- أجرت نائبة الرئيس والمرشحة الديمقراطية، كامالا هاريس، مُناظرة جيدة مع منافسها الجمهوري دونالد ترمب، ولكن ما من دليل على أن الناخبين المُتردّدين يميلون بوضوح نحو هاريس بفضل أدائها في المُناظرة، وهناك شعور بأنها فوَّتت فرصة للتعبير بشكل جيد عن أفكارها بشأن الاقتصاد.
- مع أن مُعظم استطلاعات الرأي الأمريكية أظهرت ارتفاعاً مُتواضعاً في شعبية هاريس بعد المناظرة، إلا أن نتائج الانتخابات ستكون على الأرجح مُتقاربة جداً، لاسيما في ظل تقدُّم ترمب الثابت في استطلاعات الرأي، وما تؤديه الولايات المتأرجحة من دور مهم في هذا الخصوص.
- في حال فاز ترمب في انتخابات عام 2024، فسيكون ذلك نتيجة عددٍ قليلٍ من القضايا الحاسمة التي يتفوّق فيها الجمهوريون على الديمقراطيين، وعلى رأسها الاقتصاد، والهجرة، وقضايا الجريمة وأمن الحدود.
- القضية الوحيدة التي قد تُرجّح كفة الميزان لصالح هاريس هي الإجهاض؛ فغالبية النساء في الولايات المتحدة مؤيّدات لحق الإجهاض، ومن المُرجّح أن تُصبح هذه القضية عائقاً كبيراً أمام الجمهوريين لكسب الانتخابات في نوفمبر المقبل.
سارع الخبراء إلى إعلان فوز كامالا هاريس في المناظرة التي جمعتها في 10 سبتمبر الجاري مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب. وجاءت المناظرة في وقت كان فيه الرهان مرتفعاً بالنسبة لهاريس. وعلى رغم تولي هاريس منصب نائب الرئيس منذ عام 2020، فإنها تُعَدُّ شخصية غير معروفة نسبياً بالنسبة لمعظم الأمريكيين الذين لا يهتمون بالسياسة. وأراد الكثير من الناخبين التعرف على مواقف هاريس نظراً لعدم ظهورها في مقابلات إعلامية بعد قبولها ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية، وتفضيلها الاكتفاء بالمهرجانات الانتخابية. كما أراد المراقبون في مجال السياسة الخارجية معرفة إذا ما كان بإمكان هاريس أن تكون “قائداً عاماً للجيش جديراً بالثقة”، وتمتلك ما يكفي من الثقل للوقوف في وجه الصين وروسيا وكوريا الشمالية في سياق عالمي يهمين عليه التنافس بين القوى الكبرى.
كما جاءت المناظرة في وقت بدأت فيها شعبية هاريس بالتراجع بعد أن شهدت ارتفاعاً قوياً في أعقاب قرار الرئيس جو بايدن الانسحاب من سباق الرئاسة نهاية يوليو الماضي. بعبارة أخرى، فإن شعبية هاريس في استطلاعات الرأي بدأت بالتراجع؛ فبعد خمسة أسابيع حلَّ فيها ترمب خلف هاريس في استطلاعات الرأي، أظهر استطلاع مستقل للرأي، أجرته صحيفة نيويورك تايمز بالتعاون مع كلية سينّا ونشرت نتائجه في 8 سبتمبر الجاري، أن ترمب يحظى بتقدم طفيف على هاريس بنسبة 48% مقابل 47%.
واليوم، وبعد مرور وقت على المناظرة، بدأت صورة أوضح بالظهور؛ فلا أحد يُنكر بأن أداء هاريس كان أفضل من ترمب في المناظرة، إلّا أن التقدُّم الذي حققته في استطلاعات الرأي بفضل أدائها القوي في المناظرة ليس مُهماً، حيث أظهر استطلاع مجلة “الإيكونومست” – الذي يُعَدُّ أكثر مصداقية عادةً – تحسُّناً بنسبة 1% فقط في الدعم لهاريس. وينقسم الإجماع الجديد بحسب معظم استطلاعات الرأي إلى شقين:
أولاً، ما زالت المنافسة متقاربة للغاية بالرغم من أن أداء هاريس كان أقوى في المناظرة.
ثانياً، لم يتحسن موقف هاريس بشكل كبير في الولايات المتأرجحة المهمة مثل بنسلفانيا، ووسكنسن، ومشيجان، ونيفادا، وأريزونا، وجورجيا، وكارولاينا الشمالية.
ومن المرجح أن عدداً قليلاً نسبياً من الناخبين المتأرجحين هم الذين سيحسمون مسألة الفائز في انتخابات الرئاسة الأمريكية في الولايات المتأرجحة المهمة المذكورة. فقد فاز الديمقراطيون عامي 2016 و2020 على سبيل المثال في عدد الأصوات، إلّا أنهم خسروا أصوات المجمع الانتخابي عام 2016 عندما كانت هيلاري كلنتون المرشحة، بينما فازوا بفارق ضئيل عام 2020 بفضل جاذبية بايدن في أوساط الطبقة العاملة والمستقلين في هذه الولايات.
الفوز في المناظرة والخسارة في الانتخابات؟
حظيت المناظرة على شاشة شبكة “أيه بي سي نيوز” بمشاهدة 67.1 مليون شخص، مقارنة مع 51 مليون شخص شاهدوا المناظرة بين ترمب وبايدن في يونيو. وأدى أداء بايدن الكارثي في تلك المناظرة إلى ظهور دعوات واسعة من جانب الديمقراطيين لانسحاب بايدن من السباق الرئاسي، وهو ما فعله بايدن في نهاية المطاف. ويُعَدُّ ترمب البالغ من العمر 78 عاماً المرشح الأكبر عمراً في المنافسة. وأظهرت الكثير من استطلاعات الرأي أن ما بين 50%-55% يعتبرون ترمب طاعناً في السن للعمل في الحكومة مقارنة مع نحو 5%-7% قالوا الشيء نفسه عن هاريس البالغة 58 عاماً.
وأدى فارق السن والرشاقة بين المرشحين دوراً مُهماً في المناظرة، حيث ظهرت هاريس أكثر حيوية وسرعة وثقة واستعداداً لتطبيق استراتيجيتها واستفزاز ترمب الذي سقط في الفخ بشكل متكرر، وظهر بصورة الغاضب والمرتبك. وطبقاً لاستطلاع “رويترز”، فقد أشار ما نسبته 53% من الناخبين – الذين قالوا بأنهم سمعوا بعض الشيء عن المناظرة – إلى فوز هاريس، في حين أن 24% فقط قالوا الشيء نفسه عن ترمب. وقال نحو 52% إن ترمب تعثَّر في المناظرة ولم يَبْدُ حاد الذهن، في حين قال 21% الشيء نفسه حول هاريس.
وأظهرت استطلاعات الرأي بعد مرور أسبوع على المناظرة أن هاريس تتقدم بشكل بسيط على ترمب بنسبة هامش تراوح بين 2%-5%، وهو ما يمكن تصنيفه ضمن هامش الخطأ. وأظهر استطلاع واحد فقط – أجرته شركة “مورننج كونسالت” ونُشِرَت نتائجه في 17 سبتمبر الجاري – تقدُّم هاريس بنسبة 6 نقاط على ترمب في أعقاب المناظرة. ومن الناحية التاريخية يميل المرشح – الذي يُعَدّ فائزاً في المناظرات – للحصول على تقدم أكبر في استطلاعات الرأي. وأظهر معظم استطلاعات الرأي التي جرت بعد المناظرة أداء هاريس بشكل أفضل من استطلاعات الرأي التي جرت قبل المناظرة. لكنَّ تقدُّم هاريس ما بعد المناظرة ليس كبيراً للغاية. كما أن محاولة الاغتيال الثانية التي تعرَّض لها ترمب، في 15 سبتمبر، زادت من صعوبة التوقع في استطلاعات الرأي. وهناك احتمال بأن يؤدي هذا التطور إلى إعادة تركيز النقاش بعيداً عن المناظرة، الأمر الذي قد يؤثر في تقدُّم هاريس.
وبالنظر إلى الصورة الأوسع للسياسة الأمريكية، هناك ثلاث قضايا رئيسة يجب أخذها بعين الاعتبار في خلال تحليل الوضع السياسي الراهن:
القضية الأولى، تقدُّم ترمب بشكل ثابت في استطلاعات الرأي، حيث يحظى بفرص أفضل بكثير يوم الانتخابات أكثر مما كان متوقعاً في استطلاع رأي الناخبين؛ ففي الوقت الذي أظهرت استطلاعات الرأي تقدُّم منافسيه عامي 2016 و2020، فاز ترمب في انتخابات 2016 بينما خسر بفارق ضئيل في انتخابات 2020.
القضية الثانية، تتبلور انتخابات 2024 لتشكل انتخابات “التغيير”، حيث تعتقد أغلبية ساحقة من الأمريكيين أن البلاد تسير في الطريق الخطأ ويريدون تغييراً حقيقياً. ولعل من المرجح أن يُمَثِّلَ ترمب في كثير من الجوانب تغييراً حقيقياً مقارنة مع هاريس بالرغم من كونها أنثى من أصول أفريقية-هندية. والسبب بسيط: ففي حين أن ترمب ما زال مناهضاً للمؤسسة، إلّا أن هاريس لا تزال ترتبط بقوة بعدم شعبية إدارة بايدن.
وأخيراً، في القضايا الرئيسة التي ستحسم هذه الانتخابات – الاقتصاد والهجرة والأمن – يميل الجمهوريون لتحقيق أداء أفضل من الديمقراطيين، والذين بالرغم من ذلك يمتلكون مسألة واحدة تساعدهم في الواقع، وهي الإجهاض.
اقرأ المزيد من تحليلات «عمر طاشبينار»: |
مصداقية استطلاعات الرأي
ارتكبت الجهات التي تقوم باستطلاعات الرأي العديد من الحسابات الخاطئة في خلال الدورات الانتخابية السابقة، حيث قللت من شأن الدعم الذي يحظى به ترمب. على سبيل المثال، حدثت أخطاء رئيسة في استطلاعات الرأي في 2016 عندما توقعت فوز هيلاري كلنتون، إضافة إلى هامش خطأ أكبر في انتخابات 2020 عندما توقعت فوز بايدن بفارق كبير في الولايات المهمة المتأرجحة، والتي فاز فيها بفارق ضئيل فقط.
وهناك عدد من الأسباب التي قد يثبت فيها خطأ استطلاعات الرأي عادة. ولعل أبرز هذه الأسباب يَتَمَثَّلُ في حقيقة عدم قدرة هذه الاستطلاعات على معرفة الاتجاه الذي سيسير فيه الناخبون المتأرجحون بناءً على مشاعرهم يوم الانتخابات. وعلى الرغم من المستوى المرتفع من الاستقطاب في السياسة الأمريكية، فإن هناك نحو 10% إلى 15% من الناخبين المتأرجحين، ويبدون غير مقتنعين بـ “انتصار” هاريس في المناظرة. وفي هذا الإطار فإن من الصعب حساب الناخبين الذين يتخذون قرارهم في اللحظة الأخيرة ويشكلون نقطة عمياء كبيرة بالنسبة للجهات التي تقوم بإجراء استطلاعات الرأي.
ويَتَمَثَّلُ العامل الثاني في أن بعض الناخبين، خاصة من ذوي الدخول المرتفعة والتعليم العالي، يخجلون من إظهار دعمهم لترمب والبوح بآرائهم في استطلاعات الرأي. كما قد لا تتمكن استطلاعات الرأي من تصنيف الناخبين غير الحاصلين على تعليم جامعي والذين دخلوا في الحسابات بشكل أقل على الرغم من أنهم قاعدة الدعم الرئيسة لترمب في انتخابات 2016 و2020؛ نظراً لأنه من غير المرجح استجابة هؤلاء لاستطلاعات الرأي. وتدل البيانات على تفضيل قوي لترمب (نحو 10نقاط) في صفوف الشريحة السكانية التي تضم الطبقة العاملة، حيث إن الولايات المتأرجحة المهمة كافة تضم نسبة أعلى من ناخبي الطبقة العاملة مقارنة مع المعدل الوطني على مستوى الولايات المتحدة.
وتتفاقم مسألة انفصال الطبقة العاملة وشعورها بالسخط على ضوء حقيقة أن بايدن حقّق في الواقع نتائج استطلاع أفضل في صفوف شريحة الطبقة العاملة من المجتمع الأمريكي. وهناك خطر من أن هذه الشريحة ستنظر إلى هاريس على أنها من النخبة وتدعم قطاع الأعمال وتختلف عن الأفراد الأمريكيين العاديين من الطبقة العاملة. كما أن هذه الشريحة من ذوي الدخل المتدني والمتوسط تُعاني كثيراً من التضخم. ولعل حقيقة ضعف أداء هاريس في خلال المناظرة عند سؤالها عن الاقتصاد لا يُبشِّر بخير. وفي الوقت الذي تحدثت هاريس عن دعمها للمشاريع الصغيرة وخلفيتها التي تعود إلى الطبقة المتوسطة، إلّا أنها لم تعترف ولو لمرة واحدة بمشكلة التضخم.
ترمب يُمثّل التغيير بينما تمثّل هاريس استمرارية النهج
في حين أن الناخبين غالباً ما يُعبّرون عن رغبتهم في التغيير، تُظهر استطلاعات الرأي اليوم رغبة مُتزايدة لدى الناخبين في التغيير الجذري بسبب الاستياء العميق من الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد. ومن الطبيعي أن تتمتّع هاريس بميزة رئيسة بوصفها عامل تغيير. ففي نهاية المطاف، هناك طابع تاريخي لترشّحها؛ ففي حال انتخابها ستكون أول امرأة تتولّى الرئاسة، كما أنها تنتمي إلى أقلية من أصول أفريقية وهندية، وهي أيضاً أصغر سناً من ترمب بعقدين من الزمن. ومع ذلك، يظل ترمب الشخصية المُناهضة للمؤسّسة في نظر أولئك الذين يريدون “تغييراً كبيراً”؛ فوفقاً لاستطلاع رأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز/سينا، يعتقد 53 % من الناخبين أن ترمب يُمثّل “تغييراً كبيراً”، مُقارنة بـــــ25 % يقولون الشيء نفسه عن هاريس.
وبدا في المُناظرة أن ترمب قام بعمل جيد في ربط هاريس بإدارة بايدن؛ فقد تساءل باستمرار عن سبب عدم تنفيذها حتى الآن لمقترحات السياسة المُختلفة التي أوجزتها على الرغم من أنها تعمل في مكتب الرئاسة. وقال ترمب بهذا الخصوص بعد أن ألقت هاريس بيانها الختامي: “لقد بدأت للتو بالقول إنها ستفعل ذلك، وستفعل ذلك. ستفعل كل هذه الأشياء الرائعة. لماذا لم تفعل ذلك؟ إنها في البيت الأبيض منذ 3 سنوات ونصف”. وفي خلال المُناظرة، حاولت هاريس جاهدةً تذكير الناخبين بالفوضى التي سادت في فترة رئاسة ترمب، حيث أكّدت في خطابها بأن ترمب سيُعيد البلاد إلى الوراء وربطته بمشروع 2025، وهو عبارة عن حزمة من المُقترحات السياسية المُحافظة المُتطرّفة التي طرحها حلفاء ترمب. وقالت هاريس: “من المُهم أن نمضي قُدماً، وأن نطوي صفحة هذا الخطاب القديم المُتعب، وأن نُلبّي احتياجات الشعب الأمريكي”. ولكن على صعيد السياسات، لم تطرح هاريس سوى القليل من السياسات الجديدة. فالاختلافات في سياساتها عن بايدن هي اختلافات هامشية إلى حدٍّ كبير؛ وعلى سبيل المثال، اقترحت هاريس فرض ضريبة بنسبة 28% على أرباح رأس المال طويلة الأجل مقابل 39.6% لبايدن، لكن تظل رؤيتهما العامة مُتقاربة بشكل كبير.
وأحد المجالات المُهمة التي تختلف فيها هاريس عن بايدن قضية الإجهاض؛ فالرئيس بايدن كاثوليكي مُتديّْن يصعب عليه التحدّث بقوة في هذه القضية، على الرغم من كونه مؤيداً للإجهاض. وفي خلال المناظرة، أسهبت هاريس بالحديث عن تأثير إلغاء قانون “رو ضد وايد” الذي كان يضمن حق الإجهاض للنساء في أمريكا. ولعل شعارها “طريق جديد للمضي قدماً” هو جزء من الجهد المبذول للإشارة بحذاقة إلى الانفصال عن الرئيس، على الرغم من أن هاريس تُشيد عموماً بسجل بايدن بشكل كبير، وتعلم أن تأييده لها منحها الفرصة لضمان ترشيح الحزب الديمقراطي. باختصار، وفي حين أن ترمب يستطيع بسهولة ربط هاريس ببايدن، تواجه هاريس صعوبة في النأي بنفسها تماماً عن الأخير؛ فلا تزال تبذل قُصارى جهدها لتقديم نفسها كمُرشحة رئاسية للتغيير، ولكن ما يزال لا يُنظر إليها على أنها ثورية ومؤيّدة للتغيير مثل ترمب.
ترمب يفوز في القضايا وليس في المُناظرات
يطرح ترمب العديد من القضايا الجوهرية التي وفّرت الدعم له، بصرف النظر عن مدى سوء أدائه في المُناظرات والمُقابلات مع وسائل الإعلام. وفي حال فاز ترمب في انتخابات عام 2024، فسيكون ذلك نتيجة عددٍ قليلٍ من القضايا الحاسمة التي يتفوّق فيها الجمهوريون على الديمقراطيين، وعلى رأسها الاقتصاد. فالنموذج الجمهوري للتنمية الاقتصادية، الذي يتماهى معه ترمب بقوة، يتّسم بالنمو المُرتفع والضرائب المُنخفضة وتكاليف الإسكان المُنخفضة وحيوية الأعمال. أما النموذج الديمقراطي، فيتميّز بارتفاع تكاليف السكن، وارتفاع الضرائب، وانخفاض الحركة الاقتصادية. كما يُميّز مُعظم الأمريكيين أيضاً إرث بايدن الاقتصادي بالتضخّم، بدلاً من الاستثمار في البنية التحتية.
وتُمثّل الهجرة عاملاً مُساعداً آخر لفوز ترمب المُحتمل؛ فهناك أكثر من 12 مليون مُهاجر غير شرعي في الولايات المتحدة، وترمب يستغل ذلك جيداً عبر ربط الهجرة بانعدام الأمن في البلاد، على الرغم من خطابه الشعبوي والعنصري. وهذه قضية تجد فيها كامالا هاريس نفسها في وضع غير مواتٍ بشكل واضح أمام ترمب، حيث يُنظر إليها على أنها الشخص المسؤول عن الهجرة في إدارة بايدن، إذ خلقت الهجرة وقضية اللاجئين مشكلات عديدة مع حدوث موجات قياسية للمُهاجرين بين عامي 2020 و2023. ويميل الجمهوريون إلى بعث رسائل أفضل بخصوص الهجرة إلى الناخبين من تلك التي يُرسلها الديمقراطيون. ويقول ثلثا الناخبين تقريباً إنهم يتلقّون رسائل أفضل من الجمهوريين بشأن الهجرة، بينما يقول 16% فقط إنهم تلقوا رسائل أفضل من الديمقراطيين بهذا الخصوص. ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسّسة غالوب، فإن 55%من الأمريكيين مُقابِل 31%، يرغبون في انخفاض الهجرة إلى الولايات المتحدة.
وتنطبق الديناميات ذاتها على قضايا الجريمة والأمن، حيث يُظهر العديد من استطلاعات الرأي في عامي 2023 و 2024 أن 50% من الناخبين المُسجّلين الذين شملهم الاستطلاع يرون أن الحزب الجمهوري أفضل في التعامل مع أمن الحدود، مُقارنةً بـ 20% من الناخبين الذين اختاروا الحزب الديمقراطي. وفي المتوسّط، قال حوالي 50% من الذين شملهم الاستطلاع إنهم يرون أن الجمهوريين أفضل في التعامل مع قضية الجريمة، بينما قال 20% فقط الشيء نفسه بالنسبة للديمقراطيين. ومع ذلك، فإن إحدى القضايا التي لا يتماشى فيها ترمب والجمهوريون مع المشاعر الوطنية هي الإجهاض والرعاية الصحية؛ فحوالي 60% من الأمريكيين مؤيّدون لخيار الإجهاض، وترتفع تلك النسبة بين النساء. وحوالي 45% من الناخبين – أي ما يقرب من نصف السكان – يقولون باستمرار إن الديمقراطيين أفضل في التعامل مع الرعاية الصحية، ومع الإجهاض. وهذا بالمُقارنة مع 22% من الناخبين الذين قالوا إن الجمهوريين أفضل في التعامل مع الرعاية الصحية، و28% منهم قالوا إن الجمهوريين أفضل فيما يخص الإجهاض.
الاستنتاجات
أجرت كامالا هاريس مُناظرة جيدة في 10 سبتمبر، ولكن الفوز في المُناظرة والفوز في الانتخابات أمران مُختلفان. وعلى الرغم من أن مُعظم استطلاعات الرأي تُظهر ارتفاعاً مُتواضعاً في شعبية هاريس بعد المناظرة، إلا أن نتائج هذه الانتخابات لا تزال مُتقاربة جداً، حيث تؤدي جميع الولايات المتأرجحة دوراً مهماً في هذا الخصوص. وعلاوةً على ذلك، لا يُمكن الاعتماد على استطلاعات الرأي لأن ترمب يميل إلى التفوّق في يوم الانتخابات كما بدا في عامي 2016 و2020. وأيضاً ما من دليل على أن الناخبين المُتردّدين يميلون بوضوح نحو هاريس بفضل أدائها في المُناظرة. بل على العكس، هناك شعور بأنها فوَّتت فرصة للتعبير بشكل جيد عن أفكارها في ردّها على السؤال الحاسم بشأن الاقتصاد.
ويعلم ترمب ومُعسكره أنه لم يَبل بلاءً حسناً في المُناظرة، وقد رفضوا بالفعل إجراء مُناظرة أخرى مع اقتراب موعد الانتخابات. ويعلم المُعسكر الجمهوري أن ترمب يُمكن أن يصبح عبئاً عليهم في المُناظرات؛ فهو معروف بعدم تركيزه وانفعاله وعصبيته وخوضه بقضايا الماضي مثل خسارته للانتخابات في عام 2020 أو تمرّد 6 يناير. ومع ذلك، فإن في جُعبة ترمب قضايا رئيسة يُمكن أن تحسم هذه الانتخابات لصالحه، وهي الاقتصاد والهجرة والأمن. ويُمكن للمتابع أن يضيف حتى السياسة الخارجية لصالح ترمب؛ ففي نهاية المطاف، من الصعب على المُعسكر الديمقراطي أن يُقدِّم حججاً على نجاحه على صعيد السياسة الخارجية في ظل الحروب في أوكرانيا وغزة. وكالعادة فإن الجمهوريين أكثر اتحاداً ضد هاريس في كل هذه القضايا.
وفي حين تُعدّ قضية غزّة مسألة خلافية للغاية بالنسبة للديمقراطيين، فإن الجمهوريين مُتفقون بشكلٍ أو بآخر حول مسألة أوكرانيا، مع اعتقادهم بضرورة إنهاء الحرب. وكان من اللافت للنظر أن ترمب، في خلال مناظرته مع هاريس، لم يقل حتى أنه يريد أن تنتصر أوكرانيا في تلك الحرب.
ولكن القضية الوحيدة التي قد تُرجّح كفة الميزان لصالح هاريس هي الإجهاض؛ فغالبية النساء في الولايات المتحدة مؤيّدات لحق الإجهاض، ومن المُرجّح أن تُصبح هذه القضية عائقاً كبيراً أمام الجمهوريين لكسب الانتخابات في نوفمبر المقبل. فلم يكن من المُستغرب أن هاريس كانت هي الأكثر إقناعاً وفعالية بشأن هذه القضية خلال المُناظرة.