علي حسين عبيد
الناخب هو المواطن الذي يحق له الانتخاب وفق شروط تتعلق بالسنّ والجنسية وسواها، بحسب فقرات واضحة موجودة في الدستور، وتعمل وفقها وتذكّر بها مفوضية الانتخابات التي يجب أن تكون مستقلة وبعيدة عن أي تأثير سياسي حزبي أو سواه، أما المنتخَب فهو الشخص الذي يقوم بترشيح نفسه لخوض الانتخابات وفق شروط محدَّدة أيضا.
ما هي حدود العلاقة بين الطرفين، وما الرابط بينهما، وكيف يمكن أن تجري العملية الانتخابية وفق علاقة تقوم على الثقة التامة؟
الطرف الأول الناخب غالبا ما يشكك بغايات وأهداف الطرف الثاني (المنتخَب أو المرشَّح)، لاسيما في الأنظمة السياسية الهشة والدول التي لم تتبلور فيها قواعد اللعبة الديمقراطية وفق أسس جيدة، فالناخب له أهداف معظمها تتعلق بتحسين نمط حياته، من خلال ضمان حقوقه لاسيما في مجال حرية الرأي والحقوق الخدمية وغيرها.
المنتخَب يسعى إلى كسب تأييد الناخب كي يحظى بأكبر قدر من التأييد وكسب أكثر عدد من الأصوات، حتى يضمن فوزه في الانتخابات، وبالتالي وصوله إلى المنصب الذي يخطط له، لذلك تقترن العلاقة بين الطرفين بنوع من التشكيك من قبل الناخب والتخوّف من قبل المنتخَب، بخصوص هواجسه المتعلقة بخسارته لأصوات الناخبين.
وعود الساسة قبل الانتخابات
من الظواهر التي لا حظها الناخِب، أنه حين يقترب موعد الانتخابات، تتضاعف الوعود والتصريحات، ويبدأ السياسيون يتبارون فيما بينهم بإطلاق الكلام المعسول، والهدف واضح تماما، حتى المواطن البسيط تراكمت لديه خبرة في هذا المجال، فهو بات يعرف متى يبدأ السياسيون ينشطون في تصريحاتهم، وأحيانا في زياراتهم المتكررة لمناطق الانتخاب كي يكسبوا ودّ وتأييد الناخبين بشتى الفعاليات ومنها التصريحات والوعود بتقديم الخدمات.
في دورة انتخابية سابقة تم رصد سلوك مسؤول صغير حاول استثمار منصبه كي يروّج لنفسه عندما اقترب موعد الانتخابات، فقام بحملة لتحسين صورته وسمعته وسلوكه، مستخدما سيارة الدولة في جولاته على ساحات كرة القدم!، ليقدم كرة قدمٍ لهذا اللاعب أو تجهيزات رياضية (رخيصة) لذاك!، وكانت هذه الحركة مكشوفة للناس بشكل لا يقبل الشك.
لقد عمَّقت مثل هذه السلوكيات التي اعتادها بعض الساسة شكوك الناخبين، وفي وقتها تحدث الناس عن هذه الحالة التي تحولت فيما بعد إلى ظاهرة اعتادها الشعب، حيث يباشر المرشحون للانتخابات بزيارات ميدانية إلى مناطق فقيرة معدمة تشحّ فيها الخدمات كالماء والكهرباء والطرق، حتى أن المواطنين أعلنوا مرارا وتكرارا بأن المسؤولين (لا يذكرون المواطن) إلا عندما يقترب وقت الانتخاب.
وهذه ظاهرة رافقت الكثير من المرشَّحين في الدورات النيابية المتعاقبة، وكثيرا ما شكا المواطنون من المرشَّحين الذين ينشطون في مثل هذه الأوقات فقط؟!، وهي حركة مكشوفة أدّت إلى زعزعة الثقة، لاسيما بعد أن أخفق السياسيون الذين فازوا بأصوات الناخبين، دون أن يفوا بوعودهم التي قطعوها على أنفسهم للناخبين.
إذاً غاية هؤلاء الساسة أما الوصول إلى مناصب أعلى، أو على الأقل يحتفظ بمنصبه السابق، وأثبتت النتائج أن الهدف ليس خدمة الناخبين، وهذا ما أضعف الثقة بين الطرفين إلى أقصى الدرجات، فعندما يطمئن المرشح المسؤول بأنه حصل على غايته، ووصل إلى المنصب المطلوب، يتنكّر للناخبين ويتملّص من الإيفاء بالوعود التي وعدهم بها.
ماذا يحدث في المواسم الانتخابية؟
وبعد الفوز والوصول إلى قبة البرلمان ويحظى بمنصب متميز، عندئذ سوف يجلس في برجه العاجي متعاليا عن الجميع ومنشغلا بمصالحه، ناسيا أو متناسيا كل الوعود التي أطلقها على مرأى ومسمع من الناس!، وهذه الظاهرة التي تتكرر في مواسم الدورات الانتخابية، قضت أو أضعفت أواصر الثقة بين الناخب والمنتخَب.
ولكي ندعم القول والرأي بالشاهد والبرهان، فإن المتابع يستطيع أن يؤشر الظواهر التي رافقت الفعل السياسي منذ سنوات طويلة وعبر دورات انتخابية متتالية، حيث تتعدد الاجتماعات والمؤتمرات التي تضم قادة الكتل والأحزاب، والتي غالبا ما تأخذ عناوين وطنية، تنتهي بالتوقيع على بنود جيدة ومهمة من حيث المضمون، لكنها تتلكأ فيما بعد عندما يحين موعد تحقيقها في الواقع التطبيقي على الأرض.
انعدام الثقة بين الناخب والمنتخَب يجب أن تعمل جميع الأطراف المعنية على إزالتها، لاسيما الطرف السياسي الذي يتطلع بالإجمال إلى الفوز بالمناصب والجاه والأموال وسواها، الناخب لا يستكثر على المنتخَب هذه التطلعات، لكنه يطمح إلى اقترانها بتحقيق الوعود التي يطلقها الناخبون قبل إجراء العملية الانتخابية.
نعم من حق المرشَّح أن يتطلع إلى مناصب عليا، ولكن يجب أن يقترن هذا التطلّع بتحقيق الوعود التي قطعها المرشح على نفسه للناخبين، وتلك الوعود لا تخص الخدمات أو تحسين فرص العيش وحدها، فهناك مهام ذات طابع آخر، إذ يقع على عاتق الساسة تطور الدولة، واستقرارها وتقدمها مع أهمية الاستفادة من ثروات الطبيعية والموارد البشرية وتوظيفها في خدمة المواطن الذي يستحق حياة تليق به بعد أن أدى دوره الانتخابي كما هو مطلوب.
الخلاصة أننا كعراقيين يجب أن نتمسك بالعملية الديمقراطية، وأن نرسخ مفهوم الانتخابات وأن نطور قناعتنا بذلك، وأن نؤمن قولا وفعلا بأن الانتخابات هي الفيصل فيما يتعلق بتطوير الدولة، ونقلها من التخلف إلى التقدم، لذا فإن عامل الثقة المتبادَلة بين الطرفين (الناخب والمنتخَب)، يجب دعمه وترسيخه والحفاظ عليه، حتى تصبح الانتخابات جزء من المنظومة السلوكية المعتادة للمجتمع.
على أن تقوم هذه العملية الديمقراطية الانتخابية على ثوابت لا يجوز المساس بها، وقد يكون أولها، أن يعي المرشّح أو المنتخب دوره جيدا، وأن لا يحصر غاياته في المنفعة الفردية العائلية، بل لابد أن يؤمن السياسي الداخل في مضمار الترشيح بدوره كفاعل أول للتغيير، وداعم لنقل الدولة والشعب من عنوان مؤسف ومؤلم (التخلف)، إلى عنوان (التقدم) الذي يستحقه العراقيون بعد عناء وحرمان لا ينبغي أن يستمر.
رابط المصدر: