مصطفى ملا هذال
في العراق كانت الجامعات الاهلية لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، بينما أصبحت اليوم تنتشر في الازقة واحياء المدن، تتزاحم مع الأسواق والمولات التجارية المنتشرة في الشوارع، وكأنها دلالة واضحة على انهيار التعليم العالي والبحث العلمي في بلد كانت جامعاته ملاذا للطلبة الأجانب الباحثين عن التفوق والتمييز في التخصصات الاكاديمية.
تعود جذور التعليم العالي الأهلي في العراق إلى سنة 1963، حين تأسست (الكلية الجامعة) بمبادرة من نقابة المعلمين.
وفي سنة 1968 أُلغي اسم الكلية الجامعة ليحل محله اسم (الجامعة المستنصرية)، وفي سنة 1974 صدر القرار المرقم 102 الخاص بإعادة تنظيم الجامعات في العراق لتصبح الجامعة المستنصرية مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي الرسمي.
ولم يشهد التعليم الأهلي العالي في العراق اهتماماً كافياً إلا في سنة 1988، إذ تأسست بعض الكليات الأهلية، وفي 21 من آب سنة 1996 صدر قانون الجامعات والكليات الأهلية، المرقم (13).
وكان عدد الكليات الأهلية آنذاك (9) وهي كلية المنصور الجامعة (بغداد)، وكلية التراث الجامعة (بغداد)، وكلية الرافدين الجامعة (بغداد)، وكلية المعارف الجامعة (الأنبار)، وكلية الحدباء الجامعة (الموصل)، وكلية شط العرب الجامعة (البصرة)، وكلية اليرموك الجامعة (ديالى)، وكلية المأمون الجامعة(بغداد)، وكلية بغداد للعلوم الاقتصادية الجامعة (بغداد).
اما الآن لم نحصل على ارقام دقيقة توضح العدد الحقيقي للجامعات الاهلية، لكنها وفق الملاحظ في الواقع تجاوزت اعدادها العشرات مقارنة بما يوجد من جامعات قبل تغيير نظام الحكم في العراق.
في السنوات التي عقبت التغيير كان استحداث جامعة أهلية يتسم بنوع من السهولة والانسيابية، فضلا عن الإجراءات المبسطة وبهذه الطريقة ظهرت العديد من الجامعات الى حيز الوجود، رغم عدم التزامها بالشروط الواجب توفرها في الجامعة عند التأسيس.
ومن هذه الشروط توفر البنية التحتية من مختبرات والمكتبات وغيرها من المستلزمات الأخرى، من بينها توفير الإمكانات المادية والبشرية المتضمن الطواقم الاكاديمية ومؤهلاتهم العلمية وتخصصاتهم المطلوبة في سوق العمل بما يحقق الأهداف العامة التي تأسست الجامعة من اجلها.
لقد حددت المادة الثانية من قانون الجامعات والكليات الأهلية رقم 13 لسنة 1996 أهداف الجامعة أو الكلية الأهلية وذلك “بالإسهام في إحداث تطورات كمية ونوعية في الحركة العلمية والثقافية والتربوية، وفي البحث العلمي بمختلف نواحي المعرفة النظرية والتطبيقية.
في قراءة لمضمون هذه المادة القانونية فأنها القت بمسؤولية كبيرة على الكليات الأهلية، وتتجلى هذه المسؤولية في ان لا تكون الكليات الاهلية رديفا للكليات الرسمية، وإنما تكون قوة مؤثرة وقادرة على إحداث تغيرات واضحة على مخرجاتها بما يسهم في تطوير المهارات.
من المشكلات التي تواجه الجامعات الاهلية هي عدم عراقتها، أي ان الغالبية العظمى لم يتجاوز عمرها العقدين من الزمن، وهذا بالنسبة للعمل الأكاديمي يمثل مشكلة في ترصين المواد العلمية من جهة، وفقر الخبرات التراكمية لطواقهما التدريسية من جهة اخرى، وهو ما ينعكس سلبا على علمية الطلبة بصورة عامة.
قصص وحكايات غريبة تدخل من أبواب السخرية حين ترى حاصل على شهادة بكالوريوس يكتب عبارة “شكرن جزيلن”، لا عرف بماذا ستعلقون على الامر؟
التعليق على هذا النوع من الخريجين يمتزج بحالة من الحزن والشجون لما آلت اليه المركبة الاكاديمية في العراق، بعد ان كانت تزخر بالطاقات الاكاديمية والعلمية على مستوى المنطقة والعالم.
التعليم الأهلي وانتشاره بهذه الطريقة غير المدروسة والملائمة لاحتياجات سوق العمل، يجعل منه وباء أصاب التعليم العالي بكل مفاصله.
أي مرثية يمكن أن تُبكينا ونحن نرى ذلك الانهيار المتعمد للتعليم، ألا يستحق الحديث كل أنواع الرثاء؟
.
رابط المصدر: