وليد خدوري
عقدت منظمة أوبك ومجموعة الدول المصدرة المتحالفة معها غير الأعضاء في المنظمة (أوبك بلس) اجتماعات فضائية على مدى أربعة أيام عبر الفيديو، بقيادة الدولتين النفطيتين الرئيسيتين السعودية وروسيا، برئاسة وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان ومشاركة وزير النفط الروسي ألكسندر نوفاك. ودعت السعودية للاجتماع بعد اتصالات الرئيس دونالد ترمب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، على إثر إخفاق الاجتماع الأخير لمجموعة «أوبك بلس» في تخفيض الإنتاج وانتشار فيروس كورونا والكساد الاقتصادي العالمي الذي سببه. واتصل عبر الفيديو أيضاً في اليوم التالي وزراء طاقة دول مجموعة العشرين برئاسة الأمير عبد العزيز بن سلمان، والسعودية هي أيضاً الرئيسة الدورية لمجموعة العشرين خلال عام 2020. حيث رحبت المجموعة بتخفيض الإنتاج.
أدت هذه الاجتماعات الماراثونية والنتائج المهمة التي صدرت عنها إلى عودة المياه إلى مجاريها ما بين منظمة «أوبك» ومجموعة «أوبك بلس»، وبالذات العلاقات النفطية السعودية – الروسية المهمة الهادفة إلى استقرار الأسواق. كما استطاعت منظمة «أوبك» الحصول على موافقة أعضاء مجموعة «أوبك بلس» المساهمة بتخفيض الإنتاج، وأيضاً تعهدات من مجموعة العشرين. ساهم هذا التعاون غير المسبوق في الحصول على التزامات وتعهدات بتخفيض إنتاج 15 مليون برميل يومياً. إلا أن المكسيك رفضت معدل التخفيض المحدد لها، مما استدعى عقد اجتماع خاص لبحث هذا الموضوع، فتم الاتفاق ضمن مجموعة «أوبك بلس» على إعفاء المكسيك من التخفيض، الأمر الذي خفض حصة التخفيض لمجموعة «أوبك بلس» إلى 9.7 بدلاً من 10 مليون برميل يومياً. بالإضافة إلى 5 ملايين برميل يومياً من مجموعة العشرين. هذا، وتعتبر مبادرة «أوبك» في ضم أكبر عدد من الدول المنتجة لتخفيض الإنتاج في ظل الكساد الاقتصادي أول محاولة دولية مشتركة من نوعها لتصحيح ما خربه فيروس كورونا المستجد.
أدت تطورات الأسواق خلال الأسابيع الماضية إلى بروز أخطار متعددة أثرت سلباً على مجمل دول العالم، المصدرة والمستهلكة منها. فقد أدى انهيار الطلب القياسي وزيادة الإنتاج إلى تخمة النفط في الخزانات، بل فقدان إمكانيات الخزانات في استيعاب نفوط جديدة بحلول شهر يونيو (حزيران) المقبل في حال استمرار تدهور الطلب وعدم تخفيض الإنتاج. لقد بادرت بعض الشركات إلى تخزين النفط الخام ووقود الطيران في الناقلات الراسية قرب الموانئ كبديل عن الخزانات البرية. كما أدى تفاقم الأوضاع الاقتصادية في بعض دول العالم الثالث المصدرة للنفط، إلى تفاقم العجز المالي لديها. فانهيار أسعار النفط إلى نحو 20 دولاراً يؤدي إلى خفض الريع لبعض الدول النفطية بنحو 50 إلى 80 في المائة من إيراداتها المالية.
لم تقتصر الأضرار على الدول المنتجة للنفط فقط. فقد أدى انهيار الأسعار، رغم انخفاض سعر البنزين، إلى تفاقم مشاكل الكساد الاقتصادي على الشركات النفطية في الدول الصناعية، إذ بدأت العديد من شركات النفط الكبرى والمستقلة الاستغناء عن أعداد كبيرة من موظفيها وعمالها، مما زاد من البطالة في البلاد. على سبيل المثال، انخفض سعر البنزين في بعض الولايات الأميركية إلى 90 سنتاً للغالون بدلاً من 2 إلى 3 دولارات للغالون قبل الأزمة. وصرح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أنه رغم انخفاض سعر البنزين، وهو أمر مفيد للمستهلك، فإن بلاده أخذت تعاني الآن من مشكلة كبرى، متمثلة ببطالة الآلاف في قطاع النفط، بالإضافة لملايين العاطلين الآخرين في القطاعات الأخرى.
– رفض المكسيك حصتها من تخفيض الإنتاج. وكانت المكسيك قد طالبت بتخفيض إنتاجها نحو 100 ألف برميل يومياً بدلاً من 400 ألف برميل يومياً، كما كان محدداً لها حسب التخفيض النسبي المتساوي لجميع دول مجموعة «أوبك بلس». دفع رفض المكسيك منظمة «أوبك» إلى إضافة فقرة في نهاية بيانها الرسمي عن النتائج الأولية لاجتماعات «أوبك» ومجموعة «أوبك بلس»، جاء فيها أن الاتفاق ما بين «أوبك» و«أوبك بلس» قد تم ما بين جميع أعضاء المجموعتين، باستثناء المكسيك، من ثم، أن الاتفاق مرهون بموافقة المكسيك. معنى هذا أنه إذا أصرت المكسيك على موقفها الرافض، فلن يكون هناك أي اتفاق. واستمر الأمر معلقاً حتى نهاية العطلة الأسبوعية. فقررت «أوبك» دعوة اجتماع طارئ في نهاية العطلة الأسبوعية. واستمرت المكسيك في رفضها الاتفاق، مما كاد في حال عدم الأخذ به، يكلف دول «أوبك» ودول «أوبك بلس» خسائر بعشرات المليارات من الدولارات. تقرر على إثرها إعفاء المكسيك من الاتفاق وتقليص مجمل تخفيض إنتاج «أوبك بلس» من 10 إلى 9.7 مليون برميل يومياً، وهذه إمدادات محدودة ضمن مجمل الإنتاج العالمي الحالي. والأهم، سيغلق إعفاء المكسيك من التخفيض الإشاعات والمضاربات حول مدى إمكانيتها للعودة للتخفيض أم لا مستقبلاً، مما قد يزيد من بلبلة واضطراب الأسواق.
أما لماذا موقف المكسيك هذا، فيعود إلى سياستها لزيادة الصادرات. فالتخفيض كان معناه أن الإنتاج المتبقي بالكاد سيكفي للاستهلاك المحلي، أي دون تصدير.
– عدم إعلان مجموعة العشرين عن أرقام معينة لتخفيضات دولها. فهي توقعات وزراء أقطار «أوبك» حول الموضوع. وبحسب نائب رئيس الوزراء وزير النفط العراقي ثامر الغضبان لجريدة الصباح العراقية: «الآمال معقودة أيضاً على عدد من الدول خارج (أوبك) ومجموعة (أوبك بلس) ومنها أميركا وكندا والبرازيل والنرويج وغيرها من الدول، لخفض في إنتاجها بمقدار 5 ملايين برميل يومياً». هناك أسئلة عدة تطرح حول كيفية موافقة الدول أعلاه على تخفيض الإنتاج، إذ يتم تخفيض الإنتاج في الولايات المتحدة من قبل هيئات رسمية في الولايات المنتجة، وليس من قبل الحكومة الفيدرالية. ففي ولاية تكساس، هناك هيئة تكساس للسكك الحديدية التي لديها الصلاحية في إجراء تخفيضات نسبية لحقول الولاية، كما كان الأمر حتى عام 1973. والولايات المتحدة ذات إنتاج 13 مليون برميل يومياً أو أكثر (الأعلى عالمياً)، وتوجد في ولاية تكساس بعض أضخم حقول النفط الصخري. وفي كندا هناك حقول الرمل القاري الباهظة الكلفة. وكما هو الأمر في الولايات المتحدة، لم تصدر أوتاوا حتى الآن مؤشرات رسمية حول تخفيض الإنتاج. لذا من المتوقع أن تتابع الأسواق عن كثب الخطوات العملية والرسمية التي ستؤدي إلى تخفيض الإنتاج في الدولتين.
– وتبقى هناك مسألة إغلاق مقرات العمل والمطاعم وسياسة «الابتعاد الاجتماعي» والتنقل البري والجوي. وهذه جميعها مرتبطة باستمرار أو انكماش فيروس كورونا المستجد. فما دام الوباء مستمراً، فالطلب سيبقى متدهوراً. النتائج المتوفرة حتى الآن، وهذا ما نشهد تطبيقه في بعض الدول يشير إلى أن سياسات الوقاية بالبقاء في البيوت وعدم الاختلاط لأسابيع عدة، أن هذه السياسة بدأت تؤتي ثمارها. لكن، سيبقى الطلب منخفضاً ما دام الفيروس موجوداً ومؤثراً على حياة ومعيشة سكان الكرة الأرضية. من ثم، فالطلب العالمي للنفط سيعتمد على الفيروس.
من جهة أخرى، يتوقع مسؤولون كبار في «أوبك»، أن حجم التخفيض قد يصل إلى 20 مليون برميل يومياً، أو 20 في المائة من الإنتاج العالمي. وهذه التوقعات مبنية على قرارات بعض الدول النفطية الكبرى في الخليج العربي تخفيض إنتاجها أكثر مما هو محدد لها، وهذا بالفعل ما قامت به بعض هذه الدول خلال السنوات الثلاث الماضية أثناء تبني سياسة تخفيض الإنتاج من قبل مجموعة «أوبك بلس». وهناك إمكانية زيادة الطلب في حال محاولة الشركات أو الدول انتهاز فرصة انخفاض الأسعار لملء الخزانات التجارية أو الخزين الاستراتيجي للدول. ويقدر حجم النفط الخام المطلوب للخزانات التجارية والاستراتيجية بمئات الملايين من البراميل.
رابط المصدر: