المدخل النظري للتغير الاجتماعي
التغير في ذاته ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة المختلفة، وقديماً قال الفيلسوف اليوناني ” هيرقليطس Hericalitus : ” ان التغير قانون الوجود، والاستقرار موت وعدم ” .
وظاهرة التغير الاجتماعي أوضح ما تكون في كل مناحي الحياة الاجتماعية، وهذا ما أدى ببعض المفكرين إلى القول بأنه ليس هناك مجتمعات ولكن الموجود تفاعلات وعمليات اجتماعية في تغير دائم وتفاعل مستمر.
تعريف التغير الاجتماعي
يعرّف التغير الاجتماعي بأنه كل ” تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية، سواء كان ذلك في البناء أو الوظيفة خلال فترة زمنية محددة “.
ويتطلب التغير في ميدان الحياة الاجتماعية ضرورة تكيف الأفراد لمقتضياته ووفقاً لما يتطلبه من مستحدثات، لأنهم اذا وقفوا جامدين غلبوا على أمرهم والتمسوا الفرار من ضغوط البيئة، ومعنى هذا أن الأفراد يجب أن يكونوا أدوات حية في مرونة لدواعي التغير حتى يمكنهم مسايرة ركب الحضارة وعجلة التقدم .
والتغير الاجتماعي. كمفهوم متعارف عليه في علم الاجتماع خصوصاً في الدراسة الديناميكية.
يعتبر سمة من السمات التي لازمت الانسانية منذ فجر نشأتها حتى عصرنا الحاضر. لدرجة أصبح التغير لازما لبقاء الجنس البشري، وتفاعل أنماط الحياة على اختلافها، لتحقق لنا باستمرار أنماطا وقيماً اجتماعية جديدة بشعر في ظلها الأفراد بأن حياتهم متحركة ومتجددة، وأنها في حركتها تتطلب منهم الحركة الدائية والمسايرة الكاملة دون تخلف أو تشبث بالقديم .
والتغير في أبسط صوره ينحصر في أن عدداً كبيرا من الأشخاص يؤدون جهوداً تختلف عن تلك التي كان آباوهم يؤدونها في وقت معين، وما هو في حد ذاته عملية مكملة لواحدة أو أكثر من العمليات الاجتماعية السائدة في المجتمع.
ويدل التغير على أنماط من العلاقات الاجتماعية في تنظيم اجتماعي معين، والتي تفرض التغير في فترة زمنية معينة دون التعرض للوضع الاجتماعي العام، كما أن الملاحظين الذين قاموا بجمع المعلومات كان معظمهم يحمل الفكرة والثقافة الأوروبية.
وظاهرة التغير الاجتماعي قد تحصل في فترة زمنية قصيرة وبشكل سريع أو قد تستغرق كل التاريخ الحضاري للإنسان، فعامل الزمن هذا جدير بالاهتمام. ويعني التغير الاجتماعي كذلك القدرة على فصل العلاقات المتغيرة عن تلك التي تتغير ببطء شديد أو ثابت تماماً، فالاختلاف بين المجتمعات يكشف عن اختلافات محددة لكن التركيز على الأشياء المتشابهة والثابتة في حضارة معينة يبرز كصفة رئيسية.
ونظراً لأن علم الاجتماع يحصر اهتمامه في العلاقات الاجتماعية فان التغير الاجتماعي ما هو إلا تغير في العلاقات والبناء الاجتماعي، كذلك ما هو إلا رابطة من العلاقات الحاضرة، ومن ثم فإن أي تغير في هذه العلاقات ينعكس على البناء الاجتماعي في جملته.
والواقع أن التغير الاجتماعي ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون، والمجتمعات الإنسانية بجميع ظواهرها خاضعة للتغير المستمر، إلا أن هناك ظواهر أسرع في تغيرها وتطورها من الأخرى أما الجمود نفسه في أية ناحية من نواحي الحياة الإنسانية فأمر لا يمكن التسليم به أو الموافقة عليه، إذ يكفي أن ننظر إلى المجتمعات الإنسانية المختلفة لنرى مدى التغير الذي أصابها عبر حقب التاريخ.
ويتعرض كل من جيرث ( Gerh ) وملز ( Mills ) إلى ماهية التغير الاجتماعي، ويعتبران أن التغير الاجتماعي : هو التحول الذي يطرأ على الأدوار الاجتماعية التي يقوم بها الأفراد، وكل ما يطرأ على النظم الاجتماعية، وقواعد الضبط الاجتماعي التي يتضمنها البناء الاجتماعي في مدة معينة من الزمن ؟.
ويذهب جنزبرج ( 1972 , Ginsberg ) إلى أن التغير الاجتماعي : هو كل تغير يطرأ على البناء الاجتماعي في الكل والجز، وفي شكل النظام الاجتماعي، ولهذا فان الأفراد يمارسون أدواراً اجتماعية مختلفة عن تلك التي كانوا يمارسونها خلال حقبة من الزمن، أي أننا اذا حاولنا تحليل مجتمع في ضوء بنائه القائم ، وجب أن ننظر اليه من خلال لحظة معينة من الزمن، أي ملاحظة اختلاف التفاعل الاجتماعي الذي حدث له. هذا هو التغير الاجتماعي .
كما أضاف جنزبرج يقول ” أني لا أفهم تغيراً يتم، إلا في بناء المجتمع، أي في حجمه وتركيب أجزائه وشكل تنظيمه الاجتماعي، وحينما يحدث هذا التغير في المجتمع يمارس أفراده مراكز وأدواراً اجتماعية مغايرة لتلك التي كانوا يمارسونها خلال فترة زمنية سابقة “. والتغير الاجتماعي في نظره هو الذي يتيح للأفراد أوضاعاً اجتماعية مغايرة لأوضاعهم السابقة في بنائهم الاجتماعي، وتكون هذه الأوضاع بذاتها عرضة للتغير، وإن الزمان هو العامل الرئيس في احداث التغير، ولذا فهو يعرف التغير الاجتماعي بأنه ” ذلك التغير الذي يحدث في طبيعة البناء الاجتماعي مثل الزيادة أو النقص في حجم المجتمع أو في النظم والأجهزة الاجتماعية ، كما يشمل التغيرات في المعتقدات ( Beliefs ) والمواقف Situations ).
وفي ضوء التعريفات السابقة للتغير الاجتماعي ، يمكن تعريف التغير الاجتماعي بأنه ” كل تحول يحدث في البناء الاجتماعي والمراكز والأدوار الاجتماعية ، وفي النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية خلال فترة معينة من الزمن ” ولما كانت ظواهر المجتمع مترابطة ومتساندة ، فان أي تغير يحدث في جانب من جوانب الحياة الاجتماعية ، يقابله تغيرات أخرى في كافة الجوانب وبدرجات متفاوتة، وبناء على ذلك فان التغير الاجتماعي لا يقتصر على جانب واحد دون آخر من جوانب الحياة الاجتماعية، وحينما يبدأ التغير فمن الصعب إيقافه لما بين النظم الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي من ترابط وتساند وظيفي .
وأوضح أرنولد ( 1967 , Arnold ) أن التعريف فرض عادي لتقديم التفكير الواضح، وأن التغير الاجتماعي يشير إلى نمط من العلاقات الاجتماعية والأشكال الثقافية في وضع معين يطرأ عليها، أو يظهر عليها التغير أو الاختلاف خلال فترة محددة من الزمن وأن التغير هذا يخضع لعوامل موضوعية بمعنى أنه لا يحدث بطريقة عشوائية ولا ارادية ولكن وفقاً لضوابط وقواعد معينة.
يُعد التغير الاجتماعي ظاهرة موجودة في كل المجتمعات، ولهذا يجب تحديد معنى التغير الأجتماعي تحديداً علمياً، وفي هذا الصدد يمكن الاكتفاء بالتعريف الذي صاغه ” جي روشي ” ( 1968, uy Rocher ) الذي أفرد جزءاً من كتابه التغير الاجتماعي ” إلى أن التغير الاجتماعي يعني كل تحول (Transformation) في البناء الاجتماعي يلاحظ في الزمن ولا يكون مؤقتاً سريع الزوال لدى فئات واسعة من المجتمع ويغير مسار حياتها)
التغير الاجتماعي ظاهرة عامة، توجد عند أفراد عديدين، وتؤثر في اسلوب حياتهم وأفكارهم التغير الاجتماعي يصيب البناء الاجتماعي، أي يؤثر في هيكل النظام الاجتماعي في الكل أو الجزء، فالتغير الاجتماعي المقصود هنا، هو التغير الذي يحدث أثراً عميقاً في المجتمع، وهو الذي يطرأ على المؤسسات الاجتماعية كالتغير الذي يطرأ على بناء الأسرة، أو على النظام الاقتصادي أو السياسي وما إلى ذلك، هذا التغيير هو الذي يمكن تسميته بالتغير الاجتماعي يكون التغير الاجتماعي محدداً بالزمن أي يبدأ بفترة زمنية وينتهي بفترة زمنية معينة، من أجل مقارنة الحالة الماضية بالحالة الراهنة، ومن أجل الوقوف على مدى التغير، ولا يتأتى ادراك ذلك الا بالوقوف على الحالة السابقة، أي أن قياس التغير يكون انطلاقاً من نقطة مرجعية في الماضي.
يتصف التغير الاجتماعي بالديمومة والاستمرارية، وذلك من أجل ادراك التغير والوقوف على أبعاده، أما التغير الذي ينتهي بسرعة، فلا يمكن فهمه، ولهذا فالتغير الاجتماعي يتضح من خلال ديمومته.
وبناء على ذلك فان التغير الاجتماعي عند جي روشي كل تحول في البناء الاجتماعي يلاحظ في الزمن ولا يكون مؤقتاً سريع الزوال، لدى فئات واسعة من المجتمع ويغير مسار حياتها.
ويشير عاطف غيث إلى التغير الاجتماعي بأنه ” التغيرات التي تحدث في التنظيم الاجتماعي، أي في بناء المجتمع ووظائف هذا البناء المتعددة والمختلفة “.
التغير في القيم الاجتماعية، تلك القيم التي تؤثر بطريقة مباشرة في مضمون الأدوار الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي، كالانتقال من النمط الإقطاعي للمجتمع إلى النمط التجاري الصناعي ، الذي يصحبه تغير في القيم التي ترتبط بأخلاقيات هاتين الطبقتين في النظرة إلى العمل وقيمة القائمين عليه.
التغير في النظام الاجتماعي أي في البناءات المحددة مثل صور التنظيم ومضمون الأدوار، أي في المراكز والأدوار الاجتماعية، كالانتقالي من نظام تعدد الزوجات الى نظام وحدانية الزوج والزوجة، ومن الملكية المطلقة الى الديمقراطية، ومن النظام الذي يقوم على المشروعات الخاصة إلى الاشتراكية التغير في مراكز الأشخاص، ويحدث ذلك بحكم التقدم في السن أو نتيجةالموت ، ومن المهم أن ندرك الأهمية الدائمة التي تكون للأشخاص الذين يشغلون مراكز اجتماعية معينة ، لأنهم بحكم مراكزهم يستطيعون التأثير في مجريات الأحداث الاجتماعية .
ويرى ( جونسون 1970 , Johnson )، أن التغير الاجتماعي ما هو الا تغير في بناء النظام الاجتماعي من حالة كان فيها ثابتاً نسبياً، كما أن هذه التغيرات البنائية ناتجة في الأساس عن تغييرات وظيفية في البناء الاجتماعي وصولاً إلى بناء أكثر كفاءه وأكثر مقدرة على أداء الإنجازات.