الحدود الدولية كأحد عوامل استقرار العلاقات الدولية:محور فيلادلفيا نموذجًا

يعتبر محور فيلادلفيا من الحدود الدولية والتي تعرف بأنها الخط القانوني الذي يعني نطاق الإقليم ويفصله عن نطاق إقليم دولة أخرى، وهي تعتبر عاملًا لكفالة احترام السلم والأمن الدوليين من خلال وظائف تتعلق بحقوق الدولة والدول المجاورة كالحماية والأمن.

محور فيلادلفيا هو شريط حدودي استراتيجي عازل بين غزة ومصر يبلغ طوله 14 كيلو مترًا، يفصل بين الأراضي الفلسطينية بقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ويطلق عليه اسم محور فيلادلفيا أو محور صلاح الدين، يمتد المحور من البحر المتوسط شمالًا إلى معبر “كرم أبو سالم” جنوبًا، بطول نحو 14 كيلو مترًا، كانت إسرائيل تسيطر على محور فيلادلفيا، حتى انسحبت من غزة وسلمته للسلطة الفلسطينية عام 2005 فيما عرف بخطة “فك الارتباط”، وبعد قرار فك الارتباط الذي اتخذته إسرائيل بخصوص سيطرتها على غزة، انتقلت إدارة المحور إلى الفلسطينيين والمصريين.

وفي العام نفسه وقع اتفاق جديد لتنظيم وجود القوات في منطقة المحور، وسمح بتنسيق أمني مصري إسرائيلي، تنشر مصر عددًا محدودًا من القوات على جانبها من المحور، لمنع عمليات التسلل والتهريب.

ووقّعت إسرائيل مع مصر بروتوكولًا سُمي “بروتوكول فيلادلفيا”، لا يلغي أو يعدل اتفاقية السلام، والتي تحد من الوجود العسكري للجانبين في تلك المنطقة، لكن البروتوكول سمح لمصر بنشر 750 جنديًا على امتداد الحدود مع غزة.

بعد عامين سيطرت حركة حماس على هذا الممر الشائك الذي لا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، وذلك بعد سيطرتها على القطاع ومع تضييق الخناق الإسرائيلي على غزة، أحكمت مصر قبضتها الأمنية على هذا الشريط الحدودي.

يعد استقرار الحدود الدولية من عوامل استقرار العلاقات الدولية ويجعل أي خرق بالوجود على حدود دولة أخرى عدوانًا يدينه المجتمع الدولي ويخالف قواعد القانون الدولي.

بالرجوع لمعاهدة السلام بين جمهورية مصر العربية وإسرائيل عام 1979؛ حيث تنص المادة الثالثة على:

 -1  يطبق الطرفان فيما بينهما أحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول في وقت السلم وبصفة خاصة:

 أ) يقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي.

ب) يقر الطرفان ويحترم كل منهما حق الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنة والمعترف بها.

جـ) يتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها، أحدهما ضد الآخر، على نحو مباشر أو غير مباشر وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية.

2- يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب، أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة على أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر.

كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم، أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان.

وبتحليل ما سبق يمكننا القول إن ما تقوم به إسرائيل يقع داخل العمق الفلسطيني؛ حيث إن محور فيلادلفيا يقع داخل حدود دولة فلسطين ولا يمكن أن يكون بمثابة خرق لمعاهدة السلام؛ حيث إن خرقها يكون بمخالفة بنودها ومع الاستمرارية في ذلك، ولكن ما تقوم به قوات الاحتلال من تأكيدها على رغبتها في الوجود بمحور فيلادلفيا يعد من قبيل إظهار القوى وهو ما يقابل بالرفض القاطع من الدولة المصرية، ولا بد من إيضاح أن وجود قوات الاحتلال نفسه في محور فيلادلفيا هو وجود غير قانوني كونها قوات احتلال توجد على إقليم دولة متحلة، وكونها تعلم أن وجودها في تلك المنطقة بصفة مستمرة ومنتظمة يعد مواجهة صريحة مع الدولة المصرية
وخرقًا للمادة (1/ج) من معاهدة السلام؛ حيث إن وجود قوات الاحتلال في محور فيلادلفيا بصفة مستمرة يعد من قبيل التهديد غير المباشر.
فضلًا عن أن السماح بالسيطرة الأمنية الإسرائيلية يزيد من إحكام الحصار على القطاع، وهو ما يمثل ضغطًا لـتحييد الدور المصري في دعم الفلسطينيين وفي التصدي للمخططات الإسرائيلية المتعلقة بمستقبل قطاع غزة بعد الحرب وهو ما ترفضه مصر، وتسعى لكسره دعمًا لصمود الفلسطينيين على أراضيهم.

كذلك سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا، يتطلب توقيع بروتوكول مماثل للذي تم إقراره عام 2005 بعد انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة وهو ما سترفضه الدولة المصرية شكلًا وموضوعًا.

إلا أن ذلك لا يعفي إسرائيل من المسئولية الدولية، حيث إن الاستيلاء على المحور يهدف على وجه التحديد إلى دفع الفلسطينيين تحت ضغط المعارك بالنزوح إلى سيناء، وهذا هو أصل المشكلة؛ حيث يريد الجانب الإسرائيلي تنفيذ تهجير قسري جماعي للفلسطينين بقطاع غزة من خلال إجبارهم على النزوح إلى الحدود المصرية وعبور هذه الحدود إلى سيناء وهو ما يعد جريمة دولية فإعادة احتلال محور فيلادلفيا يؤدي فعليًا إلى قطع الاتصال البري الوحيد بين قطاع غزة ومصر، فتلك السيطرة سينتج عنها السيطرة على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، وهو المعبر الحدودي الوحيد الذي يربط قطاع غزة بالعالم العربي.

وما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من احتلالها لمحور فيلادلفيا ذات السيادة الفلسطينية يعتبر جريمة عدوان تُضم لسلسلة الجرائم الدولية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين فهي جريمة في حق المجتمع الدولي ككل بغض النظر عن كونه اعتداءً يمس سيادة الدولة الفلسطينية بذاتها وذلك لما يشكله من تهديد للسلم والأمن الدوليين، فالقانون الدولي يحظر على أي دولة احتلال أراضي دولة أخرى أو المساس بسلامتها وهو مبدأ قانوني دولي مقدم على أي مبدأ أو التزام دولي آخر وهو ما تنتهكه دولة الاحتلال جملة وموضوعًا مع سبق الإصرار.

كذلك سيطرة إسرائيل على فيلادلفيا سيكون بمثابة السجن المفتوح في غزة، وهو ما سيدفع سكان القطاع للهجرة خارجه في نهاية المطاف وهو ما ترفضه الدولة المصرية ويعتبر تهديدًا لأمنها القومي.

وهو ما يؤكد أن وجود قوات الاحتلال بهذه المنطقة قد يشكل تهديدًا لأمن مصر القومي ولمصالحها الأمنية، وهو ما يسمح للدولة المصرية بالرد بكافة السبل التي تراها، وهو ما تدركه الدولة المصرية وتعمل جاهدة على عدم سيطرة الكيان المحتل لهذا المحور، وبالرغم من أهمية هذا المحور للكيان المحتل فإنه تجاوز للخطوط الحمراء، وتطور خطير قد يدفع إلى التهاب الموقف بين الدولة المصرية وإسرائيل.

ففي حين تطالب إسرائيل بالسيطرة الجزئية على الأقل على المحور وتصر حماس على الانسحاب الكامل، فلا عجب أن يصبح محور فيلادلفيا نقطة خلاف في الطريق إلى الصفقة. فعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية، صرح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مرارًا وتكرارًا بأن الوجود على طريق فيلادلفيا وعلى معبر الحدود إلى مصر ضروري للاستمرار. وقال: “من الواضح أن أي ترتيب آخر لن يضمن نزع السلاح الذي نريده”.

فدائما تخترق دولة الاحتلال الاسرائيلي كافة القوانين الدولية تحت غطاء حالة الضرورة ونؤكد أن حالة الضرورة لا تتفق مع ما تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي من انتهاكات.

ولإعمال حالة الضرورة لا بد من توفر عدة شروط مجتمعة سواء بالنسبة للخطر الحال أو بالنسبة لحالة الضرورة نفسها فلا بد أن يكون الخطر موجودًا وحالًا؛ أي أن يكون الخطر موجودًا ويهدد الشخص حقه في الحياة أو يهدد سلامة جسده وحريته،
وأن يكون الخطر جسيمًا، فالخطر الجسيم هو الخطر الذي لا يمكن تداركه ولا يدرك الضرر الناشئ عنه.

وأخيرًا أن يكون الخطر الجسيم غير ناشئ عن فعل الفاعل نفسه، فإذا كان الخطر صادرًا عنه فليس له أن يحتج بحالة الضرورة.

كذلك لا تتناسب الانتهاكات الإسرائيلية واجتياحها لمحور فيلادلفيا مع الفعل نفسه، فإسرائيل دولة احتلال في الأصل أي كل ما تقوم به يعد مخالفًا لقواعد القانون الدولي.
فالضرورة الحربية ليست مبررًا لمخالفة القانون الدولي أو مبررًا لاستخدام الأسلحة الفتاكة أو احتلال المحاور الحدودية.

فالقانون الدولي لا يعترف بأي ضرورة تبرر الأعمال العدوانية غير المشروعة فالدفع بذلك المبرر فيما ترتكبه إسرائيل في زمن السلم أو الحرب أمر غير مشروع فضلًا عن كونه أصبح أمرًا غير مقبول.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M