باحث متخصص في الشأن الإفريقي
تعهَّدت السياسة الخارجية الإثيوبية بتوسيع نفوذ البلاد، والالتزام التام بالقومية الإفريقية، وتعزيز دورها البارز في الشؤون الإقليمية والقارية والعالمية. وتعهَّد صُنّاع السياسة في إثيوبيا بالالتزام باحترام سيادة دول القرن الإفريقي، خاصةً دول الجوار المباشر، لكن بعد فترة وجيزة لم تحقّق السياسة الخارجية لإثيوبيا تلك التعهدات، وانقلبت فجأة أهداف السياسة الخارجية لإثيوبيا لتصبح مصدرًا للتوتر داخل القرن الإفريقي، بل وأصبحت أحد المهدّدات لأمن وسلامة دول الجوار المباشر بل وهددت سيادة الدول.
توترت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا بعد اتفاق الأخيرة وأرض الصومال بالوصول إلى منفذ بحري مقابل الاعتراف الدولي بأرض الصومال، وما نتج عن ذلك من توتر في العلاقات السياسية بين إثيوبيا والصومال، ولم تكتفِ إثيوبيا بتوتر العلاقات مع الصومال، بل استغلت الصراع السوداني في محاولة إعادة الخلافات على إقليم الفشقة السوداني، وقد تم تسجيل اعتداءات مِن قِبَل الجيش الإثيوبي داخل إقليم الفشقة، وذلك بالإضافة إلى التوتر الناتج عن إنشاء وملء سد النهضة الذي أدَّى إلى توتر سياسي بين دول حوض النيل، خاصةً دول المصبّ، وتجددت التوترات على الحدود السودانية نتيجة حرب الفانو، وأخيرًا توترت العلاقات السياسية مع إريتريا نتيجةً للسياسة التوسعية الإثيوبية، بالإضافة إلى الخلافات الحدودية بين الدولتين.
وبالرغم من محاولة الحكومة الإثيوبية تحقيق نهضة وتقدم للشعب الإثيوبي؛ إلا أنها تغضّ الطرف بشكل متعمد عن المحاولات الانفصالية للأمهرة، ومن قبلها التيجراي، التي تم مناهضتها بالقوة العسكرية، ما تسبَّب في قتل عدد كبير من المدنيين وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان مِن قِبَل الجيش الإثيوبي.
وبالنظر لتلك التوترات المتعددة نجد أن السياسة الداخلية لإثيوبيا لها تأثير قويّ على السياسة الخارجية، وقد تأثرت السياسة الخارجية بالصراعات الداخلية المتكررة، ونظرًا لأن إثيوبيا تحتاج إلى هدف يُوحِّد الشعب الإثيوبي متعدّد العرقيات على تحقيقه، ويُنحّي الخلافات الداخلية جانبًا؛ يسعى صُنّاع السياسة الخارجية الإثيوبية لإيجاد عدوّ خارجي يوحّد صفوف العرقيات لمحاربته وتحقيق المصلحة الوطنية لإثيوبيا.
التوتر بين إثيوبيا ودول الجوار المباشر
1- إيقاف الرحلات الجوية إلى أسمرة وتوتر العلاقات الإثيوبية الإريترية
عادت العلاقات الإريترية للتوتر مرة أخرى، ووصلت لإيقاف رحلات الطيران التي تُعتبر أحد رموز السلام بين الدولتين، وقد شهدت العلاقات الإثيوبية الإريترية توترات سابقة أدت إلى حرب حدودية إلى أن اتفق الطرفان على السلام في عام 2018م، لكن الانسجام بين العلاقات لم يَدُم طويلاً، وذلك نتيجة الموقف الأخير لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي يسعى لإيجاد منفذ بحري دون النظر إلى المصلحة المتبادلة للدول، وذلك بسبب الضعف الاقتصادي والديموغرافي والأمني الذي فرضه وضع الدولة غير الساحلي، ونتيجة لذلك تسعى القيادة السياسية إلى الحصول على ميناء على سواحل البحر الأحمر، مع اعتبار ذلك مسألة وجودية بالنسبة للدولة الإثيوبية… جاء ذلك في خطاب لرئيس وزراء إثيوبيا أمام البرلمان الإثيوبي ألقى فيه باللوم على جبهة تحرير شعب تيجراي الذي سمح بحصول إريتريا على استقلالها، كما سلَّط الضوء على مدى أهمية البحر الأحمر بالنسبة لإثيوبيا في إشارة للدول الثلاث إريتريا الصومال جيبوتي، الأمر الذي قُوبِلَ برفض دولي، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى التدخل ودعوة صُناع السياسة الإثيوبية للحفاظ على سيادة الدول([1]).
وقد زاد ذلك التوتر في العلاقات بعد اتفاق بريتوريا للسلام الذي أنهى حالة الحرب التي شكَّلت فيها إثيوبيا وإريتريا حلفًا عسكريًّا ضد جبهة تحرير شعب تيجراي، الذي اعتبرته كلتا الدولتين عدوًّا مشتركًا يهدد أمن وسلامة الدولتين، ولكن ذلك الصراع خلق خلافات تكتيكية وإستراتيجية بين صُناع السياسة في الدولتين، فقد قرر صُناع السياسة الإثيوبيين إحلال السلام مع جبهة تحرير شعب تيجراي ضد رغبة أسياس أفورقي الرئيس الإريتري، وذلك لأن الأخيرة استجابت مرغمة للحفاظ على توازن القوى في المنطقة، وقد ألقى آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي باللوم في تعطيل السلام على الحكومة الإريترية؛ في خطوةٍ تصعيدية ضد إريتريا.
استمر التصعيد بين البلدين حتى بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى كلا البلدين، ليؤكد على احترام سيادة الدولتين والتزامهم باتفاقيات الحدود، إلى أن وصل التصعيد بإشارة مصادر عسكرية إريترية إلى أن البلاد تستعد لعمل عسكري ضد إثيوبيا؛ نتيجة حشد قوات إثيوبية بالقرب من الحدود التي تبعد 100 ميل عن العاصمة أسمرة، وتُنذر طبيعة قادة كلتا الدولتين إلى احتمال الحرب. ويعتبر آبي أحمد نفسه مسؤولاً عن نهضة إثيوبيا، بغض النظر عن مصالح الجانب الآخر، والتي قد يحققها باستخدام القوى المسلحة. أما أسياس أفورقي فهو معروف بكونه ديكتاتورًا يميل إلى الصراع العنيف للحصول على مصالح الدولة([2]).
أدى التوتر المستمر بين البلدين لإيقاف الرحلات الجوية الإثيوبية إلى أسمرة، والتي تم استعادتها منذ ست سنوات بعد توقف دام لأكثر من عشرين عامًا. وتعتبر الرحلات الجوية أحد مظاهر السلام بين الدولتين إلا أن الخطوط الجوية الإثيوبية أوقفت رحلتها إلى أسمرة في خطوة تصعيدية بين الدولتين، كما أعلنت شركة الخطوط الجوية الإثيوبية أنها توقفت نتيجة ظروف تشغيلية صعبة؛ إلا أن الحكومة الإريترية وجَّهت العديد من الاتهامات بانتهاك حقوق الركاب الإريتريين دون تقديم دليل على ذلك، وقد صرحت هيئة الطيران المدني الإريترية بأنها ستحظر الخطوط الجوية الإثيوبية اعتبارًا من 30 سبتمبر من العام الجاري؛ نتيجة سرقة أمتعة الركاب بشكل ممنهج ومنظم، إلى جانب ارتفاع الأسعار مقابل ضعف الخدمة. ونتج عن ذلك تجميد أموال الشركة، ومنع نقلها إلى إثيوبيا كخطوة تصعيدية جديدة في العلاقات السياسية بين البلدين، ويبدو أن الأمر يتجاوز صعوبات تشغيل أو مخالفات من شركة الطيران إلى الحد الذي يصل إلى فقد القنوات الدبلوماسية التي من شأنها حل مشكلات تعتبر بسيطة([3]).
2– الاعتراف الإثيوبي بأرض الصومال والعلاقات الإثيوبية الصومالية
إثيوبيا دولة حبيسة تسعى للحصول على أحد الموانئ على البحر الأحمر؛ فقد صرح رئيس الوزراء الإثيوبي أن الحصول على منفذ بحري هو أمر وجودي بالنسبة للدولة الإثيوبية، مما دفع إثيوبيا لعقد اتفاق مع أرض الصومال يعطي إثيوبيا حق إيجار 20 كم على ساحل البحر الأحمر مقابل منح إثيوبيا أرض الصومال أول اعتراف دولي، الأمر الذي أدى إلى اعتراض مِن قِبَل الصومال، ووصف ذلك بأنه عمل عدائي في حق الصومال، وتدخلت تركيا ذات العلاقات الوطيدة بإثيوبيا في محاولة لحل الأزمة؛ إلا أن وزيري خارجية الصومال وإثيوبيا رفضا الجلوس إلى طاولة المفاوضات معًا([4]).
زادت إثيوبيا من توتر العلاقات الدبلوماسية مع الصومال بعد زيارة وفد برئاسة وزير مالية بورتلاند بعد أمر الحكومة الصومالية بإغلاق القنصليات في بورتلاند، مما دفع حكومة الصومال إلى إبلاغ السفير الإثيوبي بمغادرة الصومال خلال 72 ساعة، وإغلاق القنصليات في كلٍّ من هرجيسا وغاروي، على ضوء التدخل الإثيوبي في الشأن الداخلي الصومالي([5]).
نتيجة لتوتر العلاقات بين الصومال وإثيوبيا أصدرت الصومال قرارًا بطرد القوات الإثيوبية من أراضيها والتي يبلغ عددها ما بين 5000-7000 جندي إثيوبي متمركزين في عدة مناطق صومالية نتيجة اتفاق ثنائي بين البلدين؛ حيث صرح مستشار الأمن الصومالي بأنه لا يجب أن تكون إثيوبيا حليفة، وفي الوقت ذاته معتدية، كما صرحت الصومال أن القوات الإفريقية التي ستكون موجودة في الصومال بعد خروج أتميس لن تضم إثيوبيا؛ نظرًا للعمليات العدائية التي تُعرِّض سلامة الصومال واستقلالها السياسي للخطر([6]).
تزداد التهديدات الأمنية في الصومال مع قرب انتهاء بعثة الاتحاد الإفريقي (أتميس) بنهاية 2024م، وبعد قرار الصومال بإنهاء الوجود العسكري الإثيوبي على أراضيها ازدادت المخاوف من نشاط تنظيم حركة شباب المجاهدين في الصومال التي أخذت في التنامي فعليًّا مع خروج العديد من قوات أتميس من الصومال، والتوترات التي يشهدها البحر الأحمر، مما دفع الصومال للبحث عن بديل يوفر الأمن للبلاد؛ فقد توجهت إلى اتفاقية إطارية مع تركيا توفّر بموجبها التدريب والمعدات البحرية، واتفاقية دفاع مشترك مع مصر وفَّرت مصر من خلالها معدات عسكرية، وأرسلت قوات للعمل على حفظ السلام الداخلي في الصومال بناء على طلب سترسله مصر للاتحاد الإفريقي، الأمر الذي أثار حفيظة إثيوبيا على خلفية التوترات بين مصر وإثيوبيا نتيجة مماطلة إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة، وإصرارها على الموقف المتعنت تجاه مياه النيل([7]).
اتخذت إثيوبيا أحد أخطر الخطوات التصعيدية ضد الصومال بتعيين سفير لدى أرض الصومال بتاريخ 24 أغسطس 2024م، وقد سبق الإعلان عن ذلك مِن قِبَل رئيس أرض الصومال موسى بيحي في مايو من العام نفسه بمناسبة احتفال أرض الصومال بالذكرى الثالثة والثلاثين على إعلان استقلال أرض الصومال، وتأتي هذه الخطوة كأول اعتراف دولي بأرض الصومال مهددة سيادة الصومال على أرضها وتمنح أرض الصومال الاعتراف الدولي الذي ينقصها لاكتمال أركانها كدولة ذات سيادة في المنطقة، ويؤدي ذلك المزيد من التوترات واحتمالية نشوب عمليات عدائية بعد حشد إثيوبيا لقواتها على الحدود الصومالية بين الصومال –أرض الصومال– إثيوبيا؛ حيث أدانت أرض الصومال التعاون العسكري المصري الصومالي بإيعاز من القيادة الإثيوبية؛ ليزيد ذلك من دائرة التوترات السياسية التي تسببها إثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي([8]).
3– تمرد الأمهرة والتأثير على عودة الخلافات الحدودية مع السودان
تأثرت السياسة الخارجية للبلدين بشكل كبير بالسياسة الداخلية؛ فقد تطورت الحرب الأهلية في كلا البلدين إلى أبعد من كونها مهددًا داخليًّا لتشمل التنافس على المصالح لكلا البلدين، وتدخل جهات خارجية في ذلك الصراع فلطالما كانت إثيوبيا والسودان دولتين متنافستين في القرن الإفريقي، ولحكومتيهما تاريخ طويل من التدخل في الشؤون الداخلية لكليهما؛ فقد تحركت القوات السودانية لوضه يدها على منطقة الفشقة الحدودية المتنازَع عليه نتيجةً للحرب في تيجراي، وتزعم إثيوبيا أن القوات السودانية قدمت أسلحة لجبهة تحرير شعب تيجراي دون دليل ملموس على ذلك؛ إلا أن المؤكد أن السودان وفَّرت ملازًا لكبار القادة في جبهة تحرير شعب تيجراي([9]).
وقد اتسمت العلاقات بين البلدين بالخلافات المستمرة بشأن مجموعة من القضايا الحدودية، بما في ذلك أزمة سد النهضة، وتأثيره على السودان كدولة مصبّ. وتُعدّ القوات الموجودة في المنطقة الحدودية أحد أهم مظاهر التوتر الحدودي؛ ففي منطقة الفشقة الحدودية يوجد بها قوات الدفاع الوطني الإثيوبية والقوات الخاصة الإقليمية للأمهرة، وترجع إثيوبيا حشد القوات على الحدود للحرب الأهلية مع جبهة تحرير شعب تيجراي؛ إلا أنه تم رصد مخالفات لهذه القوات؛ فقد أفادت السودان عن عملية تبادل أسرى من ضمنهم جنود من قوات الدفاع الوطني الإثيوبية التي عبرت الحدود السودانية، ودارت بينها وبين القوات السودانية اشتباكات مسلحة محدودة، وفي عام 2022م تصاعدت التوترات بين البلدين نتيجة اتهام الحكومة السودانية لقوات الدفاع الوطني الإثيوبي بقتل سبعة أسرى من قوات الجيش السوداني، وفي عام 2023م ادعت وسائل إعلام سودانية أن الاشتباكات تجددت في إقليم الفشقة الحدودي في هجوم شنَّته القوات الإثيوبية مستغلة عدم الاستقرار في السودان، ولكن رئيس الوزراء الإثيوبي نفى ذلك([10]).
الصراعات الداخلية في إثيوبيا:
بعد اتفاق بريتوريا للسلام، وإنهاء حالة حرب مع التيجراي؛ تواجه الحكومة الإثيوبية تمردًا آخر من القوات الفيدرالية في أمهرة، والتي كانت تقاتل سابقًا جنبًا إلى جنب مع قوات الدفاع الوطني الإثيوبية في حرب تيجراي 2020 – 2022م، ومع تحرك رئيس الوزراء الإثيوبي للسيطرة على مليشيات الأمهرة ساءت العلاقات بالحد الذي وصل إلى حرب أهلية جديدة.
أسباب تمرد الأمهرة
أ- يعتبر اتفاق السلام الذي وقَّعته الحكومة الإثيوبية مع جبهة تحرير شعب تيجراي أحد الأسباب الرئيسة لتمرد الأمهرة؛ حيث تم استبعاد الأمهرة من الاتفاق عمدًا بالرغم من محاربة ميليشيات الفانو إلى جانب الجيش الإثيوبي، وقد وصفت جمعية أمهرة الأمريكية الاتفاق على أنه ميثاق حرب ضد الأمهرة، رغم نفي القيادة السياسية لذلك؛ إلا أن الأمر ترسَّخ في ذهن الفانو.
ب- دمج ميليشيا الفانو في قوات الجيش والشرطة الإثيوبية؛ حيث يصل عدد ميليشيا الفانو إلى عشرات الآلاف، بعد أن أعلن رئيس الوزراء عن تفكيك القوات القائمة على أساس عرقي، الأمر الذي أثار حفيظة مليشيا الفانو، واعتقد معظمهم أن ذلك سيتركهم عُرضةً لهجمات إقليم تيجراي المجاور المنافس التاريخي للأمهرة على الأرض والسلطة بشكل خاص بعد اشتراك الأمهرة في حرب التيجراي، مما يجعل ذلك دافعًا للتيجراي للأخذ بالثأر، وبالرغم من أن الأمهرة وافقوا على الدمج إلا أن العديد منهم فر إلى الفانو، واختبأوا في الجبال والقرى.
جـ- اعتماد رئيس الوزراء الإثيوبي على القوة المسلحة في حل الصراع؛ حيث صادق مجلس النواب على قراره بإعلان الطوارئ لمدة ستة أشهر في ولاية أمهرة مما وضع المنطقة تحت السيطرة الفعلية لأجهزة الأمن الإثيوبية، وقد تم تنفيذ غارة جوية في بلدة فينوت سيلام أدت إلى مقتل 26 في مظاهرة مناهضة للحكومة الإثيوبية.
د– محاولة الحكومة الفيدرالية نزع سلاح الفانو وتسريحها، مما أدى إلى اشتعال الاشتباكات في المنطقة، مما دفع قوات الدفاع الوطني الإثيوبية إلى السيطرة على المنطقة، واعتقال العديد من المناهضين لسياسات الحكومة الفيدرالية.
ه– عدم حسم القرار السياسي المرتبط بوضع الأراضي المتنازع عليها في إقليم تيجراي الجنوبي والغربي، والتي تقع رسميًّا ضمن إقليم تيجراي، لكنها تضم سكانًا من الأمهرة، والذين يريدون أن يحكمهم الأمهرة، ومع أن الحكومة قررت عمل استفتاء على حكم تلك المنطقة؛ إلا أن الأمهرة يرون أن في ذلك تحيُّزًا من الحكومة لصلح إقليم تيجراي، وأن حكم التيجراي لتلك المنطقة كان على أساس عرقي منذ التسعينيات؛ حيث وضعت الحكومة تلك المنطقة تحت سيطرة التيجراي دون استفتاء.
و– تعرض الأمهرة لهجمات من التيجراي أثناء الحرب الأهلية في 2020م، وأن الحكومة لم تدافع عن الأمهرة ضد هجمات التيجراي، رغم تعاون قوات الأمهرة مع الجيش الإثيوبي؛ مما زاد من تمسك الأمهرة بحمل السلاح في محاولة للدفاع عن النفس ضد هجمات التيجراي، وتقاعس الحكومة في الدفاع عنهم، حتى بعد مذابح ارتكبها التيجراي في مناطق بني شنقول/ جوميز.
تأثير الصراعات الداخلية على السياسة الخارجية لإثيوبيا:
تتأثر السياسة الخارجية للدول بشكل مباشر بالسياسة الداخلية، بالإضافة إلى عدة عوامل أخرى، وبالنظر إلى السياسة الداخلية في إثيوبيا نجد أنها أدت إلى حروب أهلية منها حرب التيجراي بين عامي 2020 و2022م، وبعدها بحوالي تسعة أشهر اشتعلت حرب أهلية أخرى مع الأمهرة التي أثرت بدورها في العلاقات الخارجية الإثيوبية الإريترية؛ فالحكومة الإريترية استشعرت الخطر من توقيع اتفاقية السلام من جانب واحد مع التيجراي، على الرغم من مشاركة القوات الإريترية للجيش الإثيوبي في حرب جبهة تحرير شعب تيجراي التي تعتبرها إريتريا عدوها الحقيقي، ونتج عن ذلك احتلال القوات الإريترية لعدة قرى حدودية، ولا تنوي الحكومة الإريترية إخلاءها مرة أخرى، وينذر ذلك بصراع جديد بين إثيوبيا وإريتريا على قضايا حدودية([11]).
أدت الحرب الأهلية بين الأمهرة والجيش الإثيوبي إلى إغلاق السودان لحدودها مع إثيوبيا بعد اشتباكات عنيفة بين الجيش الإثيوبي وقوات الفانو التابعة للأمهرة نتج عنه سيطرة الفانو على مدينة ميتيما الأمهرية، مما دفع ولاية القضارف السودانية لإغلاق معبر القلابات الحدودي، وسمحت لرجال الشرطة والجيش الإثيوبي بالدخول للأراضي السودانية دون سلاح، وأدى إغلاق معبر القلابات إلى وجود نحو 400 شخص عالقين في منطقة ميتيما يوهانس داخل إثيوبيا، مما ينذر بأزمة وشيكة بين السودان وإثيوبيا بسبب التوترات الحدودية نتيجة للسياسة الداخلية الإثيوبية([12]).
ويؤكد رئيس الوزراء آبي أحمد في العديد من اللقاءات والمواقع أن هناك قوى خارجية تدعم الحرب الأهلية، سواء كانت حرب التيجراي أو حرب الأمهرة، وقد أرجع فشل المفاوضات مع دول المصب إلى أن دول المصب تتدخل في الشؤون الداخلية الإثيوبية في إشارة لحرب التيجراي. ومع تجدد الحرب الأهلية مع الأمهرة عاد آبي أحمد يتهم قوى خارجية للتدخل في تلك الحرب، وأنه لن يسمح بذلك متناسيًا الأسباب الحقيقية التي تسببت فيها السياسة الداخلية الإثيوبية، والتي أدت للمرة الثانية لحرب أهلية.
لقد اعترفت الحكومة الإثيوبية بالوضع المضطرب الذي تعيشه إثيوبيا، والذي من الممكن أن يؤدي إلى تفكك الدولة؛ فالدولة الإثيوبية تعاني من الهشاشة منذ زمن بعيد؛ نتيجة لعدة أسباب؛ من أهمها: ضعف التنمية الاقتصادية والفساد، مما دفع الحكومة الفيدرالية للبحث عن أسباب تقدّم الدولة، ومن أهمها: إيجاد منفذ بحري لزيادة التنمية الاقتصادية، الأمر الذي تسبب في توتر العلاقات مع إريتريا والصومال بعد الاتفاق على منفذ بحري في أرض الصومال مقابل منحها أول اعتراف دولي([13]).
وتحاول الحكومة الإثيوبية إيجاد هدف واحد يمكن أن تجتمع عليه فئات الشعب المختلفة التي تتميز باختلافات اجتماعية وثقافية شديدة، مما دفع الحكومة الإثيوبية إلى اتخاذ سياسة الهروب للأمام في محاولة للحد من الحروب الأهلية، وتوجيه الشعب نحو عدو خارجي أو خطر داهم يهدّد أمن وسلامة البلاد، مما دفع الحكومة الإثيوبية إلى إيجاد أسباب لذلك العداء بدعوى التدخل في الشؤون الداخلية أو محاولة عرقلة النهضة الإثيوبية دون دليلٍ على تلك الاتهامات.
الخاتمة:
تتغير السياسة الخارجية للدول بتغيُّر القادة السياسيين، والسياسة الخارجية الإثيوبية منذ تولي رئيس الوزراء آبي أحمد -الحاصل على جائزة نوبل في السلام- تتميز ببعضٍ من العنف تجاه دول القارة الإفريقية، فالسياسة الخارجية الإثيوبية تسببت في تهديد القرن الإفريقي باندلاع حروب؛ نظرًا لعدم احترامها سيادة دول الجوار المباشر؛ نتيجةً للبحث عن المصالح الوطنية الإثيوبية من منظور أحادي بغض النظر عن المصالح الوطنية لدول الجوار المباشر، واحترام سيادتها، وقد ظهر رد فعل النهج العنيف لرئيس الوزراء لإثيوبي على السياسة الداخلية، حتى أدى الأمر إلى اشتعال حربين أهليتين في خلال أربع سنوات، وينذر ذلك بتفكك الدولة التي تعاني من الهشاشة في الأساس، لذا تعتمد السياسة الخارجية الإثيوبية على إيجاد عدو خارجي لتوحيد صفوف العرقيات المختلفة في محاربة ذلك العدو الخارجي، وعدم الاقتتال الداخلي الذي له التهديد الأكبر على الدولة.