيات بين البلدين بشأن قطاع الطيران. جاء الإعلان عن الاتفاق خلال حفل أقيم عقب رحلة مباشرة من الإمارات العربية المتحدة إلى تل أبيب. وكان على متن تلك الرحلة من الجانب الإماراتي وزير المالية الإماراتي، عبيد حميد الطاير، وعدد من كبار المسؤولين، ورافق وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوشين، البعثة الإماراتية في تلك الرحلة(19). وخلال كلمته، التي ألقاها بالمناسبة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو: “سنربط بين إسرائيل والإمارات عبر تسيير عدد كبير من الرحلات الجوية المباشرة. وسيكون بإمكان الاسرائيليين الوصول إلى العديد من الوجهات الأخرى في الشرق وفي آسيا انطلاقًا من مطارات الإمارات(20).

شملت الاتفاقية أيضًا مسألة التعاون في قطاع السياحة المرتبط إلى حدٍّ كبير بصناعة الطيران. وتم التأكيد على عزم البلدان إعادة تشغيل خطوط رحلاتهما كجزء من عملية التطبيع وتسهيل الأنشطة السياحية عبر تسيير رحلات جوية جديدة. وجاء أيضًا على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قوله: إن حكومته تتوقع رؤية العديد من السياح الإماراتيين في إسرائيل، وأكد نتنياهو على أن حركة السياحة الإماراتية نحو إسرائيل ستسهم إيجابيًّا في دعم الاقتصاد الإسرائيلي(21). في المقابل، سترحب دولة الإمارات بالسياح الإسرائيليين من أجل ضمان مساهمتهم الإيجابية في الاقتصاد الوطني الإماراتي.

سُجِّلت آخر التطورات المتعلقة بهذا الشأن في نوفمبر/تشرين الثاني 2020؛ حيث وقَّعت شركتا الطيران، الإسرائيلية “العال” والإماراتية “الاتحاد للطيران”، مذكرة تفاهم، في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2020. وتقتضي مذكرة التفاهم اتفاق الشركتين على تبادل المشاركة في خدمات الرمز الموحد والتعاون في مجالات الهندسة وخدمات الشحن(22). وعلى الرغم من أن شركة العال الإسرائيلية لم تعلن بعد عن جدول رحلاتها إلى الإمارات العربية المتحدة، إلا أن شركات إسرائيلية أخرى، مثل: “أركيا” و”إسر للطيران” أعلنتا عن عزمهما تسيير رحلات إلى دبي في غضون شهر واحد. وقد نقلت وكالة رويترز أن شركة “إسر للطيران” تقدمت بالفعل بطلب للحصول على إذن لتقديم خدمات بين دبي والبحرين، مع خطة لتنفيذ رحلات مشتركة إلى البلدين. وستطلق شركة “إسر للطيران” خطها الجوي المتجه إلى البحرين، في يناير/كانون الثاني 2021. على الجانب المقابل، أُعلن عن نية شركة الاتحاد للطيران، وهي الشركة الوطنية الإماراتية للطيران، بدء تسيير رحلات يومية بين أبوظبي وتل أبيب اعتبارًا من 28 مارس/آذار 2021(23).

وهكذا، يبدو أن التعاون في قطاع الطيران المدني سيشهد تسارعًا في وتيرته، وأن البلدين سيحاولان الاستفادة من هذه المبادرات اقتصاديًّا. كما بات من الواضح وجود فوائد متنوعة لتعاون البلدين في قطاع الطيران. فمن ناحية، سيعزز التعاون المتزايد في هذا المجال بين الإمارات وإسرائيل صناعة السياحة والتجارة بينهما. ومن ناحية أخرى، فإنه من المحتمل أن يشهد معدل عدد الركاب قفزة سريعة مقارنة بما كان عليه في الماضي؛ حيث لم يكن هناك رحلات مباشرة ولا إعفاء من التأشيرة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، هذا بالإضافة إلى توقع تسجيل ارتفاع في حجم التجارة بين البلدين. وسيكون تبادل الخبرات في مجالات الطيران، والصناعات المتصلة بها، من بين أهم الفوائد الأخرى لهذا التعاون، كما ستحظى الدولتان بفرصة الاستفادة من خبرة كل منهما في هذا المجال. ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة لأن لإسرائيل قدرات صناعية وتكنولوجية عالية الجودة في مجال الطيران المدني والقطاعات المتصلة به. وبهذا المعنى، فإنه من المرجح أن تحقق الإمارات استفادة قصوى من اتفاقية التعاون هذه.

لا شك في أن يسهم فتح المجال الجوي الإسرائيلي أمام أبو ظبي وتل أبيب في دعم عديد القضايا والمشاريع المشتركة بين البلدين؛ إذ من خلال الوصول إلى المجال الجوي الإسرائيلي، فإن الفرصة ستتاح أمام دولة الإمارات للترويج للسياحة وللسياح، سواء أولئك القادمين إليها من إسرائيل أم من الدول الغربية، وخاصة من أوروبا. وبالمثل، ستحظى تل أبيب بفرصة استخدام المجال الجوي الإماراتي للوصول إلى العرب الحريصين على التطبيع مع إسرائيل. ولهذا السبب، تستخدم إسرائيل الإمارات كمطية لتطبيع علاقاتها مع باقي الدول العربية.

من المؤكد أيضًا أن يكون للتعاون المتزايد بين تل أبيب وأبوظبي تأثير على نشاط الطيران في الشرق الأوسط. وهو ما ينطبق، بشكل خاص، على أنشطة شركات الطيران في المنطقة مثل الخطوط الجوية التركية والخطوط الجوية القطرية. وفي الواقع، فإن القيادة الإماراتية تسعى، بالإضافة إلى التعاون بينها وبين نظيرتها في إسرائيل، إلى توظيف اتفاقية التطبيع كميزة ضد الدول المنافسة لها في هذا المجال، مثل تركيا وقطر. وعليه، فستسعى شركات الطيران الإماراتية، التي بدأت تسيير رحلاتها إلى إسرائيل، إلى جعل الخط الجوي الرابط بينها وبين تل أبيب أكثر شعبية، وبالتالي، فإنها ستحاول الحد من نجاح الخطوط الجوية التركية والقطرية، التي تتنافس معهما باستمرار. وفي هذا السياق، فمن المنتظر إدراج بعض أكثر وجهات الخطوط الجوية التركية شعبية في جداول شركتي “طيران الإمارات” و”الاتحاد” الإماراتيتين كجزء من عملية التطبيع، وسيتم استخدامها كميزة خاصةً ضد الخطوط الجوية التركية. وفي هذا الإطار، وقَّعت سلطات الطيران المدني في إسرائيل والإمارات اتفاقية تشمل جدولة تسيير 28 رحلة جوية تجارية بين الإمارات وتل أبيب أسبوعيًّا. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية لا تقتصر فقط على الرحلات الجوية بين البلدين؛ مما يعني أنه سيتم جدولة مواعيد رحلات مشتركة أخرى تربط بين دولة الإمارات وإسطنبول أو بين تل أبيب وإسطنبول من قبل شركات الطيران الإماراتية والإسرائيلية(24).  لهذا، يمكننا أن نجادل بأن التعاون الإماراتي-الإسرائيلي ربما يؤدي إلى نكسة قد تطول الخطوط الجوية القطرية ونظيرتها التركية، اللتين كانتا تسيِّران عددًا مهمًّا من الرحلات الجوية في العقدين الماضيين.

وأخيرًا، ثمة فائدة مباشرة أخرى لقطاعي الطيران الإسرائيلي والإماراتي تتمثل في اختصار مدة الطيران التي ستوفرانها باستخدامهما المتبادل للمجالين الجويين لدولتيهما. فقد قبلت إسرائيل والإمارات، كجزء من اتفاقية التطبيع، فتح مجاليهما الجويين أمام شركات الطيران التابعة لهما، وبهذا سيتقلَّص وقت السفر بشكل كبير. ومن المقرر أن يعمل البلدان على أن تتمكن شركات طيرانهما من تقديم أفضل عروض للرحلات التي تربط بين دول الخليج وآسيا وأوروبا وأميركا. وفي هذا الإطار، كانت رحلة شركة “الاتحاد للطيران” التي انطلقت من ميلانو الإيطالية إلى أبوظبي الإماراتية أول رحلة تحصل على إذن بالتحليق في المجال الجوي الإسرائيلي. هذا، ومن المتوقع أن تشهد أعداد مثل هذه الرحلات ارتفاعًا ملحوظًا في قادم الأيام.

بوصلة مضطربة

بالنظر إلى كل هذه التفاصيل، يتضح أن اتفاقيات التطبيع الموقَّعة بين الإمارات وإسرائيل -والتي انضمت إليها لاحقًا مملكة البحرين وجمهورية السودان- لا تكتسي أهمية سياسية أو رمزية فحسب، بل يُراد لها أيضًا أن تسهِّل التعاون بين البلدين في عدد من المجالات الاستراتيجية. ومن الأدلة على ذلك ازدياد حجم التعاون بين دول الخليج وإسرائيل، مباشرة بعد التوقيع على اتفاقيات التطبيع، في مجالات: البحرية والطيران والعسكرية. ويمكن النظر إلى التعاون الإماراتي-الإسرائيلي في بعض المجالات الجديدة على أنه نتاج رغبة البلدين في ضمان أمنهما بما يتفق مع مخاوفها الجيوسياسية.

من المؤكد أن التعاون في عمليات إدارة الموانئ ومشاريع التجارة البحرية والطيران بعد توقيع اتفاقيات التطبيع، مهم على الصعيد الجيوسياسي، غير أن ما تلا ذلك من اتفاقيات بشأن الإمدادات العسكرية يثبت أن لعملية التطبيع أيضًا ارتباطًا كبيرًا بالشواغل الأمنية. وبغضِّ النظر عن هذا، فبالإمكان القول: إن عملية التطبيع مهمة أيضًا لمصالح أميركا الاستراتيجية في المنطقة. وبهذا المعنى، يمكن القول: إن الهدف من التطبيع إنما يتمثل في إنشاء جبهة موحدة تضم جميع شركاء أميركا في المنطقة لتقف ضد إيران وغيرها من الفاعلين المعادين. ويتم كل هذا بينما تسحب أميركا قواتها من المنطقة.

في الختام، من المؤكد أن يتيح التعاون المتزايد في مجالات قطاعي الطيران البحري والمدني فرصًا إضافية أمام تعزيز التحالف بين إسرائيل وبعض دول الخليج، وبالأخص منها الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وربما المملكة العربية السعودية في وقت لاحق. ومع ذلك، فلابد من الإشارة إلى أن تشكيل مثل هذا التحالف قد يؤدي، في المقابل، إلى مزيد من ضياع بوصلة الوحدة بين دول الخليج، التي يبدو واضحًا أنها منقسمة فعلًا إلى معسكرات متباينة على مستوى توجهات سياساتها الخارجية.

ملاحظة: أُعدَّت هذه الورقة البحثية لمركز الجزيرة للدراسات باللغة الإنجليزية، وترجمها إلى العربية الدكتور كريم الماجري

مراجع
  1. “Abraham Accords Peace Agreement: Treaty of Peace, Diplomatic Relations and Full Normalization Between the United Arab Emirates and the State of Israel” The White House, 15 September 2020, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.whitehouse.gov/briefings-statements/abraham-accords-peace-a…

  1. “DP World and Dubai Customs to assess opportunities to develop trade links between UAE and Israel”, DP World, 16 September 2020, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.dpworld.com/news/releases/dp-world-and-dubai-customs-to-ass….

  1.  Steven Scheer, “Israel Shipyards, DP World jointly bid in Haifa Port privatization”, Reuters, 29 October 2020, (Accessed: November 25, 2020). https://www.reuters.com/article/israel-shipyards-dp-world-ports-int-idU….
  2. “Israel to Privatize Port of Haifa”, The Maritime Executive, 19 November 2020, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.maritime-executive.com/article/israel-to-privatize-port-of-….

  1. “Djibouti Terminates DP World’s Concession at Doraleh”, The Maritime Executive, 19 November 2020, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.maritime-executive.com/article/djibouti-terminates-dp-world….

  1. “London Court of International Arbitration orders the Republic of Djibouti to immediately restore DP World to its rights and benefits under container terminal concession”, DP World, 14 January 2020, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.dpworld.com/news/releases/london-court-of-international-arb….

  1.    İsmail Numan Telci and Tuba Öztürk Horoz, “Military Bases in the Foreign Policy of the United Arab Emirates”, Insight Turkey, 20 (2), 143-165, 2018.
  2. Matina Stevis and Asa Fitch, “Dubai’s DP World Agrees to Manage Port in Somaliland for 30 Years”, The Wall Street Journal, 10 May 2016, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.wsj.com/articles/dubais-dp-world-agrees-to-manage-port-in-s….

  1. “DP World’s P&O Ports wins contract for Puntland port”, Middle East Logistics, 10 April 2017, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.logisticsmiddleeast.com/article-13125-dp-worlds-po-ports-wi….

  1.   İsmail Numan Telci and Tuba Öztürk Horoz, age, p.158-160.
  2.  Ibrahim Jalal, “UAE-Israel normalization gives rise to new risks for Yemen and the region”, Middle East Institute, 14 September 2020, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.mei.edu/publications/uae-israel-normalization-gives-rise-ne….

  1.  Gulsen Topcu, “’UAE building military camps on Yemen’s Socotra island’”, Anadolu Agency, 08 September 2020,(Accessed: November 25, 2020). https://www.aa.com.tr/en/middle-east/uae-building-military-camps-on-yem….
  2. Aviel Schneider, “Israel’s New “Secret” Friend in Yemen”, Israel Today, 21 June 2020, (Accessed: November 25, 2020). https://www.israeltoday.co.il/read/israels-new-secret-friend-in-yemen/.
  3. “DP World Says It Works With Israeli Firms”, Fox News, 2 March 2006, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.foxnews.com/story/dp-world-says-it-works-with-israeli-firms.

  1. “Israeli carrier Zim sides with DP World”, American Shipper, 3 March 2006, (Accessed: November 25, 2020). https://www.freightwaves.com/news/israeli-carrier-zim-sides-with-dp-wor….
  2. “Carl Hulse, “New Concerns on Port Deal Are Raised in Congress”, The New York Times, 01 March 2006, (Accessed: November 25, 2020). https://www.nytimes.com/2006/03/01/politics/new-concerns-on-port-deal-a….
  3. “Jafza, FICC sign MoU to boost economic and trade relations” Gulf Today, 26 September 2020, (Accessed: November 25, 2020). https://www.gulftoday.ae/business/2020/09/26/jafza-ficc-sign-mou-to-boo….
  4. Marcus Hand, “ZIM to offer direct services between Israel and UAE”, Seatrade Maritime News, 21 October 2020,(Accessed: November 25, 2020). https://www.seatrade-maritime.com/containers/zim-offer-direct-services-….
  5. “Israel, UAE sign four agreements including visa-exemption deal”, Al Jazeera, 20 October 2020, (Accessed: November 25, 2020). https://www.aljazeera.com/news/2020/10/20/israel-uae-sign-visa-exemptio….
  6.   David Kaminski, “Israeli-UAE flights beckon after air services pact signed at summit”, Flight Global, 20 October 2020, (Accessed: November 25, 2020).

https://www.flightglobal.com/air-transport/israeli-uae-flights-beckon-a….

  1. Aarti Nagraj, “UAE, Israel agree on bileteral visa-free travel”, Gulf Business, 20 October 2020, (Accessed: November 25, 2020). https://gulfbusiness.com/uae-israel-agree-on-bilateral-visa-free-travel/.
  2. “Israel’s El Al Airlines, UAE’s Etihad explore joint codeshares”, Reuters, 19 November 2020, (Accessed: November 25, 2020). https://www.reuters.com/article/el-al-arlns-etihad/israels-el-al-airlin….
  3. Ibid.
  4. Idan Zonshine, “Israel, United Arab Emirates agree to sign commercial aviation deal” The Jerusalem Post, 18 October 2020,(Accessed: November 25, 2020).

https://www.jpost.com/arab-israeli-conflict/israel-united-arab-emirates….

 

رابط المصدر:

https://studies.aljazeera.net/ar/article/4856

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M