كتب صفوت جبر – الكاتب والباحث السياسي (سلسلة مقالات حول ايران و الوطن العربي)
المقال الثاني 21مارس2021
السياسة الخارجية الايرانية منذ الثورة الاسلامية 1979
مما لا شك فيه ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تعد احد اكبر الاقاليم المستقلة ثقافيا ولغويا واثنيا بالشرق الاوسط ،مم جعل لدولة الملالي من المحددات الكثيرة للسياسة الخارجية الايرانية،ومن المؤكد انها توجه سياسات بعينها صوب الوطن العربي بصفه عامة،ومصر ودول الخليج بصفة خاصة ،ودائما ما تحاول ايران ان تعكس صورة ايجابية للعالم كأنها المدافع الاول عن الاسلام وبمظهرية الاعتدال امام يهود ومسيحيوالغرب.
وقد اتضحت بعض الابعاد والمحددات السياسية التي تنتهجها حديثا لكسب ود الولايات المتحدة الاميريكية واسرائيل من خلال ماتبثه قنواتها الاعلامية عن قبول الفكرة الليبرالية الاميركية /الاسرائيلية عن الديانة الابراهيمية الجديدة بل وقد وصف مقتدي الصدر زيارة البابا الاخيرة بانها ترسيخ لفكرة التسامح الديني !(الذي قد لاتمارسه ايران مع جماعة السنة الايرانية) ليس لاعتقاد الجانب الايراني بسلامة النية الغربية في نشر هذا التوجه للديانة الجديدة والتسامح العقائدي بين الاديان فحسب،بقدر ماهو محاولة لكسب رضا الجانب الاميركي والاسرائيلي علي حساب السنه العرب وخلق نزاع سني / يهودي بعيدا عن اقليمها.
فصناعة السياسه الخارجيةالايرانيه تخرج من قناعات المرشد الاعلي للثوره الايرانية وهو رأس السلطة التنفيذية والتشريعية بل والاكثر من ذلك ان له سلطان علي رئيس الجمهوريه نفسه المقيد فعليا بكل اوامر المرشد الاعلي، ولابد من موافقته علي اي امر يخص الدولة علي الصعيد الداخلي والخارجي،بصفته الولي والحاكم المطلق،فالرؤيه الايرانيه لمشاكلها الاقليمية والدولي وبالأخص فيما يخص علاقاتها بدول الجوار العربي تحددها اليات او محددات اهمها:
اولا :الحرس الثوري
انشأت قيادة الثورة الايرانية فكر سياسي متعسكر جديد لضمان الولاء للمرشد الاعلي ،وهو الحرس الثوري وقد حاول الخوميني تشكيله قبل من ارض العراق حيث مقر الخوميني قبل ان يغادر الي باريس.ومنذ ان نجحت الثورة الاسلامية في ايران عملت علي ترسيخ فكرة استحالة الخروج علي فقه حكم الملالي في العقل الجمعي الايراني من خلال صناعة ذلك الحرس الثوري كسياج حديدي يفصل بين العامة والخاصة الملالية الحاكمين لايران. وبل ان من وظائف ذلك الحرس الثوري حماية الشخصيات السياسية والدينية خارج حدود دولة الملالي والعمل علي تصدير الثورة لدول الجوار العربيه بكل الطرق،والايعاذ للعرب بان اي محاولة لمحاربة الدولة الثيوقراطية الايرانية سيتصدي لها الحرس الثوري الذي يأخذ اوامره مباشرة من المرشد الاعلي للثورة الايرانيه،واستخدمته ايران لتصفية جسدية فعلية للمعارضين داخل وخارج الحدود الايرانيه،ورغم ان ايران كان لها من الثقل الدولي في التسليح التقليدي الا ان الثوره وحرب الخليج الاولي اثبتت ان منظومة الجيش الايراني لابد من اعادة صياغته كا احد ابرز قررات الثورة،وتسليح ايران واعادة وتحديث ترسانتها البحرية والدفاعات الارضيه والجوية كانت بسبب شعور ايران بالعداء التاريخي مع العرب والذي تعتبره ايران تهديد لمسار الثورة وليس لدولة ايران ذاتها،منذ ان اخذ الصراع العربي/ الفارسي شكل طائفي في قرون لاحقه،وماتبع ذلك حديثا من توترات اقليمية مع دول الجوار العربي وبخاصة العراق.
ثانيا:الموقع الجغرافي المتميز لدولة ايران
ايران من الدول الكبري اقليميا وللاسف هذا لم يتناوله الاعلام العربي بشكل كاف،فهي تتمتع بمصادر اموارد طبيعيه هائلة،ايران تحتل موقع اقليمي متميز يجمع بين جنوب وغرب اسيا وحدود مشتركه مع الاتحاد السوفيتي سابقا وتركيا والعراق وخليج عمان بالاضافه للخليج العربي،بالاضافه لاتساع رقعة مساحتها مما اعطاها اتجاهات استراتيجيه مع حوالي 8 دول كحدود بريه مشتركه،وحدود متشاطئه في بحر قزوين مع كازاخستان وروسيا،وفي الخليج العربي مع الكويت والعراق وقطر والبحرين والامارات وسلطنة عمان.كل ذلك من مميزات الاقليم الايراني اعطاها ثقل كمحدد لسياستها الخارجيه.
ثالثا:الانظمه السياسية الايرانية المتحكمة في سياستها الداخلية والخارجية
اول هذه الانظمة التي لها من الاهمية الدينية و السياسية والاسترتيجية هي مؤسسة الولي او المرشد ويتبعها لجنه الخبراء وصيانه الدستور الذي يتحكم بدوره في كل مناحي الحياة السياسية بما فيها العسكريه،فنصوص الدستور تعطي للولي او المرشد كافة الصلاحيات في اداره شئون البلاد بما فيها السياسة الخارجية،ومن صلاحياته عزل الرئيس،العفو،نقض الاحكام،القياده العامه للقوات المسلحه،والامر بالاستفتاء اوفض اي منازاعات بين السلطات.ومن تعريفات الانظمه:
-مجلس الخبراء وهو مكون من 86عضوا ينتخبوا رئيس يكون ولي او مرشد اعلي
-مجلس صيانه الدستور مكون من 12 عضوا نصفهم قضاه معنيين بشئون الانتخابات.
-مجلس تشخيص مصلحة النظام لفض المنازعات بين البرلملن والمجالس الاخري.
اما بالنسبة للسلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية كلها منصهرة في اوامر ورغبات المرشد.
رابعا:التيارات السياسيه والايديولوجية الايرانية
وهو غالبا بين التيار الاصولي الذي يتبع المرشد الاعلي للثورة وباقي المؤسسات الدينيه التابعه له والتيار الاصلاحي الذ يعتبر بعض المتنورين والاصلاحيين مجرد فقاعات او نقد للوضع القائم دون جدوي،لان المرشد ومجلس الخبراء هم اصحاب القرار بل وصانعيه حتي في السياسه الخارجيه.الايديولوجيه الايرانيه المتمثله في الخلط والمزج الكامل بين الدين والسياسه،ولكن هذا المحدد السياسي الثقافي الديني اخذ منحدر اخر حيث ان الدوله في شكلها العام تتجه نحو العلمانيه التوافقيه رغم التدين الظاهري للسطه هناك.فالاسلام ك ايديولوجيه اصبح اسلام سياسي حكومي لكن علي صعيد القاعده الشعبيه فالامر مختلف.
تصدير الفكر والثوره الايرانية وخلق فزاعة جديدة للعرب
وكما صرح الخوميني حال وصوله لطهران فبراير 1979 ،اننا سنصدر ثورتنا إلى كل العالم حتى يعلم الجميع لماذا قمنا بالثورة، لقد كان هدفنا الاستقلال بمعنى التحرر من القيود والتبعية للشرق والغرب والحرية،. إن ثورتنا يجب أن تصدّر إلى كل أنحاء العالم، لا يفهم من ذلك على نحو خاطئ إنّنا نريد فتح البلدان، فمعنى تصدير الثورة هو أن تستيقظ كل الشعوب والحكومات.هكذا اصاغ اية الله الخوميني الايديولوجيه الايرانيه الجديده.
ربما لا يختلف بعض من المحللين السياسين العرب المتابعين العرب للشأن الايراني ان المؤسسة الدينية هي صاحبة الكلمة العليا في توجيه السياسه الخارجية الايرانية وبخاصة عندما يتعلق الامر بالدول العربيه او الاسلامية، لذا فان دور ايران الاقليمي في المنطقه العربيه تفاقم مع تقدم التسليح وبرنامجها النووي وتنامي الحرس الثوري الايراني الذي عكس بدوره عسكرة النظام السياسي،مما اثر بشكل مباشر علي العلاقات الدوليه الخاصه بالوطن العربي.
ويري كاتب هذه السطور ان التحولات والثورات العربيه قد ساعدت ايران في التدخل في شئون بعض الدول العربيه ويتضخ ذلك جليا في التمدد الايراني في سوريا ولبنان حتي ان المجتمع الدولي تخلي مؤخرا عن محاربة واسقاط بشار الاسد في سوريا لاسباب سيناقشها كاتب هذه السطور في مقال لاحق.
فكلما زادت الطائفيه والحروب الاهليه كلما نشط الدور الايراني والحرس الثوري في بلدان الوطن العربي،وفي نفس الوقت ضعف المؤسسات والمنظمات العربيه كدور جامعة الدول العربيه قد ساهم كثيرا في تمدد ايران خاصة مع تجميد عضويه سوريا في الجامعه العربيه قد اعطي ايران فرصه ذهبيه لاحلال الدور العربي هناك بالايراني.
وفي ذات الوقت فالعرب منقسمون وبطيئون في الاستجابه للتطورات المتلاحقه،حتي بعد اعلان الامارات والبحرين والمغرب التطبيع مع اسرائيل لجأت ايران لخلق فزاعة جديدة بين الشعوب والحكام العرب،فغالبا ايران تسبق العالم العربي بخطوات في تحديد الاولويات لسبب بسيط ان ايران رغم محدداتها الكثيرة الا ان لها سلطة عليا واحده انما الدول العربية لها العديد من الانظمه الدوليه المختلفه فكريا وسياسيا، ممالك وامارات وجمهوريات ،لذا من الصعب التوافق علي امور عديدة، فايران تتعمد ابراز موقفها المتوازن وتوافقها الدولي لانتزاع دور اقليمي والسيطره علي مجريات الاحداث مع جيرانها العرب،وكسب اي صراع سياسي مع الغرب ، ويرجع ذلك للاسف لغياب المشروع القومي العربي امام المشروع الاقليمي الايراني.
فنجد ايران تجيد لعبه الكر والفر السياسي مع الجانب العربي ففي الوقت الذي تمدد فيه في اليمن وسوريا والعراق،وتقتل معارضيها من الاكراد ومجاهدي خلق الايرانية، نجدها تغازل مصر والسعوديه من خلال تصريحات بشأن عمل مصالحه او اتفاقيات استراتيجيه،ولكنها ذات تساند المعارضة المسلحة في الدول العربية من خلال ميليشياتها،وتلك نقرة اخري!
يتبع بمقال اخر.
رابط المصدر: