المؤلف: باقر سلمان النجار.
الناشر: دار الساقي.
تاريخ النشر: 2018.
عدد الصفحات: 506 صفحة.
لقراءة نص الورقة كاملًا الضغط على الرابط:
https://www.dohainstitute.org/ar/Lists/ACRPS-PDFDocumentLibrary/Omran28-2019-Mousa.pdf
بين أيدينا عمل نقدي يثير من الأسئلة أكثر مما يمنحنا من الأجوبة. وليس هذا عيبًا في الكتاب بحالٍ، بل ربما هي ميزته الأهم؛ ذلك أن حالة بلدان الخليج العربي، التي يتوسلها المؤلف باقر النجار في مسعاه للإجابة عن سؤال الحداثة العربية، يظللها تناقض ملموس. فبعد تأسيس الدولة المستقلة، وإثر حدوث طفرة في عوائد البترول، صارت حواضر الخليج تعيش حالة رفاه واضحة، وتطور تعكسه ثورة عمرانية ونشاط اقتصادي متسع. وعلى الرغم من هذا، لا مجال للقول إن الأوضاع الاجتماعية والسياسية قد جاوزت حالة التكلس والارتهان للماضي. وأمام تناقض كهذا، يصير عمل المؤلف أقرب إلى “سير على الأشواك”. وليس من مهمته أن يعيد ترتيب تناقضات العالم أو أن يجمله، لكن تحدوه دومًا غاية، هي غاية كل مثقف، متمثلة بطَرْق باب المعرفة، والولوج إليها من أبواب الاستفهام. فالمعرفة، فيما يعلمنا كارل بوبر، تظل ساحة لتساؤلات لا تنقطع.
وحين يجول القارئ بنظره في الكتاب، يلمح أسئلة أربعة تحكم فصوله السبعة عشر؛ أولها وأكثرها إثارة سؤالٌ عن طبيعة الدولة في الخليج، وثانيها ما يخص الآثار التي أحدثتها التحولات الاقتصادية في المجتمع الخليجي وأنماط معيشته وقيمه، وثالثها السؤال عن طبيعة المواطنة في المجتمع الخليجي، ومراوحتها بين التمايز والمساواة، أمّا آخر هذه الأسئلة، فهو متعلق بأزمة الثقافة والهوية.
يسعى الباب الأول لمعالجة مسألة الدولة، تحت عنوان لافت للنظر هو “بعض معضلات تحولات الدولة والمجتمع” (ص 33-86)، ويضم تفسيرًا مركبًا لطبيعة الدولة في الخليج؛ فيما يجمله النجار تحت مفهوم “الدولة التضامنية”، سوف نتطرق إليه لاحقًا في اشتباك نقدي أكثر تفصيلًا. أما السؤال الثاني، فجرت معالجته في الباب الثاني بعنوان “ولكم في العمالة الأجنبية حياة” (ص 87-172)، لكن سيجد القارئ نتفًا من الإجابة عنه موزعة في الأبواب: الثالث، والرابع، والخامس، وسيشمله أيضًا اشتباكنا النقدي؛ نظرًا إلى ارتباطه الوثيق بسؤال الدولة. وأما السؤال حول المواطنة، فبدا سؤالًا مركزيًا للكتاب، إذ يمتد على صفحات عديدة من هذا الكتاب، وإن بقي الفصل المتعلق بقضية المرأة (ص 173-228) الأكثر تعبيرًا عن تعقيدات هذا السؤال في إطار التحولات العميقة التي تعرفها المنطقة؛ فالنضال الهادف إلى تعزيز الوضعية المتساوية للمرأة الخليجية إنما يدل على المدى الذي ذهبت إليه التحولات عن الثقافة المحافظة. وأما تساؤلات الثقافة والهوية، فقد شغلت الأبواب الأربعة الأخيرة، بدءًا من الباب المتعلق بقضية بالتعليم (ص 229-278)، الذي يبين كيفية عمل التعليم والتوسع فيه؛ كرافعة إنماء في المجتمع الخليجي، ودوره في إعادة تشكيل العلاقات بين المجتمع والدولة، وثانيها الباب المتعلق بآثار العولمة في القيم، وفي التطور الاجتماعي والتحولات الاقتصادية (ص 279-326)، وثالثها الباب المعنون “الهوية والجماعة” الذي تطرق فيه المؤلف إلى قضايا الهوية السياسة والمواطنة، وإلى عديد صور التمييز الاجتماعي (ص 327-420)، وأخيرًا، ذلك الباب المعنون “الثقافة والمثقفون” الذي يتطرق، بعمق، إلى أبعاد سؤال الثقافة وعالم المثقفين في الخليج، وقد أورد فيه خلاصة رؤاه حول دور المثقف الخليجي عمومًا، ومأزق الليبراليين والإصلاحيين الخليجيين خصوصًا (ص 421–488).
وسيتبين للقارئ أثناء تعمقه في مسافة أبعد من الكتاب أنه لم يكتب كـ “مونوغراف”، ولم يُعَدَّ كأطروحة متكاملة تجيب عن سؤال الحداثة، وإنما تراكمت فصوله مع تراكم خبرة مؤلفه الذي أثرت كتاباته حول قضايا التنمية والمجتمع في الخليج المكتبة العربية منذ ثمانينيات القرن الماضي. ورغم ما قد يعيب هذا الكتاب من تفاوت في مصادره المعلوماتية من حيث زمنها (خصوصًا في بعض الأجزاء التي بدا أنها كُتبت قبل عقد أو أكثر، ولم يسعف الباحث تحديثها إلا جزئيًا)، فإن أجزاءه قد التحمت، لتشكل تسلسلًا حجاجيًا متينًا يأخذ بيد قارئه في مسار الإجابة عن سؤال الحداثة، بتعقيداته ومعضلاته الكثيرة.
رابط المصدر: