في إطار تعزيز الدفاعات الإسرائيلية تحسبًا لرد إيراني محتمل للهجوم الإسرائيلي المنتظر، أرسلت الولايات المتحدة إحدى بطاريات نظام THAAD للدفاع الباليستي، مما يوضح الالتزام الكامل من الولايات المتحدة تجاه إسرائيل وتخوفًا من تكرار نجاح الهجمات الصاروخية الإيرانية بشكل كبير بعد فشل الدفاعات الجوية الإسرائيلية في اعتراض العديد منها، وبالأخص بعد استخدام صواريخ فرط صوتية من طراز “فتّاح” وصواريخ قادرة على المناورة مثل “خيبر شيكان”، والتي صممت خصيصًا لتجاوز الدفاعات الجوية الإسرائيلية القائمة على منطق تحديد أولوية الاعتراض حسب حساسية وأهمية الهدف، ولكن لم يكن ذلك مجديًا بسبب قدرة الصواريخ على تغيير مسار الطيران، مما يصعب من عملية توقع موقع السقوط.
أهمية “ثاد” لإسرائيل
حسب المعلومات المتاحة من التقرير السنوي لهذا العام من معهد الدراسات الاستراتيجية (IISS)، إن إسرائيل تمتلك عدد 3 بطاريات من نظام Arrow-2/3 و10 بطاريات متضمنة الاحتياط من نظام David’s Sling و4 بطاريات Patriot PAC-2 GEM-T، وهذه هي الأنظمة المعنية باعتراض الصواريخ الباليستية. وبعد الهجوم الإيراني يوم 1 أكتوبر، وبسبب الأداء السيئ، خرج نظام Patriot الأمريكي من المعادلة بسبب تقادمه في مواجهة صواريخ متطورة لديها قدرة على المناورة، مما يتطلب النسخة MSE التي يمتلكها الجيش الأوكراني حاليًا والمصممة خصيصًا للتعامل مع الصواريخ الباليستية المناورة والفراجية. لذلك، يعتمد الجيش الإسرائيلي على 13 بطارية فقط لمواجهة خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية، على أن تكون “الباتريوت” في الإسناد فقط.
بدراسة التكتيك الإيراني، فهو يتضمن استخدام هجوم متعدد الصواريخ يبدأ بالصواريخ الأبطأ ومن ثم المناورة، وفي الأخير يكتسح بصواريخ فرط صوتية. وتكون الهجمات مركزة على مناطق محددة بهجمات متلاحقة ومحسوبة بدقة. وهذا الأسلوب يجبر طواقم أنظمة الصواريخ، سواء كانت تستخدم أسلوب نصف أوتوماتيكي أو أوتوماتيكي، في الرد بإطلاق مستمر للصواريخ.
وفي أغلب الحالات، وبالأخص في حالة وجود هدف مناور أو سريع، فقد يتم إطلاق أكثر من صاروخ دفاعي على نفس الهدف لضمان دقة الإصابة. وبتكرار الهجمات الواحدة بعد الأخرى، بالرغم من أن لذلك تأثير سلبي على معنويات الطاقم وجودة ردود الأفعال، إلا أن له تأثير سلبي تكتيكي مباشر يتمثل في استنزاف الصواريخ الاعتراضية للبطارية في وقت قصير لتتم إعادة التحميل.
ولذلك تعمل البطاريات في سيناريو واحد لتغطية بعضها البعض لمحاولة تفادي التدمير من ضربات مباشرة للبطاريات، مما يضع عبئًا إضافيًا على إدارة العملية الدفاعية. وفي الأخير، على المستوى الاستراتيجي، فبعد هجوم إيران وتكثيف حزب الله لهجماته الصاروخية، وبالأخص من الصواريخ الباليستية قصيرة ومتوسطة المدى، سيتم استنزاف المخزون الاستراتيجي أيضًا.
وحسب تقارير عدة، تواجه إسرائيل بالفعل نقصًا شديدًا في عدد الصواريخ الاعتراضية، مما دفع شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية إلى تطبيق ثلاث دورات للعمل على مدار اليوم لمحاولة تسريع عملية الإنتاج. ولذلك، اضطر المخططون العسكريون إلى تحديد المواقع الأكثر أهمية ليتم حمايتها فقط بسبب قلة المخزون. وبالتأكيد لن يتم استبعاد احتمال قوة الضربة الإسرائيلية القادمة، أي أنها تتضمن أهدافًا حساسة وليست فقط مجرد ضربة استعراضية، وهو ما يستدعي ردًا إيرانيًا قاسيًا في المقابل بشكل مماثل للهجمات الأخيرة.
كيف غيرت الولايات المتحدة خططها الدفاعية للدفاع عن إسرائيل؟
حسب مصدر إسرائيلي، فإن الولايات المتحدة ستمد إسرائيل بمنصات الإطلاق لصواريخ “الثاد” فقط، وإذا ما تأكدت هذه المعلومة فإن المنصات ستكون مرتبطة بشكل رئيس بالرادار AN/TPY-2 الموجود في الموقع 512 في صحراء النقب. وقد يكون ذلك مرجحًا بنسبة كبيرة بسبب ظهور صور على موقع X تفيد بعبور منصات الإطلاق لصواريخ THAAD في مدينة “بيت شيفع”، وهي تبعد 40 كم فقط عن مفاعل (ديمونا) في صحراء النقب.
وتأتي منصات إطلاق الصواريخ “ثاد”، التي أرسلتها الولايات المتحدة إلى إسرائيل بالفعل، من اللواء-174 من ولاية أوهايو من الدفاع الجوي لتكون المرة الثالثة للعمل بجانب الدفاع الجوي الإسرائيلي وهو ما ينبئ بجودة التكامل والدمج لتقديم فاعلية قتالية مناسبة، وتستطيع بطارية الثاد التحكم في عدد 6-9 منصات إطلاق، وتحتوي كل منصة على 8 صواريخ بمجموع 72 صاروخًا بحد أقصى للبطارية، لتستطيع صد الصواريخ بمدى يتراوح ما بين 150-200 كم. وهذه المسافة تستطيع حماية الأهداف الإسرائيلية، لتشمل على أقل تقدير بمدى 15 كم من حيفا شمالًا إلى شهاروت جنوبًا.
تعتمد الولايات المتحدة للحفاظ على أفضلية الإنذار المبكر من خلال رادارات AN/TPY-2 المثبتة في الإمارات وتركيا وإسرائيل، ويصل المدى الفعلي للرادار الواحد إلى 2000 كم، مما يشكل ميزة إضافية في مراقبة وتعقب الصواريخ الإيرانية فور انطلاقها.
استراتيجيًا، تمتلك الولايات المتحدة 7 بطاريات فقط من نظام THAAD تتموضع 3 بطاريات فقط في الولايات المتحدة وبطاريتين في مسرح العمليات في المحيط الهادئ في كوريا وجزيرة جوام وبطاريتين في الشرق الأوسط حاليًا، ولعل ذلك يسبب احتقانًا كبيرًا في الأوساط الأمريكية حسب تقارير إعلامية وهو ما دفع وزارة الدفاع بحتمية امتلاك بطارية إضافية بحلول العام القادم. ولكن في الوقت الحالي قد ينبئ ذلك بأن استدامة وجود هذه البطارية في إسرائيل مشكوك فيها، ولذلك سيتم العمل على استرجاعها في أقرب فرصة في حالة حدوث استقرار سياسي نسبي يضمن لإسرائيل انخفاض خطر الاستهداف بالصواريخ تحديدًا.
تكتيكيًا بسبب محدودية عدد بطاريات “الثاد” تعمل الولايات المتحدة على الدوام بتعزيز البطاريات بمنظومات SM-3/6 للدفاع الجوي الموجودة على الشواطئ (تتواجد فقط في آسيا) أو على المدمرات من طراز Arleigh Burke والطرادات من طراز Ticonderoga والتي لديها القدرة على صد الصواريخ الباليستية ولذلك يوجد في المنطقة حسب آخر تحديث من البحرية الأمريكية 3 مدمرات في البحر المتوسط و4 مدمرات في البحر الأحمر بالقرب من سواحل اليمن وستكون مكملة لنظام “الثاد” في مواجهة الإغراق الصاروخي ومحاولة تقليل الضرر بقدر الإمكان على أن تستمر الدفاعات الإسرائيلية بمحاولة الاعتراض بعيد ومتوسط المدى للصواريخ.
الهجمة الإيرانية التالية، إذا حدثت، ستوفر خبرة كبيرة ومهمة للجانب الإيراني والروسي والصيني. فهي بمثابة اختبار حقيقي للدفاعات الجوية الأمريكية من البر والبحر، مع أنظمة إسرائيلية ملحقة، والتي تتشابه مع منظومات أوروبية أو آسيوية، التي بمثابة حليف للولايات المتحدة. ولذلك، من المتوقع أن الهجمات الإيرانية القادمة ستكون أعنف من ذي قبل. وقد تشمل الهجمات القادمة البطاريات الإسرائيلية نفسها لدفع البطاريات الدفاعية للعمل فوق طاقتها، لدراسة امكانياتها وهو ما لم يتم حتى الآن. فإذا فقدت إسرائيل إحدى بطاريات أنظمة الـ Arrow الثمينة، وبالأخص رادار المنظومة أو أحد رادارات الإنذار المبكر الإسرائيلية، سيكون من الصعب تعويضها في زمن قريب، على غرار منصات الإطلاق للصواريخ.
ختامًا، أثبتت الترسانة الصاروخية الإيرانية في هجوم 1 أكتوبر نجاحها ودقتها كناقوس خطر، حتى وإن كانت ليست بالدقة أو بقدرة الاختراق الكافية لتوصيل ضربات دقيقة، إلا أن قدرتها العالية على اختراق المنظومات الدفاعية جعلتها خطرًا يتطلب الحاجة الماسة إلى تكثيف منصات إطلاق الصواريخ عالية الجودة بالشكل الكافي لاعتراض هجمات متلاحقة من الصواريخ. وهو ما تحاول الولايات المتحدة إنجازه بواسطة منظومة “الثاد” مع تعزيزها بواسطة المدمرات البحرية، ولكن مع تكلفة عالية بتحريكها وسط تخوفات من مسرح عمليات المحيط الهادئ وأوروبا. وقد يستدعي ذلك ضرورة تحريك مزيد من البطاريات من هذا النظام، ما يضغط بشكل كبير على الدفاعات المحلية، وهو أمر غير مقبول لدى الجانب الأمريكي.
ولذلك، على الأغلب يتم الضغط حاليًا لمحاولة استرجاع الدفاعات الإسرائيلية بالزخم المناسب لاستيعاب هجمات مستقبلية دون الاعتماد بشكل كبير على بطارية “الثاد”، والتي يجب سحبها واسترجاعها في أسرع وقت ممكن. وقد تم مراعاة ذلك أثناء تصميمها لتكون سهلة التموضع والسحب. ولكن كل هذه الحسابات تتوقف على مقدار الضرر الإسرائيلي القادم من إيران، وهل يستدعي ذلك ردًا أم لا، وما شكل هذا الرد للافتكاك من هذا التصعيد، والذي لا ترغب فيه الولايات المتحدة بكل تأكيد بسبب توريد الأسلحة على 3 جبهات في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا في وقت واحد.