التوتر الكبير بين تركيا والعرب: ما الرسائل ولماذا الآن؟

مصطفى ملا هذال

 

لا يزال الموقف العربي تجاه تركيا غير مطمأن ولا تزال حكومة انقرة ترد الادعاءات على العربية وتصفها معدومة الدقة ولا تستند الى حقيقة واقعية، فالحكومات العربية تستهجن التدخلات التركية ببعض المسائل الداخلية لدى الأنظمة العربية.

وقد استنكرت بقوة ما جاء بالبيان الختامي الذي صدر عقب اجتماع ضم وزراء خارجية الدول العربية في القاهرة يوم الاثنين المنصرم، اذ انتقد البيان ما وصفها بالتدخلات التركية في الشؤون الداخلية للدول العربية، في حين ذهب وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى وصف وجودها العسكري في سوريا بالاحتلال وهو ما دفع الجامعة العربية لدعوتها إلى الخروج لا من سوريا فحسب وإنما أيضا من ليبيا والعراق.

التوتر الحاصل بين الدول العربية وتركيا ليس الأول من نوعه بل تمتد جذوره الى مناطق عميقة جدا، فهو نابع من مواقفها إزاء بعض الخلافات التي حصلت بالبيت العربي، ووقوفها الى جانب طرف على حساب طرف آخر، تتفق معه في التوجهات الأيدلوجية.

توجد بعض الدول في المجموعة العربية تريد ان تقود موضوع الصراع العربي التركي وتزيد من رقعة التصعيد الدائر، اذ توجد رغبة واضحة لسحب بقية الأطراف لدائرة الخلاف والتعامل مع تركيا على انها الخطر او اللاعب الوحيد بالشأن العربي، بينما هي في الأساس ليس سوى قطب واحد من بين الأقطاب المجتمعة حول المشكلات الموجودة.

في الدول العربية هنالك خيبة امل من ملأ الفراغ الذي شغلته القوى الإقليمية وبالنتيجة يمكن ان يكون هذا التصعيد محاولة لتبرير بعض المواقف السلبية التي لم تتمكن البلدان العربية من معالجتها وغلق الأبواب بوجه من يريد مشاركتها الموقف والرأي وكسب المصالح.

في المقابل هنالك تجاهل واضح من قبل الجامعة العربية التي اجتمع وزراء خارجية دولها لما تقوم به الدول الكبرى، كقيام الولايات المتحدة بالتدخل المباشر لتغيير نظام الحكم في العراق، وكذلك مساندة المعارضة السورية للإطاحة بنظام الأسد المدعوم من قبل الجانب الروسي، ولولا هذا الدعم لشملته نسمات التغيير العربي التي هبت على اغلب الأراضي العربية.

الوضع العربي المشظى في الوقت الحالي لا يسمح بأن تستخدم الأقطار العربية لهجة أكثر شدة بعد الموقف التركي الرافض لمخرجات الاجتماع الأخير، فلتركيا أصدقاء منضوين تحت الخيمة العربية واهمهم قطر التي لا تزال لم تشفى بصورة تامة من جرح المقاطعة العربية، ولا تريد في نفس الوقت خسارة أحد اهم الحلفاء الاستراتيجيين.

منذ بدء الربيع العربي الذي رافقه موجة خلافات كبيرة بين الدول العربية المكونة للجامعة، ما نجم عنها اخراج سوريا برغبة او بتحريض غربي تقوده أمريكا بعد فشلها في إسقاط نظام الأسد وتخريب بلاد الشام كسائر البلدان العربية التي عبثت بها وارجعتها قرون الى الوراء، بينما تظهر نفسها كمن يريد تقدمها وازدهارها.

كنا ننتظر من الاجتماع ارجاع سوريا للحضن العربي، والدفع باتجاه تخليصها من السيطرة الدولية وخضوعها للتجاذبات الحاصلة دون قدرة منها على نزع نفسها بحكم حالة الضعف التي تمر بها نتيجة الهجمات الإرهابية وتنشيط حركة المقاومة عبر ضخ الأسلحة والدعم المالي الكبير لضمان استمرارية عدم الاستقرار وخلق الفوضى الشعبية.

الخلاف التركي مع الدول العربية الكبرى والمؤثرة بالمشهد السياسي هو من دفع بدول الجامعة وحثهم على عقد الاجتماع، فمن الطبيعي أيضا ان تسيس اهداف الجامعة وتحركاتها إزاء بعض الملفات لصالح الدول الأقوى والأكثر نفوذا وصلة بالمجتمع الدولي وتحديدا الغربي.

اين الجامعة العربية من قصف المدنيين في بعض الدول العربية من دول عربية أخرى؟، وأين الدول العربية من حالات الفقر وارتفاع معلات البطالة وتراجع ملف الخدمات وحقوق الانسان في اغلب الدول العربية؟، لماذا لا نشاهد وقفة حقيقة مع الشعوب المضطهدة من حكامها؟، الحكام المضطهدين نفسهم أصحاب قرار وبشكل مؤثر في الاجتماعات والعربية والمعنيين باتخاذ القرارات الحاسمة والمصيرية.

ان الذي أوصل الدول العربية الى هذه المنطقة الحرجة هو فقدانها مهارة التعامل مع اغلب الملفات بشقيها البسيط والمعقد، فلم تتمكن من التعاطي مع المشكلات الداخلية وإيجاد الحلول بوقت قياسي لمنع البقعة من التمدد ومن ثم يصعب احتواءها والسيطرة عليها مما يستدعي طلب العون خارجيا.

إذا كان البيت العربي مرتبا وغير مشرع الأبواب يمكن لتلك الدول ان تحرم من تسول له نفسه التدخل بالشؤون العربية، بينما العكس من ذلك هو ما مكن الدول الاوربية الدخول بترحيب عربي الجلوس على مصادر الطاقة والتحكم بها بمقدرات الشعوب المضطهدة بالأساس من أبناء جلدتها الحاكمون.

التحالفات المعقودة بين كثير من الدول العربية والمصالح المرتبطة ببقاء الحكام بأماكنهم، قيدت السنهم ومنعتهم من ذكر او الذهاب نحو المنطقة التي تتخذها أمريكا ودول الاتحاد الأوربي مكانا او منفذا لتحقيق سياستها في منطقة الشرق الأوسط.

تغافل البيان الختامي أكثر الموضوعات خدمة للمواطن العربي جعله محل انتقاد وسخرية كبيرين، فهو أهمل قانون قيصر الأمريكي الذي ينص على فرض عقوبات على الرئيس السوري بشار الأسد ومختلف أطياف النظام السوري من وزراء ونواب وغيرهم، إضافة إلى الأفراد والشركات الذين يمولون الرئيس السوري أو يقدمون المساعدة له، كما يفرض المشروع عقوبات على المصانع السورية، خاصة تلك المتعلقة بالبنى التحتية والصيانة العسكرية وقطاع الطاقة.

ما أنهك الكيان العربي هي الازدواجية بالتعامل مع قضايا متشابهة ومواقف متباينة، فما تزعم بانه مخالفة دولية تركية، نجده مقبول وغير ذي أهمية بالنسبة للحكومات العربية عندما يصدر من احدى الدول الصديقة التي لا تتوانى بصفع من يقول غير ما تود سماعه.

ابتليت المنطقة العربية بكثرة المعجبين، فتركيا تريد ان تنفرد بعلاقة ود مع أحد اقطابها، والبعض لا يريد ان تدنوا أكثر من ذلك، او بالأحرى تعمل على ابعاد يدها واخذ ما بين اصابعها لكي يضعف النفوذ وتتقهقر المصالح وتتداعى الإمبراطورية الجديدة التي تريد ان تعيد الق الماضي.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/authorsarticles/26393

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M