غرانت روملي
كارول سيلبر
ستستمر الحكومات في المنطقة في تحقيق التوازن بين بكين وواشنطن، لذلك يجب على صانعي السياسات في الولايات المتحدة التركيز على قلب الميزان لصالح واشنطن، ومواجهة رواية الانسحاب الأمريكي، وتجنب التصعيد غير الضروري مع الصين.
مع اشتداد التنافس بين الولايات المتحدة والصين على الصعيد العالمي، وصلت أصداء هذا التنافس إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ترفض الصين على ما يبدو وبشكل متزايد الاعتماد حصرياً على مظلة الأمن الأمريكية في المنطقة. ويتجلى هذا الرفض في وجود أمني صغير بل متنامي. وفي دراسة حديثة، أوضحنا السبل التي يحمي بها هذا الوجود مصالح الصين في المنطقة، وما قد تفكر الولايات المتحدة في فعله رداً على ذلك.
وتتوافق بعض مصالح الصين في المنطقة مع المصالح الأمريكية. فالصين تسعى وراء استقرار السوق من أجل الحفاظ على وصولها الاقتصادي إلى المنطقة وتعزيز التدفق الحر للتجارة. ولتحقيق هذه الأهداف، على سبيل المثال، نشرت الصين فرق عمل بَحْرية لمكافحة القرصنة في المياه الدولية. لكن الصين تسعى أيضاً إلى تعزيز صورتها كقوة عالمية وأظهرت استعداداً متزايداً لإبراز قوتها العسكرية خارج حدودها. وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تجلت هذه المساعي في شبكة لا تعد ولا تحصى من الاستثمارات في الموانئ والمجمعات الصناعية، والتي – على الرغم من أنها تمت أولاً بمصلحة تجارية – يمكنها أيضاً خدمة الأصول العسكرية الصينية في المستقبل، نظراً لضبابية الخطوط الفاصلة بين الصناعة والجيش. كما تضمنت جهوداً متواضعة، بل متنامية، لبيع المنصات العسكرية في الأسواق المتخصصة في المنطقة. وتمثل هذه الجهود الثلاثة مجتمعة – الانتشار العسكري، والاستثمارات في البنية التحتية الحيوية، ومبيعات الأسلحة – جوهر الوجود الأمني الصيني في المنطقة.
وكان أول انتشار عسكري تقليدي للصين فيما يتخطى البحار القريبة منها عبارة عن فرقة عمل لمكافحة القرصنة تم إرسالها إلى خليج عدن في عام 2008. وتعتبر فرقة العمل، التي تستمر في مزاولة عملياتها حتى اليوم، نجاحاً باهراً في بكين. وفي حزيران/يونيو 2022، زعمت وسائل الإعلام الحكومية الصينية أن فرقة العمل قد نشرت أكثر من 100 سفينة و 30 ألف جندي لمرافقة أكثر من 7000 “سفينة تجارية تابعة للصين ودول أجنبية” منذ إنشائها. ومنذ ذلك الحين، دعمت القوات الصينية في المنطقة عمليات الإجلاء من ليبيا واليمن وإزالة الأسلحة الكيميائية من سوريا. وكان استمرار عملياتها عاملاً رئيسياً في قرار الصين عام 2017 بإنشاء أول قاعدة خارجية لها في جيبوتي المجاورة لليمن عبر البحر الأحمر. بالإضافة إلى ذلك، أجرت القوات العسكرية الصينية مناورات مشتركة مع إيران والمملكة العربية السعودية ومصر، كما أجرت قواتها البحرية رحلات إلى موانئ إيران ومصر وإسرائيل وجميع دول «مجلس التعاون الخليجي» منذ عام 2010.
وتلعب استثمارات البنية التحتية الحيوية دوراً رئيسياً في تعزيز الوجود الأمني للصين. وتشترط الصين أن يكون لدى المؤسسات الخاضعة لسيطرة الدولة في قطاعات معينة القدرة على خدمة الأصول العسكرية الصينية، مما يؤدي إلى طمس الخط الفاصل بين وجودها التجاري والعسكري في الخارج. وهذا المزج بين المؤسسات التجارية الخاضعة لسيطرة الدولة والتطور العسكري، والذي يشار إليه عادةً بمصطلح “الاندماج العسكري-المدني”، يخلق معضلة في الشرق الأوسط: إذ يمكن للاستثمار الصيني في الموانئ والمجمعات الصناعية، على الرغم من أنه مصمم لتنمية التجارة، أن يدعم أيضاً الأصول البحرية الصينية ويساعد الصين على توسيع وجودها العسكري في المنطقة. واستثمرت الصين في الموانئ والمجمعات الصناعية في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما في ذلك في إسرائيل ومصر والسعودية والإمارات، مما تسبب في كثير من الأحيان في ضغوط كبيرة على علاقة الدولة المضيفة بالولايات المتحدة. والجدير بالذكر أن أنشطة الصين في ميناء آل خليفة في الإمارات العربية المتحدة ساهمت في انهيار المفاوضات لحصول هذه الأخيرة على طائرات “إف-35” من الولايات المتحدة.
وتُعد مبيعات الأسلحة سمة أخرى من سمات التقدم الأمني للصين في المنطقة. فقد نجحت بكين في استهداف سوق متخصصة في المنطقة، وهي: المركبات الجوية المسيّرة المسلحة، والتي باعتها إلى الإمارات والعراق والأردن والسعودية ومصر والمغرب، من بين دول أخرى. ولطالما كانت الولايات المتحدة حذرة من بيع الطائرات المسيّرة المسلحة لشركائها في المنطقة. وفي الواقع، اشترى الأردن طائرات بدون طيار صينية بعد رفض طلبه لشراء طائرات مسيّرة من الولايات المتحدة. كما أن الصين أكثر استعداداً لمشاركة التكنولوجيا العسكرية الحساسة والتعاون في البحث والتطوير مع الشركاء الإقليميين: فقد أعلنت الصين والسعودية عن خطط لإنتاج طائرات مسيّرة بشكل مشترك، وتشير التقارير من عام 2021 إلى أن السعودية كانت تنتج صواريخ باليستية بدعم تكنولوجي صيني.
ويشكل الوجود الأمني المتزايد للصين في المنطقة معضلة للولايات المتحدة وشركائها. ولا تشكل جميع علاقات الصين أو طموحاتها في الشرق الأوسط تهديداً لمصالح الولايات المتحدة وعلاقاتها، لكن العديد منها يمثل تحديات خطيرة. وللتغلب على هذه التحديات، يجب على الولايات المتحدة إجراء تقييم دقيق لنوع الوجود الأمني الصيني في بلد معين والمخاطر المرتبطة بمصالحها من أجل الرد بشكل متناسب. فالتمييز بين دولة تجمعها علاقة اقتصادية في المقام الأول مع الصين، ودولة تجمعها علاقة اقتصادية وعسكرية مع الصين، سيضيف فارقاً بسيطاً إلى نهج الولايات المتحدة تجاه الصين ويتجنب الاضطرابات غير المبررة مع الشركاء الإقليميين.
وفي النهاية، ستسعى دول الشرق الأوسط إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع الولايات المتحدة والصين. وتعتمد كيفية تأثير واشنطن على هذا التوازن لصالحها على ما هي مستعدة لتقديمه لشركائها ذوي الاحتياجات طويلة الأمد. يتعين على المسؤولين الأمريكيين أن يحددوا بكل وضوح ما يعتبرونه معايير مقبولة للعلاقة الأمنية لدولة معينة مع الصين. يجب أن تكون الولايات المتحدة أيضاً أكثر استعداداً لتقديم برامج عسكرية مختارة ووسائل الإنتاج المشترك لتعزيز دفاعات الشركاء وصناعاتهم. ويجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تكون على دراية برواية الانسحاب الأمريكي في المنطقة، وأن تبذل قصارى جهدها لمواجهة هذه الرواية من خلال تكثيف وجودها الدبلوماسي على الأرض، وتنسيق الزيارات رفيعة المستوى، وإعطاء الأولوية للاحتياجات الأمنية لشركائها. ومن خلال قيامها بذلك، بإمكان الولايات المتحدة تجنب التصعيد غير الضروري مع الصين، والحفاظ على شبكتها الإقليمية من الشراكات الدفاعية، وإيجاد طريقة نحو وجود مستدام طويل الأجل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
.
رابط المصدر: