مصطفى ملا هذال
مهما بلغت من الشهرة والنجومية واستطعت ان تحتل مكانة اجتماعية مرموقة، فذلك يبقى منقوصا ما لم تكمله بتاج العلم والمعرفة الذي يعد بمثابة السلاح الذي يحارب به الفرد معتركات الحياة وصعوباتها، ولذلك نجد التعاليم السماوية والأحاديث النبوية حثت واكدت على أهمية اكتساب العلم.
ولم تجعل لرحلة الثقافة واكتساب المعرفة وقت محدد او عمر معين، ما يعني طلب العلم واجب مكلف به الإنسان منذ الولادة والقصد هنا منذ ان يبدأ الشخص التمييز بين الأشياء ويكون مهيئ للتفريق بين ماهو ضار ونافع.
ففي العلم تتفتح آفاق الفرد وتتوسع مفاهيمه الادراكية، اذ تكون رؤيته للحياة من زاوية مختلفة عما يراها شخص غير متعلم، فهو بذلك اصبح منفعة اجتماعية تدعم المجتمع وتقوي طبقاته، فضلا عن كون الشخص المتعلم مساهم فعال وعنصر نشيط في تحديد الأخطاء التي يقع بها بعض العامة ومن ثم العمل على تجاوزها.
وفي الحال اتذكر نصيحة لمدرس فارق الحياة رحمه الله قال” لا تتركوا العلم لانه يميزكم عن أقرانكم، فحتى اقل المهن بالمجتمع تحتاج لمعرفة بسيطة لتأديتها دون الوقوع بأخطاء وبشكل سليم” في حينها لم نعرف قيمة هذا القول اما بعد سنوات اكتشفنا انه محق وان على الفرد ان يبقى مجاهدا في ذلك الطريق مهما كثرت الصعوبات وازدادت المعرقلات.
المقصود من العلم هو ذلك التعليم السليم القائم على مبادئ عامة وخطط منهجية تجعل من الطلبة يكتسبون العلوم بأساليب حضارية لم تبتعد عن العادات المجتمعية الأصيلة، وبذلك نكون قد اعددنا ارضية صحيحة لبناء كيان الفرد البناء المُهندس، الذي يعمل عندما يكتمل على خدمة المجتمع ويساهم في تطويره بجميع مفاصله.
التعليم الذي تحدثت عنه غابت اغلب ملامحه ولم يبقى منه الا القليل، وأصبح الطالب في الوقت الحالي لا يُعير للتعليم الاهتمام المطلوب مثلما كان في السابق، وأصبح الانخراط في المقاعد الدراسية امر تحصيل حاصل وغير مهتم به من قبل الأهالي والطلبة على حد سواء وذلك بنسبة معينة ولا يصح تعميمه.
وهذا بالتأكيد يعود ليس لخلل بالطالب وحده لكي نكون اكثر انصافا، بل يشمل المنظومة التعليمية بصورة عامة، فالكثير من طرق التدريس تغيرت لأسباب واهية منها التماشي مع التطورات الحاصلة في المجال التعليمي والتربوي، واضعين المنهاج التربوي في بعض الدول الأوربية مثالا يحتذى به.
وهذا المثال ليس بالضرورة ان يكون حجر الزاوية الذي يبنى عليه النظام التعليمي في البلدان العربية وتحديدا العراق، كون لكل مجتمع أساليب تربوية مختلفة وطريقة علم تتماشى وصفات الأفراد وطرق تفكيرهم، فلا يمكن ان تنجح تجربة في اليابان بمثل نجاحها في العراق ومثلها بالنسبة للتجربة العربية ان ترى النور في البلدان الأوربية.
لقد لهثت المؤسسات التعليمية في البلاد وراء الحداثة متناسية التركيز على الرصانة العلمية؛ ذلك بدافع إعطاء الفرد المكتسبات التي تمكنه من حجز مكانه في سوق العمل، وفق ما يمتلكه من مهارات وخبرات علمية تجعله قادر على تأدية وظيفته بالشكل الأمثل.
الحقل التعليمي الجيد في ألمانيا ليس بالضرورة ان يكون جيدا في فرنسا، وماهو جيد في امريكا قد لا ينجح في بريطانيا، وكذا الحال فليس من الصحيح ان نطبق التجربة الروسية في المدارس العراقية، ومع غياب التخطيط الصحيح تم ذلك بالفعل ولم نتوصل الى النتائج المطلوبة، فأين يا ترى يمكن الخلل؟
ضمن الأخطاء التي وقع بها اصحاب القرار وتماشيا مع الرغبة بمواكبة التطورات الحاصلة في القارة الأوربية، تم إلغاء جميع المعاهد والإعداديات المهنية، وهنا وقعوا في خطأ جسيم لا يمكن معالجته بسهولة، فالحرف بحاجة الى مخرجات هذه المرافق التربوية ولا يمكن الاستغناء عنها، لكونها حلقة أساسية من حلقات المجتمع وفقدانها يؤدي الى فقدان جزء مهم وشريحة منتجة من شرائح المجتمع.
لكل مجتمع أسلوب حياة يميزه عن غيره من المجتمعات، وهذا الاسلوب لا ينحصر بطريقة المأكل والملبس، بل يتضمن جميع الأشياء المتعلقة بالأفراد بما في ذلك طرق التعلم، ومن اجل هذا علينا العودة وعدم الذهاب بعيدا وراء المغريات، والغوص ببحر الأحلام التي لا يمكن ان تتحقق، فكل ما تم وضعه خارج رحم المنطق مصيره الموت وعدم رؤية الحياة، وهذا الحال ينطبق على النظم التعليمية والأساليب المستوردة، ذلك لعدم جدواها على الأقل في الوقت الحالي.