يهدد فشل إدارة بايدن في إقناع إسرائيل بالتحلي بضبط النفس خلال عملياتها العسكرية بإغراق الشرق الأوسط في صراع كبير. فعلى مدار العام الماضي، غالبا ما أرسلت سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه إسرائيل إشارات متضاربة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بشأن دعم واشنطن للدولة اليهودية. فمن ناحية، حرص بايدن على إظهار دعمه لإسرائيل في صراعها الطويل مع إيران، وكانت النتيجة قيام الولايات المتحدة بنشر مجموعة واسعة من الأصول العسكرية في المنطقة بهدف ردع إيران ووكلائها عن شن أي هجوم عسكري ضد إسرائيل.
وفي الوقت نفسه، استثمرت إدارة بايدن قدرا كبيرا من رأس المال السياسي في محاولة إقناع حكومة نتنياهو بقبول شروط اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وهو الاتفاق الذي يعتقد البيت الأبيض أنه سيساهم في تهدئة التوترات في جميع أنحاء المنطقة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من الجهود الدبلوماسية المكثفة التي قادها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فلا تزال احتمالات التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بعيدة المنال.
لكن عجز واشنطن عن ممارسة نفوذ فعال على الإسرائيليين يعني أن التوترات في المنطقة ستستمر في التصاعد، مما يزيد من المخاوف الجدية من احتمال تحول الصراع في غزة إلى حرب إقليمية واسعة.
ولا شك أن احتمالات تعميق إسرائيل لتورطها العسكري في المنطقة قد تصاعدت بشكل ملحوظ بعد الهجمات التي شنتها هذا الأسبوع على شبكة الاتصالات التي يديرها “حزب الله” في جنوب لبنان.
وبينما امتنعت إسرائيل عن التعليق على مسؤوليتها المحتملة عن الهجمات التي استهدفت أنظمة النداء (البيجر) والاتصالات اللاسلكية لـ”حزب الله”، فقد أُشير بشكل واسع إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) باعتباره الطرف المسؤول عن تنفيذ هذه العملية القاتلة.
وقد قُتل ما لا يقل عن اثني عشر شخصا، بينهم طفلان، وأُصيب نحو 2800 آخرين بعد انفجارات مفاجئة لأجهزة النداء (البيجر) التي يستخدمها “حزب الله” في أنحاء مختلفة من لبنان يوم الثلاثاء. وفي اليوم التالي، انفجرت أجهزة الاتصال اللاسلكية التي تستخدمها الجماعة في عدة مدن، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 شخصا وإصابة 450 آخرين.
ورغم أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن الهجمات، فإن “حزب الله” وأنصاره لا يشكون في أن إسرائيل هي المسؤولة في النهاية عن هذه المذبحة. ويصر مسؤولو “حزب الله” على أن إسرائيل ستواجه “عقابها العادل” جراء تسببها في إراقة الدماء.
رغم أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن الهجمات، فإن “حزب الله” وأنصاره لا يشكون في أن إسرائيل هي المسؤولة في النهاية عن هذه المذبحة
وازدادت الشكوك حول أن إسرائيل تسعى عمدا إلى تعطيل أنظمة الاتصالات التابعة لـ”حزب الله”، بعد أن حذّر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت بأن قوات الدفاع الإسرائيلية تحول تركيزها العسكري نحو الشمال، قرب الحدود اللبنانية، استعدادا لـ”مرحلة جديدة” من الحرب المستمرة منذ 11 شهرا، والتي اندلعت بعد هجمات “حماس” في 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
وقال غالانت: “إن مركز الثقل يتحول نحو الشمال، من خلال نقل الموارد والقوات إلى هناك”. وأضاف: “نحن في بداية مرحلة جديدة من الحرب، وهي تتطلب منا الشجاعة والتصميم والمثابرة”.
وقد انخرط الجيش الإسرائيلي و”حزب الله” في مناوشات عبر الحدود منذ أن شنت الميليشيا المدعومة من إيران هجمات على شمال إسرائيل دعما لمقاتلي “حماس” في غزة. وتشير التقديرات إلى أن نحو 60 ألف إسرائيلي فروا من منازلهم في شمال البلاد، مما دفع رئيس الوزراء نتنياهو إلى التحذير في وقت سابق هذا الأسبوع من أن هناك حاجة إلى “إحداث تغيير في ميزان القوى على حدودنا الشمالية”.
ومع إعلان الجيش الإسرائيلي عن نشر فرقتين عسكريتين في شمال إسرائيل، أصبحت واشنطن تأخذ بجدية احتمال أن تكون الهجمات على أجهزة النداء والاتصالات اللاسلكية التابعة لـ”حزب الله” مجرد مقدمة لعملية عسكرية إسرائيلية كبرى ضد الميليشيا. وقد أفادت التقارير بأن إدارة بايدن حذرت نتنياهو من التسبب في اندلاع حرب جديدة في لبنان.
لكن قدرة إدارة بايدن على منع اندلاع صراع واسع النطاق بين إسرائيل و”حزب الله” محل شك، خاصة مع تأكيد المسؤولين الأميركيين أنهم لم يكونوا على علم مسبق بالهجوم المتطور الذي استهدف هذا الأسبوع شبكة اتصالات “حزب الله”. وقال بلينكن، الذي كان في زيارة رسمية إلى مصر عندما وقعت الهجمات، خلال مؤتمر صحافي: “الولايات المتحدة لم تكن على علم بهذه الحوادث ولم تشارك فيها. ما زلنا نعمل على جمع المعلومات وجمع الحقائق”. وفي الوقت نفسه، أكد مسؤولون دفاعيون أميركيون: “لم نكن على علم بهذه العملية ولم نشارك فيها”.
وحقيقة أن إدارة بايدن، التي لا تزال تعتبر إسرائيل واحدة من أقرب حلفائها العسكريين، لم تكن على علم مسبق بالهجوم تثير القلق بلا شك. فهذا يعكس مدى محدودية النفوذ الذي تستطيع واشنطن ممارسته على حليفها الإسرائيلي، رغم أن الجيش الأميركي يستثمر بشكل كبير في حماية الدولة اليهودية من هجمات الدول المعادية مثل إيران.
وعلاوة على ذلك، تأتي الهجمات على شبكة اتصالات “حزب الله” في سياق تصاعد النشاط العسكري الإسرائيلي في المنطقة. ففي الأسابيع الأخيرة، وُجهت اتهامات للإسرائيليين باغتيال زعيم “حماس” إسماعيل هنية في طهران، وقتل قائد كبير في “حماس” في بيروت، وتدمير منشأة لإنتاج الصواريخ الإيرانية في سوريا، على سبيل المثال لا الحصر.
وفي ظل هذه الظروف، تحتاج إدارة بايدن إلى أن تكون قادرة على ممارسة أقصى درجات الضغط على إسرائيل لضبط النفس، إذا كانت تأمل في تحقيق هدفها المتمثل في منع تحول الصراع في غزة إلى مواجهة أوسع في الشرق الأوسط.
ولكن إذا لم يكن الإسرائيليون مستعدين حتى لإخطار واشنطن مسبقا عند الشروع في عمليات عسكرية كبرى، مثل تعطيل أنظمة الاتصالات التابعة لـ”حزب الله”، فإن فرص بايدن في منع إسرائيل من شن هجوم عسكري واسع النطاق في جنوب لبنان تبدو ضئيلة بالفعل.