الجزائر… هل ينتخب تبون لولاية ثانية في سبتمبر؟

لقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وتجلت التوجهات بعد إعلان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، رسميا ترشحه لولاية رئاسية ثانية في الانتخابات المقررة يوم 7 سبتمبر/أيلول القادم، وهي انتخابات سابقة لأوانها والمفترض أنها كانت ستنظم يوم 12 ديسمبر/كانون الأول.

في هذه الأثناء وبعد اتضاح الرؤية واكتمال عقد المنافسين على كرسي قصر المرادية (مقر الإقامة والرئاسة لرئيس الجمهورية الجزائرية)، يُطرح سؤال رئيس حول حظوظ الرئيس تبون في معاودة الفوز برئاسة الجزائر للمرة الثانية على التوالي؟ وسؤال آخر يطرح نفسه بقوة: لماذا يترشح كثيرون لسباق الانتخابات الرئاسية؟

وتتقاطع جميع التوقعات السياسية وحتى الشعبية بشأن السيناريوهات المحتملة عند استمرار الرئيس عبد المجيد تبون في الحكم، وقد بُنيت هذه التوقعات على إشارات وأدلة وتحليل للواقع فقط، أولها دعم المؤسسة العسكرية والحزام السياسي الذي يضم مجموعة القوى السياسية التقليدية من أحزاب السلطة.

الاستمرارية والاستقرار

ومن مؤشرات هذا الدعم ما ورد في افتتاحية مجلة “الجيش” (لسان حال المؤسسة العسكرية الجزائرية) والتي خُصصت للذكرى الـ62 للاستقلال واستعادة السيادة الوطنية، حيث جاءت الفقرة التالية: “يا ليت الشهداء يعودون وهم الذين فجروا الثورة ببنادق صيد، ليروا التطور الكبير الذي أحرزه الجيش الجزائري، سليل جيش التحرير الوطني، مثلما عبر عنه الرئيس الجزائري، وليتهم يعودون ليشهدوا ما حققته البلاد من تطور في بضع سنوات وليكتشفوا إرهاصات العهد الجديد أصبحت واضحة للعيان في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة”.

 

أ ب أ ب

الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون 

وليست هي المرة الأولى التي تعلن فيها المؤسسة العسكرية دعمها للرئيس تبون وتقديم حصيلة إيجابية لولايته الرئاسية الأولى وإبداء الرغبة في الاستمرارية والاستقرار وهو ما جاء في افتتاحية مجلة “الجيش”، في عددها الصادر في يناير/كانون الثاني الماضي، إذ لفتت إلى أن “كل الإنجازات التي تجسدت إلى غاية اللحظة، سواء على المستوى الدستوري أو السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، قد أثبتت صوابية التوجه الذي تبناه الرئيس نهجا إصلاحيا لبناء الجزائر الجديدة، لا سيما وأن الظروف التي ميزت المشهد غداة انتخابه استدعت تكثيف العمل لتعزيز ثقة الشعب الجزائري في مؤسسات دولته”.

 

ما يعزز حظوظ تبون أكثر فأكثر “الكماندوز السياسي” الذي يحيط به والذي يضم أحزابا كبيرة موالية للسلطة، أبدت استعدادها وقدرتها على تنظيم تجمعات شعبية ضخمة في الحملة الانتخابية

 

 

ومن الأدلة القاطعة التي تثبت حالة التناغم بين مؤسسة الجيش والرئيس ما ورد في هذه الفقرة: “ما تحقق في ظرف أربع سنوات يبعث على الأمل ويدعو للاستمرار بخطى ثابتة وواثقة على النهج ذاته”، وقالت في هذا المضمار إن “كل المؤشرات والمعطيات تشير، بما لا يدع مجالا للشك، إلى أن بلادنا تتطور بسرعة وهذا بفضل شبابها القادر على رفع التحديات والمساهمة بفعالية في مسار بناء جزائر قوية وآفاق واعدة ومزدهرة وشامخة”.

“كماندوز” سياسي 

وما يعزز حظوظه أكثر فأكثر “الكماندوز السياسي” الذي يحيط به والذي يضم أحزابا كبيرة موالية للسلطة، أبدت استعدادها وقدرتها على تنظيم تجمعات شعبية ضخمة في الحملة الانتخابية، إذ أبدى أحد داعميه وهو الوزير السابق ورئيس “حركة البناء الوطني” عبد القادر بن قرينة، استعداده لقطع أكثر من 16 ألف كيلومتر لتوعية الجزائريين بالتصويت.
ويتضح من خلال المسوغات التي ساقتها الأحزاب السياسية الموالية للسلطة لتبرير خيار دعم الولاية الرئاسية الثانية، إجماعها على “الاستمرارية والاستقرار، بالنظر إلى الظروف الإقليمية المحيطة بالجزائر التي لا تتيح أي تغيير حاليا”. ويقول في هذا السياق نور الصباح عكنوش، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة بسكرة في حديثه لـ”المجلة” إن “هناك محددات داخلية وخارجية تساهم اليوم في تحليل نقاط قوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في الولاية الرئاسية الثانية انطلاقا من أننا بصدد مشروع تنمية بعيد المدى يحتاج لاستقرار نسقي من جهة وأمام واقع جيوسياسي دولي معقد يتطلب ثبات النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة في السنوات المقبلة”.

استعادة القبائل

وفي سياق هذا المعطى دائما، تبرز مؤشرات أخرى تنبئ بفوز الرئيس تبون بالانتخابات الرئاسية، يذكر من بينها المحلل السياسي نور الصباح عكنوش: “موقع الرئيس تبون من حيث الأسلوب والتأثير والحضور كفاعل وككاريزما”، وهنا يستدل بمتغيرين اثنين الأول خارجي ويتصل بنجاح زيارته إلى روما، والثاني داخلي يرتبط أيضا بنجاح زيارته إلى ولاية تيزي وزو الواقعة شرقي الجزائر العاصمة التي بقيت لسنوات طويلة معقلا لمقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولذلك فإن الزيارة كانت ناجحة وحسمت الكثير من القناعات وحددت كثيرا من الخيارات بما حملته من رسائل للداخل والخارج والتي تصب في صالح وحدة الأمة واستقرار الدولة الجزائرية، ولهذا فإن صورة الانتخابات ونسقها سيكون مختلفا هذه المرة ومفيدا للتنمية والاستقرار”.

 

تضمنت قائمة المرشحين الذين سحبوا استمارات اكتتاب التوقيعات حتى الآن نحو 35 راغبا في الترشح

 

 

لذلك يمكن القول إنه وفي 2019 وما قبلها كان المشهد السياسي معقدا وصعبا وغير واضح، وهو ما أفرز نسبة امتناع غير مسبوقة عن التصويت بلغت 60 في المئة و76 في المئة على التوالي، ومعظمها تمركزت في منطقة القبائل، الآن المشهد أقل حدة وتوترا لعدة اعتبارات منها نهاية القطيعة التي دامت لسنوات بين منطقة القبائل والسلطة بعد الزيارة النادرة التي قام بها الرئيس تبون إلى محافظة تيزي وزو وسط البلاد، وحظيت هذه الأخيرة ببرامج تنموية ومخصصات مالية معتبرة لتحسين الخدمات والبنى التحتية والمرافق العمومية.

نوعية المرشحين
ويُثير جدو فؤاد، أستاذ وباحث بقسم العلوم السياسية والإعلام بجامعة بسكرة في حديثه لـ”المجلة” نقطة أخرى تتعلق بهوية المنافسين، ويقول إن “الأمر مرتبط بهوية المترشحين، فالقائمة تضم أسماء عادية وبعض الوجوه ألفها الشعب وأخرى متآكلة وهو ما يعزز حظوظ الرئيس تبون أكثر فأكثر في الانتخابات”.
وتضمنت قائمة المرشحين الذين سحبوا استمارات اكتتاب التوقيعات إلى غاية اللحظة ما يقارب 35 راغبا في الترشح، منهم: مرشح “حركة مجتمع السلم” عبد العالي حساني، والأمين الأول لـ”جبهة القوى الاشتراكية” يوسف أوشيش، ورئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة، والأمينة العامة لحزب “العمال” اليساري، لويزة حنون، التي أعلنت أمس انسحابها من السباق الرئاسي وقررت وقف حملة جمع تزكيات الناخبين الداعمة لترشحها وعدم المشاركة في الحملة الانتخابية وفي عملية التصويت يوم السابع من سبتمبر القادم.

شرعية الإنجازات 

وعلاوة على هذا العامل، فإن هناك مجموعة من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي ترتبط بعامل الديمومة والاستقرار لا سيما وأن غالبية الالتزامات الـ54 التي تعهد بها أمام الشعب الجزائري قبل انتخابه رئيسا للجمهورية قد تجسدت على أرض الواقع، كما يؤكده الباحث السياسي فؤاد جدو، ويقول إن “الأمر مرتبط بنوعية من سيترشح”، وهنا يطرح المتحدث سؤالا وجيها: “هل يملك المترشحون الحاليون الكفاءة اللازمة والقدرة على الاستقطاب”.

 

أ ف ب أ ف ب

امرأة تمر أمام سياج عليه ملصقات انتخابية في العاصمة الجزائرية الجزائر 

ويرى المحلل السياسي فؤاد جدو أن “الرئيس تبون يمتلك حظوظا أوفر من غيره للنجاح، لاعتبارات متعددة منها الأنشطة ذات البعد الاجتماعي التي تقربه من الناس، فمعظمها تخص حياتهم الاجتماعية وتستجيب أيضا لتطلعاتهم لا سيما الشباب منهم”، ويستدل بـ”منحة البطالة التي استحدثت في فبراير/شباط 2022 على شكل راتب شهري بقيمة 13 ألف دينار جزائري أي ما يعادل تقريبا 90 دولارا، وتندرج هذه الخطوة في إطار تكفل الدولة اجتماعيا بمواطنيها، ويستمر المستفيد في الحصول عليها إلى غاية حصوله على وظيفة بالإضافة إلى تمتعه بالتغطية الصحية كبقية الموظفين”.
ويؤيده في الرأي أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الوادي، سليمان نبار، ويقول إن “شرعية الإنجازات المحققة في شتى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية كافية لترجيح كفته في الاستحقاق المقبل ولعل أهمها المتعلقة بعودة الثقة في مؤسسات الدولة إضافة إلى سقوط المقاربات التي تعمل عكس ذلك”.

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/321386/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D8%B1-%D9%87%D9%84-%D9%8A%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A8-%D8%AA%D8%A8%D9%88%D9%86-%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D8%A8%D8%AA%D9%85%D8%A8%D8%B1%D8%9F

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M