- جيل دي كيرشوف
- أوليفييه أونيدي
وسّعت الدول الأعضاء في “الاتحاد الأوروبي” التعاون عبر الأطلسي من خلال تضييق الخناق على تمويل الإرهاب من قبل «حزب الله» اللبناني وتصنيف “جناحه العسكري” على أنه جماعة إرهابية. وبينما تحرز الولايات المتحدة تقدماً في مفاوضاتها مع إيران، هناك أمل في أن تكون المحادثات التالية صارمة بالشكل المناسب بشأن أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، بما في ذلك استخدام الميليشيات.
“في 15 تموز/يوليو، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع جيل دي كيرشوف وأوليفييه أونيدي. وكيرشوف هو مسؤول بلجيكي رفيع شغل منصب منسق مكافحة الإرهاب في “الاتحاد الأوروبي” منذ عام 2007. وأونيدي هو نائب المدير العام للهجرة والشؤون الداخلية في “المفوضية الأوروبية”، حيث يتولّى مسؤولية القضايا الأمنية. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاتهما”.
جيل دي كيرشوف
على الرغم من أن التهديدات المطروحة اليوم هي في أغلب الأحيان أكبر وأكثر تعقيداً من تلك التي كانت قائمة قبل عقدين من الزمن، إلا أن قدرتنا على التصدي لها قد توسعت بشكل تصاعدي. فنقاط ضعف أوروبا وشريكها الأقرب، الولايات المتحدة، أصبحت أقل بكثير الآن بفضل جهودهما المشتركة لتبادل المعلومات، وبناء قدرات الدولة، وإيجاد حلول مبتكرة.
وقد كان التزام الطرفَين بتعزيز بيئة ممتازة لتبادل المعلومات مثمراً بشكل خاص. على سبيل المثال، بعد أن أعطى “مكتب التحقيقات الفدرالي” أسماء أكثر من 4500 شخص محتجزين في شمال شرق سوريا إلى “اليوروبول”، تمّ إدراج اللائحة ضمن “نظام معلومات شنغن”، مما يسمح للدول الأوروبية بتحديد هؤلاء الأفراد إذا حاولوا اجتياز الحدود. وقد أثبت تبادل المعلومات بين الولايات المتحدة وحلف “الناتو” في أفغانستان أنه ذو دور فعال أيضاً.
ومع ذلك، لا تخلو العلاقة بين الطرفين من العوائق. فعند التصدي لخطاب الكراهية، فإن الاختلافات في التشريعات تجعل من الصعب التوفيق بين حرية التعبير والتحديات الدستورية. وعلى وجه الخصوص، يمكن لإجراءات الحماية ضمن “التعديل الأول” في الدستور الأمريكي أن تعيق الكيفية التي بموجها تردّ الولايات المتحدة على التهديدات عبر الأطلسي، في حين أنه بإمكان الدول الأوروبية حظر خطاب الكراهية وممارسة ضغوط هائلة على شركات التواصل الاجتماعي لحذف مثل هذا المحتوى من منصاتها. وبالمثل، تفرض التشريعات الأوروبية الجديدة على شركات التواصل الاجتماعي حذف أي محتوى إرهابي تمّ نشره على منصاتها في غضون ساعة واحدة.
كما يدور الجدل حول كيفية تعامل الدول مع المشتبهين بالإرهاب، أولاً في سجن غوانتانامو والآن في مخيم الهول ومخيمات سورية أخرى. ولطالما شجع قادة مكافحة الإرهاب في أوروبا واشنطن على إغلاق سجن غوانتانامو واستئناف العمل بالمقاربة القضائية العادية في الحرب ضد الإرهاب. وبدورها، شجعت الولايات المتحدة الدول الأوروبية على إعادة المواطنين الذين سافروا إلى ما يسمى بـ “دولة الخلافة” التابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية» وهم الآن يعيشون في ظروف بائسة في مخيمات شمال شرق سوريا. وبالنظر إلى أن معظم دول “الاتحاد الأوروبي” غير مستعدة لإعادة استقبال المشتبه بهم الراشدين إلى أوطانهم، فقد ركزت بدلاً من ذلك على تحسين ظروف المعيشة في المخيمات، وتقليل المخاطر، وتقديم المساعدة لقوات الأمن الكردية التي تدير هذه المخيمات.
ومن التحديات الأخرى الماثلة هي انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، مما سيترك أثراً كبيراً على الجهود العالمية لوقف انتشار التطرف والعنف في المنطقة. ولم تظهر أي بوادر من حركة “طالبان” على أنها ستفي بوعدها بوقف دعمها لتنظيم «القاعدة»، مما يترك المجال متاحاً أمام تلك المنظمة الإرهابية للظهور من جديد. وبينما تنقل الولايات المتحدة تركيزها إلى مناطق أخرى مثيرة للقلق، ستضطر الدول الأوروبية إلى تعديل تقاسم الأعباء والاعتماد بشكل أكبر على المعلومات الاستخباراتية – وهي مهمة صعبة نظراً لأن الحماية العسكرية على الأرض ضرورية لجمع المعلومات الاستخبارية.
وبالنظر إلى العقدين المقبلين، سيتم التركيز على العديد من الأولويات. أولاً، على الشركاء عبر الأطلسي مواجهة التهديد المتزايد الذي يشكله التطرف العنيف اليميني أو التطرف العنيف بدوافع عنصرية وعرقية. ويشمل ذلك مراقبة الأدوات المستخدمة لمكافحة التطرف الإسلامي وتحديد الأدوات التي يمكن تكييفها لاستخدامها في مكافحة التطرف اليميني. على الدول الشريكة أيضَاً تطوير تعريف فعال لهذا التهديد، من أجل ضمان التوافق ومنع تسييس المصطلح على حد سواء. وقد تأخرت الولايات المتحدة عن أوروبا في تصنيف مثل هذه الجماعات على أنها منظمات إرهابية – ففي 20 تموز/يوليو، على سبيل المثال، أدرجت المملكة المتحدة المجموعة الأمريكية “ذي بيز”(“The Base,”) [على لائحة الإرهاب]، في حين أدرجت واشنطن مجموعة واحدة فقط من أصحاب التفوق الأبيض، وهي “الحركة الإمبراطورية الروسية” على هذه اللائحة. إن إدراج هذه الجماعات مفيد بشكل خاص لمواجهة تمويل التطرف. وفي أوروبا، غالباً ما تقوم جماعات اليمين المتطرف والنازية الجديدة بجمع الأموال من خلال تنظيم الحفلات الموسيقية، وبيع الملابس، واستضافة فعاليات للفنون القتالية. ويُعتبر التنسيق الدولي من قبل مثل هذه الجهات الفاعلة محدوداً نوعاً ما، لكن بعض الدول وقادتها قد نشروا معلومات مضللة وحاكوا نظريات المؤامرة التي تشجع العنف اليميني في جميع أنحاء العالم.
ثانياً، من الواضح أن شبكة الإنترنت تلعب دوراً جوهرياً في نشر خطاب الكراهية والمعلومات المضللة. وقد رحبت الدول الأوروبية بقرار الرئيس بايدن الانضمام إلى قمة “نداء كرايست تشيرش”، وفي حين أقرّت بأن “التعديل الأول” يحدّ من الطريقة التي يمكن أن تستجيب بها الولايات المتحدة لخطاب الكراهية، إلا أن هذه الدول تعتقد أن هناك المزيد الذي يتعين القيام به. على كافة الشركاء ممارسة الضغوط على شركات التواصل الاجتماعي لمنع خطاب الكراهية والمحتوى الإرهابي وحذفه. ومثل هذه المنصات ليست منارات لحرية التعبير – فهي تعتمد على خوارزميات قوية تعزز رسائل معينة بينما ترمس رسائل أخرى. وبناءً على ذلك، من الضروري تعديل حساباتها الخوارزمية لكي لا تواصل تضخيم المحتوى غير القانوني والمتطرف والإرهابي.
ثالثاً، على الولايات المتحدة مواصلة التصدي للانتشار العالمي للتطرف الإسلامي. فمنذ دحر “خلافة” تنظيم «الدولة الإسلامية»، تم جعل الجهاد “أفريقياً”، حيث تسببت الجماعات المتحالفة مع تنظيم «داعش» وغيرها من الجهات الفاعلة في إحداث الفوضى في العديد من الدول الأفريقية. وقد أرغم ذلك الحكومات الأوروبية على إعادة النظر في كيفية استثمارها للأموال المخصصة لمكافحة الإرهاب والعمل في أفريقيا. كما سلّط الضوء على الأهمية الكبيرة للحكم الرشيد في منع التطرف العنيف ومكافحته. ولا يمكن المبالغة في تأكيد أهمية محاربة الفساد وحماية حقوق الإنسان وتوفير الخدمات الأساسية على الأرض.
وفي أماكن أخرى، وسّعت الدول الأعضاء في “الاتحاد الأوروبي” التعاون عبر الأطلسي من خلال تضييق الخناق على تمويل الإرهاب من قبل «حزب الله» اللبناني وتصنيف “جناحه العسكري” على أنه جماعة إرهابية. ففي “عملية سيدار” على سبيل المثال، فككت السلطات الفرنسية شبكة تهريب أموال تابعة للحزب بدعم من “اليوروبول” و”مكتب التحقيقات الفدرالي”. وبينما تحرز الولايات المتحدة تقدماً في مفاوضاتها مع إيران، نأمل أن تكون المحادثات التالية صارمة بالشكل المناسب بشأن أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، بما في ذلك استخدام الميليشيات.
أوليفييه أونيدي
لا شك في أن أحداث 11 أيلول/سبتمبر كانت القوة المحركة وراء الشراكة عبر الأطلسي لمكافحة الإرهاب على مدى العقدين الماضيين. وطوال هذه الفترة، أصبح من الواضح بشكل متزايد أن أمن الولايات المتحدة هو ذو طبيعة تعاونية، وأن هذا الانسجام في المهمة قد عزّز تصميم واشنطن على مكافحة التطرف العنيف. وشكّلت القيم المشتركة أساس هذه العلاقة، بينما دفعت الاختلافات في قوانين الخصوصية، وحماية حرية التعبير، وغيرها من الأطر القانونية بالمسؤولين الأمريكيين والأوروبيين إلى التفكير بشكل دقيق ومبتكر بوسائل جديدة لمعالجة المشاكل.
وسهلت هذه العلاقة التعاونية تحقيق العديد من النجاحات المشتركة المهمة. فقد أشرف “التحالف الدولي لهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»” على إزاحة أبو بكر البغدادي وتدمير دولة “الخلافة”؛ واليوم، يواصل الشركاء عبر الأطلسي العمل لمكافحة التهديدات الناشئة في أفغانستان والساحل. ومن الأهمية بمكان أن يكون مثل هذا التعاون قد سهّل إقامة نظام تكامل تقوم فيه الدول بشكل روتيني بدعوة بعضها البعض لتقديم المعطيات حول مشاريع وأدوات واستراتيجيات جديدة لمكافحة الإرهاب.
وسيثبت جمع المعلومات الاستخباراتية وتبادلها أنه أمر بالغ الأهمية مع انسحاب القوات من أفغانستان وسعي الجماعات الإرهابية إلى إيجاد ملاذ آمن في المناطق الخاضعة لسيطرة “طالبان”. ورغم أن القوى الغربية ستفقد الرؤى المكتسبة على الأرض في المنطقة، إلا أنه بإمكان شركائها مواصلة تبادل الأسماء الحقيقية والمستعارة للتهديدات المرصودة. وعندها، يمكن للدول الأوروبية إدخال هذه المعلومات في أنظمتها للمساعدة في حماية حدودها.
أما بالنسبة لعنصرية تفوق البيض، فإن هذا التهديد ليس بجديد بحدّ ذاته، بل بالشكل الذي يأخذه في أغلب الأحيان. إن الأدوات والأساليب المطورة لمكافحة التطرف الإسلامي قد لا تُناسب دائماً هذا الشكل المختلف من التطرف الذي تتداخل فيه الإيديولوجيات، ويتدنى فيه السفر الدولي، وتهيمن الجهات الفاعلة المنفردة. وبالتالي، على الشركاء عبر الأطلسي حشد الخبراء من أجل تحديد التهديد والجماعات التي تشكّل خطراً، وتكييف أدواتها وفقاً لذلك. لدى كل من الولايات المتحدة والدول الأعضاء في “الاتحاد الأوروبي” جماعاتها اليمينية العنيفة الخاصة بها والتي يجب مواجهتها محلياً، ولكن شبكة الإنترنت تسمح لتلك الجهات الفاعلة أن تتجاوز الحدود وتجمع الأموال من جميع أنحاء العالم. وتواصل العديد من هذه الجماعات العمل على منصات وسائل التواصل الاجتماعي السائدة، حيث تنشر حملاتها الدعائية وغيرها من المواد التي تحشد الدعم. ورداً على ذلك، كان الشركاء عبر الأطلسي استباقيين في تبادل المعلومات البيومترية، ونشر ضباط الاتصال، وتشكيل فرق عمل مشتركة، واستخدام أساليب أخرى مشتركة بين الوكالات.
.
رابط المصدر: