بون ـ رشا عمار ، باحثة في التطرف والإرهاب
يعمل الاتحاد الأوروبي على استباق وتعطيل الهجمات الإرهابية بداية من منع الجماعات المتطرفة من شراء الأسلحة أو صنع القنابل، وصولاً إلى محاولة مكافحة التطرف في المقام الأول، ولا يزال الإرهاب “الجهادي” يمثل أكبر تهديد للاتحاد الأوروبي، ومع ذلك، تواجه أجزاء من أوروبا ارتفاعاً في نشاط الجناح اليميني، في الوقت نفسه، تظل السلطات في حالة تأهب تجاه المتطرفين اليساريين والفوضويين، والنشاط الإرهابي العرقي القومي والانفصالي.
وفي ضوء استراتيجبة حاسمة لمواجهة الإرهاب والتطرف، اعتقلت سلطات إنفاذ القانون في الاتحاد الأوروبي (388) مشتبهاً بهم لارتكابهم جرائم تتعلق بالإرهاب في عام 2021، وتم تنفيذ أكثر من ثلثي هؤلاء (260) عقب التحقيقات في جرائم الإرهاب “الجهادي” في النمسا وفرنسا وإسبانيا، وأسفرت إجراءات المحكمة التي انتهت في عام 2021 عن إدانة (423) بجرائم إرهابية، وفق تقرير المجلس الأوروبي المنشور بتاريخ 11 أغسطس 2022.
ولذلك تتعاون دول الاتحاد الأوروبي بشكل وثيق أكثر من أي وقت مضى في مكافحة الإرهاب من خلال استباق الهجمات الإرهابية وتعطيلها، وتنسيق الجهود، ومنع التطرف وتبادل المعلومات.
تهديد جماعات “السلفية الجهادية” في أوروبا
قالت المديرة التنفيذية لليوروبول، كاثرين دي بول يوم 23 يوليو 2022: “تؤكد نتائج TE-SAT 2022 أن الإرهاب لا يزال يشكل خطراً حقيقياً وقائماً على الاتحاد الأوروبي، بينما يبدو أن عملنا المشترك لتعطيل ومنع الهجمات له تأثير إيجابي، فإن الجهات الفاعلة المنفردة المرتبطة بالتطرف “الجهادي” واليميني العنيف لا تزال مصدر قلق للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي واليوروبول، في زمن التحولات الجيوسياسية، يحتاج الاتحاد الأوروبي إلى مواصلة إجراءاته لمكافحة الإرهاب أكثر من أي وقت مضى، ستواصل يوروبول العمل بشكل وثيق مع شركائها لمواجهة التحديات المقبل.”“الجهاديون الألمان” أين هم الآن، وماهو وضعهم القانوني ؟
وفي السياق أشار “اليوروبول” في تقريره عن وضع واتجاهات الإرهاب لعام 2022، والذي نشره في 13 يوليو 2022، إلى أن التهديد يأتي بشكل أساسي من الإرهابيين الأفراد والمتطرفين اليمينيين المتطرفين.
فيما أشارت تقارير إلى عودة المقاتلين الأجانب من مناطق مثل سوريا والعراق باعتبارها خطر محدق، لتنشيط عمل الجماعات السلفية الجهادية، التي وسعت نشاطها في أوروبا إلى حد يثير القلق خلال السنوات الماضية، وذلك اعتماداً على علاقاتها مع داعش في سوريا والعراق في الخارج، فضلاً عن تنظيم القاعدة، لكن التحذيرات زادت لحد كبير مع تنامي مخاوف جدية من تفعيل نشاط تلك الجماعات بعد وصول حركة طالبان المتطرفة إلى الحكم في أفغانستان في 14 أغسطس 2021.
تُظهر الهجمات الأخيرة في الاتحاد الأوروبي بحسب اليوروبل، نية وقدرة الجماعات المتطرفة الإسلاموية على إلحاق خسائر جسيمة بالسكان الحضريين في محاولة للحث على حالة عالية من الإرهاب المعلن عنه جيداً. لذلك فإن الشغل الشاغل للدول الأعضاء هو الإرهاب الجهادي والظاهرة الوثيقة الصلة المتمثلة في المقاتلين الإرهابيين الأجانب الذين يسافرون من وإلى مناطق الصراع.
كما تجد أوروبا نفسها في هذه الأيام أمام تهديدات إرهابية غير مسبوقة، بعدما أفادت تقارير بأن بعض الجماعات الإرهابية الجهادية دعت أنصارها إلى الاستفادة من الصراع في أوكرانيا والحصول على أسلحة من تلك التي يتم توريدها إلى كييف ويعجز الغرب عن تتبعها.
مؤشر إرهاب الجماعات المتطرفة الإسلاموية في أوروبا
يتصل التهديد الذي تمثله تلك الجماعاتالإسلاموية المتطرفة، الإسلام السياسي بكل اطيافه، بشكل مباشر بالمخاطر المتعلقة بتنامي السلفية “الجهادية”، وتعرضت دول الاتحاد الأوروبي خلال عام 2021 لنحو (15) هجوماً إرهابياً تم إحباط معظمهم ونفذ الإرهابيون ثلاث هجمات في فرنسا وألمانيا والنمسا، فيما قُتل شخصان في هجمات إرهابية عام 2021، وكان الإرهابيون الجهاديون مسؤولين عن كلا القتلى، وتم الإبلاغ عن (388) حالة اعتقال للاشتباه في ارتكابهم جرائم إرهابية في دول الاتحاد الأوروبي إلى اليوروبول في عام 2021.
وكانت الجريمة الأكثر شيوعاً التي أدت إلى الاعتقال، من بين أولئك الذين تم الإبلاغ عنهم، هي الانتماء إلى تنظيم إرهابي أو تشخيص إرهابي، غالباً ما يقترن بنشر الدعاية أو التخطيط لأعمال إرهابية، وكذلك الانتماء لتنظيمات متطرفة تعمل على نشر الفكر المتطرف أو التخطيط لتنفيذ عمليات داخل البلاد.
تتنوع التهديدات وتتغير باستمرار ففي حين يستمر تنظيم القاعدة وداعش التحريض على الهجمات المنفردة، لا يزال المئات من الجهاديين الأوروبيين في معسكرات اعتقال في شمال سوريا، وفي الوقت ذاته يستمر التطرف والتجنيد في السجون بينما يستمر التطرف اليميني العنيف في جذب المجندين الأصغر سناً، بما في ذلك عبر منصات الألعاب.“الجهاديون”ـ مصادر التمويل من داخل أوروبا !
مخاطر اليمين المتطرف في أوروبا
بعد فوز زعيمة اليمين المتطرف في إيطاليا بالانتخابات التشريعية يوم 25 سبتمبر2022، واتجاهها نحو تشكيل الحكومة الجديدة بالبلاد، وسع اليمين المتطرف رقعة سيطرته داخل القارة الأوروبية لتشمل (5) دول هي: إيطاليا والسويد والمجر وبولندا وإسبانيا.
ويمثل صعود اليمين المتطرف تهديداً متزايداً للحكومات الأوروبية ربما لا يقل في خطورته عن الإرهاب الإسلاموي، وقد أصبح أصبح المتطرفون اليمينيون يمثلون تهديداً إرهابياً أكبر من أي وقت مضى في أوروبا، وفقاً لأجهزة المخابرات والشرطة في الاتحاد الأوروبي. وأكدت الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي في مذكرة داخلية حديثة للدول الأعضاء في 29 أبريل 2022 “تواجه عدة دول أوروبية تهديداً متزايداً من المتطرفين اليمينيين العنيفين”.
وتعتمد استراتيجية الييمين المتطرف على العنصرية تجاه الأجانب ورفض سياسة الهجرة. فبعد أزمة اللاجئين عام 2015 ، كانت هناك زيادة في الحركات المعادية للأجانب والمناهضة للهجرة في جميع أنحاء أوروبا وتفسر هذ الركائز على الأرجح سبب ارتفاع هجمات اليمين المتطرف.
إن التهديد الجهادي آخذ في الانخفاض، في حين تتزايد التهديدات، وقد اعتبرت بعض الدول الأوروبية الإرهاب المحلي أو اليميني المتطرف الخطر الرئيسي الذي يواجه السلطات وفي ألمانيا أيضاً، يعتبرأكبر تهديد متطرف للديموقراطية، وكذلك في العديد من البلدان الأوروبية الأخرى، فإن أجهزة الاستخبارات تراقب عن كثب التطرف اليميني لكنها لا تزال تعتبر أن التهديد الأكثر احتمالاً وفورياً بالهجوم سيأتي من الدوائر الجهادية. ومع ذلك، في بلدان أخرى، تعتبر التهديدات من الإرهاب الجهادي وإرهاب اليمين بنفس القدر، في حين أن الأمور لا تزال في حالة تغير واضح، يتوقع عدد من المحللين بالفعل أن التطرف اليميني يمكن أن يصبح التهديد الإرهابي المهيمن في العقد المقبل على الأقل في الدول الأوروبية.
تحذيرات أجهزة الاستخبارات
دعا الاتحاد الأوروبي في 8 أغسطس 2022، دوله الأعضاء إلى مواصلة النقاش حول التبادل الفعال للمعلومات حول المقاتلين الأجانب الذين يشكلون تهديدا خطيراً، بشأن الانجازات والخطوات التالية في حماية الأوروبيين من الإرهاب.
وقال فلاديمير فورونكوف، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب يوم 9 أغسطس 2022 إلى أن إرهابيي “داعش” يحاولون استغلال الوضع في أوكرانيا لشن هجمات في أوروبا.
أظهرت التحقيقات في بريطانيا في 22 سبتمبر 2022 أن الجماعات المتطرفة تستخدم التبرعات لدعم الأنشطة المتطرفة، ومن المحتمل أن تمول تلك التبرعات نشاطاً إرهابياً، فعلى سبيل المثال سُجن رجل بعد إدانته بـ(9) جرائم بموجب قانون الإرهاب لعام 2000 وشملت جرائمه الدخول في تمويل أنشطة الجماعات المتطرفة وجمع الأموال وحيازة أشياء لأغراض متطرفة.
حذرت وكالة الأمن والاستخبارات الهولندية (AIVD) بتقريرها في 29 أبريل 2022 أن احتمال وقوع هجمات إرهابية من قبل الجماعات اليمينية المتطرفة في البلاد آخذ في الازدياد.“الجهاديون “ـ خطر “السلفية الجهادية” المتزايد على ألمانيا
أكدت السلطات القضائية البلجيكية في 17 أبريل 2022 أن هناك (14) شخصاً ساعدوا المجموعة “الجهادية” التي نفذت هجمات باريس في عام 2015 ووجهت السلطات اتهامات بشأن قيادة مجموعة إرهابية أو المشاركة في أنشطة إرهابية ومساعدة المتطرفين على السفر إلى سوريا.
تقييم
لا تزال أوروبا بحاجة لتعزيز استراتيجياتها لمواجهة الإرهاب على مختلف مصادره سواء المتعلق بالتنظيمات الجهادية الإسلاموية أو اليمين المتطرف، وبالرغم من نجاح الجهود الأوروبية خلال السنوات الماضية في خفض وتيرة الإرهاب في غالبية دول الاتحاد الأوروبي، وتحقيق نجاح ملحوظ بهذا الصدد إلا أن التحديات لاتزال مستمرة بشكل متزايد، تنظيم الدولة خاصة في ضوء سياسة التحوير التي تتبعها معظم تلك الجماعات لخلق مساحات جديدة لها بين الحين والآخر.
تتنوع التهديدات والمخاطر وتتغير باستمرار ففي حين يستمر تنظيم القاعدة وداعش في التحريض على الهجمات المنفردة، لا يزال المئات من” الجهاديين” الأوروبيين في معسكرات اعتقال في شمال سوريا، وفي الوقت ذاته يستمر التطرف والتجنيد في السجون بينما يستمر التطرف اليميني العنيف في جذب المجندين الأصغر سناً، بما في ذلك عبر منصات الألعاب، لذلك يحتاج الامر غلى مضاعفة الجهود من جانب دول الاتحاد الأوروبي لتجاوز المخاطر المحتملة.
تزداد خطورة الإرهاب من تنامي الاضطرابات الجيوسياسية في العالم، خاصة ما يتعلق بتداعيات الحرب الأوكرانية وتأثيرها على تنامي ظاهرة الإرهاب في العالم بشكل عام وداخل أوروبا على وجه التحديد.
يجب الإشارة إلى أن الهجمات الإرهابية لا تستهدف الضحايا وأصدقائهم وعائلاتهم فحسب، بل تستهدف المبادئ الأساسية للاتحاد الأوروبي، لذلك يجب أن تضمن المجتمعات الديمقراطية استجابة شاملة لحماية ودعم المواطنين وطريقة حياتهم.
هوامش
نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات
.
رابط المصدر: