“الجِدار العازل”.. هل تتخوف “كييف” من هجوم روسي عبر بيلاروسيا؟

أحمد السيد

 

أثناء الأزمة الأوكرانية في عام 2014، تبًّنت بيلاروسيا موقفًا مُحايدًا بشأن ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وعملت في الوقت نفسه كوسيط وصانع للسلام وعززت صورتها بوصفها مانحًا للسلام والاستقرار في المنطقة.  وفي عام 2020 وإبان الأزمة السياسية في بيلاروسيا؛ اعتمد رئيسها “ألكسندر لوكاشينكو” على دعم الكرملين لمواجهة الاحتجاجات حينذاك، وأصبح حليفًا مُهمًا لروسيا خلال الحرب الروسية الأوكرانية الراهنة التي بدأت في 24 نوفمبر 2022، واستمر تصاعد الخطاب المعادي للغرب من نظام “لوكاشينكو” ولوحظ زيادة النشاط العسكري على الحدود “البيلاروسية – الأوكرانية”؛ الأمر الذي يزيد من مخاوف انخراط بيلاروسيا بشكل مباشر في الأزمة الأوكرانية.

ومع النجاحات الأخيرة التي حققتها القوات الأوكرانية ضد القوات الروسية في أرض المعركة؛ بات القلق يُسيطر على النظام الأوكراني؛ خوفًا من شن هجمات روسية بيلاروسية مُشتركة على الحدود الشمالية لكييف من قبل بيلاروسيا، خاصة وأن روسيا كانت قد استخدمت بيلاروسيا كنقطة انطلاق لهجومها على شمال أوكرانيا باتجاه العاصمة كييف في مارس الماضي قبل أن تتمكن كييف من صد الهجوم؛ الأمر الذي دفع كييف إلى البدء في بناء “جِدار عازل” على حدودها مع بيلاروسيا. وفي هذا السياق؛ يُطرح عددًا من الأسئلة حول دوافع أوكرانيا لتشييد هذا الجِدار، وإلى أي مدى قد يُسهم في طمأنة الجانب الأوكراني؟ وهل تفتح القوات الروسية جبهة جديدة للقتال في أوكرانيا عبر الحدود البيلاروسية؟ هذا ما سنتطرق إليه في السطور التالية.

تخوفات كييف

أثار تدفق القوات الروسية وتصاعد النشاط العسكري في بيلاروسيا القلق من لعب “مينسك” دورًا مباشرًا بشكل أكبر في الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة مع بدا من تعثر للقوات الروسية في الآونة الأخيرة. وبعد إعلان روسيا وبيلاروسيا في منتصف أكتوبر 2022، عن تشكيل قوة عسكرية مُشتركة للدفاع عن الحدود البيلاروسية، لوحظ انتشار وحدات طيران روسية في قواعد بيلاروسيا؛ الأمر الذي زاد من مخاوف أوكرانيا من شن هجوم روسي جديد انطلاقًا من الجارة الشمالية بيلاروسيا.

https://vid.alarabiya.net/images/2022/05/13/27020b1a-a1e0-4034-a994-86a4bb244239/27020b1a-a1e0-4034-a994-86a4bb244239_16x9_1200x676.jpg?width=801&format=jpg

وتتخوف كييف من قيام روسيا بشن هجوم جديد قد يستهدف مناطق في غرب أوكرانيا لقطع الشرايين اللوجيستية الرئيسية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية من الغرب. ففي العاشر من أكتوبر 2022، أبرم الرئيس البيلاروسي “ألكسندر لوكاشينكو”، اتفاقًا مع الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، لنشر قوة عسكرية مُشتركة أو مجموعة عسكرية إقليمية؛ ردًا على ما وصفه “لوكاشينكو” بالتهديدات العسكرية المحتملة على البلدين،وتفاقُم استفزازات حلف شمال الأطلسي “الناتو”وتلقيه تحذيرات تتعلق بتخطيط أوكرانيا لضرب أراضي “مينسك”

عقب توقيع اتفاقية تشكيل قوة عسكرية مُشتركة بين روسيا وبيلاروسيا، أرسلت موسكو 9000 جندي روسي، وسترسل كذلك “170 دبابة وحتى 200 آلية أخرى و100 قطعة أسلحة ومدافع هاون يزيد عيارها على مئة 100 ملم”. الوحدات الروسية ستُنشر في “أربعة مواقع تدريب في شرق ووسط بيلاروسيا”، حيث ستشارك في تدريبات تشمل “الرماية القتالية وإطلاق صواريخ مضادة للطائرات” فيما أكدت بيلاروسيا أن أهداف القوة العسكرية المٌشتركة دفاعية فقط. أما كييف فترى أنه بتشكيل هذه القوة المُشتركة فإن روسيا تعمل على جر بيلاروسيا بشكل مباشر للحرب.

وفي أسباب تشكيل القوة العسكرية المُشتركة مع روسيا، أوضح الرئيس البيلاروسي أن أوكرانيا تحاول جر بيلاروسيا إلى الصراع، واتهم كييف بالتخطيط لهجوم مثل الانفجارات التي ضربت “جسر كيرتش” الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم، والذي ألقت روسيا باللوم فيه على أوكرانيا. وألقى الزعيم البيلاروسي باللوم على الغرب لدفع كييف نحو الحرب مع بيلاروسيا، بينما أكد الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” أن لوكاشينكو يحاول خلق ذريعة لشن هجوم على بلاده.

في سياق آخر ، وبعد النجاحات الأخيرة التي حققتها القوات الأوكرانية والانسحاب من مدينة خيرسون الاستراتيجية في جنوب أوكرانيا، وهي إحدى المدن الأربع التي كان الرئيس “بوتين” قد أعلن انضمامهم إلى روسيا في وقت سابق؛ يسعى “بوتين” إلى إزعاج وتشتيت القوات الأوكرانية في المناطق الشمالية، حيث تؤشر التحركات العسكرية على رغبة روسيا في تعويض الخسائر التي مُنيت بها مؤخرًا بعد سلسلة الانتصارات العسكرية المتتالية التي حققتها أوكرانيا.

في السياق ذاته، أن تشكيل قوة هجومية روسية بيلاروسية على الحدود الشمالية لأوكرانيا سيكون بمثابة إزعاج كبير لكييف التي سيتعين عليها نقل قوات كبيرة إلى الشمال، وسوف تتكبد خسائر كبيرة في المناطق الأخرى، الأمر الذي يُعطي للقوات الروسية مساحة كافية للحركة.

دوافع كييف لتشييد الجدار العازل

تكمن دوافع كييف في تشييد جِدار عازل على حدودها مع جارتها الشمالية بيلاروسيا في عدد من الأمور منها:

● التحسب لخطر استئناف هجوم روسي ضد أوكرانيا على الجبهة الشمالية، وبالتالي تعمل على تحصين حدودها الشمالية مع بيلاروسيا.

● تتهم كييف بيلاروسيا بالضلوع مع روسيا في الهجمات الروسية التي تعرضت لها كييف منذ بدء العملية العسكرية الروسية نهاية فبراير الماضي، وبالتالي تعمل على قطع الطريق تحسبًا لأي هجمات روسية في المستقبل خاصة بعد توقيع روسيا وبيلاروسيا اتفاقية لتشكيل قوة عسكرية مُشتركة.

● حماية الشرايين اللوجيستية التي تزود أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية من الدول الغربية.

وحتى الوقت الراهن قامت أوكرانيا بتجهيز حوالي 3 كيلومترات من الحدود بالفعل، ومازال العمل مستمرًا، ويجري العمل في منطقتي “ريفني وجيتومير” المجاورتين لبيلاروسيا، مع استمرار عمليات البناء، وعدم الكشف عن أي تفاصيل أخرى. وفي السياق ذاته، بدأت بولندا ولاتفيا وليتوانيا أيضًا في بناء أسوار على طول حدودها مع بيلاروسيا، وهي مصممة في المقام الأول لمنع المهاجرين من الدخول غير القانوني إلى الاتحاد الأوروبي من بيلاروسيا وسط أزمة المهاجرين المستمرة التي تتهم “مينسك” بصنعها.

هل تنجر بيلاروسيا للحرب؟

إن احتمالية حدوث هجوم وشيك من قبل موسكو ومينسك على كييف من الجبهة البيلاروسية وانجرار بيلاروسيا للحرب تبدو أمرًا غير مُرجح بشكل كبير؛ وذلك بالنظر إلى عدة أسباب منها:

● على الرغم من الولاء الكبير الذي يكنه الرئيس “لوكاشينكو” للرئيس الروسي “بوتين”؛ لكن يبدو من غير المُرجح أن تنخرط “مينسك” بشكل مُباشر في الحرب الروسية الأوكرانية، ويبدو الأمر محفوفًا بالمخاطر. وعلى الرغم من تصريحات “لوكاشينكو” العدائية للغرب، فإنه من المرجح أن يقاوم الانجرار للحرب، بجانب أن اقتصاد بيلاروسيا “الهش”، وعدم رغبة المواطنين البيلاروسيين في الانضمام للصراع قد يُبرر دوافع مينسك وراء ذلك الأمر. ويتجنب “لوكاشينكو” أي مخاطر سياسية، لا سيًّما في ظل وجود مئات من المتطوعين من المعارضة البيلاروسية الذي يقاتلون إلى جانب أوكرانيا، ويسعون إلى إسقاط نظام “لوكاشينكو” الموالي لروسيا.

● التوازن العسكري الحالي قد يصب في صالح أوكرانيا؛ حيث تعمل كييف منذ بداية الأزمة على تأمين حدودها الشمالية، فضلًا عن عدم وجود عدد كافِ من القوات والمعدات العسكرية المُشتركة بين موسكو ومينسك، بما يسمح بشن هجوم اّخر على كييف.

● عدم استعداد قيادات وجنود الجيش البيلاروسي للتورط والمخاطرة بالمشاركة في أي عملية عسكرية إلى جانب القوات الروسية.

في الأخير، إن التحركات الروسية الأخيرة لنشر قواتها في بيلاروسيا، تُنبئ بتنامي طموحات موسكو ومساعيها الحثيثة لإحراز تقدم عسكري كبير، والتوسع تجاه الغرب في المرحلة المقبلة. 

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74213/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M