حتى لو ثبت أن اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية غير قابل للتحقيق في الوقت الحالي، إلّا أنه لا يزال يتعين على واشنطن والرياض البحث عن طرق لتعزيز التعاون العسكري والدفاعي من أجل دفع المصالح المشتركة والاستعداد للتحديات الأمنية المستقبلية.
في الوقت الذي يواصل فيه المسؤولون الأمريكيون جهودهم للتوسط (إلى اتفاق) لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية، لا تزال عقارب الساعة تدقبشأن أحد أهم النتائج الثانوية المحتملة لهذا التطبيع، وهو إبرام اتفاق دفاعي رسمي بين الولايات المتحدة والمملكة. ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون توسيع التعاون العسكري والدفاعي مع السعوديين مقيداً بالجدول الزمني المضغوط والنتيجة غير المؤكدة لمحادثات التطبيع الحالية – فهناك الكثير مما يمكن لواشنطن والرياض القيام به في إطار هذا النقاش وخارجه لتعزيز قواعدهما الصناعية الدفاعية وترسيخ المملكة كمركز إقليمي لعمليات الدفاع الجوي والصاروخي.
توسيع التعاون العسكري
بدأ التعاون العسكري بين الولايات المتحدة والسعودية ببناء “مطار الظهران” (“قاعدة الملك عبد العزيز الجوية” حالياً) بموجب اتفاقية أُبرِمت في عام 1945، في البداية لأغراض لوجستية أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم كقاعدة استراتيجية للحرب الباردة. وفي الثمانينيات، تعاون البلدان لدعم المجاهدين الأفغان ضد الغزو السوفييتي. وفي وقت لاحق، تعاونا لاحتواء عراق صدام حسين ونشاط إيران المزعزع للاستقرار في المنطقة.
وعلى مر العقود، نمت هذه الشراكة لتشمل مجموعة واسعة من التدريبات العسكرية. فعلى سبيل المثال، ساعدت مناورتان عسكريتان متعددتا الأطراف في تعزيز القدرات وقابلية التشغيل البيني، وهما: “العلم الأحمر“، التي تُجرى بانتظام في الولايات المتحدة مع التركيز على التدريب المتقدم على القتال الجوي، و”عزم النسر“، التي تُجرى مرتين في السنة في دول “مجلس التعاون الخليجي” وتركز على التشغيل البيني المشترك متعدد المجالات. وتدمج تدريبات أخرى – مثل سلسلة “الرمال الحمراء” التي تركز على مواجهة الطائرات بدون طيار – التقنيات الناشئة في سيناريوهات العالم الحقيقي، مما يوفر فرص تعلّم أساسية للقوات المسلحة لكلا البلدين.
ولتكثيف هذا التعاون، يجب على واشنطن توسيع نطاق التدريبات المذكورة أعلاه وتشجيع فرص التدريب المشتركة والمتعددة الأطراف الأكبر حجماً والأكثر تطوراً على غرار تدريبات “جونيبر أوك” متعددة المجالات التي أجرتها مع إسرائيل. ومن شأن ذلك أن يحقق فائدة إضافية تتمثل في تعزيز الردع ضد إيران، حتى لو لم يتم وصف التدريبات صراحةً على هذا النحو.
تحفيز الابتكار وتنشيط الصناعة
لطالما كانت الولايات المتحدة المصدر الرئيسي للسعودية في مجال الأسلحة والتدريب والدعم، كما أن تعزيز هذه العلاقة أمر بالغ الأهمية للتطور التكنولوجي والجاهزية العملياتية للقوات المسلحة في المملكة. وتمتلك الرياض باستمرار إحدى أكبر ميزانيات الدفاع في العالم، حيث أفادت بعض التقارير أنها أنفقت 69 مليار دولار على هذا القطاع في عام 2023. كما أنها أكبر عميل “للمبيعات العسكرية الخارجية” للولايات المتحدة، حيث يبلغ حجم برنامج هذه “المبيعات” 140 مليار دولار.
ومع ذلك، يمكن أن تكون عملية “المبيعات العسكرية الخارجية” محبطة للحلفاء والصناعة على حد سواء لأنها بطيئة التنفيذ ومثقلة إدارياً. وتقل قيمة الدولار الواحد من “المبيعات العسكرية الخارجية” عن الدولار الذي يتم إنفاقه في قطاعات أخرى بسبب إجراءات المحاسبة والإبلاغ الصارمة التي يفرضها الكونغرس الأمريكي والبنتاجون بموجب “قانون مراقبة تصدير الأسلحة”. وتفرض هذه المتطلبات تكاليف كبيرة على المقاولين الحاليين وتشكل عائقاً كبيراً أمام دخول الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم إلى السوق.
ولكن هناك بعض الحلول البديلة التي قد تفيد هذه الصناعة في حين تخدم في الوقت نفسه المصالح الأمنية الثنائية. ومن بين الأهداف ذات الصلة بشكل خاص في الخطة الطموحة للمملكة “رؤية السعودية 2030”: إنفاق 50 في المائة من ميزانيتها العسكرية محلياً، وإلزام شركات الدفاع الأجنبية بفتح مكاتب داخل المملكة أو إقامة شراكات مع شركات محلية. وقد استجابت شركة “بوينغ” بالفعل لهذه الدعوة من خلال توقيعها على مشروع مشترك لصيانة الطائرات مع “الشركة السعودية للصناعات العسكرية“، ليشمل “ليس فقط الاستدامة، بل أيضاً التصنيع والتدريب والهندسة والبحث والتطوير”. وبالمثل، أقامت شركة “لوكهيد مارتن” شراكة سعودية لإنتاج مكونات لنظام “الدفاع الصاروخي للمناطق المرتفعة” (“ثاد”). وتستكشف شركة “آر تي إكس”، صانعة نظام الدفاع الصاروخي “باتريوت”، حالياً “تصنيع واختبار عدد من المكونات الرئيسية… مع “الشركة السعودية للصناعات العسكرية“. ويكتسب هذا المشروع الأخير أهمية خاصة لأن شركة “آر تي إكس” تخلت عن مشروع مع شركة سعودية أخرى العام الماضي بسبب مخاوف من أنها كانت تتعامل تجارياً مع شركات صينية.
وعلى الرغم من أن هذه الشراكات الصناعية تضيف المرونة والتكرار إلى القاعدة الصناعية، إلا أنها لا تقدم الكثير من أجل الابتكار لأنها تقوم على أنظمة قائمة. ويتطلب الابتكار الاستثمار في التقنيات الجديدة والشركات الأصغر حجماً. ويُجسد التحالف الأمني الأمريكي مع أستراليا وبريطانيا، “أوكوس”، الكيفية التي يمكن بموجبها للاستثمار الأجنبي أن يحفز الابتكار. ففي “قانون تفويض الدفاع الوطني” للسنة المالية 2024، أدرج الكونغرس الأمريكي أحكاماً جديدة تسمح لشركات الدفاع الأمريكية بمعاملة التمويل الأسترالي والبريطاني بالطريقة نفسها التي تُعامل بها مصادر الإيرادات المحلية.
إن الموافقة على هذا الترتيب مع المملكة العربية السعودية أمر غير مرجح على المدى القريب، ولكن من الممكن التوصل إلى ترتيب مماثل وأكثر دقة إذا أظهرت الرياض التزامها بحماية حقوق الإنسان وتجنب التعاون الأمني مع الصين. وعلى وجه الخصوص، يجب على واشنطن تشجيع الاستثمار السعودي في التقنيات الجديدة لهزيمة الطائرات المسيّرة الصغيرة، لأن هذه أنظمة دفاعية بحتة ومن شأنها أن تساعد المملكة على مواجهة تهديد مستمر لأراضيها يختلف عما يستعد له الجيش الأمريكي.
عودة القوات الأمريكية إلى السعودية
على الرغم من عدم تمركز أعداد كبيرة من القوات الأمريكية بشكل رسمي أو دائم في السعودية، إلا أن الجيش الأمريكي حافظ على وجوده في المملكة لعقود من الزمن. فخلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كان هناك جنود أمريكيون لدعم مبيعات الأسلحة ومهام التدريب. وخلال “حرب الخليج” عام 1991، تم نشر ما يصل إلى 550 ألف جندي هناك للمساعدة في تحرير الكويت. وفي الفترة ما بين عامي 1991 و2003، تم نشر ما يقرب من 5000 جندي أمريكي – معظمهم من “سلاح الجو الأمريكي” – في المملكة لفرض منطقة حظر الطيران الجنوبية فوق العراق.
وفي عام 2003، وبناءً على طلب الرياض، سحب الجيش الأمريكي أفراده وطائراته المقاتلة من “قاعدة الأمير سلطان الجوية“، التي أصبحت المركز الرئيسي لعمليات منطقة الحظر الجوي، ونقَلَ مركز العمليات الجوية الإقليمية “للقيادة المركزية الأمريكية” إلى “قاعدة العديد الجوية” في قطر. وقد استلزم ذلك سحب جميع القوات الأمريكية تقريباً من المملكة باستثناء تلك المشاركة في “المبيعات العسكرية الخارجية” والتدريب. وقد بررت المملكة هذه الخطوة علناً بالإشارة إلى أن العراق لم يعد يشكل تهديداً بعد الإطاحة بصدام. وفي الواقع، كانت هذه الخطوة استجابة لمخاوف الرياض من ردود الفعل العنيفة في الداخل وسط تنامي المشاعر المعادية للولايات المتحدة بعد غزو العراق.
وفي إطار عملية تعزيز العلاقات الأمنية الثنائية، قد يُطلب من الولايات المتحدة إحياء وجودها العسكري في السعودية كوسيلة لإظهار التزامها تجاه المملكة. ولكن هذا لا ينبغي أن يتخذ شكل نشر وحدات برية أو طائرات مقاتلة بشكل دائم هناك. وبدلاً من ذلك، فإن تمركز قوات الدعم القتالي وقوات دعم الخدمات – أي المدربين والمستشارين والوحدات المخصصة للأدوار اللوجستية والإمداد والهندسة والاتصالات والأدوار السيبرانية – من شأنه أن يكون بمثابة رمز كافٍ لالتزام الولايات المتحدة. ومن شأن هذا الخيار المحدود أن يستمر في تحقيق الأهداف الأكثر أهمية لقوة أكبر من خلال تعزيز الردع وتحسين قدرة الرياض على دعم مجموعة من خيارات الرد خلال الأزمات.
وقد أظهر الدفاع الناجح ضد الهجوم الإيراني بالطائرات المسيّرة والصواريخ على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل من قبل تحالف ضمّ السعودية قيمة التعاون المتعدد الأطراف ضد التهديدات الإقليمية المشتركة. ومع ذلك، تعاني الولايات المتحدة من نقص في بعض أصول الدفاع الجوي والصاروخي التي استُخدمت في تلك العملية، وخاصة كتائب صواريخ “باتريوت”. وفي “قانون تفويض الدفاع الوطني” للسنة المالية 2023، وافق الكونغرس الأمريكي على زيادة عدد كتائب “الباتريوت” التابعة للجيش من خمسة عشر إلى عشرين كتيبة، ولكن لم يتم تضمين أي خطط لنشر هذه الوحدات الجديدة في مقترح ميزانية الجيش لعام 2025، كما لم يخصص الكونغرس أموالاً لهذا الغرض.
وفي ضوء رغبة الكونغرس المتزايدة في زيادة الإنفاق الدفاعي، ينبغي شراء كتيبة “باتريوت” جديدة واحدة على الأقل وتخصيصها بشكل دائم في السعودية (أو، في حال عدم القيام بذلك، تخصيصها في منطقة أخرى من مناطق عمليات “القيادة المركزية الأمريكية” وتكليفها بالمشاركة بانتظام في التدريبات مع السعوديين). وقد تبدو هذه التوصية متناقضة مع “استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية” الحالية، والتي تركز بشكل أساسي على منطقة عمليات “القيادة العسكرية الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ”. ومع ذلك، لن تنشأ مثل هذه التناقضات إذا حلّت وحدة “الباتريوت” الجديدة محل الوحدات الأخرى التي تقوم بعمليات انتشار دورية متكررة “للقيادة المركزية الأمريكية”. إن تخصيص كتيبة “باتريوت” إضافية بشكل دائم “للقيادة المركزية الأمريكية” من شأنه أن يخفف الضغط على القوات المتناوبة، مما يسمح للكتائب الأخرى بالتركيز حصرياً على الاستعداد لعمليات نشر “القيادة العسكرية الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ”. وحتى قبل حرب غزة، أفادت بعض التقارير أن ما يصل إلى 60 في المائة من قدرات الدفاع الصاروخي الأمريكية كانت تُنشر دفعة واحدة – وهو معدل يتجاوز بكثير هدف البنتاغون المتمثل في نسبة “النشر إلى البقاء”1: 2.
وعلى نطاق أوسع، فإن تخصيص كتيبة “باتريوت” “للقيادة المركزية الأمريكية” من شأنه أن يعزز إلى حد كبير الردع المتكامل في منطقة حيوية. وتميل القوات المتمركزة بشكل دائم إلى بناء علاقات أقوى مع المسؤولين العسكريين الحلفاء وتطوير قدرات عملياتية أكثر تكاملاً من الوحدات المنتشرة لأشهر فقط في كل مرة. وهناك جانب رئيسي آخر لعمليات الانتشار الدائم – وهو وجود أفراد من أسر القوات الأمريكية الذين يعيشون في البلاد – والذي من شأنه أن يضع بعضاً من أعظم أصول القوة الناعمة الأمريكية في المقدمة في منطقة لا يُرى أفرادها فيها عادةً، مما يمكنهم من التفاعل وتكوين علاقات مع مضيفيهم.
وتجدر الإشارة إلى أن “سلاح الجو الأمريكي” يمر بالفعل بأكبر عملية تحوّلله منذ تسعينيات القرن الماضي من أجل مواجهة تحدي المنافسة بين القوى العظمى. وبينما يعيد سلاح الجو تنظيم قواته في أجنحة قتالية منتشرة، ينبغي له أن يفكر في إنشاء مجموعة “محورية” إقليمية تتمركز في السعودية لتمكين مفهومها الخاص بـ “التوظيف القتالي السريع“. وتتكون مثل هذه المجموعات بشكل عام من محور مركزي في قاعدة كبيرة مع قوات مخصصة بشكل دائم، بالإضافة إلى عدة مطارات تابعة متقاربة لتمكين انتشار الطائرات لتعقيد (عمليات) استهداف العدو وزيادة القدرة على البقاء. إن الاعتماد الهائل “للقيادة المركزية الأمريكية” على القوات الدورية جعل من المستحيل تقريباً على “سلاح الجو الأمريكي” توفير قوات كافية لتلبية احتياجات القادة المقاتلين في أوروبا والشرق الأوسط ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ في وقت واحد. إن التخصيص الدائم لجناح دعم قتالي (أي يتألف حصرياً من أصول الدعم) لقاعدة أو قاعدتين في المملكة العربية السعودية من شأنه أن يسهل إلى حد كبير نشر الطائرات المقاتلة للتدريبات أو حالات الطوارئ.
الخاتمة
من شأن اتفاق تطبيع سعودي مع إسرائيل أن يوفر فرصة فريدة للولايات المتحدة لتعميق العلاقات الدفاعية مع المملكة – وهي إحدى الفوائد العديدة المحتملة التي تجعل مثل هذا الاتفاق مرغوباً جداً. ومع ذلك، حتى لو انتهى الأمر بإغلاق نافذة التوصل إلى هذا الاتفاق على المدى القريب، فإن المقترحات المذكورة أعلاه توفر طرقاً متعددة لمعالجة التحديات الأمنية الإقليمية على المدى الطويل.
العقيد أندرو ج. كليمنسن (سلاح الجو الأمريكي) شغل سابقاً كزميل عسكري في معهد واشنطن للفترة 2023-2024. عبدالله الحايك هو مساعد باحث في “برنامج الدراسات العسكرية والأمنية” في المعهد. الاستنتاجات والآراء الواردة في هذا المقال لا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو الموقف الرسمي للحكومة الأمريكية أو وزارة الدفاع الأمريكية أو سلاح الجو الأمريكي أو الجامعة الجوية الأمريكية.
المصدر : https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/altawn-aldfay-byn-alwlayat-almthdt-walswdyt-alkhtwat-altalyt