تمثل عملية اغتيال العقيد في الحرس الثوري الإيراني، حسن صياد خدايي، تطورًا نوعيًا في عمليات الاستهداف التي تتم عن طريق أيادٍ خارجية في طهران؛ فحتى وقت قريب اعتادت السلطات الرسمية في إيران توجيه أصابع الاتهام إلى الإسرائيليين وجهاز “الموساد” على وجه التحديد، في استهداف وقتل العلماء النوويين الإيرانيين في قلب العاصمة طهران، إلا أن اغتيال حسن خدايي يختلف عن هذا المسار على الرغم من تشابه طريقة الاستهداف ذاتها مع عمليات أخرى جرت في الداخل الإيراني خلال السنوات السابقة.
كما تأتي هذه العملية في وقتٍ يشهد فيه الحضور الإيراني في الأراضي السورية على وجه التحديد فترة انتقالية تتوقع إيران بعدها أن تحتكر معظم النفوذ الأجنبي في سوريا في ظل انشغال الروس بالحرب مع أوكرانيا.
المسؤول عن نقل الأسلحة إلى سوريا … من هو “حسن خدايي”؟
مثلما جرت العادة، لا تنشر السلطات الأمنية الإيرانية معلومات وافرة نسبيًا عن كبار الشخصيات العاملة بالبرامج النووية والصاروخية، أو حتى هؤلاء النشطون على الأراضي العراقية أو السورية ممن يحملون الجنسية الإيرانية ومن بینهم العقيد حسن صياد خدايي. بل إن قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني، وعلى الرغم من موقعه العسكري البارز الذي كان يُصنّف تبعًا له على أنه أقوى عسكري في إيران، لم يكن استثناءً بينهم.
ومع ذلك، تشير وسائل الإعلام المحلية في إيران إلى أن العقيد خدايي كان أحد أعضاء وحدة “فيلق القدس” التابعة للحرس الثوري الإيراني والتي توصَف بأنها التنظيم المسؤول عن العمليات الخارجية له خاصة في إقليم الشرق الأوسط من أفغانستان وحتى المغرب العربي. واستعملت هذه الوسائل مسمياتٍ عدة لعائلة حسن صياد منها “خدايي” و”خدايارى” و”خدابناهي”، وجميعها مسميات فارسية دينية.
وتقول وكالة أنباء “فارس” الإيرانية التابعة للحرس الثوري إن خدايي كان أحد “المدافعين عن الحرم”، وهو لفظ يستخدم في إيران للإشارة إلى أعضاء الحرس أو الاستخبارات الإيرانية أو الجماعات الأجنبية الوكيلة عن طهران التي تعمل في الغالب داخل سوريا أو العراق تحديدًا. وتبلور هذا اللفظ بشكل أدق خلال الفترة التي أعقبت اندلاع أعمال العنف في سوريا والعراق عام 2011.
وكان خدايي يبلغ من العمر حوالي 50 عامًا حين مقتله، حيث وُلد عام 1972 ميلاديًا في مدينة “ميانه” الواقعة في محافظة “آذربيجان الشرقية” شمال غربي إيران، والتي تنتمي إليها أيضًا أهم مدينة تسكنها القومية الآذرية في البلاد وهي “تبريز”. وانضم خدايي إلى الحرس الثوري في عمر الـ 15 عامًا عام 1987 خلال الأشهر الأخيرة للحرب العراقية الإيرانية التي بدأت في 1980. لذا، فقد عمل خدايي في الحرس الثوري لما يقارب 35 عامًا.
ويُعتقد أن خدايي كان نائبًا لقائد الوحدة (840) التابعة لـ “فيلق القدس” الإيراني المسؤولة في الغالب عن تنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات أجنبية خارج إيران، والتي أسندت إليها قيادة الحرس الثوري أيضًا مهام استهداف الإسرائيليين والمصالح الإسرائيلية. لذا، نجد صحفًا إسرائيلية تقول إن خدايي كان مسؤولًا عن “هجمات إرهابية واختطاف إسرائيليين”.
وعُهد إلى خدايي، بحسب مواقع إيرانية محلية، مسؤولية عمليات نقل الأسلحة والصواريخ من إيران إلى سوريا ولبنان وفلسطين، كما كان يعمل في قسم التطوير والتكنولوجيا للصناعات الدفاعية الإيرانية، وعلى وجه التحديد في عمليات تصنيع الطائرات المسيرة (الدرونز).
كيف تم اغتيال “خدايي”؟
مثّلت عملية استهداف العقيد الإيراني حسن خدايي تحولًا في استهداف الأشخاص الإيرانيين أنفسهم، ولكن الطريقة التي تمت بها لم تكن جديدة على أي حال. ففی الساعة الرابعة عصرًا بتوقيت إيران وفي يوم 22 مايو الجاري، قُتل العقيد حسن خدايي في حارة تُدعى “غلاميان” متفرعة من شارع “مجاهدين إسلام” أمام منزله على يد شخصين يحملان سلاحًا ويستقلان دراجة نارية. وقد توفي خدايي لاحقًا بسبب شدة الإصابات.
وبحسب شهود عيان في محل وقوع الحادث، أغلقت سيارةٌ من طراز “برايد”، قبل دقائق من وقوع الحادث، الحارة المؤدية إلى شارع “مجاهدين إسلام” الذي تمت به عملية الاغتيال، وهي حارة “غلاميان”، مما اضطر سائقو السيارات إلى تغيير مسارهم.
ولاحقًا، عندما همّ خدايي بالنزول من سيارته التي هي أيضًا من نوع “برايد”، شرع المهاجمون في تنفيذ عملية الاغتيال، حيث تم إطلاق 5 رصاصات على خدايي، أصابت 2 منها رأسه و2 يده والأخيرة صدره. وكانت زوجة حسن أول شخص يطلع على الحادثة، بينما سارع أحد أقربائه إلى الاتصال بسيارة إسعاف في محاولة لإنقاذه، إلا أنه توفى على الفور.
وكان خدايي قدم لتوه إلى إيران قادمًا من سوريا قبل أيام قليلة من استهدافه. وعليه، تُظهر هذه العملية أن الأشخاص الذين قاموا بها كانوا على علم بتفاصيل تحركات الضابط خدايي المكانية والزمنية.
تحول في استهداف الأشخاص بعملية متكررة
على الرغم من أن طريقة استهداف خدايي لم تكن جديدة، إلا أن استهداف الشخص نفسه الذي كان يعمل في سوريا لصالح الحرس الثوري الإيراني، مثّلت تطورًا نوعيًا إلى حدٍّ كبير.
حيث إن طريقة استهداف شخصيات بارزة في إيران عن طريق الدراجات النارية وفي قلب العاصمة لم تكن جديدة. فعلى سبيل المثال، تم استهداف الشخص الثاني في تنظيم “القاعدة” الإرهابي المدعو “أبو محمد المصري” في طهران في شهر أغسطس 2020 بالطريقة نفسها، وكان هذا مرشحًا ليحل محل زعيم التنظيم الحالي “أيمن الظواهري”.
وقبل هذه الحادثة، استُهدف عددٌ من العلماء النوويين في إيران بالشكل نفسه، وكان من بينهم “داريوش رضائي نجاد” في 23 يوليو 2011 الذي قتل بـ “خمس رصاصات” أيضًا على يد مسلحين يستقلون دراجة نارية وأمام منزله.
(موقع استهداف خدايي بالقرب من البرلمان الإيراني)
وبعيدًا عن طريقة الاستهداف نفسها، فإن مقتل عسكري إيراني رفيع “في إيران” كان يعمل داخل سوريا ضد المصالح الإسرائيلية وبالقرب من مبنى البرلمان في العاصمة طهران مثّل هنا التحول الملحوظ. حيث إن مسار الاغتيالات وعمليات الاستهداف التي كانت تتم داخل إيران خلال السنوات الماضية، بغض النظر عن الطرف الذي قام بها، كان يركز على العلماء النوويين حتى وإن كانوا عسكريين مثل “محسن فخري زاده” الذي قُتل في نوفمبر 2020 بعد أشهر قليلة من مقتل قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني، في غارة جوية قرب مطار بغداد الدولي بالعراق. وهنا، نجد أن استهداف سليماني، كمثال، تم خارج الأراضي الإيرانية.
سيارة رديئة وإجراءات حماية أمنية ضعيفة لـ”خدايي”
كانت السيارة التي يستقلها خدايي من نوع “برايد” وهي من أكثر السيارات رداءة في إيران، حتى أن المواطنين الإيرانيين أنفسهم كثيرًا ما يسخرون منها، حيث لا تتمتع هذه السيارة بأية إجراءات سلامة شخصية. وكان التلفزيون الإيراني نفسه قد وصفها في تقرير له نُشر عام 2020 أنها “الأكثر تسببًا لحوادث السير” في إيران.
وتُعد “برايد” نسخة من سيارة “كيا” الكورية، وبدأ إنتاجها في إيران مع مطلع تسعينيات القرن الماضي عام 1993. ومثلما لا تتمتع بإجراءات سلامة تُذكر، فإن “برايد” هي السيارة الأرخص في السوق الإيراني وتبلغ تكلفة شرائها حوالي 4500 دولار أمريكي.
وإلى جانب ذلك، يبدو أن خدايي لم يكن يتمتع بإجراءات حماية أمنية شخصية ذات معنى؛ إذ أنه لم يكن يسكن في المنازل التي تخصها السلطات الأمنية لأصحاب الرتب العليا في الحرس الثوري أو ما شابههم، كما كان خدايي يسير ويتحرك في إيران بدون حراس شخصيين.
وهنا، يُثار التساؤل بشأن المكانة أو الرتبة على وجه الدقة التي كان يتقلدها حسن صياد خدايي في الحرس الثوري. فبرغم إعلان طهران أنه كان “عقيدًا” إلا أن المعمول به في القوات العسكرية الإيرانية أن من يتولى منصب قائم بأعمال وحدة عسكرية مثل الوحدة (840) التابعة لفيلق القدس يجب أن يكون ذا رتبة تضاهي رتبة “عميد” في البلدان الأخرى.
توقيت ودلالات استهداف حسن خدايي: ماذا يعني اغتيال خدايي في إيران وليس في سوريا؟
جاءت عملية اغتيال حسن خدايي بعد عمليات مواجهة استخباراتية وعسكرية بين إيران وإسرائيل خلال الأيام الماضية على وجه التحديد. لذا، فإن عملية استهدافه قد تكون مرتبطة بما يلي:
– جاءت العملية بعد أيام من إعلان وسائل إعلام إسرائيلية إجراءها تحقيقًا في داخل إيران مع أحد أعضاء “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري يُدعى “منصور رسولي” الذي قيل إنه كان يخطط لاستهداف إسرائيلي وأمريكي. وكانت الأجهزة الأمنية في إيران قد نفت هذه الواقعة، قائلة إن رسولي كان “مزارعًا اختطفه لصوص وقطاع طرق وأجبر على الاعتراف بأقوال معينة”.
– كما نُفّذت عملية استهداف خدايي بعد ساعات من إعلان إيران القبض على “خلية جاسوسية تعمل لصالح إسرائيل”. وهنا، يُثار تساؤلٌ بشأن “هل هنالك علاقة بين هذه التطورات ومقتل خدايي؟”، خاصة وأن منصور رسولي، وحسب ما تقوله إسرائيل، كان يخطط لاستهداف إسرائيلي في الوقت الذي كان يشغل فيه خدايي منصبًا كبيرًا في الوحدة (840) التابعة لـ “فيلق القدس” والمختصة بعمليات الاغتيالات الخارجية.
مقتل خدايي والحرب الروسية الأوكرانية
من ناحية أخرى، جاءت عملية الاغتيال هذه في ظل عمليات التحول العسكري الجارية في الأراضي السورية منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير الماضي، حيث تحاول إيران تعزيز وتعميق مستوى حضورها ونفوذها العسكري في سوريا لتحل القوات الموالية لها محل المواقع التي قيل إن الروس أخلوها. لذا، هل يجئ اغتيال خدايي في إطار تطور عمليات المواجهة بين إسرائيل وإيران في سوريا بالتزامن مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية الخارجية؟
ماذا يعني اغتيال خدايي في إيران وليس في سوريا؟
إذا نظرنا إلى السيارة التي كان يستقلها العالم النووي الإيراني “محسن فخري زاده” قبل مقتله في نوفمبر 2020، سنجد أنها من نوع أكثر جودة من تلك التي كان يستقلها خدايي. فقد كانت الأولى من نوع “نيسان” وكما قيل فقد كانت مجهزة ببعض إجراءات الحماية كما كانت ترافقها بعض السيارات الأخرى التي كانت تحمل حراسًا له.
قد يعني هذا من جانب، أنه على الرغم من اختلاف المكانة العسكرية بين خدايي وزاده، أن العلماء النوويين في إيران يحظون بإجراءات تأمين أشد مما هو عليه الأمر مع القادة العسكريين الآخرين (غير النوويين). وقد يعود هذا من ناحية إلى أن عمليات اغتيال القادة العسكريين مثل خدايي لم تكن شائعة في إيران وكانت نادرة الحدوث للغاية، حيث كان يجري استهدافهم في الخارج مثلما تم استهداف القائد في الحرس الثوري، مسلم شهدان، على الحدود العراقية السورية في 29 نوفمبر 2020.
ومن جانب آخر، يعني هذا أن إجراءات الحماية التي يحظى بها قادة الحرس الثوري في إيران أقل كثيرًا مما هو عليه الأمر في الخارج مثل سوريا أو العراق، أي أن درجات الأمن المتوفرة لهم في الخارج أكبر بكثير مما عليه في الداخل الإيراني حتى مع تنفيذ عمليات استهداف كثيرة خلال الآونة الأخيرة داخل إيران ضد أفراد آخرين. ويوضح هذا سبب استهداف خدايي في إيران وليس سوريا.
.
رابط المصدر: