التفكير على المستوى الإقليمي: دور الولايات المتحدة في توسيع رقعة “اتفاقيات إبراهيم”

  •  ديفيد ماكوفسكي
  •  جوش كرام

 

منذ توقيع “اتفاقيات إبراهيم”، نمت التجارة بين إسرائيل والدول التي طبّعت حديثاً معها، وأصبحت الإمارات حالياً أكبر شريك تجاري لإسرائيل في المنطقة. كما ارتفع الدعم العام في دول الخليج العربي الرئيسية لممارسة الأعمال التجارية مع إسرائيل بشكل حاد. فقد زادت النسبة المؤيدة بواقع أربعة أضعاف في السعودية، وهي ليست حتى من الدول الموقعة على “اتفاقيات إبراهيم”.

في الذكرى السنوية الأولى لتوقيع “اتفاقيات إبراهيم” في أيلول/سبتمبر، عقد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مؤخراً اجتماعاً عبر تطبيق “زوم” مع كبار المسؤولين في إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب. وقد كانت هذه الاتفاقيات، وهي الأولى من نوعها بين إسرائيل ودول عربية منذ توقيع معاهدات السلام الإسرائيلية-المصرية (1979) والإسرائيلية-الأردنية (1994)، بمثابة إنجاز قد يحوّل رؤية الزعيم الإسرائيلي الراحل شمعون بيرس إزاء “شرق أوسط جديد” – أي منطقة مسالمة ومترابطة اقتصادياً – إلى حقيقة واقعة.

ودار جزء كبير من الحوار حول كيفية توسيع “اتفاقيات إبراهيم” لتشمل دولاً عربية وإسلامية أخرى. وبالطبع، إنه هدف قيّم وجدير بالسعي لتحقيقه. لكن إحدى السبل لتحقيق ذلك تتمثل في تعميق الروابط مع الدول التي طبّعت أساساً مع إسرائيل والاستفادة منها لبناء شرق أوسط أكثر ترابطاً وأكثر اندماجاً من الناحية الاقتصادية.

وكانت جميع الأعمال التأسيسية المهمة التي جرت خلال الأشهر الإثني عشر الماضية منذ توقيع “اتفاقيات إبراهيم”، ثنائية بين إسرائيل وكل واحدة من هذه الدول. وحالياً، بدأت الرحلات الجوية المباشرة بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والمغرب. كما جرى تبادل السفراء بين إسرائيل والإمارات والبحرين. ويأمل المسؤولون في إدارة بايدن وضع اللمسات النهائية على العلاقات بين إسرائيل والسودان، التي كان قد تمّ الإعلان عنها أيضاً العام الماضي.

ومنذ توقيع الاتفاقيات، نمت التجارة بين إسرائيل والدول التي طبّعت حديثاً معها، لكن الروابط بين الإمارات وإسرائيل تبدو واعدة إلى أقصى حدّ. فمن خلال الالتزام بضخ أموال بمليارات الدولارات وإبرام عشرات الصفقات التجارية، أصبحت الإمارات اليوم أكبر شريك تجاري لإسرائيل في المنطقة بحيث فاقت قيمة التبادلات التجارية الثنائية بينهما 600 مليون دولار. وفي هذا الصدد، قال وزير الاقتصاد الإماراتي عبدالله بن طوق المري إنه يتوقّع أن تتخطى قيمة النشاط الاقتصادي بين البلدين خلال العقد القادم التريليون دولار.

كما ازداد النشاط التجاري مع الدولتين العربيتين اللتين قامتا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل منذ فترة طويلة. ولإثبات الإمكانات الإقليمية لهذه الاتفاقات، ارتفعت التجارة بين إسرائيل والأردن خلال النصف الأول من عام 2021 بنسبة 65٪ تقريباً، كما تخطت قيمة التبادلات التجارية بين إسرائيل ومصر 30 في المائة بالمقارنة مع المستويات المسجلة في عام 2020. ونظراً إلى قربها وإمكانياتها، لا تزال هذه الأرقام تعتبر متواضعة للغاية، لكن نموها يدل على وجود طلب.

المطلوب: هيكلية مستدامة للتعاون

مع ذلك، يسجل الشرق الأوسط المستويات الأدنى في العالم من حيث التبادلات التجارية البينية التي تشكل أقل من 10 في المائة من إجمالي التبادلات التجارية في المنطقة، بالمقارنة مع أوروبا وآسيا حيث تمثل هذه التبادلات البينية 68٪ و 60٪  على التوالي. وقد أدى هذا الافتقار إلى التكامل الاقتصادي إلى عدم ترابط اللوجستيات وسلاسل الإمدادات، ووجود عوائق كبيرة أمام التجارة والاستثمار، ومزيج من القواعد التنظيمية، ومنطقة لا تقوم بتنسيق الجهود فيما بينها لمواجهة التحديات المشتركة بدءاً بجائحة “كوفيد-19” ووصولاً إلى التغيير المناخي. ولطالما كانت هذه الانقسامات عائقاً أمام النمو الاقتصادي والاستثمارات الأجنبية المباشرة في المنطقة.

ومن دون وجود هيكلية مستدامة لدعم الحوار والتعاون المنتظمين بين الحكومات لجني ثمار قيام شرق أوسط أكثر ترابطاً، فلن تحقق “اتفاقيات إبراهيم” إمكاناتها بالكامل. لقد بُذلت جهود على مر السنين لكسر الحواجز التي تعيق التجارة والترويج لتجارة مفتوحة في المنطقة، لكنها إما استثنت الإسرائيليين أو وقعت ضحية عملية سلام إسرائيلية-فلسطينية محتضرة.

لكن الشرق الأوسط لم يُعد الآن كما كان عليه في تسعينيات القرن الماضي. فالدول الغنية بالنفط والغاز تسعى إلى تنويع اقتصادياتها وإقامة “أمم للشركات الناشئة” من شأنها تمكين وتشجيع جيل مبتكر من الشباب على دخول سوق العمل، واستحداث وظائف في التكنولوجيا المتقدمة، وحلّ المشاكل الوطنية الكبرى في مجالات الصحة والطاقة والتنقل وغيرها. وفي هذا السياق، تنظر الدول العربية إلى إسرائيل على أنها قصة نجاح حيث بنت بلداً قوياً عالمياً لديه نسبة شركات ناشئة للفرد الواحد أكثر من أي بلد في العالم، واستقطبت أكثر من 300 شركة عالمية متعددة الجنسيات للاستثمار في مراكز البحث والتطوير. وتُظهر استطلاعات الرأي المقارنة التي تطرح السؤال نفسه خلال فترة زمنية فاصلة من ستة أشهر عام 2020 – قبل “اتفاقيات إبراهيم” وبعدها – أن الدعم العام في دول الخليج العربي الرئيسية لممارسة الأعمال التجارية مع إسرائيل قد ارتفع بشكل حاد. فقد زادت النسبة المؤيدة بواقع أربعة أضعاف في السعودية، وهي ليست حتى من الدول الموقعة على “اتفاقيات إبراهيم”.

ولدعم توسيع التجارة في المنطقة، يتعين على القادة من جميع أنحاء المنطقة – بدعم من الولايات المتحدة – الاجتماع لوضع نموذج جديد للتعاون الاقتصادي وبناء هيكلية حوكمة لدعم تلك الرؤية. ويمكن للمنطقة أن تحتذي بـ”منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ”، وهو منتدى اقتصادي وتجاري متعدد الجنسيات ساعد على خفض التعريفات، وتحسين شبكات السفر والجمارك وسلسلة الإمدادات، وتشجيع الحوكمة العامة الجيدة والأنظمة الذكية. ومن بين أعضائه، دول جنوب شرق آسيا التي لديها تاريخ مرير من الصراعات.  فخلال العقود الثلاثة الماضية منذ تأسيس “المنتدى”، وبفضل الدعم الأمريكي إلى حد كبير، تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة أكثر من الضعف، وازدادت التجارة بواقع سبع مرات، وسط تسجيل ثلثي التبادلات التجارية بين اقتصاديات الدول الأعضاء.

ومن شأن قيام هيكلية اقتصادية إقليمية في الشرق الأوسط أن تُنشئ وتدعم عملية منتظمة للحكومات وقادة الأعمال والأوساط الأكاديمية ومجموعات المجتمع المدني من أجل الالتفاف حول أجندة اقتصادية مشتركة تعود بالفائدة على شعوب المنطقة وتعزّز التنافسية الاقتصادية العالمية للشرق الأوسط.  بإمكان منصة كهذه أن تعزز التعاون الاقتصادي الحقيقي – أي خفض التعريفات، وفتح طرق التجارة، وتشكيل السياسات والمعايير في جميع أنحاء المنطقة التي تتصدى للتحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

وقد أثبتت المنطقة قدرتها على إدارة هذا الأمر رغم التعقيدات السياسية. ففي عام 2019، أطلقت مصر وإسرائيل وقبرص والأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا واليونان “منتدى غاز شرق المتوسط” لتنسيق الاستخدام الأفضل للغاز الطبيعي المتوفر بكثرة والمكتشف قبالة سواحل إسرائيل ومصر وقبرص. كما أن سوق الطاقة الأكثر قوة وتنافسية قد جذب شركة “مبادلة للبترول” في أبوظبي لاستثمار ما يقرب من مليار دولار في الحقول البحرية الإسرائيلية. ورغم أن “اتفاقيات إبراهيم” شجعت على هذه الخطوة، إلا أنها اعتُبرت جذابة تجارياً بفضل قيام سوق طاقة أكثر تكاملاً في جميع أنحاء المنطقة.

ومن شأن منصة اقتصادية إقليمية أوسع نطاقاً تتعامل مع قضايا مثل التجارة والاستثمار والابتكار على مستوى المنطقة أن تخدم المصالح الأمريكية أيضاً. فالشرق الأوسط يمثل حصة صغيرة من إجمالي التجارة الأمريكية اليوم، لكن المنطقة تُعتبر سوقاً نامياً مهماً للأنشطة التجارية والاستثمارية الأمريكية.

ووسط الحديث عن تقليص الإنفاق الأمريكي في الخارج والتقدم الذي تحققه الصين في الشرق الأوسط من خلال “مبادرة الحزام والطريق”، فلدى الولايات المتحدة اهتماماً متزايداً في تقريب أصدقائها في المنطقة من أجل الحفاظ على النفوذ الأمريكي. وتاريخياً، اعتقد القادة الذين لطالما اعتبروا الروابط الاقتصادية الإقليمية بمثابة وسائل لنشر الازدهار وكبح الصراعات أن الشرق الأوسط كان الاستثناء الذي أكّد القاعدة. غير أن الكثيرين الآن في الشرق الأوسط لم يعودوا يرغبون في أن يكونوا الاستثناء.

 

ديفيد ماكوفسكي هو زميل “زيغلر” المميز في معهد واشنطن، ومنتج برنامج البث الصوتي “نقاط القرار“، وهو المؤلف المشارك مع دينس روس للكتاب كن قوياً وذو شجاعة جيدة: كيف عمل قادة إسرائيل الأكثر أهمية على تحديد مصيرها“. جوش كرام هو زميل في “مشروع ترومان للأمن القومي”. ونُشر هذا المقال في الأصل على موقع “تايمز أوف إسرائيل”.

 

.

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/altfkyr-ly-almstwy-alaqlymy-dwr-alwlayat-almthdt-fy-twsy-rqt-atfaqyat-abrahym

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M