د. منال فنجان
منذ التواجد العسكري التركي في العراق على مستوى قواعد عسكرية او توغل لتنفيذ مهمات عسكرية والانسحاب بعد اتمامها، او توجيه ضربات داخل الاراضي العراقية باي نوع من الاسلحة سواء كان من داخل القواعد والعسكرية التركية داخل العراق او من الاراضي التركية.
كل هذه الاعمال قد مورست بشكل متكرر ضد العراق داخل اراضيه من قبل الجانب التركي، واخرها قصف مصيف برخ وهو من الاعيان المدنية كما هو حال معظم المدن والقرى التي تم قصفها.
هنا يثور تساؤل، ماهو التكييف القانوني لهذه الاعمال جميعها بما فيها القصف الاخير او الجريمة الاخيرة؟
للجواب على هذا التساؤل سنقف عند جريمة العدوان من حيث تعريفها والوقوف عند أركان نشوئها وشروط انطباقها، لنبين بشكل موجز جدا التكييف القانوني لهذه الاعمال.
لإزالة اللبس والغموض عن الموضوع تعرف جريمة العدوان في القانون الدولي كما جاء في احكام قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314 عام 1974 واستنادا لتعريف النظام الاساس للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 في المادة 8 منها ولمقررات مؤتمر كمبالا في 11 يونيو 2010.
حيث اعتمدوا تعريفا موحدا بشكل نسبي لجريمة العدوان التي تم تعريفها على انها (هي نوع من الجرائم يخطط فيها الشخص او ينفذ فعلًا عدوانيًا مستخدما في ذلك القوة العسكرية للدولة منتهكا بذلك ميثاق الامم المتحدة ويحكم على الفعل العدواني انتهاكا لما يمثله بناءا على طبيعته وخطورته وحجمه).
بناءا على هذا التعريف علينا ان نحدد الاعمال التي تندرج ضمن شروط التعريف والتي عددتها المادة 8 فقرة (1 , 2 بند ا، ب، ج، د، ه، و، ز) من النظام الاساس للمحكمة الجنائية الدولية، حيث نص البند ا على (ان قيام القوات المسلحة لدولة ما بغزو اقليم دولة اخرى او الهجوم عليه او اي احتلال عسكري ولو كان موقتا…)، استنادا لهذه الفقرة فان الفعل يعتبر عدوانا بثلاث حالات، هي الغزو او الاحتلال والثانية هي الهجوم العسكري دون الاحتلال والثالثة هي الاجتياح العسكري لأراضي الدولة لتنفيذ ضربات ثم الانسحاب منها.
كل هذه الافعال تعتبر عدوانا يعني فعلا مجرما دوليا.
البند ب من المادة ذاتها نص على (قيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف اقليم دولة اخرى بالقنابل او استعمال اية اسلحة ضد اقليم دولة اخرى).
هنا نثير تساؤل: هل لهذه الجريمة اركان ينبغي توافرها لانطباق وصف الجريمة ام لا؟
بناءا على هذا التعريف ينبغي ان تتوفر اركان ثلاث لانطباق الفعل بوصفه عدوانا وهذه الاركان هي:
١- ان يكون مرتكب الفعل في وضع يتيح ان يتحكم او يوجه العمل السياسي او العسكري للدولة التي ترتكب الفعل العدواني (بمعنى ان الدولة لديها حرية الاختيار وليست مسلوبة الارادة).
٢- ان يكون مرتكب الفعل في ذلك الوضع عن علم.
٣- ان يأمر مرتكب الفعل بتخطيط العمل العدواني، او الاعداد له، او شنه، او ان يشارك فيه مشاركة فعلية (وهذا يعني ان مجرد التخطيط حتى وان لم يتحول لفعل او الاعداد والتجهيز دون التنفيذ، هو جريمة عدوان او ان مجرد الاشتراك الفعلي الفوري الآني بلا نية مسبقة ولا اعداد ولا خطة كذلك يعتبر جريمة عدوان).
من هنا نأتي لنقد الفعل التركي على هذا الاساس القانوني، حيث ان تركيا محتلة لجزء من العراق منذ مدة ليست قصيرة نسبيا وتمارس القصف العسكري بشكل متكرر، فالتكييف القانوني لأفعالهم من بداية اجتياحهم للأراضي العراقية الى قصف مصيف برخ هو جريمة عدوان بكامل اركانها وشروطها.
والسؤال الذي يرد هنا ما الذي على العراق والامم المتحدة فعله؟
رد العراق يكون بأطر متعددة منها العسكري والسياسي ومنها القضائي، العسكري يتمثل بإمكانية رد العراق قانونيا بشكل عسكري على اعمال تركيا كنوع من حق الدفاع الشرعي عن النفس استنادا للمادة ٥١ من اتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩.
السياسي هو عن طريق الدبلوماسية باستدعاء السفير. بتوجيه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة كحد أدنى او طرده والتهديد بقطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين واللجوء الى الامم المتحدة، وبالذات لمجلس الامن حيث اوكل الميثاق لهذا المجلس مهمة الحفاظ عل السلم والامن الدوليين وهو الجهاز التنفيذي الذي يملك صلاحيات واسعة لتحقيق هذه الغاية منها القيام بعمل عسكري ضد الدولة المعتدية وعقوبات عديدة.
لذلك على الجانب العراقي ان يستثمر فرصة انعقاد مجلس الامن لجلسته يوم الثلاثاء لمناقشة ملف القصف التركي على العراق، وذلك للمطالبة بإخراج القوات التركية وتماما والمطالبة بتعويضات لإزالة اثار الاحتلال التركي وقصفه المتكرر، ومطالبة مجلس الامن بعد انتهاء دوره بإحالة الموضوع الى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين الاتراك، وهذا الملف بحد ذاته سيحل موضوع المياه بشكل كبير.
علما ان محكمة العدل الدولية مختصة بالنظر في دعاوى التعويضات والمسائلة القضائية وعلى العراق ان يرفع دعوى امامها بشكل موازي لإجراءات مجلس الامن فليس هناك من تقاطع بين العملين وعلى الخطوط جميعا ان تعمل وتتحرك بنفس الوقت بشكل متوازي غير متقاطع.
.
رابط المصدر: