ينشط تنظيم «الدولة الإسلامية» في الغالب في منطقة صحراء البادية الشاسعة الممتدة في وسط وشرق سوريا، وشنّ حملة تمرّد ضد «قوات سوريا الديمقراطية» والقوات الموالية للديكتاتور بشار الأسد. ومنذ أن فقد التنظيم رقعته الجغرافية، أظهر علامات مقلقة على التعافي وسط تدهور الوضع في مخيم “الهول” للاجئين.
في 28 آذار/مارس، أرسلت «قوات سوريا الديمقراطية» – المدعومة من الولايات المتحدة والتي يتزعمها الأكراد –5,000 مقاتل إلى مخيم “الهول” للاجئين لاعتقال أكثر من ثلاثين شخصاً يُشتبه بارتباطهم بتنظيم «الدولة الإسلامية». واكتسب مخيم “الهول” الذي يضمّ 61,000 شخص – معظمهم من النساء والأطفال، وكذلك جماعات كبيرة من أنصار «تنظيم الدولة الإسلامية» – سمعة سيئة لأول مرة بسبب إيوائه الآلاف من الأجانب والعائلات التي بقيت مع “خلافة” التنظيم إلى حين ثباته الأخير في باغوز قبل عامين. وبمناسبة ذكرى تحرير الباغوز في 23 آذار/مارس، غرّد القائد العام لـ «قوات سوريا الديمقراطية» مظلوم عبدي على موقع تويتر قائلاً: “الحرب لم تنتهِ، وجهود إعادة الإعمار ضرورية لمنع عودة تنظيم «الدولة الإسلامية»” – وتبدو تغريدته حقيقية بالنظر إلى تدهور الوضع في مخيم “الهول”، مما يتطابق مع التحذير الذي أطلقه عبدي الشهر الماضي بأن الجماعة الجهادية “تحاول إحياء نفسها” في سوريا.
دوْر تنظيم «الدولة الإسلامية» في شرق سوريا
ينشط تنظيم «الدولة الإسلامية» في الغالب في منطقة صحراء البادية الشاسعة الممتدة في وسط وشرق سوريا، وشنّ حملة تمرّد ضد «قوات سوريا الديمقراطية» والقوات الموالية للديكتاتور بشار الأسد. ولا يزال حوالي 900 من أفراد القوات الخاصة الأمريكية متواجدين في سوريا لدعم «قوات سوريا الديمقراطية»، بينما نفذت روسيا حملة جوية مكثفة لدعم الأسد ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» ومختلف الجماعات المتمردة. وأرسلت إيران ميليشيات وكيلة مثل «لواء فاطميون» و «حركة حزب الله النجباء» لمساعدة النظام. وفي شمال سوريا، تقوم تركيا بعمليات توغل دورية في أراضي «قوات سوريا الديمقراطية»، وعلى الرغم من أن موقفها العدائي قد أجج التوترات مع الولايات المتحدة، إلا أنه يعيق أيضاً التجنيد الذي يقوم به تنظيم «الدولة الإسلامية» من خلال تحسين مراقبة الحدود.
ومع ذلك، فقد صمد تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، وهو دليل على قدرته على حماية نفسه في جبال وكهوف البادية والتهرب من قوة النيران المتفوقة. وتاريخياً، قام العديد من أفضل المقاتلين الأجانب التابعين للتنظيم بعملياتهم في سوريا، كما شارك أفراد من شمال أفريقيا وجمهوريات ما بعد الاتحاد السوفياتي في معارك كبرى ضد النظام السوري و«قوات سوريا الديمقراطية» في منبج وحلب ودير الزور وتدمر وكوباني والباغوز. ومنذ ذلك الحين، اكتسب هؤلاء المحاربون الأجانب المتمرسون ونظرائهم المحليون عامَيْن آخريْن من الخبرة القيمة كمتمردين.
ويشير واقع حدوث المزيد من هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وغرب/وسط إفريقيا إلى أن التركيز الرئيسي للتنظيم ينصب حالياً على المناطق الأخرى، لكنه حافظ على اهتمامه بسوريا وهذا التهديد آخذ في الازدياد. وفي أعقاب عملية ناجحة قام بها التنظيم في الصيف الماضي لإخراج سجنائه من السجن في جلال آباد، أفغانستان، حثت النشرة الإخبارية الرسمية التابعة للتنظيم، “النبأ”، الصادرة في 6 آب/أغسطس، “الولايات” الأخرى على الحذو حذوَ منفذي تلك العملية. وهنا تشكّل سوريا هدفاً رئيسياً بسبب التركيز الكبير لمؤيدي تنظيم «الدولة الإسلامية» في كل من مخيم “الهول” و”سجن الحسكة المركزي” (الذي يضم5,000 سجين).
مؤشرات على التهديد المتصاعد
تشير ثلاثة عوامل إلى تنامي خطر عودة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا:
قدرة مثبتة على شن هجمات. لم يتغير عدد الهجمات التي يتبناها تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا بشكل كبير خلال الأشهر العديدة الماضية؛ فمنذ بداية هذا العام وحتى 17 آذار/مارس وقعت 106 هجمات، مقارنة بـ 101 هجمات في الربع الأخير من عام 2020. غير أن الأرقام بحدّ ذاتها قد تكون مضلّلة لأن قدرة التنظيم على شن هجمات لا تزال كبيرة، مما يرغم الوحدات العسكرية التابعة للنظام وحلفاؤها على البقاء في حالة تأهب من خلال التسبب بالكثير من الضحايا والخسائر.
في 30 كانون الأول/ديسمبر، هاجم تنظيم «الدولة الإسلامية» قافلة حافلات في محافظة دير الزور تقل قوات موالية للنظام، ووفقاً لتقديرات وزارة الدفاع الأمريكية أدى ذلك الهجوم إلى مقتل 39 شخصاً. وفي 2 شباط/فبراير هاجم التنظيم عدة مواقع تابعة للنظام، مما أدى إلى مقتل تسعة عشر جندياً وعنصراً من الميليشيات. ورداً على ذلك، شنت روسيا قصفاً مكثفاً إضافياً على مواقع التنظيم في البادية، شملت 100 غارة جوية في 4-5 شباط/فبراير. إلّا أن ذلك لم يؤدي إلى زعزعة التنظيم؛ فبعد ثلاثة أيام من ذلك التاريخ ،[نجح] في قتل ستة وعشرين مقاتلاً من ميليشيا «لواء القدس» الموالية للنظام خلال عمليات في دير الزور. ووفقاً لـ “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، شن تنظيم «الدولة الإسلامية» سلسلة أخرى من الهجمات الفتاكة في الفترة ما بين 19 و 20 شباط/فبراير. وهذه المرة، فُقد خمسة عشر جندياً (من المحتمل أن يكون قد تم أسرهم أو إعدامهم) بعد أن قام التنظيم بإضرام النار في حافلة عسكرية، وقتل خمسة عشر من رجال الميليشيا في عمليات منفصلة.
خصوم محبطون. كان شبح سلسلة هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» يخيف قوات الأمن في الأراضي التابعة لكل من النظام و«قوات سوريا الديمقراطية»، حتى أن هذه القوات تخلت عن مدن معينة في منتصف الليل خوفاً من عدم قدرتها على حمايتها – مما أدى بشكل أساسي إلى التنازل عنها لصالح السيطرة الجزئية على الأقل لتنظيم «الدولة الإسلامية». ويدل ذلك على عدم استعداد أي من الطرفين (قوات الأمن التابعة للنظام و«قوات سوريا الديمقراطية» على حد سواء) لتكبد خسائر كبيرة من أجل الاحتفاظ بالمناطق التي ينشط فيها تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي المقابل، لا يزال مقاتلو التنظيم في سوريا وأنصارهم في مراكز الاحتجاز ملتزمين إلى حدّ كبير بقضيتهم، مما يجعل الوضع محفوفاً بالمخاطر.
زيادة السيطرة على السكان المحليين. عند التسلل إلى مناطق النظام وتلك التابعة لـ «قوات سوريا الديمقراطية»، يستخدم تنظيم «الدولة الإسلامية» أساليب مختلفة لزيادة نفوذه على أكبر عدد ممكن من السكان. وفي المناطق الريفية في البادية، غالباً ما يفرض حوكمة شبيهة بتلك التي تقوم بها المافيا من خلال ابتزازه للشركات، ورعاة الغنم، وغير ذلك من العمليات ضد السكان المحليين. أما أولئك الذين لا يمتثلون [لمطالب التنظيم] فيواجهون الموت أو الاختطاف أو مصادرة ممتلكاتهم، ولم يفعل النظام الكثير لمنع هذه الانتهاكات، وهو الأمر بالنسبة لـ «قوات سوريا الديمقراطية». وبالكاد تحافظ قوات الأسد على سيطرتها في بعض المناطق (السخنة، السلمية)، في حين تَقلّص نفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» بسبب هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية» على “المتعاونين” المحليين. ومن بين العديد من زعماء القبائل والمجتمعات الذين استُهدفوا بسبب تعاونهم مع «قوات سوريا الديمقراطية»، قُتل أحد شيوخ قبيلة العُقيدات في كانون الثاني/يناير. وفي 13 آذار/مارس، نشر تنظيم «الدولة الإسلامية» قائمة بأسماء سكان بلدة جديد عكيدات في دير الزور، مهددين بقتلهم وتدمير منازلهم إذا لم “يتوبوا”.
وتشكّل تكتيكات تنظيم «الدولة الإسلامية» مبعث قلق على نحو خاص في مخيم “الهول” وسجن الحسكة. وقد أصبحت عمليات قطع الرؤوس والإعدامات الفورية بمسدسات كاتمة للصوت وعمليات قتل أخرى شائعة بشكل متزايد في “الهول” (41 جريمة قتل هذا العام وحده، مقارنة بثلاث وثلاثين حادثة موثقة في عام 2020 كله). كما تتزايد الاتصالات مع الخارج – فقد أصبح من السهل لسكان المخيّم الحصول على أسلحة والتواصل مع المهربين لإدخال الناس إلى المخيم وإخراجهم منه، كما يمكن لبعض السجناء في الحسكة الحصول بسهولة على هواتف محمولة.
كيف يمكن للولايات المتحدة تخفيف التهديد
كان تنظيم «الدولة الإسلامية» يُرسي أسس عودته الكاملة من خلال إضعاف النظام ووحدات «قوات سوريا الديمقراطية»، وممارسة نفوذ أكبر في أراضيهم، وتحسين مكانته في “الهول” وسجن الحسكة. ووسط صمود نظام الأسد، وقلق «قوات سوريا الديمقراطية» بشأن العدوان التركي أكثر من قلقها من التصعيد الذي تشكله هجمات تنظيم «الدولة الإسلامية»، على الولايات المتحدة إيلاء اهتمام أكبر لهذه القضية قبل أن تتفاقم وتتحول حتى إلى وضع أكثر خطورة.
وكبداية، يتعين على الولايات المتحدة طمأنة «قوات سوريا الديمقراطية» – شريكتها الوحيدة في سوريا – من خلال تبديد مخاوفها من أجل تخصيص المزيد من القوى البشرية لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن شأن نقل القوات الأمريكية إلى المناطق الشمالية التابعة لـ «قوات سوريا الديمقراطية» أن يساعد في ردع الغارات التركية الكبرى، مما يزيد من طمأنة القادة المحليين. وفي الوقت نفسه، يمكن للمسؤولين الأمريكيين محاولة بناء الثقة بين أنقرة و«قوات سوريا الديمقراطية» من خلال التوسط في النزاعات بينهما ووضع آليات لتحسين الشفافية. وكما ذكرنا سابقاً، شارك5,000 عنصر في مداهمة مخيم “الهول” في 28 آذار/مارس، لكن الحفاظ على هذا العدد والتحرك العملياتي الاستباقي على المدى الطويل سيتطلب ضمانات أمريكية بشأن المخاوف الرئيسية الأخرى لـ «قوات سوريا الديمقراطية».
وعلى وجه الخصوص، تحتاج «قوات سوريا الديمقراطية» إلى دعم جوي واستخباراتي كبير إذا كانت ستدعم عمليات فعالة لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية» وتحقيق ما يشبه الأمن في أراضيها – وكل ذلك يتطلب وجوداً أمريكياً مستمراً على الأرض. هناك حاجة أيضاً إلى الدعم المالي لتحسين الأوضاع في “الهول” وإدارة [قضايا] السجناء في الحسكة. ولا تستطيع «قوات سوريا الديمقراطية» إدارة هذه المهام بمفردها في الوقت الذي تقوم فيه بالتركيز بشكل كافٍ على قضايا الأمن. بالإضافة إلى ذلك، على القوات الأمريكية الاستمرار في مساعدة «قوات سوريا الديمقراطية» من أجل إنشاء مجالس مدنية محلية وتوطيد العلاقات مع المجتمعات المهددة بالابتزاز من قبل تنظيم «الدولة الإسلامية». وبالنظر إلى الوضع المتزعزع للنظام ولـ «قوات سوريا الديمقراطية» على حد سواء، فإن خفض عدد القوات الأمريكية الآن سيكون بمثابة تنازل عن محافظة دير الزور لصالح تنظيم «الدولة الإسلامية».
عيدو ليفي هو زميل مشارك في معهد واشنطن ومتخصص في العمليات العسكرية ومكافحة الإرهاب، لا سيما فيما يتعلق بالجماعات الجهادية.
رابط المصدر: